دور العلامة الطباطبائی فی اغناء الثقافة الاسلامیة | ||
دور العلامة الطباطبائی فی اغناء الثقافة الاسلامیة العلامة محمد تقی مصباح یزدی تحرص کل امة على الاحتفاء بعظمائها وتمجیدهم، وتعریف اجیالها بانجازاتهم. فهم القدوة والانموذج الذی تتطلع الیه الامة فی مسیرتها الحضاریة والانسانیة. والعلامة الفقید السید محمد حسین الطباطبائی، احد عظماء الامة الاسلامیة فی الفکر والعمل. المقال التالی محاولة للتعریف بهذا العالم الجلیل بمناسبة الذکرى السنویة لرحیله. عموماً ان الشخصیات التاریخیة العظیمة لم تعرف فی زمانها حق المعرفة، وان مسؤولیة معرفتها تقع على عاتق الاجیال القادمة، حیث تتأمل فی هذه الشخصیات وتدرس آثارها وتتعرف على التأثیر الذی ترکته فی مجتمعاتها. وبالتأکید لم یکن المرحوم العلامة الطباطبائی اول واحد لم یعرف فی زمن حیاته حق المعرفة، ولیس هو الآخر بالطبع. ولا یخفى، ان هناک أسباباً عدیدة تقف وراء بقاء الشخصیات العظیمة مجهولة فی زمن حیاتها. من هذه الاسباب ما یطلق علیه احد الکتّاب بـ(حجاب المعاصرة)، ای العیش فی عصر واحد. فبدلاً من ان تکون المعاصرة للاشخاص الذین یعیشون فی زمن واحد، سبباً فی التعرّف على بعضهم بعضاً بنحو أفضل، وتعریف أحدهم للآخر، فان بعض الدوافع تقودهم الى التکاسل والامتناع عن التعریف بالآخرین بل وحتى التعرف على بعضهم البعض. ومثل هذا قد تکون له اسبابه، وأحد هذه الاسباب المسوَّغة الى حدما، هو أنه لا یوجد انسان خُلق بصورة تکون فیها جمیع ابعاد وجوده، وسماته وسلوکیاته کافة، محل قبول الجمیع، فمن الطبیعی ان تتصف ایة شخصیة مهما کانت عظیمة، بصفات خاصة لن تحظى بقبول جمیع الناس، بل وحتى من قبل افراد فئتها. ان توافر هذه الصفات او السلوکیات التی لم تحظ بقبول الافراد، یقود الى حرف الانظار عن رؤیة النقاط المضیئة فی وجود هذه الشخصیة، وبالتالی فلا تتضح درجات کمالها وفضائلها کما ینبغی. ولکن بعد أن ترحل عن هذه الدنیا، تبدأ الابعاد القیمة لهذه الشخصیة تتَّضح بالتدریج، ویبدأ الآخرون بعد ان یعیدوا النظر فی احکامهم السابقة علیها، بالتفکیر بشکل منطقی فی ابعادها ویدرسونها بصورة دقیقة وسلیمة. من الاسباب الاخرى التی تساعد على ابقاء الشخصیات مجهولة، هو ان الابعاد الوجودیة لفرد او شخصیة ما تحتاج احیاناً الى الوقت الکافی لکی تظهر وتتوضح، کالبذور التی تنبت فی الارض، او الفسائل التی تغرس، فهی لن تنمو وتثمر مالم یمر علیها بعض الوقت. وبما ان ثمارها غیر قابلة للحدس بالنسبة لعامة الناس، بل وحتى لأهل العلم والفضل، فانهم لن یتمکنوا من تقویم مکانتها وابعادها. ولکن ما ان ترحل، وتأخذ شجرتها بانتاج فاکهة لذیذة مفیدة، عندها یدرکون عظمتها واهمیة أبعادها. ان حیاة رجال الله، هی کالفسائل التی تغرس فی الارض، لابد لها من النمو حتى تعطی ثمارها. فهم یغرسون زرعهم فی المجتمع، ویعملون على احتضانه ورعایته حتى ینمو. إلاّ ان هذه