الاسلام و کرامة الانسان الانسان فی رأی الاسلام خلیفة الله على الأرض، عالم بالأسماء کلها، مسجود له من جمیع ملائکة الله : | ||
بمناسبة ذکرى إخفاء الامام موسى الصدر
الاسلام و کرامة الانسان الانسان فی رأی الاسلام خلیفة الله على الأرض، عالم بالأسماء کلها، مسجود له من جمیع ملائکة الله : ((وَإِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلَائِکَةِ إِنِّی جَاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ قَالَ إِنِّی أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ. وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِکَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِی بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ. قَالُوا سُبْحَانَکَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّکَ أَنْتَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ. قَالَ یَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَکُمْ إِنِّی أَعْلَمُ غَیْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ. وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا)).(الآیات من 28 الى 32 من سورة البقرة).
ومفهوم الخلیفة، یوضح تمام الوضوح، استقلال البشر وحریته فی التصرف على الأرض. أما السبل المرسومة له والخطوط المکتوبة علیه، فهی النصائح التی قررها الله لخلیفته الانسان. وتعلیم الأسماء لآدم، الأسماء التی یعود الیها ضمیر ((هم)) المختص بذوی العقول، وتأکید الله لملائکته بعد اعترافهم بالعجز انه یعلم غیب السماوات والأرض.التعلیم هذا والتأکید، یعکسان فی الذهن امکانیات الانسان الهائلة، وتمکنه من معرفة جمیع الموجودات والقوى المتفاعلة فی دائرة خلافته، والتی جعلت تحت تصرفه فی حیاته الرسالیة. وسجود الملائکة، وهم نخبة الموجودات، تأکید صریح لخضوع کافة الموجودات للانسان واطاعتها له، وهذا المعنى یبدو بوضوح أکثر فیما بعد. فالاستقلال بالتصرف، والامکانات الکبیرة، وخضوع عامة الموجودات، صفات ثلاث نفهمها من الآیات المذکورة، فی عبارات هی أقصى حدود التکریم. وأعتقد أن شعور الملائکة باستقلال البشر فی التصرف على الأرض، ومعرفتهم أن هذا الاستقلال لا یتم الا اذا کان البشر یملکون الاحساس بالشرور ویتمکن منهم، هذا الشعور، هو الذی یجعل الملائکة یقولون ان الانسان سوف یفسد فی الأرض ویسفک الدماء. ومع ذلک نرى أن هذا الخطر لا یقلل من مقام الانسان وکرامته بل یبرزه کشرط أساسی لاستقلال الانسان وحریته فی التصرف. وابلیس فی رأی القرآن هو الوحید الذی أبى السجود لآدم، واستکبر علیه، فکان نصیبه الطرد من مقام ملکوت الله، وجزاؤه العذاب یوم البعث: ((فَسَجَدَ الْمَلَائِکَةُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِیسَ اسْتَکْبَرَ وَکَانَ مِنَ الْکَافِرِینَ. قَالَ یَا إِبْلِیسُ مَا مَنَعَکَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِیَدَیَّ أَسْتَکْبَرْتَ أَمْ کُنْتَ مِنَ الْعَالِینَ. قَالَ أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ. قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّکَ رَجِیمٌ. وَإِنَّ عَلَیْکَ لَعْنَتِی إِلَىٰ یَوْمِ الدِّینِ. قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلَىٰ یَوْمِ یُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ. إِلَىٰ یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ. قَالَ فَبِعِزَّتِکَ لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ. إِلَّا عِبَادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ. قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَمِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ)). (الآیات من 73 الى 85 من سورة ص). وابلیس هذا، الذی أصبح شیطانا رجیما بعد امتناعه عن السجود لآدم، یقود جنود الشر فی حیاة الانسان، ویجعل الصراع محتدما فی العالم کله، وفی نفس الانسان. والمنتصرون فی المعرکة، المخلصون من عباد الله، هم ثمار الکون الذی من أجلهم خلق، وأصبح میدانا لخلافتهم. والانسان صنع على ید الله