الصحوة الإسلامیة بین منطق الوعی وزحف التخلف | ||
الصحوة الإسلامیة بین منطق الوعی وزحف التخلف یأخذ الحدیث عن الصحوة الإسلامیة مجاله الکبیر فی حرکة الفکر المعاصر على مستوى النظریة والتطبیق، لیطرح تساؤلات کثیرة حول القضایا العامة التی أثارتها هذه الصحوة فی عالم الإنسان، من حیث العناوین التی طرحتها فی الساحة، ومن حیث المشاکل التی أثارتها، أو التحدیات التی واجهتها، أو النتائج التی وصلت إلیها. فهل استطاعت هذه الصحوة أن تنقل الإنسان إلى عالم جدید تختلف معطیاته الفکریة والسیاسیة والاقتصادیة عن المرحلة التی سبقتها، فتتبلور له قضایاه فی مسألة الحریة أو العدالة، وتمنحه الأصالة فی حرکته نحو التوازن فی حرکة وجوده؟ وهل تمکنت من إثارة مسألة الظلم المنتشر فی الأرض لتتحدث عن کیفیة مواجهته وتحریک قضیة العبودیة لتثیر الفکر عن نوعیة السیطرة علیها، وعن مسألة الجهل وطبیعة حلها وموضوع التخلف، لتبحث عن إمکانات الخروج منه .. وهل کانت فی مستوى التحدیات التی یفرضها الفکر الآخر أو الواقع المضاد..؟ وهل وصلت إلى بعض النتائج الحاسمة فی حرکة الأهداف؟ وهل استطاعت أن تکون البدیل عن کل الواقع المسیطر على العالم؟ قد نحتاج فی مواجهة هذا النوع من علامات الاستفهام أن نتفهم طبیعة هذه «الصحوة الإسلامیة» وحجمها فی حرکة الواقع لنحدد صورتها وأبعادها الفکریة من خلال ذلک على مستوى النتائج. فما هی طبیعتها، وما هو حجمها؟.. إننا نلاحظ أن الوضع الإسلامی کان یعیش حالةً من الرکود فی حرکیته، فقد کان الفکر غارقاً فی الکثیر من الهوامش والتفاصیل التی تأکل حیویته، لأن المسألة کانت تتحرک فی ذهنیة التراث لا فی ذهنیة الحرکة.. وکانت مسألة مواجهته لمشاکل الحیاة على مستوى الواقع غارقةً فی الضباب الذهنی الذی فرضته الأفکار الجدلیة التی لا تنفتح على آفاق النور فی موقع، إلاَّ لتحاصرها الظلمة فی موقعٍ آخر.. ما جعل البعض یطرح الإسلام فی دائرة العبادیات والأخلاقیات العامة والتشریعات الفردیة بعیداً عن مسائل الحیاة العامة فی نطاق المسؤولیات السیاسیة والجهادیة. کما جعل بعضاً آخر یطرح تجمید الإسلام فی حرکیته – مع اعترافه بشمولیته – انتظاراً لآخر الزمان، لأن الظروف الحاضرة تمنع شرعیته. ویرى فریق ثالث أن مسألة الحدیث عن الإسلام الشمولی قد تجاوزها الزمن، لأن المراحل الزمنیة التی قطعها الإنسان ربطته بأوضاع جدیدة لم یواجهها الإسلام فی مرحلة نشوئه وحرکته السابقة، ما یفرض علیه أن یتخلى عن دوره للأفکار الجدیدة التی تتسع لمشاکل الإنسان الجدیدة، لیکون الإسلام مصدر إلهام فی أفکاره وقیمه العامة، بدلاً من أن یکون مصدراً للعقیدة بتفاصیلها، أو للشریعة بشمولیتها. ویقف إلى جانب ذلک فکرٌ إسلامی یعمل على الهروب من الغیب ما أمکنه ذلک، لیتحرک فی نطاق التوفیق بین ما هو الفکر الإسلامی وبین ما هو الفکر الغربی الذی فرض نفسه على الواقع السیاسی فی موازین القوة والضعف، لتکون المسألة المطروحة هی أن الإسلام یتفق مع المعطیات الحدیثة للفکر الإنسانی، وللتقدم العلمی، ما یجعل ذلک هو المیزان للقیمة الإسلامیة فی نظر الإنسان المسلم.. وهذا