الإسلام و أمریکا.. بین الاستضعاف والاستکبار | ||
الإسلام و أمریکا.. بین الاستضعاف والاستکبار
منذ أن نشأ الإنسان وتاریخه ملیء بالحروب والمعارک، لا یخلو معه ابن آدم إمّا أن یکون مستضعفاً لا یملک أسباب القوّة لردّ الظلم والعدوان والاضطهاد، أو مستکبراً یمارس کلّ أصناف القوّة المادیة التی امتلکها من أجل السیطرة على حیاة الشعوب ومصادرة خیراتها وهناء عیشها. ولأنّ هذین القسمین لا ثالث لهما، فقد کان المستضعفون دائماً هم الضحیة، لأنّهم کانوا تحت سیطرة المستکبرین الذین کانوا یستغلّونهم لأهوائهم ومصالحهم الشخصیة والفئویة، فکانوا وقود الحروب والفتن قتلاً وجرحاً وتشریداً وفقداناً لموارد العیش الکریم الذی یضمن لهم الحریة والکرامة والعزّة من دون أن یکون لهم حقّ الرفض والامتناع، وحتى الاعتراض على اللحاق بالمستکبرین وطاعة أوامرهم التی لم تکن تقبل النقاش أو الجدل والحوار. ولیس عصرنا الحاضر بشاذ عن هذه القاعدة، فالمستکبرون هم الذین یعملون على خنق حرکة کلّ شعب أو أمّة ترید الخروج عن سیطرتهم بالقوّة تارةً وبالتهدید أخرى، وبالاحتلال المباشر تارةً ثالثة، ومن تمکّن من تحریر بلده من سطوة الاستکبار یتعرّض للحصار بکلّ أنواعه ولو على حساب موت أبناء ذلک الشعب من دون أن یجرؤ أحد فی العالم على المعارضة، إلاّ من بعض الدول المتحرّرة أو بعض أصحاب الضمائر الحیّة من الأفراد أو الجماعات غیر القادرة على تغییر الواقع وإسقاط المعادلات التی تحکم العلاقات بین عالم الإستکبار وعالم الاستضعاف. ولیس من المبالغة إن قلنا إنّ هذا العصر بالذات یمثّل الذروة فی المعرکة المستمرّة بین العالمین، حیث یجیز العالم المستکبر لنفسه وبتبریرات غیر مقبولة بل ومرفوضة وفق قوانین حقوق الإنسان والمواثیق الدولیة أن یشنّ الحرب عندما یشاء من دون الرجوع إلى المنظمات الدولیة التی أقرتها شعوب العالم لکی تکون المیزان والمرجع لتحدید الحالات التی تجیز لدولةٍ ما القیام بأعمال من هذا النوع وبطرقٍ مشروعة فی الدفاع عن نفسها فی مواجهة التهدیدات أو الاعتداءات التی قد تتعرّض لها من جانب دولٍ أخرى. والنموذج الأمریکی فی هذه الفترة بالذات یشکّل النموذج الصارخ والواضح عن الإستهتار بکرامات الشعوب وحقوقها، حیث تعطی أمریکا لنفسها الحق ـ وفق مقاییسها المنحرفة ـ فی إعلان الحرب ضدّ دولةٍ ما، وتجبر دول العالم على اتّخاذ الموقف المؤیّد لها، وإلاّ فهی فی الموقف المعادی للقرار الأمریکی ممّا یعرّضها للضرب والاعتداء أو یجعلها فی موضع الحذر الدائم من الانتقام بسبب الموقف الذی قد تتّخذه لأنّها لا ترضخ فی سیاساتها لإرادة أمریکا. لقد صادر الاستکبار الأمریکی المنظمات العالمیة وجعل منها أداة تصدّر القرارات لتبریر اعتداءاته الأمریکیة وإعطائها شرعیةً لا حقّ لها بها کما حدث فی مناطق کثیرة من العالم فی العقد الأخیر.. إلاّ أنّ هذا الواقع المؤلم والقاسی الذی تعانیه شعوب العالم المستضعف ومنه العالم الإسلامی لن یبقى کذلک إلى الأبد، فالتاریخ شاهدٌ على زوال الکثیر من الدول العظمى فی التاریخ کالإمبراطوریة الفارسیة أو الرومیة وغیرهما، أو کما فی تفکّک الاتّحاد السوفیاتی فی عصرنا الحاضر، ولن تشذّ أمریکا عن هذه القاعدة، وسیأتی الیوم الذی تنتقض فیه الشعوب وخاصة الإسلامیة، وکذلک ربیبتها إسرائیل التی لن تدوم، لأنّ المسلمین یملکون العقیدة والسلاح الإیمانی والروحی الفعّال القادر على مواجهة أقوى الأسلحة التی تملکها الدول المستکبرة، لأنّ الإنسان یبقى هو الأساس عندما یکون ذا إرادة وتصمیم وعزم على الجهاد والقتال ضدّ المعتدین والمستکبرین، وهو القادر وحده على صنع الحاضر والمستقبل معاً. وکما انتصر المسلمون الأوائل مع النبی (ص)، فسینتصرون الیوم کذلک لتنفذ مشیئة الله بجعل المستضعفین هم الأئمة والوارثین بدلاً من المستکبرین، لأنّ الله لن یسمح بأن تنتهی الحیاة البشریة إلاّ على الصورة التی أراد للبشریة أن تعیشها. نعم، هذا الانتصار وإن کان قضاءاً محتوماً لا رادّ له، ولکنّه یتوقّف على إدراک الأمّة الإسلامیة لطاقاتها وإمکانیاتها وقدراتها المادیة والبشریة التی تستطیع أن تستغلّها فی المعرکة ضدّ الاستکبار الأمریکی الذی یروّج فی إعلامه أنّ الإسلام هو العدو الأوحد الذی یقف عائقاً فی وجه إکمال السیطرة العالمیة المطلقة على العالم. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,317 |
||