البحرین تعیش على انغام الثورة مع انعدام الحل السیاسی | ||
البحرین تعیش على انغام الثورة مع انعدام الحل السیاسی د. سعید الشهابی بدأت ثورة شعب البحرین عامها الثانی وسط استقطاب سیاسی واضح، وموقف دولی داعم لقوى الثورة المضادة التی تخطط لاجهاض کافة الثورات العربیة بدون استثناء. ویمکن القول ان ثورة هذا البلد الصغیر اکثر ثورات الربیع العربی ظلامة، مع انها الاکثر سلمیة، وربما الاقدم والأکثر استمرارا. فالحراک السیاسی والشعبی من خلال الاحتجاجات والتظاهرات والعصیان المدنی لم یتوقف منذ اکثر من ثلاثین عاما. وبفضل التجربة التراکمیة الطویلة، استعصت على محاولات الاجهاض على ایدی قوى الثورة المضادة. واذا کانت الجیوش الاجنبیة قد تدخلت فی بلدان اخرى مثل لیبیا لدعم ثورة شعبها، فان التدخل فی البحرین جاء لهدف معاکس تماما. فالاجتیاح العسکری فی منتصف مارس الماضی من الجانب السعودی کان یهدف للقضاء على تلک الثورة بعد ان فشل حکم العائلة الخلیفیة فی القضاء علیها بعد شهر کامل من الاحتجاجات والاعتصامات خصوصا فی دوار اللؤلؤة وسط العاصمة. ویمکن تلخیص ما واجهته الثورة البحرانیة من تحدیات تمکنت من التغلب على بعضها بما یلی: اولا: انطلقت ثورة البحرین فی 14 فبرایر 2011 بدعوة من مجموعات شبابیة عانى الکثیر منهم من السجون والتعذیب والحرمان من الوظیفة والسکن على مدى عقود سابقة. وتم تحدید الموعد لیتزامن مع الذکرى العاشرة للمیثاق الذی صوت الشعب علیه فی مثل ذلک الیوم فی 2001 والذی اکتشف لاحقا انه کان خطوة لالغاء دستور البلاد للعام 1973، والذکرى التاسعة لالغاء ذلک الدستور. وکبقیة الثورات فالانطلاقة الاولى کانت محدودة، لم یتوقع منظموها ان تتوسع کثیرا، ولکن القمع السلطوی ادى الى قتل المتظاهرین منذ الیوم الاول. ومع استمرار سقوط الشهداء تصاعدت فعالیات المتظاهرین واصبحت اعدادهم ظاهرة غیر مألوفة فی ایة دولة خلیجیة اخرى. وبعد شهر کامل من الاحتجاجات السلمیة التی کانت تنطلق من دوار اللؤلؤة الذی اتخذه الثوار منطلقا لهم على غرار میدان التحریر فی مصر، شعرت العائلة الحاکمة بالخطر الحقیقی على وجودها فی الحکم، فجاء التدخل العسکری السعودی فی 14 مارس متلفعا بعباءة قوات درع الجزیرة التابعة لمجلس التعاون الخلیجی. وبرغم نفی الحکومة الامریکیة علمها بالاجتیاح السعودی، فان المعطیات تؤکد علمها بذلک سلفا، خصوصا ان وزیر الدفاع الامریکی، روبرت غیتس، کان یجتمع مع المسؤولین فی المنامة قبل یوم واحد من دخول تلک القوات. فهل من المعقول ان تخترق السعودیة الحدود عسکریا بدون علم الامریکیین؟ وبدخول تلک القوات ازدادت الازمة تعقیدا، ومارست قوات الجیش والامن معا سیاسة القبضة الحدیدیة العنیفة بوتیرة غیر مسبوقة. ووفقا لتقریر لجنة تقصی الحقائق المستقلة التی شکلها الحاکم وترأسها الحقوقی المصری شریف بسیونی، فقد تم هدم 53 مبنى دینیا، وقتل اربعة اشخاص على الاقل تحت التعذیب، واکثر من ستین شخصا بنیران الشرطة او غازاتها. وخلال هذه الفترة تم طرد اکثر من اربعة آلاف بحرانی من وظائفهم بسبب مشارکاتهم فی الاحتجاجات السلمیة. واعتقل عشرات الاطباء والممرضات وطواقم التدریس وعشرات الریاضیین، کل ذلک على امل قمع الثورة ووأدها قبل ان تستفحل. ثانیاً : ان التدخل العسکری السعودی جاء بذریعة معلنة بان البحرین تواجه تهدیدا خارجیا لامنها، وان میثاق مجلس التعاون ینص على دعم ای نظام یتعرض لمثل ذلک التهدید. ولاذ الغربیون بالصمت، على عکس موقفهم قبل عشرین عاما عندما اجتاحت القوات العراقیة الکویت. فی ذلک الوقت قلبوا الدنیا وجاؤوا بالجیوش من کل مکان لاخراج القوات العراقیة من الکویت. ومع اختلاف الظرفین فالمبدأ الذی اعلنه الغربیون لتبریر حربهم على العراق انه اختراق الحدود بقواته واخترق سیادة بلد آخر بدون مبرر لا یختلف کثیرا عما حدث فی البحرین. وفی هذه الحالة فحتى لو کانت هناک دعوة من العائلة الحاکمة للقوات السعودیة بالتدخل، فان ذلک لا یوفر مبررا لاختراق سیادة دولة وشعب. ولا تختلف حالة البحرین عن حالة افغانستان عندما استعانت حکومتها ممثلة برئیسها بابراک کارمل بالقوات السوفیاتیة، فاعتبر الغرب ذلک التدخل احتلالا، وعبأ کافة الامکانات، بما فی ذلک تسلیح المجاهدین ودعم تنظیم القاعدة لمواجهة القوات السوفیاتیة بتمویل سعودی کامل. واعتبر الغربیون اجتیاح القوات السوفیاتیة لکل من تشیکوسلوفاکیا فی 1968 والمجر فی 1956 لقمع 'ربیع براغ' احتلالا تصدوا له على الصعید الدولی بقوة. وحیث ان السعودیین والخلیفیین ما یزالون یصرون على ان ذلک التدخل جاء لمواجهة التهدید الخارجی، وفی ضوء تأکید لجنة تقصی الحقائق برئاسة بسیونی، عدم وجود ای دلیل لتدخل ایرانی فی ثورة البحرین، فان المنطق یقتضی سحب القوات السعودیة منذ صدور ذلک التقریر فی 23 نوفمبر. اما اذا کان التدخل یهدف لقمع الثورة الشعبیة، فمن المؤکد انه فشل فی ذلک، لان الثورة لم تتوقف والمطالبة باسقاط النظام ما یزال هو الشعار الذی یرفعه المشارکون فی الاحتجاجات بشکل یومی. ونتیجة صمود الثورة استعاد المواطنون المبادرة وبدأوا یتحدون نظام الحکم علنا. فبدأوا بتسویر المساجد المهدومة واعادة بنائها، وارغموا النظام على التخلی عن محاکمة الریاضیین بعد ان اصبح نجل الحاکم مهددا بالمنع من حضور الالعاب الدولیة کونه رئیسا للجنة البحرینیة للالعاب الاولمبیة، وکانت اللجنة الدولیة لسباق السیارات (فورمولا1) قد الغت سباق البحرین فی شهر ابریل الماضی، ومن المتوقع ان تفعل ذلک هذا العام ایضا برغم الضغوط المالیة السعودیة والبحرینیة لعقد السباق فی البحرین وعدم الغائه. ثالثا: ان الثورة البحرانیة الیوم تجذرت کظاهرة سیاسیة اجتماعیة، وادى ذلک الى تعمق القناعة الشعبیة بعدم امکان التعایش مع العائلة الخلیفیة الحاکمة. وهنا تعاطى اعلام قوى الثورة المضادة مع ثورة البحرین بانماط مغلوطة وخطاب یعکس حقیقة توجهات قوى الثورة المضادة التی تستخدم الطائفیة سلاحا لقمع الثورات او اجهاضها او حرف مسارها. فبرغم اضفاء