العنف الاجتماعی، إطلالة على بعض مظاهره | ||
العنف ضدّ الرفق واللّین والتسامح، ویُعرّف بأنّه: أسلوب القسوة والفظاظة والغلظة والجفاء والإرعاب والإرهاب الذی قد یمارسه الإنسان ضدّ أخیه الإنسان، وهو ظاهرة انتشرت بین المجتمعات الإنسانیّة عموماً بشکلٍ موسّع ورافقت البشریّة منذ بدایاتها الأولى. والإسلام دین یرفض العنف، وینبذه، ولا یقرّه، بل ینحو بالذمّ واللّائمة على کلّ متعصّبٍ أو متطرّف، کما أنّه لا یرضى بالعنف، ویکرهه، ویذمّ فاعله، وینهى عن الإرهاب، ولا یقرّه.. وهو کدینٍ سماویّ یرفض الدکتاتوریّة والاستبداد بوصفهما طریقتین للحکم تقومان على العنف والإکراه، ویقیم مکانها. وقد بنى الدین الإسلامیّ دعوته على السلم والسلام، خلافاً لما زعمه کثیرون من أنّ الإسلام قد نُشر بالسیف والعنف، وأنّه جاء لیُرهب الناس ویمنع عنهم حقوقهم المشروعة؛ فقد قال الله سبحانه وتعالى: [ادخلوا فی السلم کافة]؛ لیقرّ بذلک أنّ الإسلام هو شمس الدفء التی یحیا تحتها الجمیع مع اختلاف الأدیان، وهو نسمة الهواء العذبة التی یستنشقها الجمیع فتردّ لهم الحیاة بعد أن کانوا فی قبضة الموت، وتنقذهم من ظلمات الجهالة وضلالاتها، وتُدخل فی قلوبهم نسائم الإیمان والطمأنینة من خلال تعالیمها السماویّة الخالدة.. فالإسلام ـ بنظرةٍ متعمّقة ومتبصّرة ـ هو ذلک المنهج الحیاتیّ، والنظام القانونیّ، وهو میثاق الشرف الذی ینقّی حیاة المسلم بکافّة وجوهها ومحطّاتها، لتسود فیها أخلاق الأخوّة الإنسانیّة والتسامح والسلام. والعنف قد یتمثّل فی مظاهر کثیرة، فنراه فی الشتائم التی قد یطلقها المرء ضدّ الآخر الذی لا یرتاح إلیه، أو الذی بینه وبینه إشکالیّة ما، بحیث یعمد إلى إثارة عصبیّته، أو الضغط على مشاعره، بما یشعر معه أنّه یُسقط کرامته ویتحدّى ذاته، ویوحی إلیه بأنّه فی موقع العلوّ والارتفاع، وهو فی موقع السفل والدونیّة، کالکثیرین من الناس الذین یتحدثون مع الآخرین من فوق، لا لشیءٍ إلّا أنّهم یملکون موقعاً للقوّة أمامهم، مهما کان هذا الموقع ضئیلاً ووضیعاً فی واقع الأمر. وهو ما حرّمه الإسلام تحریماً قاطعاً، وتوعّد فاعله بالعذاب والعقاب الألیم. وهناک نوعٌ آخر من العنف یمارسه الرجل ضدّ المرأة بشکلٍ عامّ، وهو یدخل تحت عنوان التمییز العنصریّ أیضاً، ونجده حتى فی تلک الدول التی تسمّی أنفسها بـ (الدول المتحضّرة)، حیث یتمثّل العنف هناک فی جوانب عدّة، من ضرب المرأة أو تعذیبها أو قتلها، وفی عملیّات الاغتصاب وبشکل فوق العادة، وفی المحاولات الدعائیّة المکشوفة والمدروسة التی تسعى إلى تحویل المرأة إلى مجرّد سلعةٍ فی سوق العمل، أو مجرّد جسدٍ له مفاتن، ولا قلب له ولا عقل ولا روح ولا مشاعر ولا أحاسیس.. وللأسف الشدید، فقد بدأنا نلمس وصول هذه الظواهر فی مجتمعاتنا أیضاً، من خلال البرامج التلفزیونیّة الإباحیّة وغیرها من الوسائل والأدوات..