هو الاتجاه الذی قد لا یعوز أصحابه الإخلاص للإسلام، ولکنه یخضع للذهنیة التی عاشت الانبهار بالحضارة الغربیة، فأرادت للإسلام أن یأخذ بأسبابها فی مجال التفسیر للقرآن، والتوجیه للشریعة.. وقد انطلق – مع هذا الفکر التوفیقی – فکر حرکیٌّ على أنقاض الفکر المتخلف الذی یُبعد الإسلام عن الحیاة وفی مواجهة الصدمة الکبیرة التی انسحب فیها الإسلام من مواقع الحکم والتشریع من خلال الهجمة الشرسة على الإسلام فی قواعده السیاسیة التی قادها الاستکبار العالمی الغربی القائم على الکفر والانحراف، لتقود المسلمین إلى الفکر المتحرک فی النطاق الوطنی أو القومی، بعیداً عن النطاق الإسلامی. وهکذا بدأ المسلمون الواعون یخططون لحرکة إسلامیة سیاسیة تعمل على إعادة الإسلام إلى الحیاة العامة فی حرکة الفکر والتشریع والجهاد..وقد أفسحت هذه الحرکة الإسلامیة المجال لنشاط إسلامیّ سیاسی وفکریٍّ فی مختلف بلدان العالم الإسلامی، حتى تحوَّلت الحرکة إلى حرکات متعددة تختلف فی التفاصیل الذهنیة أو المفردات التشریعیة، أو فی النظرة السیاسیة.. ولکن ذلک کله لم یستطع أن یحرّک الواقع الإسلامی الخاضع للسیطرة الاستکباریة، لیأخذ بأسباب الحریة والاستقلال على أساس القاعدة الإسلامیة الفکریة السیاسیة.. بل کان الأمر فی ذلک مشدوداً إلى الأفکار الجدیدة المطروحة فی دائرة التفکیر الغربی على مستوى الحرکة السیاسیة.. فکنا نرى ثورة قومیة هنا وحرکة وطنیة هناک، وحدیثاً عن معارضة مارکسیة فی مجال آخر.. أما الحرکة الإسلامیة، فإنها تعیش فی نطاق الصراع الثقافی، أکثر مما تعیش فی ساحة الصراع السیاسی، وإذا استطاعت أن تصل إلى بعض مواقع القوة، کان الإعلام الخاضع للغرب یعمل على أن یبعدها عن الواجهة، کما أن أجهزته المخابراتیة کانت تعمل على إثارة الفوضى فی داخل هذه المواقع لتضعفه من الداخل، وتبعده عن التأثیر الحاسم. وفی هذا الجوّ القلق الذی کان مفروضاً، أصیبت الحرکة الإسلامیة ببعض الانکماش، فیما هی المسألة الثوریة، وببعض الضعف، فیما هی المسألة السیاسیة.. بحیث أصبحت تمثل الدوائر المحدودة المحاصرة من قبل أجهزة الحکم العمیل للغرب فیها، ومن قِبَل الذهنیات المتغربة التی درست فی معاهد الغرب فیما رکزته من المفاهیم التی تفصل بین الدین والدولة، وتنعى على الإسلام تدخله فی السیاسة، ومن قِبَل العقلیات المتخلفة المتحجرة التی تحصر الإسلام فی دائرة العبادة وتبعده عن دائرة الحیاة العامة. ثم جاءت الثورة الإسلامیة التی قادها الإمام الخمینی (قدس سرّه ) وصحبه الأبرار، واستطاعت أن تتفاعل مع محیطها الواسع فی الأمة فی هدفها المرحلی، وهو إسقاط الحکم الامبراطوری الذی کان یمثل الواجهة العریضة للسیطرة الاستکباریة الأمریکیة فی إیران، ویتحرک من أجل إضعاف الروح الإسلامیة لحساب الروح الکافرة المرتبطة بالتاریخ القدیم المنفتح على المجوسیة والزرداشتیة وغیرها... وکان سقوط هذا الحکم الذی یمثل القاعدة القویة للکفر والاستکبار، بفعل الإسلام الحرکی المنطلق من موقع المرجعیة الشرعیة المنفتحة على الحیاة فی موقع المسؤولیة.. هو الصدمة القویة التی استطاعت أن تصنع الزلزال، لتثیر