البراعم، وهذه الشجرة الطیبة، تتطلب بعض الوقت حتى تضع ثمارها فی متناول ابناء المجتمع: (کشجرة طیبة اصلها ثابت وفرعها فی السماء تؤتی اکلها کل حین بإذن ربّها). فبعد ان ترحل هذه الشخصیات، وتأخذ ثمار برکة وجودها بالایناع ویحین وقت قطافها، یتعرف الناس علیها شیئاً فشیئاً، ویتأسفون على رحیلها، واکثر اسفهم لأنهم لم یتعرفوا علیها فی زمن حیاتها، ولم یستفیدوا من وجودها کما ینبغی. ولکن هناک نشاطات لا تنعکس آثارها بسرعة، ولن یحس الجمیع بوجودها، اذ تبقى آثارها غیر مرئیة وغیر محسوسة. لابد من مرور بعض الوقت حتى تظهر نتائجها لسبب او وسیلة ما. ای لابد من تأثیر الوسائل بعضها فی بعض حتى تصل الى الامور المحسوسة وتتضح آثار ذلک العمل واهمیته. والنشاطات الثقافیة هی من هذا النوع. طبعاً من الممکن ان تکون هناک علل أخرى للجهل بالشخصیة، إلاّ أننا نمتنع عن الخوض فیها الآن. ان جمیع هذه الخصوصیات التی ذکرناها تنطبق على حیاة المرحوم العلامة الطباطبائی (رض). اذ حال (حجاب المعاصرة) دون التعرّف علیه ومعرفته کما ینبغی. کما ان اخلاصه وترجیحه العمل بعیداً عن الاضواء ، قد ادى الى أن تجهل شریحة واسعة من المجتمع اهمیة عمله. کذلک حرصه على عدم البوح بکمالاته الروحیة والمعنویة، وجهل الناس درجات المعرفة السامیة التی نالها، ادى الى أن تکون عدة معدودة فقط واقفة على سمو فضله وعلو کماله. وانا مطمئن من أنّ الکثیر من الاسرار المعنویة لهذا الرجل العظیم مایزال خافیاً حتى على الخواص فکیف هو الحال بالنسبة للعامة. ولکن الاهم من کل ذلک هو أن البعد الثقافی یعد البعد البارز والمهم لشخصیة العلامة الطباطبائی. ومن خصوصیات العمل الثقافی ان آثاره لم تنعکس فی المجتمع على المدى القریب. اذ لابد من مرور بعض الوقت وتوافر الوسائل حتى تتضح تاثیراته بشکل عینی وتحظى بالشهرة. ثم یحین الوقت لمعرفة صاحبه ومن یقف وراءه، وتتوجه الانظار الى المؤثر الاصلی فی هذه الحرکة الجدیدة. على ایة حال ما أرید أن اتحدث به هنا هو بمثابة حدیث تلمیذ یؤدی دینه تجاه استاذه العظیم. اننا اذا ما اردنا ان ندرس أبعاد النشاطات العلمیة والثقافیة لهذه الشخصیة الاسلامیة العظیمة ونقوّمها فی المجتمع الاسلامی ومن ثم فی العالم، ینبغی ان نلتفت الى النقطتین التالیتین: الاولى: ان نعرف فی البدء اهمیة الاعمال الثقافیة للمجتمع، وان المجتمع الذی ینشد التکامل الحقیقی الى أیّ حد هو بحاجة الى النشاطات الثقافیة؟ وأی نوع من النشاطات وفی ای المجالات؟ الثانیة: أن نتنبه الى ان المجتمع الاسلامی الى ما قبل شروق شمس العلامة الطباطبائی فی ای وضع کان، وماذا کانت نواقصه، وماذا ترک وراءه، حتى ندرک ما الذی عمله العلامة. بالنسبة للنقطة الاولى ینبغی القول ان کل مجتمع یرغب فی أن یحیا حیاته الانسانیة، ویتطلع لأن یسمو على الواقع الحیوانی، لابدَّ له فی المرحلة الاولى من أن یوجه اهتمامه نحو المسألة الثقافیة، التی ترتبط مباشرة