السمة الطائفیة على هذه الثورة الا ان الواقع مناقض لذلک تماما لاسباب عدیدة: اولها انه لم تسجل حتى الآن حالة طائفیة واحدة، فلم یستهدف مواطن شیعی حیاة مواطن سنی بسبب الانتماء المذهبی، کما لم یحدث العکس. الثانی: ان الثورة رفعت شعار التغییر واقامة نظام على اساس ثابت 'لکل مواطن صوت' بعیدا عن الانتماءات او الاعتبارات الاخرى. وادرکت الثورة منذ انطلاقتها الخطط الخبیثة لقوى الثورة المضادة ومن ذلک خطط التشطیر على صعیدی الامة والمجتمع، وعلى اسس الاعراق والانتماءات المذهبیة. ورفعت شعارات الوحدة الوطنیة منذ ان کانت فی دوار اللؤلؤة، ولم تنحرف عن ذلک المسار یوما. الثالث: ان الثورة رفضت الارتماء فی احضان الغرب الذی تعتبره احدى الدعائم الاساسیة لقوى الثورة المضادة. وقد فهمها الغربیون جیدا، فاتخذوا موقفا واضحا منها، اولا برفض التعاون معها او دعمها او التواصل معها، ثانیا: بدعم النظام الحاکم ومده بالخبرات الامنیة. ومن ذلک ارسال ضابطین، امریکی وبریطانی، لادارة عملیات القمع الیومیة ضد الثوار. الاول هو جون تیمونی الذی وصفته صحیفة 'میامی نیو تایمز' بانه 'أسوأ شرطی فی امریکا'. والثانی جون ییتس الذی اضطر للاستقالة من منصبه بعد انکشاف قضیة التنصت على الهواتف التی ارتبطت بصحیفة 'نیوز اوف ذا ورلد' المنحلة. ولوحظ تصاعد القمع ضد المتظاهرین والمحتجین والمعتقلین السیاسیین، بشکل متصاعد فی الاسابیع الاخیرة. الرابع: ان انماط التشطیر لم تنحصر بالبحرین بل اصبحت تهدد انظمة الحکم فی الدول التی سقطت انظمتها واستبدلت بانظمة منتخبة. فهذه الانظمة الجدیدة تعانی من قوى الثورة المضادة التی تسعى للتشویش على الوضع واثارة النعرات الدینیة (الصراع بین المسلمین والمسیحیین) والمذهبیة (فی البحرین والیمن) . رابعا: ان هناک خطا أحمر رسمته حکومات دول مجلس التعاون بینها وبین الاصلاح السیاسی. فحتى هذه اللحظة لم یقم ای من تلک الدول بای اصلاح وفق أطر التعددیة الحزبیة وتداول السلطة واقامة حکم القانون المؤسس على دساتیر یکتبها المواطنون. کما ان الثروات النفطیة ما تزال محصورة بایدی العائلات الحاکمة التی ترفض مشارکة المواطنین فی صیاغة القرارات التی تنظم سیاسات الانفاق العام والتوزیع العادل للثروة، وخطط التنمیة والتکامل الاقتصادی فی ما بین الدول العربیة. ولیس هناک مطالبة من ایة جهة دولیة لتلک الدول بالاصلاح الحقیقی، کل ذلک خشیة انتشار حمى التغییر وما لذلک من تأثیر على التوازن السیاسی والاستراتیجی بین العالم العربی والکیان الاسرائیلی. فلیس سرا القول ان ذلک الکیان انما یتغذى على ضعف الدول العربیة المحیطة به، وان الانظمة المنتخبة التی تمثل شعوبها لا یمکن ان تقبل مبدأ احتلال اراضی الغیر بالقوة، وان من حق الشعوب تقریر مصائرها بعیدا عن الاکراه. ویمکن القول ان المملکة العربیة السعودیة تتصدر قائمة الدول الرافضة للتغییر والاصلاح، او العاجزة عن القیام بذلک، وانها تعتبر نفسها زعیمة محور الاعتدال العربی الساعی