وفیه روح الله: ((وإِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلَائِکَةِ إِنِّی خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِینٍ. فَإِذَا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِینَ... قَالَ یَا إِبْلِیسُ مَا مَنَعَکَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِیَدَیَّ)) (الآیات: 71 – 72 – 75 من سورة ص). فخلق الانسان من جنس الأرض على ید الله، والنفخ فیه من روح الله، صورة واضحة عن الجوانب الوجودیة الشاملة فی الانسان، والتی تمتد من الأرض الى السماء، وهذا تعبیر قوی أیضا للکرامة التی یتمتع بها الانسان. وقد اعتبر الله الانسان ذروة فی الخلق، وقمة فی الصنع: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِی أَحْسَنِ تَقْوِیمٍ. ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِینَ. إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَیْرُ مَمْنُونٍ ). (الآیات 4 – 5 – 6 سورة التین). ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِینٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِی قَرَارٍ مَکِینٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَکَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِینَ)). (الآیات 12 الى 14 من سورة المؤمنون). جعل الله للانسان بین الموجودات کلها، میزة کبیرة تمکنه أن یتخلق بأخلاق الله، ولهذا خلقه حراً یتمکن من العلم والمعرفة. ویحاول الاسلام فی مواضیع عدیدة فی الکتاب والسنة التنبیه على هذه النقاط، لیرفع معنویات الانسان ویشعره بمقامه المکرم، وبتفضیله على الکثیر من الخلق (سبق ذکر بعض الآیات). ((تخلقوا بأخلاق الله))(حدیث شریف). ((وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلًا)). (الآیة 72 من سورة الاسراء). ثم یعلن القرآن الکریم، بأن ما فی الأرض وما حولها خلق للانسان ومسخر له: ((خلق لکم ما فی الأرض جمیعا)). و((سَخَّرَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِی ذَٰلِکَ لَآیَاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ. وَمَا ذَرَأَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِی ذَٰلِکَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَذَّکَّرُونَ)). (الآیة 12 من سورة النحل). التعالیم الاسلامیة تؤکد أن الله قریب جدا للانسان. وهو أقرب الیه من أی شیء، فعلى الانسان أن یشعر بهذا القرب ویقبل على الله لکی یجد قوته واعتزازه: ( ولقد خلقنا الانسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب الیه من حبل الورید ) ( الآیة 15 ، سورة ق ) . ((وَإِذَا سَأَلَکَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌ أُجِیبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْیَسْتَجِیبُوا لِی وَلْیُؤْمِنُوا بِی لَعَلَّهُمْ یَرْشُدُونَ)). (183 سورة البقرة). ((یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اسْتَجِیبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاکُمْ لِمَا یُحْیِیکُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَحُولُ بَیْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ)). (24 سورة الأنفال). (قلب المؤمن عرش الرحمن) حدیث شریف. والتأکید على قرب الله من الانسان یرفع کثیرا من معنویاته، ویسمو به عن الخوف والقلق والحزن. ویبعد عنه الکثیر من الرذائل الخلقیة التی تنتج عن الضعف والخوف والطمع، کالکذب، والنفاق والحرص. ثم ان القرب لله یسهل الاکتساب منه والتخلق بأخلاقه. وقد جعل الانسان فی الآیات القرآنیة عدل الکون بأجمعه، فی الدلالة على خالق العالم وعظمته ومعرفته، فاعتبر وحده عدیل الآفاق. والحدیث الشریف یجعل منه العالم الأکبر: ((سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الْآفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ))(الآیة 53 ،سورة فصلت). أتزعم أنک جرم صغیر وفیک انطوى العالم الأکبر وأنت الکتاب المبین الذی بأحرفه یظهر المضمر. والآمانة التی عجز الکون کله عن حملها، تمکن الانسان منها: ((إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ کَانَ ظَلُومًا جَهُولًا. لِیُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِینَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِکِینَ وَالْمُشْرِکَاتِ وَیَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَکَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِیمًا)). ( الآیات 72 – 73 ،سورة الأحزاب). ومهما کان تفسیر الآمانة، دینا أو معرفة أو ولایة أو شرف مسؤولیة، مهما کان ذلک، فاختصاص حملها بالانسان تکریم له واشادة بمقامه العظیم. وأخیرا فمقام النبوة مقام الرسالة الالهیة، مقام الخلة، مقام التکلم مع الله، مقام الاصطفاء، مقام المحبة مع الله، مقام کلمة الله، مقامات خصصت بالعنصر البشری وهی أشرف ما یصل الیه مخلوق على الاطلاق: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ إِذْ بَعَثَ فِیهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ)). (الآیة 3 ، سورة آل عمران). ((وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَکًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَیْهِمْ مَا یَلْبِسُونَ)). (الآیة 9 ، سورة الانعام). وکثیر غیرها من الآیات القرآنیة الدالة على اصطفاء الله لرسله وعلى ما ذکرنا من الوصف. ثم یدخل الاسلام فی تفاصیل وجود الانسان، ویعتمد فی تشریع أحکامه وسن قوانینه على قاعدة تکریم الانسان، ویعتبر هذا المبدأ هدفا رئیسیا من أهداف الدین ومن غایات الرسالة. وهذه نبذة من تلک التعالیم:
أ – فطرة الله الدین بصورة موجزة، فطرة الله التی فطر الناس علیها. والدین تعبیر صحیح عن هذه الفطرة وابراز لها ابرازا غیر متأثر بالعوامل المختلفة الخارجة عن طبیعة الانسان: ((فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لَا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَٰکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لَا یَعْلَمُونَ)) (29 ،سورة الروم). والحدیث الشریف الوارد فی تفسیر الآیة الکریمة: (ان کل مولود یولد على الفطرة). فالدین بموجب هذه التعالیم، هو فطرة الانسان. ولکن الانسان نفسه لا یتمکن أن یعبر عنها، لأنه یتأثر بالعوامل التی تحیط به وینفعل بها، فشعوره بنفسه وتعبیره عن فطرته یکسب لونا خاصا.فالصحیح أن یعبر عن هذه الفطرة الانسانیة مقام آخر لا یتأثر بالعوامل الخارجة عن الانسان. مقام هو فوق کل عامل وخالق کل مؤثر. مقام الله، الذی شرع الدین واعتبر الفطرة الانسانیة المخلوقة شریعته ورسالته.
ب – حفظ النفس والآخرین احترم الاسلام حیاة الانسان و اعتبر من أحیاها کأنه أحیى الناس جمیعاً، ومن قتلها متعمدا کأنه قتل الناس جمیعا وجزاؤه جهنم: ((مِنْ أَجْلِ ذَٰلِکَ کَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِی إِسْرَائِیلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعًا )). (35 ،سورة المائدة). ویشمل قتل النفس حسب التعالیم الاسلامیة، قتل الجنین. ولم یسمح الاسلام بأن یتصرف الانسان بنفسه بالانتحار، اعتبارا منه بأن حیاته ملک له. وحرم هذا تحریماً قاطعاً فقال تعالى: ((ولا تقتلوا أنفسکم ان الله کان بکم رحیما)). و جعل فی قتل الخطأ دیة لولی الدم. وقد أصبح الیوم قانونا عاما، مع العلم انه من التشریعات الاسلامیة. ویبالغ الاسلام، فی وجوب حفظ نفس الآخرین، ویهدد الذین یهملون شؤون فقرائهم وأیتامهم، بحیث یودی الى موت أحدهم فقرا وعجزا: ((وَأَنْفِقُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَى التَّهْلُکَةِ)). (البقرة ، الآیة195). ((وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَیْرٍ یُوَفَّ إِلَیْکُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)). (البقرة، الآیة 272). ((فلیخش الذین لو ترکوا من بعدهم ذریة ضعافا خافوا علیهم ولیتقوا الله ولیقولوا قولا سدیدا)). (قرآن کریم).
ج – التحرر الجوهری ونزه الاسلام مقام الانسان، فحرم علیه عبادة الأصنام، وعبادة البشر وعبادة کل شخص أو شیء، واعتبر الانسان أرفع من أن یعبد غیر الله، ویخضع أمام محدود مثله. وفی کثیر من التعالیم نجد تحذیرا ومنعا من طلب الحاجة من غیر الله.