بفکر الانسان وقلبه. ان الثورة التی انتصرت بیمن قیادة القائد الالهی العظیم سماحة الامام الخمینی، مدینة قبل کل شیء للارضیة الثقافیة التی کانت قد تهیأت فی المجتمع. ان کل من توفرت لدیه فرصة الاطلاع على الثقافة الاسلامیة الى حد ما ، وجدت الافکار الاسلامیة وقیمها طریقها الى نفسه وترسخت فی ذهنه، وساعد فی اتساع ارضیة الثورة التی کانت تنتظر القیادة الحکیمة التی تتمکن من تسخیر قواها فی الوجهة الصحیحة وقیادتها لتحقیق تطلعاتها. وقد منّ الله سبحانه علیها وهیأ لها مثل هذه القیادة. ولو لم تتوفر الارضیة الثقافیة اللازمة، ولم تتمکن من النمو والاتساع اثناء احداث الثورة، لما کان یتحقق انتصارها مطلقاً.کذلک هو الحال فی بقاء هذه الثورة واستمرارها، فهما مرهونان ببقاء هذه الثقافة وتطورها واتساعها قبل ای شیء آخر. بناءً على هذا، فالنشاط الثقافی لأی مجتمع حی هو من أکثر النشاطات الاجتماعیة ضرورة، وإن تأثیره فی نمو المجتمع وتکامله أکثر من تأثیر ای عامل آخر، خاصة المجتمع الذی بنی على الرسالة والایدیولوجیة واتسمت ثورته بالرسالیة. ومن الواضح اننا عندما نتحدث عن الثورة الثقافیة للمجتمع الاسلامی، فإننا نعنی بالثقافة الثقافة النابعة من مبادئ الاسلام فی الدرجة الاولى. وطبیعی ان هکذا ثقافة ترتوی من النبع الزلال لکتاب الله سبحانه وسنة رسوله (ص)، وتنمو وتتطور بفعل نشاطات الفکر الانسانی وقواه العقلیة. وبالنسبة للظروف التی کانت سائدة فی مجتمعنا فی النصف الاول من القرن العشرین، ای عندما کانت جمیع شؤون المجتمع تحت سلطة الاجانب بشکل مباشر وغیر مباشر، فانها کانت بحاجة الى ثورة ثقافیة. حیث نعرف جمیعاً کیف ان الاستعمار قد نفذ الى ثقافتنا وتوغل فیها. وکیف انه بأسالیبه المتنوعة استطاع السیطرة على متعلّمینا وجامعّیینا ومثقفینا. ولو کان هذا الوضع مستمراً لکان مجتمعنا، باعتباره مجتمعاً اسلامیاً، فی طریقه الى الاضمحلال والزوال. کان لابد من اعادة الحیاة الى الثقافة الاسلامیة وقیمها. ولکن على ید مَن؟ هل على ید اولئک الذین کانوا قد اخذوا تعالیم إسلامهم من الغرب؟ ام على ید اولئک الذین یجهلون نصوص القرآن وسنّة الرسول (ص) والائمة الاطهار (ع)؟ بدیهی ان مثل هذا العمل الجبار کان ینبغی له أن یتم على ید مَن وعى اعمق المعارف الاسلامیة وأوسعها من أکثر المصادر الاسلامیة اصالة. واذا ما أردنا أن نذکر بعض الاسماء التی اتصفت بذلک، فمما لا شک فیه ان المرحوم العلامة الطباطبائی (رض) یقف فی طلیعتها. ان کل من یعرف هذا الرجل العظیم عن قرب، ومطلع على افکاره وسلوکه و اسلوب معیشته، وواقف على خصوصیاته الروحیة والمعنویة، یدرک ان مثل هذا الکلام غیر مبالغ فیه ابداً. عندما وطئت قدم المرحوم العلامة الطباطبائی مدینة قم کانت حوزتها الفتیة بمثابة برعم أینع لتوه وهو بحاجة ماسة الى بستانی مقتدر ماهر وحریص قادر على رعایتها لتؤتی أکلها. ورغم ان الحوزة فی ذلک الوقت