وفی دلیلٍ على تفشّی هذه الظاهرة وازدیادها فی عصرٍ یدّعی أهله أرفع درجات التمدّن والرقیّ: کشفت بعض الدراسات الصادرة عن الأمم المتّحدة أنّ أکثر من یُصاب بالأمراض المعدیة کمرض الإیدز (مرض فقد المناعة) هم النساء، وذلک من خلال ما یمارسه الرجل ضدّهنّ من عنف، وبأشکال کثیرةٍ ومتعدّدة. إنّ هذا النوع من العنف مرفوض إسلامیاً بالمطلق، ففی الحیاة الزوجیّة على سبیل المثال، یقول سبحانه وتعالى: ( وعاشروهنّ بالمعروف فإن کرهتموهنّ فعسى أن تکرهوا شیئاً ویجعل الله فیه خیراً کثیراً )، کذلک یخیّر الله الإنسان الزوج فی الحیاة الزوجیّة ( فإمساک بمعروف أو تسریح بإحسان) . وهناک من الرجال من یحاول أن یهجر المرأة دون أن یطلّقها، وبعضهم من تبذل له المرأة کلّ المهر وربما ما یفوقه ولا یطلقها، والله تعالى یقول: ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتیتموهن) ، وهو سبحانه یُبیّن لنا أنه لا یجوز للإنسان أن یأخذ مهر زوجته بالإکراه: ( وکیف تأخذونه وقد أفضى بعضکم إلى بعض وأخذن منکم میثاقاً غلیظاً) . وهناک نوع آخر من أنواع العنف یتمثّل بطرد الزوجة من بیتها، فهذا حرام؛ لأنه یجب على الرجل أن یسکن زوجته فی البیت ما دامت هی فی دائرة الزوجیة، کما أنّ الزوجة فی المقابل لا یحقّ لها أن تذهب إلى بیت ذویها إذا لم یکن هناک خوف على حیاتها أو ضغط فوق العادة. وهناک مسألة ضرب الزوجة، فالإسلام لا یفرِّق فی الحرمة بین ضرب الزوجة وبین ضرب من هی من غیر المحارم. فهذا العنف محرَّم شرعاً. وکذلک یأتی عنف الکلمة عندما یسبّ الزوج زوجته أو یشتمها، وهو أیضاً محرّم؛ لأنّه لا فرق بینها وبین أیّة امرأة فی المجتمع، فالعقد الزوجی هو کأیِّ عقد آخر، یجب على الزوجین الالتزام به، والعقد إنما یحلّل للزوجین ما کان محرَّماً علیهما فی العلاقة الخاصة، وکلّ ما یتصل بها، وهو لا یجعل المرأة أو الرجل أحدهما مستعبداً للآخر، وینحصر الأمر فی الحقوق التی قضاها العقد لکلیهما، حیث أراد الله سبحانه وتعالى للزوجین أن تکون الحیاة الزوجیة بینهما على أساس المودة والرحمة، ( وجعل بینکم مودة ورحمة ) ، فهما زوجان فی الجسد، ولکنهما أخوان فی الدین. وکذلک بالنسبة إلى البنت، فلیس للأب ولا للأخ سلطة على البنت، بأن یضربها أو یشتمها؛ صحیح أنها ابنته، إلا أنها أخته فی الإیمان، وإن کان له علیها حق الولایة، إلا أن ذلک لا یعطیه الحق بأن یضربها، إلا فی حال التأدیب، وإذا ضربها واحمرّ مکان الضرب فعلیه أن یدفع الدیة. وهناک أنواع أخرى من العنف الاجتماعی، حیث یفرض القوی، سواء کان حزباً أو شخصاً أو جماعةً أو حرکةً، قوّته على الناس دون وجه حق، لأنه یرید أن یخضعهم لسلطته، وأن یمنع الناس من ممارسة حریتهم فیما یعتقدون وفیما یؤمنون به... ولذلک، علینا أن نتثقّف بثقافة رسول الله(ص) وأهل بیته(ع) التی هی ثقافة القرآن، وأن نحاول أن نأخذ بأسباب الرفق وأسباب اللین فی حیاتنا العائلیّة والاجتماعیّة والسیاسیّة. هذا هو مظهر الحضارة؛ أن نعترف بالآخر ونحترمه، ولیس کما هو سائد، أن کلّ من لیس معک فهو کافر، أو زندیق، هذا ضالّ وذاک مضلّ وما إلى ذلک. وللأسف، لقد أصبحت ظاهرة متفشیة بین مختلف الشرائح وعلى مختلف المستویات، والفتاوى بالقتل والتکفیر مستعرة من کلّ حدب وصوب، والنبی(ص) یقول: (ألا لا ترجعوا بعدی کفاراً یلعن بعضکم بعضاً ویضرب بعضکم رقاب بعض). حسن یحیى | ||
الإحصائيات مشاهدة: 6,589 |
||