الأمة الإسلامیة والهویة الضائعة | ||
الأمة الإسلامیة والهویة الضائعة لا یحتاج المسلمون إلى من یذکرهم بخطورة الأحداث والتهدیدات والتحدیات التی تواجههم الیوم، ولا یفتقر أحد منهم إلى الحنکة الکافیة لیعی جیداً بأن القعود وتسلیم الأمور إلى ید الأقدار أمرٌ لا یلیق أبداً بأمة حیة کالأمة الإسلامیة التی حثّها الإسلام على الحرکة والنهوض والإقدام والفکر على کافة مستویات الحیاة وأبعادها. أمام هذه العقبات التی تواجهها الأمة الإسلامیة قاطبة، والتی تتمثل بالهجوم الشرس على الإسلام والمسلمین من جهة، وبحالة الخضوع والهوان الذی یتزاید عند المسلمین من جهة أخرى، وبعزلة الإسلامیین وانزوائهم وتخلفهم عن رکب حضارة التکنولوجیا والتطور من جهة ثالثة. أمام هذا الواقع المریر الذی لم یعد ینفع معه القلم، ولا تجد الکلمة معه أذناً تنفع معها الکلمة، لا یسع الیائس سوى أن یوقف القارئ على مجموعة من الحقائق: أولاً: أن حالة التبعیة والتخلف التی تسود العالم الإسلامی فی السنوات الأخیرة وإن کانت تشکل خطراً کبیراً على المسلمین، ولکنها لیست نهایة المطاف، فما زالت الأمة الإسلامیة تمتلک الکثیر من الفرص التی لم تکن تتمتع بها فی السابق. ولا نعنی بالفرص الفرص المادیة کالموقع الجغرافی والماضی الحضاری وامتلاک المصادر الطبیعیة وکثرة العدد وإن کانت هذه الأمور مهمة فی حدّ ذاتها، لکنّها لا تکفی. إنّ أعظم فرصة یمتلکها العالم الإسلامی الیوم هی الإسلام نفسه والعودة إلى الذات.. کیف لا؟ والإسلام هو الوحید القادر على التألیف بین المسلمین برباط الوحدة، والوحدة قوة لا یمکن لأحد أن یتجاهلها. ثانیاً: إنّ اتساع جبهة العداء بین الاستکبار والإسلام هی حقیقة أخرى لا یمکن لأحد تجاهلها، سواء على مستوى الثقافة أو الدعایات والتحرکات السیاسیة، وانتهاء بالضغوط الاقتصادیة. من هنا تکتسب نهضة العالم الإسلامی أهمیة وخطورة کبیرتین، کیف لا؟ وهی تشکل تیاراً معاکساً مناهضاً لدنیا الاستکبار، الأمر الذی یفسّر لنا مدى التخوّف الأمریکی والإسرائیلی من صحوة العالم الإسلامی ونجاح الثورات العربیة فی الشرق الأوسط. ثالثاً: إن السیطرة التی تفرضها أمریکا وإسرائیل على جزء کبیر من العالم، مضافاً إلى ما تلقیانه من مؤسسات اقتصادیة تدعم الأنظمة السلطویة الاستعماریة.. تشیر إلى تفوّق جبهة الاستکبار ـ بحسب الظاهر ـ فی السلاح والعتاد والقوة العسکریة والاقتصادیة. غیر أنّ الذی یجهله البعض ویتجاهله الکثیرون هو أن کل تلک الحسابات الظاهریة قد منیت بهزیمة ساحقة ومذلة فی أحداث الشرق الأوسط، انطلاقاً من القضیة الفلسطینیة، ومروراً بالعراق ولبنان، وانتهاء بالثورة المصریة المسلمة، والمؤامرة ضد النظام السوری المقاوم، وصمود أهل البحرین أمام المجازر الدمویة المتنوعة. نعم، لقد کانت الهویة الإسلامیة هی الجانب المنتصر فی هذه المواجهة بین الهویتین: الإسلامیة والاستکباریة. کل هذه الحقائق تفضی بنا إلى ضرورة حتمیة، وهی أن العالم الإسلامی إذا ما أراد یوماً أن یفی بالتزاماته تجاه أمته المستضعفة، وعلى رأس هذه الالتز امات تأتی الوحدة الإسلامیة، فالوحدة وحدها المضاد الحیوی للسیاسة التی ینتهجها الاستکبار تحت شعار (فرّق تسد)، هذه السیاسة رغم قدمها وبساطتها وسهولة کشفها لا زالت ـ للأسف ـ تجدی نفعها فی إیقاع الصدام بین الفلسطینی والفلسطینی، والعراقی وأخیه، والمسلم الشیعی والمسلم السنی، والمسلم العربی والمسلم الفارسی. والیوم، بعد انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران، وبعد انتقال السلطة المصریة إلى الثورة المسلمة، وبعد الصحوة التی یشهدها العالم الإسلامی، ووقوف المستضعفین فی وجه حکامهم: عملاء أمریکا.. کل تلک الأحداث والتطورات تعد مؤشراً إیجابیاً على أنّ الهویة الإسلامیة قد بعثت فی القلوب من جدید، وأنّ الشعارات والنظریات التی کانت تطرح على أنها طموحات خیالیة ومستحیلة ـ من قبیل العودة إلى الإسلام، وإحیاء القرآن، ووحدة الأمة، واستعادة القوة والکرامة الإسلامیة ـ قد أصبحت الیوم حدیث الجماهیر المسلمة وشغلهم الشاغل. لقد غدا مسلمو العالم الیوم یفتخرون بالإسلامی ویفاخرون به، فی حینٍ کان الکثیر منهم یعیشون بعیداً عنه ویعتزون بالانسلاخ عن هویتهم الإسلامیة، ذلک لأن الإسلام قد أثبت کفاءته وقوته واقتداره على الصمود والمواجهة والبناء والتحدی، ولیست هذه الفرصة سوى بدایة الطریق نحو الهویة الإسلامیة الضائعة. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,567 |
||