صبرا و شاتیلا: جریمـة بـلا عـقاب | ||
صبرا و شاتیلا: جریمـة بـلا عـقاب رشاد أبو شاور
اللعنة على الذاکرة التی تنسى .. اللعنة على من یتذکرون ویتقاعسون اللعنة على من شاهدوا جثث أهلنا فی صبرا وشاتیلا، ولم یُجّرموا القتلة الصهاینة وعملاءهم، ویعملوا على إنزال أشدّ عقاب بهم. أکتب لأذکّر من نسی، وأکتب لمن لم یکن قد ولد فی شهر أیلول (سبتمبر) عام 1982، ولمن لم یولدوا بعد، لأن مذبحة صبرا وشاتیلا لا بد أن تبقى فی العقل والضمیر، دافعا للفعل الذی یلیق بصراخ أطفالنا الذین حطمت رؤوسهم، وأیدیهم بلطات القتلة، واستغاثات أخواتنا اللاتی اغتصبهن وحوش القوات اللبنانیة الأنذال، برعایة وتوجیه من شارون وجنرالات جیش العدو الذی اقتحم بیروت بعد رحیل قوات الثورة الفلسطینیة. وحتى ننشط ذاکرة من عاشوا تلک الفترة الجحیمیة، ونحقن ذاکرة من لم یولدوا آنذاک، لا بد أن نرتب الأحداث بعجالة. اتفق مع قیادة الثورة الفلسطینیة بعد قتال قرابة 80 یوما، على خروج مقاتلیها من بیروت برعایة من قوات دولیة، أمریکیة، وفرنسیة، وإیطالیة، وبدأت عملیة الترحیل بالسفن إلى عدة بلدان عربیة، ابتداء من یوم 21 آب (اغسطس)، واختتمت برحیل عرفات ومعه بعض القادة. قدم فیلیب حبیب الوسیط الأمریکی اللبنانی الأصل ضـــــمانات بعـــــدم الاعتداء على مخیمات الفلسطینیین بعد رحیل قوات الثورة الفلسطینیة! کان بشیر الجمیل الابن الأصغر لبییر الجمیل مؤسس حزب الکتائب، الذی تأثر بتجربة هتلر حین زار ألمانیا، طامحا لرئاسة الجمهوریة، وقد دعمه (الإسرائیلیون) فی الوصول إلیها، رغم صغر عمره، ورفض اللبنانیین من شتى الطوائف والتیارات السیاسیة ترئیسه، کونه عمیلاً (للإسرائیلیین). بعد انتخاب بشیر الجمیل بأیام قلیلة، یوم 14 أیلول، فُجّر مبنى الکتائب، وقتل بشیر الجمیل الرئیس الذی لم یهنأ بالرئاسة، وعدد من معاونیه. کان شارون وأرکان حربه قد وضعوا خطة مسبقة لاحتلال بیروت الغربیة سموها (الدماغ الحدیدی). للتذکیر: بیروت الشرقیة کانت تحت سیطرة الکتائب، والقوات الانعزالیة. استغل شارون اغتیال الجمیل، وأمر بتقدم قواته لاحتلال أحیاء بیروت الغربیة، وحاصرت قواته المخیمات الفلسطینیة، تحدیدا صبرا وشاتیلا. رغم أن الأغلبیة الساحقة من المقاتلین الفلسطینیین قد غادرت، فقد قدم شارون تبریرا لاحتلال بیروت بأن هناک قیادات ومقاتلین فلسطینیین قد بقوا، وان مستودعات أسلحة کثیرة مخفیة فی بیروت. بحسب ما نشرته صحافة العدو الصهیونی، فإن اجتماعات مطولة عُقدت یوم 15 أیلول مع قادة القوات اللبنانیة، بهدف وضع اللمسات الأخیرة للهجوم على صبرا وشاتیلا، الواقعین فی خاصرة بیروت الغربیة. تکونت القوات المهاجمة من الکتائب بشکل رئیس، والنمور التابعین لحزب الأحرار ـ حزب کمیل شمعون ـ وحرّاس الأرز، وهم مجموعة یقودها إیتان صقر (أبو أرز). حتى نفهم عقلیة وأخلاق هؤلاء الوحوش نقدم للقراء بعض ما وصفهم به ضباط جیش العدو الصهیونی، وهو ما أورده الصحافی (الإسرائیلی) أمنون کابیلوک فی کتیبه (تحقیق حول مجزرة): قال ضابط فی هیئة أرکان الجبهة الشمالیة: إن القوات اللبنانیة شبیهة کل الشبه بملیشیا سعد حداد، فهؤلاء کأولئک یتظاهرون بمظاهر البطولة والمرجلة أمام المدنیین العزّل من السلاح. ویقول ضابط آخر، برتبة عالیة، سمعت من ضابط کتائبی السؤال الذی نطرحه على أنفسنا هو: بماذا نبدأ، بالاغتصاب، أم بالقتل؟ (ص43) مراسل صحیفة ‘یدیعوت احرونوت’ الأوسع انتشارا فی الکیان الصهیونی، کتب بعد أن راقب سلوکیات أفراد القوات اللبنانیة: منذ زمن طویل والسلطات العلیا فی الجیش (الإسرائیلی) تعرف أن المقاتلین الکتائبیین، إذا جازت تسمیتهم بالمقاتلین، لیسوا سوى عصابة من الشبان، وغیر الشبان، وان مستواهم القتالی هو أقرب إلى الجبن والتخاذل، وأخلاقیاتهم مشکوک فیها.