لمساومة الغربیین على مواقفهم ومنعهم من ممارسة الضغوط على الانظمة العربیة التی عجزت عن اصلاح نفسها. ولیس تدخلها فی البحرین علنا باستعمال القوة وغزو اراضی الغیر الا مؤشرا لمستقبل غیر سعید للمنطقة فی ظل انتشار سیاسات احتواء الآخر ونهب ما لدیه من مال او ثروة. وقد اثبت شعب البحرین من خلال حراکه الذی تواصل عاما کاملا برغم وجود قوى الثورة المضادة والعنف السلطوی الذی لم یوفر وسیلة من وسائل القمع، قدرته على الصمود فترات اطول امام تحدیات الخارج، وانه قادر على الاحتفاظ بلحمته وهویته التی لا تنفک عن انتمائه الدینی والثقافی. خامسا: بعد عام کامل من المواجهات تکونت حالة استقطاب غیر مسبوقة فی البحرین، ولم یعد هناک رغبة لدى اغلبیة المواطنین فی التعایش ضمن منظومة الحکم الحالیة، بعد الذی حدث وما یزال من قمع واستهداف النشطاء واضطهاد المواطنین على اساس الهویة والولاء. کان المفترض ان یظهر نظام الحکم رغبة فی الاصلاح وقدرة على الاستماع للشکاوى العامة، واستعدادا لتفعیل الوعود السیاسیة بالتغییر والاصلاح. ولکن الذی حدث ان شیئا من ذلک لم یحدث حتى الآن. وبقی النظام مشلولا من جانب، ومصرا على الانتقام من المواطنین من جهة اخرى. وروح الانتقام هذه لا تستقیم مع اقامة حکم القانون واحترام حقوق الانسان، والاستعداد لاحداث طفرة تغییریة تصادر مواقف المعارضة. ما کان ینبغی لنظام یسعى لحکم شعب ان یمارس القمع والاضطهاد والتمییز والتعذیب، الى المستوى الذی دفع اللجنة التی تم تشکیلها من قبل نظام الحکم نفسه للتحقیق فی ما جرى، واستنتاج وجود تعذیب ممنهج وقتل خارج القانون للمتظاهرین باستعمال القوة المفرطة، وهدم المساجد واستهداف الطاقم الطبی واللاعبین والمعلمین (رجالا ونساء). ان نظاما یسعى للتصالح مع شعبه لا یمارس هذه الاسالیب التی هی فی الاساس دافع المواطنین للاحتجاج والمطالبة بالتغییر. کان حریا برموز الحکم البحرینی ادراک حقیقة مهمة وهی ان الحاکم، مهما طال به الزمن، لا یضمن منصبه الى الابد وان الریاح تجری بما لا تشتهی السفن، وان الحاکم قد یجد نفسه یوما مجبرا على المثول امام العدالة فی قفص الاتهام، کما یحدث حالیا للرئیس المصری المخلوع حسنی مبارک فی حضوره، او لزین العابدین بن علی فی غیابه. والسعودیة لن تستطیع منع وصول الامور الى حالة الحسم الشامل والنهائی، خصوصا ان ظروفها لیست افضل کثیرا من ظروف غیرها من دول الخلیج الفارسی الاخرى، فی مجال الحریات العامة وحکم القانون. الواضح ان تجربة الاثنی عشر شهرا فی البحرین ادت الى حالة من الاستقطاب غیر المسبوقة بین الطرفین. هذا لا یعنی ان العائلة الخلیفیة عجزت عن الحصول على دعم بعض المجموعات والشخصیات ذات النزعة الطائفیة الضیقة، ولکنه یعنی ان آفاق التعایش ضمرت الى حد التلاشی الکامل. ولذلک جاءت الدعوات لاحیاء ذکرى الثورة اقوى کثیرا من الدعوات التی اطلقت العام الماضی للثورة ضد نظام الحکم. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,165 |
||