ایران و حرکة عدم الانحیاز | ||
ایران و حرکة عدم الانحیاز بعد انتصار الثورة الاسلامیة فی ایران بقیادة الامام الخمینی عام 1979 شهدت السیاسة الخارجیة الایرانیة انعطافة کبیرة تمثلت بولادة استراتیجیات و مبادئ وثوابت جدیدة فی التعامل مع قضایا العالم ، و من ابرزها الاستقلال و عدم التبعیة انطلاقا من الشعار الذی رافق الثورة الاسلامیة منذ انطلاقها و هو ( لا شرقیة لا غربیة .. جمهوریة اسلامیة ). هذا الرفض للتکتلات والاحلاف الشرقیة والغربیة القائمة على أهداف ومصالح غیر مشروعة دفع ایران بعد انتصار الثورة الى قطع ارتباطها بالمعسکر الغربی ، لکن هذا الموقف لم یدفعها للارتماء باحضان المعسکر الشرقی المتمثل فی ذلک الوقت بالاتحاد السوفیتی والکتلة الشرقیة ، فایران الاسلامیة لا ترى هذا التکتل اقل سوءا من نظیره الغربی وبالتالی اتجهت نحو الانضمام الى حرکة عدم الانحیاز باعتبارها تضم اکثر من نصف دول العالم النامیة والمستضعفة من قارات اسیا وافریقیا وامریکا الجنوبیة . و من هنا فقد بادرت ایران الى الانضمام الى هذه الحرکة فی اکتوبر – تشرین الاول من عام 1979 أی بعد سبعة أشهر فقط من انتصار الثورة الاسلامیة ، على اعتبار ان مبادئ واهداف حرکة عدم الانحیاز هی الاقرب من التکتلات الاخرى لسیاسة ایران المبتنیة على مبدأ لا شرقیة ولا غربیة ، وحلت ایران فی ذلک الوقت بالمرتبة الثامنة والثمانین فی تسلسل الدول المنضویة تحت لواء عدم الانحیاز ، بینما یبلغ عدد هذه الدول حالیا 120 دولة اضافة الى اکثر من 20 منظمة دولیة ونحو 20 دولة اخرى بصفة مراقب. ولم یکن انضمام ایران الى حرکة عدم الانحیاز مکسبا للجمهوریة الاسلامیة وحدها باعتباره فتح الفرصة لایران للعب دور فی المعادلات الدولیة ، بل ان هذا الانضمام منح الحرکة مکسبا اکبر نابعا من مکانة ایران وموقعها الاستراتیجی والجیوبولوتیکی وهذا ما یعزز مواقف عدم الانحیاز أمام الکتل الاخرى . لقد رکزت الأهداف الأساسیة لدول حرکة عدم الانحیاز، على تأیید حق تقریر المصیر، والاستقلال الوطنی، والسیادة، والسلامة الإقلیمیة للدول؛ ومعارضة الفصل العنصری، وعدم الانتماء للأحلاف العسکریة المتعددة الأطراف، وابتعاد دول حرکة عدم الانحیاز عن التکتلات والصراعات بین الدول الکبرى، والکفاح ضد الاستعمار بکافة أشکاله وصوره، والکفاح ضد الاستعمار الجدید، والعنصریة، والاحتلال والسیطرة الأجنبیة، ونزع السلاح، وعدم التدخل فی الشؤون الداخلیة للدول، والتعایش بین جمیع الدول، ورفض استخدام القوة أو التهدید باستخدامها فی العلاقات الدولیة، وتدعیم الأمم المتحدة، وإضفاء الطابع الدیمقراطی على العلاقات الدولیة، والتنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة، وإعادة هیکلة النظام الاقتصادی العالمی، فضلا عن التعاون الدولی على قدم المساواة. وأثناء السنوات التی تجاوزت الخمسین من عمر حرکة عدم الانحیاز، استطاعت الحرکة أن تضم عددا متزایدا من الدول وحرکات التحریر التی قبلت- على الرغم من تنوعها الأیدیولوجی، والسیاسی، والاقتصادی، والاجتماعی، والثقافی- المبادئ التی قامت علیها الحرکة وأهدافها الأساسیة، وأبدْت استعدادها من أجل تحقیق تلک المبادئ والأهداف. و نظرا لان هذه المبادئ والاهداف تتقاطع مع مصالح دول الاستکبار والهیمنة فقد عملت هذه الدول على عرقلة مسیرة حرکة عدم الانحیاز واستخدمت جمیع الاسالیب لمنع تنفیذ القرارات التی اتخذتها الحرکة فی مؤتمراتها الخمسة عشر ، ونجحت الدول الاستکباریة بشکل ملحوظ فی هذا الهدف نظرا لافتقاد مجموعة عدم الانحیاز لأسس ملزمة للعضویة وافتقاد البرامج والآلیات والمخططات اللازمة والملزمة ، ومن هنا فقد کانت ولاءات بعض الدول الاعضاء تمیل الى الغرب اکثر