الدین والسیاسة فی فکر الثورة الاسلامیة | ||||
PDF (199 K) | ||||
![]() | ||||
الكلمات الرئيسية | ||||
الدین والسیاسة | ||||
الدین والسیاسة فی فکر الثورة الاسلامیة قراءة فی الخطاب والتجربة "ان الاسلام العظیم هو دین التوحید ومحطم الشرک والکفر وعبادة الاصنام وعبادة النفس (الشهوات)، وهو دین الفطرة والخلاص من قیود الطبیعة ودسائس الشیطان من الجن والانس، فی العلن والخفاء ودین السیاسة السلمیة والهادی الى الصراط المستقیم... انه لا شرقیة ولا غربیة دین عبادته سیاسة وسیاسته عبادة". هکذا یقول الامام روح الله الخمینی مفجر الثورة الاسلامیة ومؤسس الجمهوریة الاسلامیة فی ایران فی بیان له فی التاسع والعشرین من شهر ایلول ـ سبتمبر من عام 1979. وبقدر ما ینطوی هذا القول على نزعة ثوریة کما یبدو للبعض سیما وان عمر الانتصار التأریخی لم یتجاوز حینذاک عشرة شهور، فانه یؤشر لحقیقة انطلقت منها الثورة منذ بواکیرها. الاولى: حینما واجه الامام الراحل النظام الشاهنشاهی المتسلط فی عام 1963 عبر خطابه الشهیر فی باحة المدرسة الفیضیة بمدینة قم المقدسة، وکانت تلک الحقیقة هی المحفز الاول. والاخیر: صناعة الحدث التأریخی فی الثانی عشر من شباط 1979. وکانت المرتکز الذی ضمن استمرار مسیرة الثورة واحباط کل المؤامرات الاستکباریة التی سعت الى احتوائها وتهمیشها واستیعابها فی زوایا ضیقة بعدما تبین استحالة القضاء علیها بالکامل. البعد الدینی والانسانی المشترک وطبیعی ان لای ثورة ابعاد ومعطیات او مرتکزات لابد ان تکون نابعة من الواقع المجتمعی ومتطلبات ذلک الواقع استحقاقاته وضروراته حتى تستطیع ترجمة شعاراتها الى ممارسات عملیة على الارض اولاً؛ والتعبیر عن طموحات وتطلعات کافة الشرائح والتیارات الاجتماعیة ثانیاً، ومن ثم وهذا ثالثاً لکی تکون صادقة مع نفسها ومع ابنائها ولا تتحول الی مشروع استبدادی یفضی الى تسلط الاقلیة على الاکثریة. فالثورة الفرنسیة باعتبارها مثلث نقطة تحول من مرحلة الى مرحلة اخری رفعت شعارات الحریة والاخاء والمساواة واعتبر زعماء الثورة انها ـ ای تلک الشعارات ـ تعکس المحتوی الحقیقی لمشروع التغییر الشامل، وتعبر عن امانی ورغبات الکثیرین ممن رزحوا تحت نیر الاستبداد والتسلط عقوداً من الزمن. وکذا الحال مع الثورة البلشفیة التی رفعت شعار العدالة الاجتماعیة والقضاء على التمایز الطبقی بین الفئات المختلفة فهی جاءت لتضع حداً لمظاهر سلبیة طبعت واقع المجتمع طیلة الحقبة القیصریة فی روسیا واستخدمت فی ذلک خطاباً ثوریاً نجحت من خلاله فی استقطاب وتجنید الملایین فی داخل روسیا وخارجها لمواجهة الرأسمالیة المتوحشة التی شطرت العالم الى جزءین الاول غنی ومترف ومرفه، ویمسک بکل ادوات القوة والنفوذ والهیمنة، والاخر فقیر ومعدم ومسلوب الارادة لایملک من امره شیئاً. ولکن کلا الثورتین الفرنسیة والبلشفیة اسقطتا الدین من اعتباراتهما، بل انهما کانت فی حقیقة الامر بمثابة رده فعل قویة على الدیانة المسیحیة التی مثلتها فی فترة من الزمن الکنیسة ووظفت من قبل السلطات السیاسیة الحاکمة لأحکام قبضتها على المجتمع والحفاظ على مصالحها وامتیازاتها. هذا الاسقاط للدین