د – قدسیة الکلمة و وردت تعالیم کثیرة تعتمد على تکریم ما یتلفظ به الانسان باعتباره جزء منه، ولذا أوجب صیانة القول. وجعل تسدیده مفتاحا لجلب کل خیر ولدفع کل شر. ((یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِیدًا. یُصْلِحْ لَکُمْ أَعْمَالَکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ)). (الآیة 70 ، سورة الاحزاب). وقد فسر تسدید القول فی مواضع شتى من التعالیم انها منع عن : الکذب والاغتیاب والتهمة والنمیمة والبذاءة والفحش واللهو وحتى اللغو فی القول. أما الشهادة فقد اعطیت عنایة خاصة فی الاسلام ، فقد وجب تحملها أو اداؤها، وبها تثبت الدعاوى وتستقر الحقوق وتتحقق العقوبات، ولکنها لا تقبل الا من الانسان العدل. واعتبرت شهادة الزور من المعاصی الکبیرة ویستحق مؤدیها عقوبة کبرى فی بعض الأمور الجزائیة. والعهد وهو الالتزام اللفظی، محترم فی الاسلام: (( ان العهد کان عنه مسؤولا)). والالتزامات اللفظیة المتبادلة التی یعبر عنها بالعقود، أوجب الوفاء بها، ونهى عن التخلف عنها: ((یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)). ( قرآن کریم) ((وَکَیْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُکُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْکُمْ مِیثَاقًا غَلِیظًا)). ( قرآن کریم ) وحتى الوعد اللفظی یعتبر محترما. وقد عبر عنه الحدیث الشریف (عدة المؤمن دینه). والالتزامات اللفظیة التی تدخل ضمن العقود، تصبح واجبة الوفاء ویعبر عنها بالشروط. (المسلمون عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالاً أو أحل حراما).(حدیث شریف). والشروط هذه تعتبر وسیلة کافیة لجعل العقود والمعاملات، تنطبق على الحاجات المختلفة، وتؤدی المتطلبات المتزایدة من الالتزامات. واللفظ یحترم فی الاسلام الى حد جعل سبیلا للدخول فی الدین، فکیفی الادلاء بالشهادة لله بالوحدانیة، ولمحمد بالرسالة، لیتحقق الانتماء الى الاسلام، وقد نهى عن التنکر لمثل هذا الاعتراف: ((وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَیْکُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا)). (الآیة 94 ، سورة النساء) وقد جعل للکتابة ما للفظ فی أکثر الأحیان، وأعتقد أن التأکید الشدید الصادر عن الاسلام، حول محاسبة الانسان على کل کلمة یتلفظ بها وان الله یسجلها بواسطة کرام کاتبین، هذا التأکید أیضا نوع من الصیانة والتکریم. فالألفاظ الصادرة عن المکرمین هی التی یعتنى بها دون سواها. فالاهتمام بتسجیل کلمات الانسان معناه الاهتمام بأمره والاعتراف بتکریمه: ((مَا یَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَیْهِ رَقِیبٌ عَتِیدٌ)).(قرآن کریم). ((وَإِنَّ عَلَیْکُمْ لَحَافِظِینَ. کِرَامًا کَاتِبِینَ. یَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)). ( الآیتان 10و11 ، سورة التکویر).
هـ - السعادة والعمل أما عمل الانسان، فقد أعطی له فی تعالیم الاسلام بصورة صریحة جوانب بالغة من الاهتمام والتکریم.ففی حقل السعادة والشقاء الحقیقیین الشخصیین، یتنکر الاسلام لکل عامل خارجی، ویجعل السبیل الوحید الیهما العمل فقط. ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَکَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)). (سورة الشمس ، الآیة 7). ((کُلُّ نَفْسٍ بِمَا کَسَبَتْ رَهِینَةٌ)). (سورة المدثر، 38). وقد صرح القرآن الکریم بأن الفکرة التی کانت موجودة عند بعض الأمم بأنهم أبناء الله وأحباؤه، وکانت السبب الرئیسی فی تقسیم المجتمعات، صرح بخطأ هذه الفکرة، وانها تتنافى مع التوحید الحقیقی، ولا تغنی عن عمل الانسان: ((قُلْ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّکُمْ أَوْلِیَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ. وَلَا یَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ وَاللَّهُ عَلِیمٌ بِالظَّالِمِینَ)). الآیتان 6 – 7 ،سورة الجمعة). وقد بلغ النبی محمد جدیة المبدأ هذا نهایته، حینما قال مخاطبا بنته فاطمة: (یا فاطمة اعملی لنفسک فانی لا أغنی عنک من الله شیئا). وفی حقل تکوین المجتمعات وصورها وتنظیماتها ومستویاتها ومشاکلها، یحمل الاسلام جمیع هذه المسؤولیات على عاتق الانسان فقط. فهو الذی یخلق المجتمعات، وعمله هو الذی یرسم الخطط، ویحدد المسؤولیات، ویسبب المشاکل والصعوبات: ((ان اللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)). (الرعد ، 11). ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا کَسَبَتْ أَیْدِی النَّاسِ لِیُذِیقَهُمْ بَعْضَ الَّذِی عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ)). (الروم ،41). (کیفما تکونوا یولى علیکم) حدیث شریف. فعمل الانسان هو القوة الوحیدة لتکوین التاریخ ولتحریکه وتطویره دون سواه، فلا دخل للعوامل الخارجة عن سعی الانسان فی تکوین المجتمعات وتحدید معالمها، کائناً ما کان، بل الانسان بعمله عن معرفة، أو عن جهل، أو عن اهمال، یختار طریقا، ویفضل خطا، ویکون الأمر کما اختار هو لمجتمعه. وتطور التاریخ أیضا، أو بالاصطلاح جبر التاریخ، لیس الا تفاعلا بین الانسان والکون، فالانسان یحاول حسب رغبته وحاجته، أن یطلع على العالم الذی یعیش فیه، فیقرأ منه سطرا، فتؤثر هذه القراءة على حیاته، وترفع وعیه، وتطور معیشته، وتغیر معالم بیئته. ثم یقرأ سطرا ثانیا وهکذا.فالبطل الوحید على مسرح التاریخ هو الانسان، یکوّنه ویطوره ویحرکه، فیتطور هو ویتحرک ویتفاعل هکذا باستمرار. فعمل الانسان هو صانع هذه الأحداث کلها لیس الا، فهل تجدون فوق هذا المقام تکریما.
الانسان وتکوین المجتمع ویتابع الاسلام مساعیه لتکریم الانسان وصیانته أمام الانحطاط والانحراف. فیقترح ایجاد مجتمع انسانی یتناسب مع واقع الانسان ویعترف بجمیع جوانب وجوده ویهیء الجو الملایم لنمو مواهبه وتربیة کفاءاته.هذه الملاحظة تبدو ضروریة اذا لاحظنا تأثر الانسان بمجتمعه وانفعالاته الواضحة فی أعماله وأخلاقه وایمانه بالبیئة التی یعیش فیها. وحیث ان الهدف من تکون هذا المجتمع هو الانسان والعنصر الأساس لایجاده هو الانسان أیضا. فلهذا یجب النظر الى واقع الانسان والتخطیط على ضوء هذا الواقع. والحقیقة ان المجتمع الذی یقترحه الاسلام هو المجتمع الذی یعترف بوجود الفرد بجمیع جوانبه الشخصیة والاجتماعیة. ولتوضیح ذلک نلفت نظر القاریء الکریم الى ما ورد فی بدایة البحث من وجود فطرة الخیر فی الانسان ونزعة الشر فیه والصراع النفسی الذی یشکل الحریة والاستقلال فی الانسان. ثم نقول ان ما یصدر عن الانسان من الأعمال الایجابیة الخیرة هی التی لا تتعارض مع حقوق الآخرین وتنسجم مع مصالح المجتمع والمعبّر عنها فی الاسلام بأوامر القلب السلیم أو النفس المطمئنة. أما الأعمال التی تتعارض مع حقوق الآخرین فهی رغبات النفس الأمارة بالسوء، حسب التعبیر الدینی. ولا شک ان تحدید هذین النوعین من الأعمال یحتاج الى تحدید مفهوم الحق، والحق جزء من التنظیم العام المقترح للمجتمع. وأثر ثابت ینبع من الأحکام العامة اللازمة مراعاتها من صلات الأفراد بعضها مع بعض. وبهذا التفسیر الموجز نتمکن من تصور حریة الفرد فی خط مواز لحریة الآخرین، ومن تصور مصالح الأفراد منسجمة مع المصالح الاجتماعیة. ومن ناحیة ثانیة نتمکن من الاحتفاظ بجمیع طاقات الفرد الایجابیة دون طغیان أو تعد أو حتى صراع بین الأفراد والطبقات،بل ان الأمر یتحول الى سباق بین أفراد المجتمع مع قدسیة حقوق الآخرین. ((وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ)).