من ولائها لعدم الانحیاز ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانیة عمدت القوى الکبرى بزعامة الولایات المتحدة الى محاربة الدول المستقلة الفاعلة فی حرکة عدم الانحیاز ومارست ضدها مختلف الضغوط لاضعاف دورها فی قیادة الحرکة نحو الاهداف السامیة التی وضعتها . وبالتالی فان امام ایران التی ستقود مجموعة عدم الانحیاز على مدى السنوات الثلاث القادمة ، تحدیات کبیرة ومهام خطیرة فی اطار اعادة الدور المطلوب لدول عدم الانحیاز فی مواجهة السیاسات الامریکیة والغربیة التی تقود العالم نحو التمزق والتشرذم فی ظل الجنون الغربی فی التسلط والهیمنة ونهب ثروات الشعوب . ویرى المراقبون ان ایران جدیرة بقیادة الحرکة بنجاح بعد نجاحها الکاسح فی مواجهة العزلة التی حاول الغرب ان یفرضها علیها اقلیمیا ودولیا ، فهی تجاوزت الحظر الاقتصادی والتجاری ونجحت بالاعتماد على قدراتها الذاتیة فی تحقیق قفزة نوعیة على صعید النمو الاقتصادی والعلمی کما بنت شبکة من العلاقات الدولیة استطاعت من خلالها کسب روسیا والصین الى جانبها ، ونجحت ایضا فی جذب مجموعة ( 5 + 1) الخاصة بمناقشة برنامجها النووی إلی جولة محادثات جدیدة فی العراق الذی یتولی قیادة الجامعة العربیة فی دورتها الحالیة ، ومن هنا فإن تولی إیران رئاسة حرکة عدم الانحیاز یعتبر بمثابة مکسب وحافز لها على أن تبذل المزید من الجهود فى المحافل الإقلیمیة والدولیة لتثبت أن محاولات عزلتها لم ولن تنجح ، وأنها قادرة علی لعب دور کبیر علی المستوی الدولی والتأثیر فی القضایا الدولیة ، کما سیجعلها تتحدث فی کل المحافل الدولیة باسم 120 دولة أعضاء حرکة عدم الانحیاز ، وستکون الجمعیة العامة للأمم المتحدة ووکالاتها المتخصصة على رأس هذه المحافل التى ستحظى باهتمام خاص من إیران للدفاع عن المصالح الاقتصادیة والتجاریة والاستثماریة ونقل التکنولوجیا لدول عدم الانحیاز. ان إیران ستعمل على إعادة تحریر حرکة عدم الانحیاز من الهیمنة الأمریکیة والغربیة علی کثیر من دولها ، وتعبئتها مجددا لتحقیق أهدافها التی رسمها المؤتمر التأسیسی الذی عقد فی باندونغ عام 1955 ، بعیدا عن أی هیمنة من القوی الکبری ، وهذا الدور لن یکون تحقیقه بالأمر الیسیر خاصة بعد التوغل الصهیونی فی کثیر من الأنظمة الحاکمة لدول الحرکة . کما ستثبت إیران للعالم من خلال قیادتها لحرکة عدم الانحیاز أنها جدیرة بالقیادة ولعب دور إقلیمی ودولی فاعل ، وأن عزلتها لیس فی صالح المجتمع الدولی ، بل علی العکس فإن دورها مطلوب وبقوة نظرا لتداخل وتشابک علاقاتها بکثیر من دول المنطقة ، وأنها جزء أساسی من الحل لکثیر من القضایا الاقلیمیة والدولیة ، وإقصائها أو عزلتها لن یکون فی صالح دول المنطقة . ومن الطبیعی ان تکون الولایات المتحدة وحلفائها خاصة الکیان الصهیونی منزعجون من النجاحات التی حققتها وتحققها ایران على جمیع الاصعدة خاصة ترؤسها لمجموعة عدم الانحیاز ومن هنا شحذت الامبریالیة الخبریة اقلامها وشاشاتها للهجوم على ایران والعزف على اسطوانتها المشروخة بشأن البرنامج النووی الایرانی السلمی بل راحت صحیفة "واشنطن بوست" الأمریکیة تدعو الأمین العام للأمم المتحدة بان کی مون صراحة إلى الامتناع عن حضور القمة ال16 لدول حرکة عدم الانحیاز فی طهران ، لماذا لان الواشنطن بوست ترى ( أن إیران تعتزم جعل هذه القمة مهرجانا تعلن من خلاله المقاومة ضد الولایات المتحدة والأمم المتحدة وإسرائیل فضلا عن خطط واضحة لدیها تهدف إلى تطویع واستخدام تلک القمة فی الدفاع عن أحقیتها فی تخصیب الیورانیوم لأغراض سلمیة کما یعلن العدید من المسئولین الإیرانیین بین الحین والأخر ) . | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,120 |
||