کانت تضم عظماء یتحرقون لخدمة الاسلام والذود عنه، إلاّ انها کانت بحاجة الى شخص آخر. اذ اننا لو ألقینا نظرة على الوضع الدراسی لطلبة العلوم الدینیة فی ذلک الوقت فسنرى ان اکثر من 90% من النشاطات العلمیة التی کانت تنجز فی المؤسسة الدینیة کانت تدور فی فلک الفقه والاصول. ففی مجتمع کان یعانی من الاختناق الفکری والسیاسی الشدید، ربما لم تکن حاجة الناس الیومیة الى اکثر من ذلک. ولکن بالنسبة لمجتمع یتطلع الى حیاة جدیدة یتخلص فیها من حالة الرکود والتخلف والذل، لم یکن ذلک الوضع کافیاً. کان لابد من اعادة النظر فی المناهج الدراسیة. ورغم ظهور بعض النشاطات فی هذا المجال إلاّ انها للأسف لم تحقق شیئاً. اذ سرعان ما تتلاشى وتعود الحال الى وضعها السابق. ولا یخفی، ان المجتمع الذی یخوض معترک الصراع فی مواجهة الثقافات الاخرى، لابد له من المحافظة على شخصیته الثقافیة والبرهنة على اصالة رسالته مقابل المذاهب الأخرى. ومن هنا کانت الحاجة ماسة لاعادة النظر فی مناهج الحوزة. ولکن کیف السبیل الى ذلک، وعلى ید مَن؟ یقول المرحوم العلامة الطباطبائی (رض): (عندما جئت الى مدینة قم، تمعنت فی المناهج الدراسیة للحوزة، وفکرت فی احتیاجات المجتمع الاسلامی الفکریة والثقافیة، فرأیت غیاب التنسیق بین تلک الاحتیاجات والوضع الموجود فی الحوزة. کان مجتمعنا، باعتباره مجتمعاً اسلامیاً، بحاجة الى أن یتعرف على القرآن بصورة دقیقة، وان یستلهم کنوز هذا الکتاب الالهی العظیم. إلاّ انه لم یکن یوجد فی الحوزات العلمیة ولا درس رسمی واحد لتفسیر القرآن. کما ان مجتمعنا، وحتى یکون قادراً على عرض عقائده فی مقابل العقائد الاخرى ویدافع عنها، کان بحاجة الى قدرة الاستدلال العقلی، فلابد من وجود دروس فی الحوزة العلمیة تساعد على نمو قدرة الاستدلال العقلی لدى الطلبة وتطورها. ولکن مثل هذه الدروس لم تکن تدرّس فی الحوزة. کذلک ینبغی لعلماء الدین، باعتبارهم شریحة من المجتمع تقع على عاتقها مهمة قیادة الناس معنویاً، التحلی بالفضائل الاخلاقیة والتمکن من الاسرار المعنویة ورموزها، إلاّ ان مثل هذه التربیة المعنویة والاخلاقیة لم تکن موجودة أیضاً، اللّهم إلاّ هنا وهناک وبصورة نادرة. وبتعبیر آخر، ان مبادئ الاسلام تتلخص فی الکتاب والسنة والعقل. فالکتاب والسنة اساس معرفة مضمون رسالة الرسول الاکرم (ص) وکلام خلفائه من الائمة المعصومین (ع). کما ان القدرة العقلیة هی للبرهنة على اصول الدین والذود عنها مقابل شبهات المذاهب الأخرى، ولکن لم یکن فی الحوزات العلمیة غیر الفقه والاصول فحسب، اللذین لم یدرسا غیر جزء من سنة الرسول (ص) والأئمة (ع). فلم یکن هناک وجود للفلسلة، ولا للمعقول، ولا لتفسیر القرآن، ولا لبقیة اجزاء الکتاب والسنة. لذا رأیت من الضروری أن أبداً بتدریس الفلسفة وتفسیر القرآن ودرس الاخلاق). ان اقدام المرحوم العلامة هذا فی نوعه یمکن مقایسته باقدام امامنا العزیز – الامام الخمینی