الصحوة الإسلامیة بین مصر و إیران | ||
![]() | ||
الصحوة الإسلامیة بین مصر و إیران لا یسع الناظر لخریطة العالم المعاصر إلّا أن یلحظ فی هذه الفترة الراهنة الصعود غیر المسبوق لما اصطلح على تسمیته بـ (الصحوة الإسلامیّة). تمثّل ذلک ـ بادئ ذی بدء ـ فی الاهتمام الفکریّ والسیاسیّ بحرکات الصحوة أو النهضة الإسلامیّة، وبالأطروحات السیاسیّة التی قدّمتها هذه الحرکات على امتداد العالم الإسلامیّ. لیتزاید هذا الاهتمام فیما بعد مع نجاح الثورة الإسلامیّة فی إیران عام 1979م، باعتبارها أعلى الدرجات التی بلغتها ظاهرة الصحوة والنهضة الإسلامیّة فی مرحلة العمل والتطبیق. وصولاً إلى مرحلةٍ راقیة أُخرى من مراحل تجسّد الصحوة الإسلامیّة مع تکرّر انتفاضات الحجارة فی أراضی فلسطین، ومع النجاحات المتکرّرة لحرکات المقاومة فی فلسطین ولبنان، ولا سیّما الانتصارین الکبیرین عام 2006 فی جنوب لبنان، و 2008 فی قطاع غزّة، والّذین شکّلا ـ بحقٍّ ـ نقلةً نوعیّةً فی کیفیّة التعاطی العربیّ والإسلامیّ مع کیان الاحتلال الصهیونیّ. ولقد أصبح معروفاً أنّ أغلب المجتمعات الإسلامیّة المعاصرة تعیش منذ بدایة السبعینیّات حرکة إحیاء وصحوة دینیّة، تمثّلت فی عودة الشعوب إلى الإسلام، وإقبالهم الکبیر على دراسة تعالیمه وأطروحاته، والتعامل معه بوصفه دیناً ومنهجاً شاملاً للحیاة، تکمن بداخله الکثیر من العوامل إحیائیة المتجدّدة التی لم تمت، ولا تموت، على الإطلاق، ما یجعل الدین الإسلامیّ دیناً مرناً له القدرة على التعاطی مع العقل واللّغة وأسلوب الحیاة فی کلّ العصور. وعلى هذا الأساس، کانت عودة الشعوب الإسلامیّة إلى الإسلام عودةً طبیعیّة ومتوقّعة، تفرضها ذات هذا الدین، وطبیعة أحکامه، والاقتناع الوجدانیّ الشعبیّ الراسخ بما یقدّمه الإسلام من النظریّات والتعالیم والبرامج العملیّة والمسلکیّة والحیاتیّة والتربویّة، وهی عودة ذات طابع جماهیریّ تحمل فی جوهرها الرئیسیّ معنى العودة إلى الأصول الإسلامیّة النقیّة، من القرآن الکریم، والسنة المبارکة. وقد جاءت هذه العودة بعد أن قامت الشعوب الإسلامیّة بتجریب مختلف النماذج الاجتماعیّة والسیاسیّة الغربیّة فی العالم الإسلامیّ على امتداد القرن أو القرنین الأخیرین من تاریخ المجتمعات الإسلامیّة، ما یعنی: أنّ الشعوب بعد أن عاینت بأنفسها فشل النماذج الأُخرى غیر الإسلامیّة وعت تماماً أنّ الحلّ إنّما یکمن فی عودتها إلى الإسلام، بعدما کانت قد هجرته سنواتٍ، بل عقوداً، من الزمن، وأنّ السرّ فی انحطاطها وتخلّفها لم یکن هو عدم التحاقها برکب الحضارة الغربیّة، بل کان عبارةً عن ضیاعها وتشتّتها وتنقّلها بین الحضارات المادّیّة المختلفة التی هی لیست مناسبةً لأصحابها الغربیّین، فضلاً عن أن تکون مناسبةً لشعوب أُخرى، ولا سیّما الشعوب الإسلامیّة التی امتزجت بالحضارة الإسلامیّة بحیث صارت تعالیم الإسلام ومفرداتها جزءاً لا یتجزّأ من عقولها وقلوبها وأفکارها وآرائها وعاداتها وأخلاقها وطباعها، و.. نعم، کانت هذه العودة تتطلّب عملاً دؤوباً وسعیاً جادّاً فی سبیل إعادة بعث هویّة إسلامیّة جدیدة ومعاصرة، بمعنى: إعادة بثّ الروح فی الإقبال الشعبیّ والجماهیریّ نحو الإسلام، عبر إحیاء وتفعیل دور الدین فی مختلف المیادین التی یحتاج إلیها إنسان هذا الیوم، فی عالم هذا الیوم. إنّ ما نشهده الیوم من صحوة إسلامیّة (رفیعة المستوى) فی جمهوریّة مصر العربیّة یشبه إلى حدٍّ بعید، فی خصائصه البنیویّة، وفی الخلفیّات والعوامل التی دفعت إلى قیام هذه الصحوة، مع الصحوة الإسلامیّة التی کانت وراء اندلاع الثورة الإسلامیّة فی الجمهوریّة الإسلامیّة الإیرانیّة، فالنظام السیاسیّ الذی کان حاکماً آنذاک فی إیران تمیّز بمحوریّة دور شخص الحاکم (الشاه)، والانفراد بشکلٍ شبه مطلق بعملیّة صنع السیاسة العامّة، واتّخاذ القرار فی المجتمع. وکذلک کانت الحال فی مصر، فی عهد النظام السابق: استبدادٌ بالرأی، وتفرّدٌ بالقرار، وتغییبٌ تامّ للإرادة الشعبیّة، وشلّ فاعلیّات المؤسّسات السیاسیّة فی البلاد، والقضاء على کلّ مظاهر العمل السیاسیّ المعارض (المعارضة الحقیقیّة). ولقد عمل کلّ من الرئیس المخلوع فی مصر، والشاه المقبور فی إیران، على السیطرة بشکلٍ کامل على کافّة وحدات الضغط السیاسیّ، وخلق حالةٍ من الولاء الکامل والطاعة العمیاء للشاه أو العرش فی إیران، ولمبارک أو مؤسّسة الرئاسة فی مصر، وکانت أشهر هذه الوحدات فی إیران (السافاک والجیش)، وأمّا فی مصر فکانت متمثّلةً فی أجهزة أمن الدولة التابعة لوزارة الداخلیّة، بالإضافة إلى جهاز الأمن القومیّ (المخابرات العامّة)، والجیش، الذی کان مبارک قائده الأعلى. وفی ظلّ هذه السیطرة، مع ما تستتبعه من ظلم مجحف وممارساتٍ قمعیّة وُجدت حرکة الصحوة الإسلامیّة فی البلدین، وساعدت هذه السیطرة على تصعیدها وتعاظم أمواجها. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,097 |
||