(ص 41) هؤلاء هم مقاتلو القوات اللبنانیة الذین اقتحموا صبرا وشاتیلا، بشهادة رعاتهم الصهاینة، الذین نفذوا مذبحة صبرا وشاتیلا، بعد رحیل مقاتلی الثورة الفلسطینیة، بتخطیط وإشراف وإعداد وتوجیه ومتابعة من جنرالات الاحتلال، بقیادة شارون وزیر دفاع العدو، وإیتان رئیس الأرکان. ألیس جیش الاحتلال الصهیونی وجنرالاته أکثر انحطاطا من أدواتهم وتابعیهم القتلة الطائفیین؟! لقد ثبت أن شارون وجنرالاته کانوا على بعد أقل من 200 متر من موقع المذبحة.. یتابعون مجریاتها، وهم یعرفون ما سیقترفه هؤلاء الشواذ الجبناء، ویستمتعون بصراخ أطفال الفلسطینیین، والنساء المغتصبات.. وما هذا بغریب، فهل التوراة یستمتع بالحرق والاغتصاب ومشاهد الذبح. فی کتاب (صبرا وشاتیلا)، وهو أضخم، وأعمق، وأهم کتاب توثیقی، یعتمد الشهادات مع شهود أحیاء،، إضافة للتحلیل والمتابعة الدقیقة حتى للتفاصیل الصغیرة، تکتب الدکتورة المؤرخة بیان نویهض الحوت التی وقفت عشرین سنة من عمرها حتى أنجزت کتاب المذبحة هذا، بحیث لا تُنسى من الذاکرة العربیة، ویبقى الکتاب لسنوات وسنوات ملهما لکل عربی، ولیس فقط لکل فلسطینی ولبنانی.. فاضحة دور جیش العدو، وأبرز قادته، شارون، وبقیة المجرمین: من الواضح أن المجزرة ما کان یمکن أن تحدث لولا التمهید (الإسرائیلی) لها. ویمکن حصر عناصر هذا التمهید بما یلی: محاصرة مخیم شاتیلا، ومنطقة صبرا وشاتیلا کلها بحیث یصبح الخروج والدخول مرهونا بالإرادة (الإسرائیلیة). وقد منع (الإسرائیلیون) الناس فعلاً من المغادرة. والسؤال: لماذا مُنع النساء والأطفال إن کان الهدف هو البحث عن (المخربین) المسلحین..کما قالوا؟! (ص 118) فندت الدکتورة بیان نویهض الحوت کل ادعاءات (إسرائیل)، وما جاء فی بیان لجنة (کاهان) التی ادعت أن القتلى لا یزیدون عن 29.. بأن قدمت فی نهایة کتابها الضخم جهدا وتوثیقا، أسماء 906 ضحایا من الفلسطینیین واللبنانیین. قتل أفراد عصابة القوات اللبنانیة العمیلة اللبنانیین مع الفلسطینیین، عقابا لهم لأنهم عاشوا مع الفلسطینیین، وبلغت نسبة القتلى اللبنانیین حوالی 37’ من مجموع الضحایا، وهذا ما یبرهن على أن ما حدث مذبحة مدبرة مقصودة للفلسطینیین واللبنانیین، وحتى لبعض العرب والأجانب الذین شاء سوء حظهم أن یوجدوا فی صبرا وشاتیلا. الوعد الأمریکی عبر فیلیب حبیب بتأمین الحمایة للمخیمات کان کذبة وخداعا، فالقوات الأمریکیة غادرت لبنان، وتبعتها القوات الفرنسیة والإیطالیة، قبل عشرة أیام من موعد مغادرتها.. مخلیة الطریق لجیش شارون لاحتلال بیروت، و..تارکة الفلسطینیین واللبنانیین فی صبرا وشاتیلا تحت رحمة جیش الاحتلال وعملائه. إذا کنا ندین الجهات الدولیة، وفی مقدمتها مجلس الأمن المهیمن علیه أمریکیا، وما یسمى بالرأی العام العالمی الذی اکتفى بالإدانات الرخوة، والکلام العاطفی، فإننا لا نبرئ القیادة الفلسطینیة التی غادرت بیروت من دون أن تضع خطة لحمایة المخیمات، بالاتفاق مع القوى الوطنیة اللبنانیة. لنعد إلى کتاب الدکتورة بیان، الذی تتوقف فیه عند التقصیر الفلسطینی: قال الأخ أبوعمار ـ وهذا کان لقبه الأکثر شیوعا فی مرحلتی الثورة والمنفى ـ فی مستشفى غزة، على مسمع من جمع غفیر من أهل صبرا وشاتیلا، قبیل خروج المقاتلین: ما تخافوش. أنا حأطلبلکم القوات الدولیة على مداخل المخیمات لحمایتها. ولم یکتف بالوعد، بل راح یشرح المواقع التی سوف تقف عندها هذه القوات. ولم یکن رئیس منظمة التحریر الفلسطینیة وحده من وعد بذلک، فکثیرون من المسؤولین فی التنظیمات الفلسطینیة قالوا کلاما مشابها، مشددین على الاتفاقیة الدولیة، ومعتبرین أن منطقة المخیمات باتت أکثر المناطق أمنا للفلسطینیین.( ص 75) آن لنا أن نعود إلى صبرا وشاتیلا، لنسأل ونحقق ونُدین ونحاسب ونبدأ بأنفسنا..فلا یجوز أن تبقى هذه الجریمة ـ المذبحة، بلا عقاب لکل المجرمین الذین سهلوا وقوعها، أو اقترفوها مباشرة. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,271 |
||