تسوق السعودیة لعدوانها على الیمن مجموعة من الحجج والتبریرات، وتوظف لهذا الهدف خطاباً عاطفیاً ملؤه التضلیل والتحریض. فتحت ذرائع إعادة الشرعیة، وحمایة أمن باب المندب، والدفاع عن الحرمین الشریفین، والحفاظ علی عروبة الیمن، تشن السعودیة عدواناً آثماً على الیمن، قد ذهب ضحیته حتى الآن الآلاف من الضحایا المدنیین الأبریاء من نساء وأطفال، ولم تسلم منه مرفقات الدولة والبنیة التحتیة للبلاد. ویجدر هنا أن نورد الاستفسارات التالیة:

1-   فإن کان الهدف السعودی من العدوان على الیمن، هو إعادة الشرعیة کما تدعی، فلماذا لم تحترم السعودیة الشرعیة فی سوریا ولم تدافع عن الرئیس بشار الأسد الذی حظی بأکثر من 80 بالمئة من أصوات الناخبین، ولماذا لم تدافع السعودیة عن شرعیة الرئیس المصری المعزول محمد مرسی المنتخب دیمقراطیاً؟ بل دعمت الانقلاب العسکری ضده والذی قاده الرئیس الحالی عبدالفتاح السیسی، ولمَ بارکت السعودیة الانقلاب على الشرعیة فی اوکرانیا ضد دولة الرئیس الشرعی فیکتور یانوکوفیتش؟

2-   وإن کانت السعودیة ترید الدفاع عن الدیمقراطیة، فهل السعودیة نفسها تؤمن بالدیمقراطیة، وهل دولتها ومؤسساتها ودول ومؤسسات حلفائها فی العدوان على الیمن محکومة بالدیمقراطیة؟ وإن کان مبدأ السعودیة یرتکز على الاعتراف بما یسمى "حکومات الأمر الواقع"، فلماذا لا تقبل السعودیة بالأمر الواقع بالیمن؟

3-   وإن کان الرئیس المستقیل عبدربه منصور هادی یمثل الرئیس الشرعی للیمن کما تدعی السعودیة، فلماذا لم نر الشعب الیمنی یدافع عن شرعیة رئیسه، ولماذا لم نر الجیش الیمنی یقف إلى جانب الرئیس هادی؟ ألم یجد "الرئیس الشرعی" حاضنة شعبیة یلتجئ إلیها بدلاً من الاحتمال والمکوث على الأراضی السعودیة؟

4-  وکیف یمکن للشعب الیمنی الذی یتعرض أبناؤه لقصف سعودی یذهب ضحیته یومیاً عشرات المدنیین من النساء والأطفال، أن یدافع عن شرعیة رئیس یخضع لإرادة القوات المعتدیة على أراضیه؟ وإن کان عبدربه لدیه من یحظى بقبول واسع من شعبه، لماذا تتجه السعودیة إلى تهیئة "خالد البحاح" الذی تعین بصفة نائب أول للرئیس هادی، کرئیس بدیل لهادی.

5-  کما تتذرع السعودیة بعدوانها على الیمن لإنقاذه من الاطماع الإیرانیة، فهل کانت ایران من شن عدة حروب حدودیة على الأراضی الیمنیة طوال القرن الماضی، أم کانت السعودیة؟ وهل کانت ایران من اقتطعت الأراضی الیمنیة فی کل من نجران وجیزان وعسیر وضمتها إلى حدودها، أم أنها السعودیة؟

6-  وترفع السعودیة شعار الدفاع عن عروبة الیمن، فأی حرب عروبة هذه التی یشنونها على عرب أقحاح؟ وأی حرب عروبة هذه التی یقصفون فیها أراض عربیة، ویقتلون فیها شعباً عربیاً، هم أصل العرب، ومهد حضارة العرب، فمتى کانت السعودیة توزع صکوک العروبة على الشعوب، فإن کان الیمنیون، بکل ما یتحلون به من عادات عربیة ومن خلق عربی وشهامة وکرامة وفصاحة وعزة وإباء، لیسوا بعرب، فمن هم العرب؟

7-  أما الادعاء السعودی بأن حرکة أنصار الله تشکل تهدیداً لمضیق باب المندب، فمتى تعرض أنصار الله للمضیق الاستراتیجی فی حروبهم السبعة التی خاضوها حتى الآن؟ وإن کانت حرکة أنصار الله لم تستخدم الأسلحة التی لدیها لضرب المضیق وهی فی حالة الحرب، هذا بالرغم من امتلاکها لصواریخ سکود 2 و3 قادرة على ضرب البوارج السعودیة الحربیة فی عمق البحر الأحمر، فهل ستقدم علیه فی حال السلم؟ وهل یمکن أن لا تعبأ الحرکة بمصالح الشعب الیمنی، الذی یعتبر مصدر قوتها، وأن تضرب الشریان الاقتصادی للیمن الذی تدافع عنه.