افرز نتائج خطیرة للغایة لانه احدث شرخاً واسعاً فی مناهج التفکیر وتجاوزاً على الثوابت وبالتالی افضی الى ازمات ـ تجاذبات ـ حادة فی داخل الکیانات الاجتماعیة فضلاً عن کون تلک الثورتین لم تلتزما بالشعارات التی جاءتا بها بحیث حصل انحراف فی المسار التطبیقی للانتقال من مرحلة النظریة الى التطبیق. المساحة الاوسع للمعنوی والاخروی وهنا یبرز وجه الاختلاف بینهما وبین الثورة الاسلامیة الایرانیة التی فجرها الامام الخمینی رضوان الله تعالی علیه التی حملت شعار نصرة المستضعفین ومقارعة الاستکبار وتحقیق العدالة والمساواة بین الجمیع وتحکیم دین الله (یعنی الاسلام)، فی کافة مناحی الحیاة؛ فالامام یؤکد على ان الاسلام دین السیاسة بشؤونها. ویظهر ذلک لمن له ادنی تدبر فی احکامه الحکومیة والسیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة.. ومن توهم ان الدین منفک عن السیاسة فهو جاهل لم یعرف الاسلام ولا السیاسة. واذا کانت الفلسفات السیاسیة المختلفة الرأسمالیة والاشتراکیة والقومیة وغیرها رکزت على الاعتبارات المادیة الصرفة استناداً الى منطق الربح والخسارة مع اهمالها لمعظم الجوانب المعنویة ـ الانسانیة، فإن المجال السیاسی الذی تحرک الامام الخمینی فی اجوائه لم یکن ینطلق فیه بلا استناد الى رؤیة واضحة لمتطلبات التغییر الاجتماعی، بل على العکس من ذلک فإن الممارسة السیاسیة التی تمثلها الامام الراحل تفصح بما لایقبل الشک عن اسس متینة ومبادیء انسانیة واسلامیة شاملة ومستوعبة کانت تنطلق منها هذه الممارسة بمختلف صورها ومراحلها. بعبارة اخری یمکننا القول ان خطاب الثورة الاسلامیة الذی امتاز بالعمق والموضوعیة والشمولیة على الصعید الفکری والعملی ادی الى تعریة الخطاب ـ او الفهم ـ التقلیدی للسیاسة سواء باعتبارها واحدة من العلوم الانسانیة او منظوراً الیها کجملة ممارسات لادارة وتنظیم شؤون المجتمع الانسانی وتأمین مصالحه. فلم یعد الدنیوی ـ المادی یحتل کل المساحات والزوایا مثلما هو حاصل فی شتى بقاع العالم حیث تحکم الانظمة العلمانیة قبضتها على مقدرات الشعوب، بل ان الاخروی ـ المعنوی بات یوازی الدنیوی ـ المادی فی الواقع وحجم التاثیر ونطاق الاهتمام، وفی هذا السیاق یقول الشهید مرتضی المطهری ان منطق الاسلام هو تطبیق المعنویة والعدالة معا فی المجتمع، ففی المجتمع الذی یخلو من العدالة، نری الاف الالوف من المرضى النفسیین. ویضیف ان ثورتنا ـ فی المستقبل ـ تحتاج بجانب العدالة الاجتماعیة بمقیاسها الاجتماعی، الى معنویة واسعة شاملة کتلک المعنویة التی رأینا نظائر منها فی النبی والائمة الاطهار علیهم السلام. ولعل ما منح الثورة الاسلامیة الایرانیة بعداً شمولیاً عالمیاً هو تمسکها بأصول الاسلام المحمدی الاصیل من جانب، واهتمامها بالانسان الفرد باعتباره محور التفاعلات الاجتماعیة؛ حیث ان الانسان فی الرؤیة الفلسفیة للامام الخمینی مجلل بتصویر عرفانی متسام لهذه الحقیقة الوجودیة التی یعتبرها الامام خلاصة کل موجودات العالم، والانسان ایضاً فی التصور الذی یقدمه عنه الامام الخمینی مشروع لتنازع الخیر والشر وهو دائماً مخیر فی الاستجابة لکلمة الله او نداء