الامة الاسلامیة ومتطلبات الصحــــــوة | ||
الامة الاسلامیة ومتطلبات الصحــــــوة حسین خضر کثیرة هی العوامل التی أدّت إلى تردّی أوضاع المسلمین, وأودت بهم إلىالابتعاد عن القیم الأصیلة للدین الإسلامی العظیم،دین السماحة و الرحمة و الوسطیة، ودین التضامن والوحدة، هذاالدین الذی هو بلاشک منظومة من القیم الخالدة التی قامت علیها حضارة عظیمة, طالت بنورها العالم لعصور طویلة وأنتجت نهضة فکریة و علمیة وعمرانیة قل نظیرها إلى یومنا هذا. وحتى الصحوة الاسلامیة التی استبشرت بها الأمة خیراً, فعقدت علیها الأمانی وعلّقت الآمال, علّها ترجع تاریخها الأبی وتحیی أمجادها, ما لبثت أن زال بریقها وخفّ لمعانها, وحادت عن الطریق المستقیم بفعل السلوکیات المشینة والانحرافات الخطیرة التی مارسها ویمارسها المغالون المتطرفون والمتعصبون المنغلقون, الذین لا یرون فی الشریعة متسعاً, وفی اختلاف الرأی فضیلة, ولا یجدون فی تنوع الأقوام والمعتقدات حکمة إلاهیةً تعلمنا کیف نختلف دون أن نتحارب، وکیف نجتهد دون أن نتصادم.. ثم کانت النتیجة الألیمة.. أعمالاً إرهابیة واستباحةً لقتل الأبریاء وترویع الآمنین, هذه الأعمال التی لم یتأذَّ منها المسلمون فحسب, بل طالت الإسلام وشوّهت صورته وخدشت عالمیته لدى الغرب الذی ینتظر فرصة من السماء للتآلب والتکالب علینا, فأصبح ینظر إلى الإسلام والمسلمین بعین الشک والریبة, حتى بات مجرد الانتماء إلى الإسلام أو حتى إلى بلدّ إسلامی تهمةً وجرماً فی نظر الکثیرین, وأمسى التطرف والإسلام وجهان لعملة واحدة. جرّاء هذا التصوّر الخاطئ حصلت ردّات فعل لم تعرف حدوداً استهدفت سائر المسلمین دون تحقیق ولا تدقیق, لیصبح الجمیع ضحیّةً للتضییقات والحملات العنصریّة الظالمة, والسؤال حینئذٍ: هل بإمکان أمتنا الإسلامیة أن تتجاوز محنتها؟ إنّ متابعةً لتاریخ الأمّة الإسلامیة کفیلة بإعطاء جواب مطمئن لقلوب المسلمین بأنّ الأمل لم یمت بعد, والفرصة لا زالت سانحة, لا أقل على المستوى النظری, ذلک أنّ الأمة الإسلامیة قد مرّت عبر تاریخها الطویل بفترات أشدّ وطأة وأکثر إیلاماً وأفدح ضرراً مما هی علیه الیوم, واستطاعت بفضل عزیمة رجالها وصدق حکمائها واجتهاد علمائها أن تتجاوز مثل هذه المحن. من هنا فإنّ الأمل الیوم معقود على علماء الإسلام وخطبائه ومفکریه، إذ تتطلب هذه المرحلة سعیاً دؤوباً من هؤلاء لتحصین المسلمین من کلّ ما یفسد عقیدتهم ویضعف وحدتهم ویعرقل تقدّمهم ویحول دون تواصلهم مع بقیّة الشعوب والأمم والتفتّح على حضاراتها وثقافاتها فی محیط دولی متشابک تهیمن علیه العولمة وتحکمه التکتلات الکبیرة, ولا مکان فیه للأمم الضعیفة المنغلقة على نفسها والعاجزة عن مواکبة المتغیرات التی من حولها.. مع ما یتطلّبه کلّ ذلک من خطط مستقبلیّة بیّنة المعالم وواضحة الأهداف. ومن خلال قراءة عمیقة لواقعنا ولعناصر قوتنا وضعفنا, نجد أنّ الخطوة الأولى التی یجب أن ینطلق منها المتصدون لهذه المهمة المستعصیة هی السعی من أجل إبداع خطاب إعلامی إسلامی مقنع ومؤثر, وتصدیر الإسلام بصورته الحضاریة العالمیة الراقیة؛ ذلک أنّ الإسلام دین الحکمة والموعظة الحسنة, ولذا أولى الإعلامَ والبلاغ مکانةً خاصة, قال تعالى: (ادع إلى سبیل ربک بالحکمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتی هی أحسن). والدعوة هذه لا تتحقّق إلاّ عن طریق الحوار المتعقّل والودّی خاصة وأنّ الإنسان یعیش هذا العصر فی غمرة التطّورات الهائلة فی شتّى مجالات الحیاة التی تمثّل الثورة المعلوماتیّة فیها أهم رکائز القوة، وعلینا کعالم إسلامی أن نطرح هذه المفاهیم فی إطار مقتضیات العصر والتطوّرات المحیطة به، ولا بدّ من أخذ هذه المقوّمات الجدیدة فی الاعتبار وتفعیلها مع المخزون الثقافی الإسلامی المتراکم عبر التاریخ مستندین فی ذلک إلى الحکمة والتخطیط. إن هذا الطرح الاستشراقی لما ینبغی القیام به فی ظلّ هذه الثورة الاتصالیة المذهلة من شأنه أن یجعلنا قادرین على بلورة خطاب إعلامی مقنع ومؤثّر وذی مصداقیة تصنعه نخبة من علمائنا المستنیرین المتخصّصین القادرین على شرح قضایا الإسلام وقضایا الأمّة شرحاً صحیحاً؛ ذلک أنّ الإسلام حینما یعرض عرضاً سلیماً فإنّه لا محالة ترجّح کفّته وتظهر صورته الحقیقیة المتألّقة، وتفسد على المغرضین والمشککین خططهم. وفی هذا السیاق لا ینبغی أن نغفل عن أنّ جانباً من الإعلام الغربی قد سخّر طاقاته وحشد قوته بوسائل أکثر تطوّرا لمواجهة الإسلام والمسلمین، کما لا بدّ من التنبیه على أمر هام وخطیر وهو أنّنا سنکون عاجزین على ردّ کید الکائدین إذا واصل البعض منّا مدّ هؤلاء فی کلّ یوم بما یدعم مواقفهم العنصریة، ویکرّس نمطیّة صورة المسلم کما یروّجون لها. نعم, فی زمنٍ بات للعلم دورٌ فی مختلف دوائر الحوار والجدل, تصبح حاجتنا إلى خطاب إعلامی مقنع ومؤثر هی الخطوة الأولى والعنصر الأهم الذی یفتقده العالم الإسلامی لکی تستعید الصحوة عافیتها, فتجذّر الإنسان المسلم فی هویّته وتمکّنه من معرفة عقیدته وتجعله متمسّکاً بالقیم الأصیلة لهذا الدین العظیم ومتفاعلا فی الآن نفسه مع حضارة عصره أخذاً وعطاءً بکلّ کفاءة واقتدار، إنـّها فی عبارة واحدة نشر الإسلام الأصیل بعبارة وصورة معاصرة, وتحویل ساحة المواجهة والصراع إلى رحاب التسامح والحوار. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,216 |
||