8-  ولا تنفک السعودیة بأن تصور بأن هناک خطراً یتهدد الحرمین الشریفین من قبل الیمنیین، فهل عرف التاریخ فی معتقدات الیمنیین شوافع وزیدیین ما یبیح لهم التعرض للمقدسات الاسلامیة؟ وهل سبق أن تعرض هؤلاء أو شکلوا أی تهدید على مکة والمدینة؟ وهل کان الیمنیون من هدم الآثار الاسلامیة ومراقد الصحابة وأهل البیت فی المدینة المنورة، أم کانت الوهابیة المدعومة من حکام آل سعود؟ وهل کان الیمنیون من حاول هدم قبر النبی محمد صلى الله علیه وآله فی عام 1926، أم کانوا آل سعود؟

 لا یمکن للسعودیة مهما ساقت من مسوغات أن تبرر هذا العدوان المفضوح على الشعب الیمنی، کما لا یمکن لها أن تتستر علی الأهداف الحقیقیة لهذا العدوان والمتمثلة بإعادة الیمن إلى بیت الطاعة السعودی الأمریکی؛ ویرى مراقبون أن أمریکا التی تجد مصالحها فی إثارة الفوضى الخلاقة فی المنطقة، لم تکن تنظر بعین الارتیاح للتحولات التی کانت تجری فی الیمن، والدور الرائد الذی قامت به القوى الثوریة بقیادة أنصار الله فی سبیل استقرار الیمن. ولأنها أرادت تجنب التجربة المریرة التی عانت منها فی تدخلها المباشر فی أفغانستان، قامت بدفع السعودیة نحو لعب هذا الدور، وذلک بهدف إضعاف الثورة الیمنیة من جهة، ودفع السعودیة نحو مستنقع موحل یؤدی بها إلى الاستنزاف ثم التقسیم.

وهذا ما تؤکده بعض الأخبار الواردة من الریاض بأن الملک سلمان قد تسلم رسالة عاجلة من سلطان عمان قابوس بن سعید نصحه فیها بوقف الحرب ضد الیمن ووصفها بأنها فخ أمریکی واضح المعالم یستهدف المنطقة. الأمر الذی حذر منه أیضاً الأمیر السعودی الولید بن طلال.

وتروی مصادر مطلعة بأن أمریکا سلمت السعودیة خطة الحرب على الیمن قبل 9 أیام من بدء العدوان، ودفعت السعودیة للحرب عبر أمراء الجیل الثالث قلیلی التجربة فی إدارة البلاد.

وتضیف هذه المصادر المطلعة بأن بعض الشخصیات الهامة فی العائلة السعودیة لم تکن على علم بقرار الهجوم السعودی على الیمن، حیث أکد وزیر الخارجیة السعودی لأحد المسؤولین الإیرانیین، بأنه لم یعلم بالهجوم السعودی على الیمن إلا من خلال وسائل الإعلام.

ویرى مراقبون أن الخروج من المعرکة التی بدأتها السعودیة بعدوانها على الیمن لن یکون بالأمر السهل، فالتحالف الذی تقوده السعودیة فی هذه الحرب، یتألف من مکونات متناقضة وغیر منسجمة، وتتمثل بالتیار السلفی الذی تمثله السعودیة والإمارات، والتیار الإخوانی المتمثل بقطر، والعلمانی المتمثل بمصر والسودان، ولا شک أن طول أمد الحرب سیلقی بظلاله على التناقضات الموجودة بین هذه الاطراف وسیؤدی إلى اشتداد الخلافات التی بدأت معالمها بالظهور.

ومن ناحیة أخرى یبدو أن هذا العدوان على الشعب الیمنی والذی أعلنته السعودیة وأمریکا بهدف إضعاف الدور الإیرانی فی المنطقة، بدأ یعطی نتائج عکسیة، حیث أن طول أمد الحرب دون نتائج تذکر بدأ یتسبب فی زیادة أسعار النفط، الأمر الذی سیحسّن من موقف الجمهوریة الاسلامیة الإیرانیة خاصة بعد الاتفاق النووی الذی من المقرر أن ینهی العقوبات الاقتصادیة ویسمح بتدفع النفط الإیرانی بوفرة إلى الأسواق العالمیة.

ویبقى أن ننتظر الإجابة على السؤال الأخیر الذی تُعنى به السعودیة، وهو هل ستبادر السعودیة لتصحیح أخطائها والحفاظ على ما بقی من ماء وجهها، أم أننا سنشهد تغییرات جدیدة فی المنطقة ستزید من اشتعال المنطقة الملتهبة بالأصل.