النخب الثقافیة ودورها فی مجتمعاتنا العربیة والإسلامیة | ||
النخب الثقافیة ودورها فی مجتمعاتنا العربیة والإسلامیة کثیرة هی الأسئلة المهمّة والملحّة التی لا بدّ من طرحها فی ظلّ الحالة الراهنة والأوضاع المستجدّة والتعقیدات الحسّاسة والمرحلة المتأزّمة التی تعیشها الشعوب العربیّة والإسلامیة فی الوقت الحالیّ. لعلّ من أبرزها وأهمّها أنّه: کیف یمکن للمثقّف العربیّ والمسلم أن یواجه حالة العجز المطبق التی تعانی منها هذه الأمّة المشتّتة والمتفرّقة الأهواء؟! وما هو الموقف الذی علیه أن یتّخذه من کلّ هذه الانتکاسات والهزائم المتلاحقة التی مرّت ـ وتمرّ ـ الأمّة بها.. وکیف علیه أن یقرأ الأحداث التی تتسارع فی محیطٍ أوسع من العجز الأشمل والأقدم.. أعنی به: العجز السیاسیّ، والعجز الاقتصادیّ، والعجز فی القدرة على إدارة الثروات، وإدارة المشروعات، وصنع وإدارة الحضارات، و... وفی مقام الإجابة عن هذه التساؤلات المتقدّمة، نقول: تتجلّى أهمّیّة المثقّف ودوره فی کونه ـ بحقٍّ ـ ضمیر هذه الأمّة، وعقلها الواعی، وصاحب البصیرة النافذة والنیّرة والفعّالة، التی یفکّر بها مع الأمة، ولأجلها، ویشیر من خلالها إلى مواطن الخلل والضعف القائمة فی جسم الأمّة، على مستویاتٍ وأصعدةٍ مختلفة. ولأجل ذلک، نرى أنّ الدور المنوط بالمثقّف ـ حالیّاً ـ، هو الاستمرار فی الترکیز على الجانب النقدیّ العملیّ، ومن ثمّ الإصرار على المساهمة الفاعلة فی تکوین وصیاغة أسس ومقوّمات بناء الکتلة النوعیّة الإسلامیّة والعربیّة المؤثّرة، إذ إنّ إصلاح هذه الأمّة بالوسائل والأدوات بالحدّ الذی هو موجود حالیّاً، والرهان على النخب والأفراد القائمین علیها حالیّاً، لم یعد یجدی نفعاً على الإطلاق.. فإنّ هذه النظم التی نمتلکها، والتی هی نظم قدیمة بالیة، تمّت تجربتها وإثبات فشلها لسنواتٍ طوال، أعنی بها: النظم التقلیدیّة العربیّة، التی أفرزتها المجتمعات العربیّة والإسلامیّة من وحی العادات والتقالید العربیّة القدیمة، التی لا علاقة لها بتعالیم الدین وقیمه السامیة، أو فقل: من وحی العقلیّة العربیّة، التی هی عقلیّة عشائریّة صحراویّة جافّة لا تصلح لأن یُؤسّس علیها لبناء مجتمعٍ فی قریةٍ صغیرة، فضلاً عن مجتمعٍ کبیر على مستوى (الأمّة)، وعلى امتداد (العالم الإسلامیّ). کما أنّ نماذج الحکومات العربیّة التی نعرفها، قد أصبحت شبه معدومة التأثیر.. وقد کان من الممکن لنا أن نعذرها، أو حتى أن یکون المرء متسامحاً أو متساهلاً معها ـ بالرغم من عجزها وفشلها السیاسیّ، وانهزامها العسکریّ، فی مجابهة القوى الکبرى التی تمتلک آلة عسکریّة نوعیّة قویّة ومدمرة ـ، کنّا لنعذرها ونتسامح مع تلک الحکومات، لو أنّها کانت قد نجحت فی تحدیث الأمّة وتطویرها، وإنهاضها من غفوتها التی تغطّ فیها لقرون وقرون، على الأقلّ على المستوى الداخلیّ والمعیشیّ، تماماً کما فعلت حکومات مجتمعات کثیرة أخرى کانت فی بدایاتها الأُولى أکثر تخلّفاً من مجتمعاتنا العربیّة والإسلامیّة، کما أنّها لم تکن تمتلک نصف أو ربع ما نملکه نحن من الطاقات والموارد والثروات الطبیعیّة الهائلة.. غیر أنّها استطاعت ـ وبالرغم من کلّ ذلک ـ أن تقطع أشواطاً طویلةً وبعیدة المدى على طریق الاقتدار والتمکّن الاقتصادیّ والاستقلال السیاسیّ، أو على الأقل: على صعید المنافسة، أو الشراکة السیاسیّة، على قدم من المساواة فی الکرامة والاحترام المتبادل، والندّیة السیاسیّة والاقتصادیّة، وإن لم یکن فی الحجم أو فی الثقل أو فی الغنى أو فی القوّة... أو على الأقلّ: أنّ تلک الحکومات استطاعت أن تریح شعوبها رفاهیّاً ومعیشیّاً وتنظیمیّاً، فهی قد قدّمت لشعوبها شیئاً... وأمّا حکوماتنا العربیّة الفاسدة، فهی لم تجلب لشعوبها سوى المزید من الإفقار، بل إنّها ضخّت وتضخّ المزید من جرعات التخلّف فی شرایین وأوردة مجتمعاتنا، وفی عهود هذه الحکومات البائسة تألّقت البطالة، وعاشت عصرها الذهبیّ، وثبّتت أقدامها فی مجتمعاتنا بما یضمن السیطرة على أجیالنا المستقبلیّة الآتیة، کما تفشّت ظواهر الفقر والجوع والأمراض والأوبئة، وارتفع منسوب الجریمة، وتعمّق خطّ الارتهان للقوى الاستکباریّة الغربیّة التی تمسک بزمام الحرکة الاقتصادیّة فی العالم کلّه... وفی المقابل، ازداد غالبیّة الحکّام العرب والمسلمین غنىً وثروةً وإسرافاً وغطرسةً وعلوّاً واستکباراً فی الأرض، وتعمّق شرخ التفاوت الطبقیّ، والتمییز الاجتماعیّ، وسیطر الجهل على مرافق الحیاة الاجتماعیّة، ووجدت نیران الفتن ما یُشعل أوارها، وتنفّست العصبیّات، وظهرت الأحقاد... من هنا، فإنّ الواجب یقتضی من المثقّفین والکوادر الثقافیّة فی مجتمعاتنا العربیّة والإسلامیّة أن یجعلوا من تحرّکاتهم وأنشطتهم وسیلةً فعّالة لتعریة الاستراتیجیّات الحقیقیّة والمصالح المتبادلة والتآمر المشترک لکلٍّ من الاستبداد الداخلیّ والاستعمار الخارجیّ.. انطلاقاً من حقیقة أنّ کلّ دعوةٍ وطنیّة تکون مفصولة عن الحرّیّة خداع فی خداع, وأنّ کلّ دعوة للتعدّدیّة السیاسیّة الحقیقیّة مفصولة عن التضامن الإنسانیّ بین الجماعات والبشر کذب صریح، ومن واقع: أنّ کلّ انتقادٍ للوضع الداخلیّ للحکومات العربیّة بعیداً عن السیاسات الغربیّة ما هو إلّا ضحک على اللّحى وذرٍّ للرماد فی العیون. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,187 |
||