الضمیر الإنسانی المشترک | ||
الضمیر الإنسانی المشترک د. ناصربنغیث حالات التطاول الغربیة المتوالیة على الرموز الدینیة للمسلمین لا یمکن قراءتها کما تدعی الحکومات الغربیة على أنها حالات فردیة معزولة لا تمثل التوجه الرسمی ولا تعکس المزاج الشعبی، کما لا یمکن أن یقبل أیاً منا بأن تلک الحکومات لا دخل لها وأنها لا تستطیع أن تتدخل لإیقاف هذا التطاول حیث أنها حریة التعبیر التی لا یمکن لأحد المساس بها أو الإنتقاص منها تحت أی مسوغ أو ذریعة، فحریة التعبیر لا تثار إلا عندما یـتعلق الأمر بالمسلمین أما عندما یتعلق هذا الأمر بمصالح الغرب أو الیهود أو بمسلماتهم فإن حریة التعبیر أخر ما یکون فی الحسبان، لکن هذا الرفض من قبلنا للمسوغات التی سیقت للتطاول على مقدساتها ورموزنا یجب أن تستتبعه محاولة جادة من قبلنا لإقامة الحجة علیهم وذلک من خلال إیصال العدید من الرسائل : أولاً أن ممارستهم لحریة الرأی یجب أن لا نتحمل تبعاتها نحن دونهم بسبب کوننا الحلقة الأضعف فی سلسلة الحضارة الیوم، وثانیاً أن قیمهم قد تلزمهم هم لأنهم هم من إختارها من خلال منظومة التشریع لدیهم من خلال تبنی ما تقرره أغلبیتهم ولا یجب أن نلتزم نحن بما قررته هذه الأغلبیة لأننا لم نشارک فی تقریر ذلک ولأننا قوم لنا کیاننا وتاریخنا ومسلماتنا وقیمنا وأننا مختلفون عنهم، وثالثاً وهو الأهم أن یکون إیصال هذه الرسائل بطریقة عقلانیة لکن حازمة تضمن وصولها بأقل تکلفة ممکنة. إن إفترضنا حسن النیة فی الطرف الآخر فإننا نتحمل الجانب الأکبر من المسؤولیة عن التطاول هذا الذی نتعرض له، فنحن لم نحسن إلى أنفسنا أو إلى بعضنا البعض کی یحسن الطرف الاَخر معنا أو إلینا، کما أننا لم نتمکن من إفهام الطرف الأخر حقیقة أن مفهوم 'المقدس' لدینا یختلف عن ما لدیهم وأن الله بالنسبة لنا أکثر من مجرد إله نتفق أو نختلف حوله وأن القراَن الکریم أکثر من مجرد کتاب نقرأه وأن محمد علیه الصلاة والسلام أکثر من مجرد رجل نبجله وأن الرأی وحریته لدینا تخضع للمقدس ولیس العکس، رغم إختلافنا مع الغرب الذی إستتبع رفضنا للکثیر من المفاهیم التی یتبناها إلا أننا لم نتمکن من تقدیم مفاهیم بدیلة للمفاهیم التی تطرح، فنحن على سبیل المثال لا نقبل بالکثیر من أطر وأسس حقوق الإنسان لدى الغرب لکننا وفی الوقت نفسه لیس لدینا أسس وأطر بدیلة لهذه الحقوق، کما أننا لا نقبل بالتصور الغربی لحریة التعبیر کما هو على إطلاقه لکننا لا نستطیع أن نفرض عدم القبول هذا على الغرب ببساطة لأننا لیس لدینا أی تصور أو ممارسة لحریة الرأی إذ إننا نعیش فی ظل أنظمة قمعیة لا تعترف بأی صورة من صور الحریة وفاقد الشیء لا یعطیه، والغرب عموماً لا ینظر إلى الإسلام من خلال المنظومة القیمة التی جاء بها بل من خلال المسلمین ولا یحکم على أداء الإسلام عن طریق قراءة تاریخ الحضارة الإسلامیة بل عن طریق النظر إلى حال المسلمین الیوم، والمشاهد لحال المسلمین الیوم لا یمکن أن یکون عنده أی قدر من التعاطف للإسلام کمعتقد أو کأسلوب حیاة، فالغرب الذی یجد نفسه الیوم متفوقاً