الراحل – الذی بدأه فی المیدان السیاسی. فأقل ما یتطلبه هذا العمل التدبیر الحکیم، کالذی لدى العلامة الطباطبائی، بحیث یعی کیف یبدأ حتى یمکنه التغلب على کل الصعاب. ونظراً لضیق الوقت فسأکتفی بالاشارة الى ان الامام الراحل کان قد بدأ بتدریس الفلسفة والعرفان قبل خمسین عاماً، ولکن الاجواء اصبحت بشکل ادّت الى تعطیل دروسه. ومن هنا ینبغی للعلامة الطباطبائی ان یبدأ نشاطه وهو یضع امامه هذه التجارب غیر الموفقة. کان العلامة الطباطبائی مدرکاً لمشکلات العمل تماماً، وکان یعرف ان الطریق الذی اختاره ملیّ بالاشواک والمعاناة. ولکنه باتکاله على الله سبحانه واستمداد العون منه، استطاع ان یتغلب على کل المشاکل. وقد برهن الله سبحانه للانسان مرة أخرى، أن کل من یبدأ عمله بالاتکال علیه وحده ومن اجل کسب رضاه، فانه سیوفّق حتماً. سیتحول غرسه الى شجرة مقتدرة تعطى أکلها، وتغدق علیه الید الغیبیة والعنایة الالهیة بدون حساب، وتغمره الالهامات والاشراقات بلا حدود. وهکذا کان حقاً. وهکذا بدأ مشروعه الجدید بهدوء ودون دعایة او اعلام. وخلال فترة قصیرة استطاع ان یحقق موفقیة مشهودة. وان ابرز ما هو محسوس وملموس من ثمرة نشاطاته العلمیة تألیف تفسیر القرآن الکریم – المیزان فی تفسیر القرآن – فی عشرین جزءاً الذی أوجد حرکة فی العالم الاسلامی منذ صدور اجزائه الاولى، إذ انه لم یکن مجرد تفسیر لالفاظ القرآن وتوضیح بسیط لمفاهیم آیاته، بل تناول فیه الاستاذ العلامة بحوثاً إسلامیة مختلفة هی من صمیم حاجة العالم الاسلامی، ورتبها فی عناوین مستقلة، محدداً حلولها المقترحة استناداً الى آیات القرآن الکریم. ومن المفید هنا ان ننقل العبارة التالیة التی وردت على لسان المرحوم الشهید المطهری: (لم یکتب تفسیر المیزان جمیعه بوحی الفکر، فأنا اعتقد ان الکثیر من مواضیعه هی إلهامات غیبیة. وقلما تعرض لی مسألة من المسائل الاسلامیة والدینیة لا اجد مفتاح حلها فی تفسیر المیزان). اجل، لابد من خبیر المجوهرات لمعرفة الجواهر. ولم یکن اعتباطاً ان المرحوم المطهری کلما ورد ذکر للعلامة الطباطبائی فی کتاباته، اردفه بعبارة (روحی فداء). لقد کان المرحوم الاستاذ الطباطبائی، وخلال تدریسه لتفسیر القرآن الکریم، یولی المسائل الاجتماعیة التی یحتاجها المجتمع اهتماماً خاصاً ویسعى لایجاد الحلول الناجعة لها من المصادر الاسلامیة الاصیلة، وقد اضحى تفسیره مرجعاً یرجع الیه المفکرون والکتّاب الاسلامیون کافة لدراسة القضایا الدینیة، والشؤون الثقافیة، والاقتصاد والسیاسة والتاریخ وسائر ابعاد الحیاة الانسانیة، والاستفادة من آراء الاستاذ وأفکاره ، ای کان تفسیر المیزان مفتاح حل لجمیع المشکلات الثقافیة والدینیة لمجتمع کان على اعتاب اعداد ارضیة الثورة الاسلامیة وتکاملها. کان الاستاذ یحدد نشاطاته انطلاقاً من حاجة المجتمع، وان ما کتبه عن المرجعیة والنظام الاسلامی، یدل على عمق تفکیر الاستاذ وذهنة