علامات الاستفهام فی العالم کله عن مدى القوة التی یملکها الإسلام فی صنع الثورة، فی روحیته التی تصنع الإنسان بطریقة فاعلة مؤثرة فی کل کیانه، وفی حرکیته التی تتحدى العقبات الصعبة التی یضعها الآخرون فی الطریق، وفی قدرته على المواجهة والإثارة والاستمرار، ثم لتحرک المسلمین نحو الإحساس بقدرة الإسلام على صنع الثورة، وعلى رد التحدی، وإثارة التحدی بطریقة فاعلة حاسمة، وبقدرته على صنع الدولة من خلال الاکتفاء الذاتی فی التشریع، على أساس خط الاجتهاد، الأمر الذی أعاد الثقة للمسلمین بإسلامهم فی قدرته على قیادة الحیاة باسمه.. وبدأ الحسّ السیاسی یتبلور فی الحسّ الإسلامی، وانطلق المسلمون یفکرون بأن الثورة قد تکون الطریق الأقرب لإقامة حکم الإسلام، ویتحدثون عن الإصلاح بطریقة سلبیة فی مقابل عملیة التغییر الشامل الذی یأخذ عنوان الثورة على کل مواقع الاستکبار فی مصالحه وأوضاعه المنتشرة فی بلاد المسلمین.. وهکذا ولدت الصحوة الإسلامیة التی نفضت النوم عن عیون المسلمین، فأصبحوا یحدّقون بالنور الذی یملأ آفاق الإسلام فی فکره وثورته، کما أبعدت المسلمین عن الاستغراق فی الغفلة المطبقة على عقولهم وقلوبهم، ودفعت بهم إلى الاندفاع نحو مواجهة التحدیات بکل طاقاتهم التی تتحدى الأخطار، وتتحمل الجراح، وتختزن الآلام، وتعیش مشاکل الجهاد کله بصبر وإخلاص.. وبدأ المسلمون یفکرون بالسلبیات الکثیرة التی واجهت الواقع الإسلامی فی مسألة الحریة والعدالة، لتکون خاضعة للتخطیط الفکری غیر الإسلامی، ویتحدثون عن ضرورة الحرکة الثوریة على أساس المفاهیم الإسلامیة، لیعیش المسلم وحدة الموقف بین ما هو الفکر والعمل، وبین ما هو النظریة والتطبیق، فلا یکون مسلماًَ فی العبادة وکافراً فی السیاسة، ومنحرفاً فی خط السیر... وفی ضوء ذلک، ارتفعت الغشاوة عن وعیهم الفکری والروحی، فأصبحوا یملکون الحذر فی ما یُطرح من أفکار، وفی ما تتحرک فی أوساطهم من دعوات، وفی ما یثار فی ساحاتهم من تهاویل، أو یخطط لهم من مشاریع.. لیفکروا فی ذلک بطریقة واعیة تناقش ذلک کله فی نطاق الفکر الإسلامی والشریعة الإسلامیة، لتأخذ بالأصالة فی الانتماء والموقع والحرکة والامتداد، بحیث لا یجدون فی ما یأخذون به أیّ انحراف فی فکر أو أی خلل فی الموقف.. وانطلقت الدوائر الصغیرة المتناثرة فی بلدان العالم الإسلامی لتتسع وتنطلق وتتحرک من خلال هذه الروح الجدیدة التی حوَّلت الإسلام إلى تیار جارف، وموج هادرٍ، بعیداً عن التنظیمات الحزبیة الضیقة وعن الحرکات السیاسیة المحدودة، بحیث انطلقت جماهیر الأمة لتفرض على قیاداتها الانفتاح علیها بشکل أوسع وأعمق، لأن حاجاتها قد کبرت فی حجمها عمَّا کانت علیه.. و استطاعت الجماهیر أن تسبق قیاداتها فی الموقف والموقع والحرکة، حتى أصبحت المسألة هی أن تبادر القیادات للحاق بالجماهیر بدلاً من العکس... وکانت الثورة الإسلامیة فی إیران هی القاعدة الصلبة التی انطلقت منها روحیة هذه الصحوة وحرکیتها وفاعلیتها وتأثیرها على الجوّ الإسلامی کله بشکل مباشرٍ أو غیر مباشر.. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,226 |
||