( آل عمران، 133). ((واستبقوا الخیرات)). (قرآن کریم). والنشاطات المتنوعة الصادرة عن الأفراد تلتقی بایجابیة، فیحصل التعاون والتکافل على مختلف الالوان والاشکال. ومن التعالیم الاسلامیة المعتمدة على مبدأ تکریم الانسان، أصل قداسة حاجات الانسان کلها. فالاسلام یعترف بجمیع هذه الحاجات ویعتبرها نعم الله ویضع أحکاما لتوجیه هذه الرغبات. ویعترف ان السعی لتلبیة هذه الرغبات بالصورة المشروعة عبادة، فالتجارة والزراعة والبناء عبادات ،والکد فی طلب الرزق الحلال جهاد ،والاتقان فی العمل عبادة ،والزواج عبادة ومن رغب عنه اعتبره نبی الاسلام انه لیس منه ،وقد جعل النبی فی وصایاه لأبی ذر الغفاری قاعدة تدل على أن المسلم یتمکن من أن یکون فی عبادة دائمة حتى فی حال النوم والأکل ولا یرحب الاسلام بترک تلبیة الحاجات وبتجاهلها. وفی الحدیث الشریف اعتبر الذین یتفرغون للصلاة ویترکون السعی لطلب الرزق ممن لایستجاب دعاؤهم. وفضل علیهم الذین ینفقون علیهم. وفی عداد هذه التعالیم نجد محاولات واسعة للمحافظة على تنسیق جمیع جوانب وجود الانسان، وعدم طغیان ناحیة على سائر النواحی. وأبرز أنواع هذه التعالیم ما ورد فی الاسلام بشأن المرأة من السعی لعدم طغیان جانب الأنوثة على سائر جوانب وجودها. ولهذه الغایة منعها من العمل للاثارة والاغراء، لکی لا تذوب انسانیة المرأة فی أنوثتها ، وعلیه یجب ألا ینظر الیها ولا تنظر هی لنفسها من هذا الجانب فقط، حتى لا ینخفض مستواها وتفقد جوانب أساسیة من وجودها. ومن الحلقات البارزة فی سلسلة التعالیم هذه ،الدعوة الى تکریم الآخرین. فالواجب على کل مسلم احترام الآخرین فی أشخاصهم وأموالهم وأعراضهم ،ویحرم علیه التعدی العملی والقولی بالنسبة الیهم. ویبدء الاسلام بمحاولة صیانة الانسان قبل ولادته فیأمر الراغب فی الزواج باختیار الأم الصالحة لأولاده (اختاروا لنطفکم) حدیث شریف. ثم یتابع هذه الرعایة طوال مدة الحمل وحالة الوضع والرضاعة وأیام الصغر وأدوار التربیة. ونجد مئات من الأحکام فی هذه الحقول معتمدة على مبدأ تکریم الانسان. ویبدو للبعض أن الاسلام فی قرآنه وحدیثه فی بعض الأحیان یحاول التخفیف من قیمة الانسان فنجد فی القرآن مثلا آیات کثیرة تؤکد ان أصل الانسان من تراب أو طین أو ماء مهین أو من نطفة أو من ماء دافق یخرج من بین الصلب والترائب. ونقرأ فی الحدیث ان مبدأ الانسان أمر حقیر ونهایة الانسان وما بعد موته لا یشرفه وأمثال ذلک من التعابیر. ولکن الحقیقة أن الاسلام یحاول أن یصون الانسان من الغرور والانحراف. وخاصة فی حالات الانتصار. ((کَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَیَطْغَىٰ)). (سورة علق ، 6) یفتتن کثیرا بأمواله وأولاده ومجده فیقع فی حظر نفسانی مهلک. ولعلاج هذا المرض یحاول الاسلام اعطاءه نصائح بألفاظ وتعابیر مختلفة یبین له فیها أن تکریم الله للانسان وجعله موجودا سویا فاضلا لیس الا من ارادة الله، فی خلق هذا الموجود من أشیاء لا تختلف عن بقیة الخلق. فالکرامة أمانة من الله واعارة منه للانسان، فلا یحق له أن یغتر بها، فجمیع ما یملکه الانسان هو أمانة الله بیده وعلیه أن یؤدی الأمانة بصدق واخلاص. ((وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَکُمْ مُسْتَخْلَفِینَ فِیهِ)). (سورة الحدید، الآیة 7). | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,943 |
||