حضاریاً یعتقد أنه متفوق حضاریاً لأنه متفوق 'أخلاقیاً' ویعتقد أن المسلمین متخلفین حضاریاً لأنهم متخلفین 'أخلاقیاً' والسبب فی ذلک من منظوره یرجع فی المقام الأول إلى الإسلام لأنه یشکل منظومة أخلاقیة 'بدائیة ومتخلفة'، وبالأضافة إلى تخلفنا نحن المسلمین الإقتصادی والسیاسی فإننا کذلک کأفراد غالباً ما نقدم صور غایة فی السوء عن طرق الإختلاف والرفض والإعتراض والإحتجاج فإختلافنا غالباً عقیم ورفضنا سلبی وإعتراضنا صاخب وإحتجاجنا عنیف، فالمظاهرات التی إجتاحت العالم الإسلامی إحتجاجاً على الفیلم المسیء للنبی علیه الصلاة والسلام غالب ضحایاها مسلمون وخسائرها فی دیار الإسلام وأصبحنا بذلک کمن یضرب وجهه أحتجاجاً على سب أحدهم له. إن أفضل طریقة للإعتراض على مثل هذه التجاوزات سواءا المقصودة أو العفویة هو السعی فی توصیل رسالة الإسلام دون تشویه من خلال إتباع هدی النبی علیه الصلاة والسلام فی کل شأننا بما فی ذلک فی أسلوب إختلافنا مع الآخرین، والترکیز على أننا أولاً وأخیراً حملة رسالة إلى العالم أجمع، هذا من ناحیة ومن ناحیة أخرى السعی لتکوین 'ضمیر إنسانی مشترک' فیما یتعلق بالمقدسات تتوحد فیه الإنسانیة رغم أختلافها وتتفق على إحترام المقدسات و التعامل مع مقدسات بالإحترام الذی تستحقه، فمفهوم 'المقدس' کما هو معلوم عامل مشترک بین البشر کلهم، فلکل فرد - بغض النظر عن خلفیة دینیة وفکریة- فکرة مقدسة یعتقدها حتى ذلک الذی لا یعتقد بوجود المقدس فمقدسه هو أنه لا مقدس، فالمقدس بهذا المعنى لا یشترط فیه أن یکون على أساس أو خلفیة دینیة حیث أنه بالإضافة إلى المقدس الدینی هناک المقدس الفکری والمقدس السیاسی والمقدس التاریخی والمقدس الإقتصادی، والمشکلة الیوم تکمن فی قدرة فرد أو جماعة من الناس على إقناع الاَخرین بمقدسة أو فرض إحترام هذا المقدس على الاَخرین، إلإ أنه وفی المقابل هنا الکثیر من الجماعات التی إستطاعت فرض إحترام مقدساتها على الاَخرین بل أن بعضها بالغ فی ذلک، فالیهود مثلاً وبما لهم من بأس إستطاعوا فرض المحرقة التی لا تعدو أن تکون حادثة تاریخیة قد تثبت وقد لا تثبت کثابت لا یجوز التشکیک فیه وهی الیوم تحولت بذلک إلى أمر مقدس تقف حریة الرأی عند أعتابه، المسلمون الیوم یشکلون ما یقرب من ربع سکان العالم وعدد الدول الإسلامیة الأعضاء فی الأمم المتحدة یبلغ سبعة وخمسین دولة إضافة إلى الدول التی یشکل المسلمون نسبة لا بأس بها کالهند وروسیا، والدول الإسلامیة کذلک أعضاء مؤثرین فی الکثیر من المنظمات المؤثرة عالمیاً على الصعیدین السیاسی والإقتصادی مثل منظمة التعاون الإسلامی, لذلک والأمر کذلک فإنه من السهل بمکان حمایة المقدسات الإسلایمة من خلال سعی الدول الإسلامیة لدى الأمم المتحدة بما لها من تأثیر جماعی لتشکیل هذا الضمیر الإنسانی المشترک الذی یجمع البشریة تحت مظلة فی إحترام المقدسات دون أن التضحیة بحریة الرأی المسؤولة من ثم إستصدار قرار دولی ملزم بتجریم المس بمقدسات ومسلمات الشعوب. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,251 |
||