الشیطان. وینطلق الامام رضوان الله تعالی علیه فی تاکیده على ضرورة صبغ المجتمع الانسانی بصبغة قائمة على الایمان بالله عزوجل والتسلیم الیه من خلال اعتقاده الجازم بارتباط کل مشاکل وازمات الانسانیة الدینیة والدنیویة بأفتقاد الانسان البعد الاخلاقی فی حیاته وممارساته. الثقة العالیة بالأمة ویری بعض المفکرین انه "اذا ما اردنا ان نفحص الخطاب الخمینی تجاه الامة فاننا سنجد ان اهم ما یمیز هذا الخطاب هو ثقته الکبیرة بالامة فی شتی الظروف والمواقف، حتى انک تشعر بالمدیونیة العظمى التی لایتردد صاحب هذا الخطاب فی الاعتراف بها للامة، فهی التی ینبغی ان یعترف لها بالفضل فی کل ما تحقق من نجاحات وانجازات بقوله کل مالدینا هو من هذه الامة، غایة الامر انه من تلک الامة التی بنداء الله اکبر فعلت ذلک". وازاء ذلک فانه لیس غریباً ان نجد ان کل القراءات الموضوعیة ـ العلمیة للثورة الاسلامیة قد وصلت الى نتیجة مفادها ان تلک الثورة تجاوزت فی سعتها وشمولیتها واهتمامها بالانسان انطلاقاً من الدین کل ما سواها من الثورات فی التاریخ الحدیث والمعاصر، ونجحت ایما نجاح فی بلورة خطابها الایدیولوجی على ارض الواقع، واعتبرت بحق تجربة رائدة قل نظیرها. ومما یعزز هذا القول ویثبته هو ذلک التاثیر الکبیر الذی ترکته على الکثیر من الشعوب خلال فترة زمنیة قصیرة حیث أقر به الاعداء قبل الاصدقاء رغم ان الثورة واجهت ومازالت مؤامرات ومخططات کبری تستهدف تحجیمها واحتوائها. لیس هذا فحسب، بل ان حرکة الصحوة الاسلامیة التی اجتاحت العالم الاسلامی خلال عقدی الثمانینات و التسعینات وغدت ظاهرة مهمة للغایة وجدیرة بالدراسة والتأمل لم یکن لها ان تتنامی وتتسع بهذه الصورة لولا خطاب الثورة الاسلامیة العمیق بمضامینه الانسانیة والدینیة الثرة وبتلک التجربة التاریخیة الرائدة التی قادها الامام الخمینی الراحل فی فترة بدا للکثیرین فیها ان من الصعب احیاء دور الاسلام مرة اخری فی ظل سیطرة النزعات والاتجاهات المادیة المختلفة والصراعات المستمرة فیما بینها. فالواقع القائم حالیاً یشیر الى ان حرکة الصحوة الاسلامیة لم تعد مجرد مفهوم نظری، وانما خیار لابد منه لنصرة الاسلام واقامة حکم الله فی الارض والعودة الى الاصول والمنطلقات السلیمة للرسالة السماویة التی جاء بها الرسول الاکرم محمد بن عبدالله صلی الله علیه وآله وسلم. وهذا الواقع ذاته اکد بما لایقبل الشک ان الثورة الاسلامیة اختزلت المسافة بین النظریة والتطبیق الى حد کبیر وأزالت الحواجز بین الحکام والمحکومین کما کانت علیه الحال فی عهد الرسول الاعظم صلی الله علیه وآله وسلم وجاءت بمفهوم وفهم جدید ـ قدیم للسیاسة وعلاقتها بالدین حطم الاطر التقلیدیة للنظریات والافکار التقلیدیة القائلة بفصل الدین عن السیاسة او الاحتکام الى مقولة "مالله لله وما لقیصر لقیصر"، ومن ثم فإن الثورة الاسلامیة اسست لبدایة مرحلة تاریخیة جدیدة غدا الدین ـ الاسلام یحتل فیها مساحات واسعة من التأثیر والفاعلیة والقدرة على الاصلاح والتغییر ودعم جهاد المستضعفین فی التحرر والخلاص من التسلط والاستبعاد والاستبداد.
| ||||
الإحصائيات مشاهدة: 2,217 تنزیل PDF: 600 |
||||