الوقاد، وکیف ان سماحته کان ینشد ترسیم ابعاد الحکومة الاسلامیة، ویوجه انظار الآخرین ویرشدهم الیها. لقد کان یتحدث عن الحکومة الاسلامیة وقیادة علماء الدین فی وقت لم تخطر حتى فکرة ذلک فی اذهان الکثیر من المفکرین. وهذا نموذج واحد من الخدمات الجلیلة التی اسداها المرحوم العلامة للامة والتی یصعب عدّها. اما فیما یخص الفلسفة، فان جهود العلامة الطباطبائی لم تقتصر على حفظ المیراث الفلسفی للاجیال القادمة فحسب، بل عمل على اثراته بمواضیع قیمة جداً، حتى یمکن القول انه وضع اسساً جدیدة للحکمة، وعلینا ان ننتظر طویلاً حتى تتضح أبعاد هذا البناء الجدید. اذ شعر العلامة الطباطبائی بأن الفلسفة التقلیدیة لا تکفی وحدها لتلبیة متطلبات مشاکل المجتمع العقلیة، فأقدم على إعداد بحوث الفلسفة التطبیقیة ودراسة افکار الآخرین، وسعى من خلال مقایسة مبانی الفلسفة الاسلامیة ومبادئ المذاهب الأخرى، الى توضیح أصالة المبانی الاسلامیة، ودحض شبهات المذاهب الأخرى خاصة المذاهب المادیة. وفی هذا الصدد ألف العلامة قبل حوالی اربعین عاماً کتاب (اصول الفلسفة والمذهب الواقعی) رد فیه على الفلسفة المادیة الدیالکتیکیة، وهو فرید من نوعه، (ولایفوتنا ان نذکر الدور المهم الذی لعبه الشهید المطهری فی مساعدة العلامة فی توفیر الاولویات اللازمة لهذا الکتاب). وحسب اطلاعی لم یکتب افضل من هذا الکتاب فی العالم الاسلامی حتى الآن. فرغم مرور اکثر من اربعین عاماً على تألیفه، ومع کل التطور الذی حصل فی المجتمع وخاصة فی الحوزات العلمیة، إلاّ أن هذا الکتاب بقی علامة مضیئة فی المیدان الفلسفی یهتدی بها کل من ألف فی هذا المجال. واما فی مجال الاخلاق، فالاستاذ کان قد بدأ درس الاخلاق لطلبة العلوم الدینیة بصورةعامة. ثم تقلصت جلسات درسه بعد فترة لتقتصر على عدة محدودة من خواصه، ومن الطبیعی ان من یتربى فی هذه المدرسة لم یجد فی نفسه الرغبة للتظاهر والظهور، ولکن على ایة حال اخذت جهود هذه الصفوة تجد طریقها الى المجتمع وتنمو وتثمر، وسیبقى هذا السراج یشع بنوره فی الاماکن التی تلیق به ویتواصل عطاوه. ولم تقتصر نشاطات العلامة على میدان الحوزة العلمیة وحده. فعلى الرغم من ان النظام الحاکم آنذاک کان قد شیّد جداراً حدیدیاً بین الحوزة العلمیة – المؤسسة الدینیة – والجامعة، وکان یزید فی استحکام هذا الجدار یوماً بعد آخر، ویلاحق کل من یفکر فی اختراقه، إلاّ ان العلامة الطباطبائی سعى – قدر استطاعته – بکل شجاعة وجرأة الى فتح باب الحوار مع اساتذة الجامعات والالتقاء بهم عن کثب، والقاء المحاضرات وعقد ندوات البحث والنقاش. وقد طبعت حصیلة هذه الجهود – فیما بعد- ونشرت فی کتاب. وبفضل هذه البحوث وبرکتها ترجم العدید من مؤلفات الاستاذ العلامة الى اللغات الاوروبیة، التی استطاعت أن تلعب دوراً فی تعریف الاسلام للعالم الغربی، والتشیع للعالم السنی. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,722 |
||