التکافل .. طریق المجتمع الى حیاة أفضل | ||
التکافل .. طریق المجتمع الى حیاة أفضل نبیل سرور کما الجسد الواحد فی تعاضده وتکامله، کذلک المجتمع الصَّالح المتآزر فی وحدة بنیه وتکاملهم وتعاونهم لما فیه خیر المجتمع وصالحه العام.. وغیر خفیّ أنَّ التَّعاضد الإنسانیّ هو مسؤولیَّة مشترکة وخلاّقة فی جمیع المجتمعات الإنسانیّة، حیث تدلّ آثار الحضارات القدیمة منذ آلاف السّنین على تجارب المجتمعات من حیث التَّکامل والتَّعاضد بین طبقات المجتمع وشرائحه.. وتبیّن لنا بقایا الفسیفساء والمنحوتات الفرعونیّة والرومانیّة أو البیزنطیّة فی العصور الغابرة من التّاریخ، صوراً رائعة للمدن أو القرى القدیمة فی مواسم جمع الغلال أو الحصاد، وکذلک فی مواسم العمران أو البناء.. حیث یلتقی أبناء المجتمع بشتّى أصنافهم وطبقاتهم وشرائحهم الاجتماعیة فی حلقاتٍ متّصلة کخلایا النّحل ـ بالرّغم من الفرز الطبقیّ الحادّ الّذی کان سائداً آنذاک ـ وذلک فی سبیل تشیید برج، أو بناء قنطرة، أو مدّ شبکات المیاه بین المدن والقرى والأریاف.. وغیرها من الأعمال الجماعیّة الّتی تمثّل نموذجاً رائعاً فی التکامل الإنسانیّ على طریق بناء الحضارة والعمل الجماعی المتآزر فی سبیل المصلحة الإنسانیّة المشترکة.. ومع بزوغ فجر الأدیان والشّریعة السّمحاء، أکّدت جمیع الرّسالات السماویّة ضرورة التّکامل والتّعاضد المجتمعیّ، لما فیه مصلحة البشریّة جمعاء.. من هنا، التقت جمیع الکتب والمناهج السماویّة على ضرورة التواصل الإنسانی عبر التکافل الاجتماعی، بما یؤدِّی إلى ردم الهوّة القائمة بین الأغنیاء والفقراء، وکذلک إعالة المحتاجین، وسدّ حاجتهم، بما یکفل لهم حیاةً کریمةً وعزیزة، تسدّ عنهم ذلّ السؤال، وتکفیهم وطأة الفاقة. وفی الإسلام الحنیف، کانت الدّعوة إلى التّکاتف والتّکافل من المبادئ الأساسیّة الّتی نادى بها الدّین، فکان الحضّ على إیجاد التعاون بین أفراد المجتمع فی کلّ أمرٍ فیه خیر وصلاح للمجتمع ولبنیه، فی مواجهة الظّروف الصّعبة، وتعقیداتها القاسیة.. ذلک لأنَّ الخیر وحده هو الّذی یؤدّی إلى استقرار المجتمع وسلامة بنائه، وبعده عن أیّ خلل اجتماعیّ یؤدّی إلى فرقة أبنائه، أو إلى شیوع مشاعر الکراهیة والحقد والحسد والبغضاء.. وقد جاء الأمر صریحاً عن التّعاون الإیجابیّ، کما جاء النّهی صریحاً عن التّعاون السلبی، وذلک فی قول الله عزّ وجلّ: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِیدُ الْعِقَابِ}[المائدة: 2]. وفی الأحادیث الشّریفة أحادیث کثیرة تحثّ على التّعاون المثمر المفید، الّذی ینقذ من شدّة، ویفرج عن کربة، ویسعف من حاجة، ویغنی عن عوز. وقد بیّن النبیّ(ص) أنّ إدخال السّرور على قلب المسلم یعدّ من أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ، بأن تکشف عنه غمّاً، وتغطّی عنه دیناً، أو تدفع عنه جوعاً.. إنّ الدّعوة إلى التّعاون الإیجابیّ بین أفراد المجتمع، یجب أن تأتی مصحوبةً بأدبٍ إنسانیّ یجب أن یُراعَى ویتَّبع، وهو أدب یتعلّق بالجانب النفسی عند من یُقدّم إلیه العون، فلیس العون مجرّد عونٍ مادّیّ یزیل الحاجة، ویکشف الغمّة.. وإنّما هو فی الوقت نفسه یتّصل بالکرامة الإنسانیَّة الّتی یجب أن تُصان، وأن یظلَّ صاحبها مرفوع الرّأس بعیداً عن مشاعر الإذلال والإهانة.. وعلى هذا الأساس، ضرورة قیام التَّعاون والتَّکامل بین المؤسسات الرّعائیّة والتکافلیَّة، بما تمثّله من حاضنات اجتماعیّة للیتامى والمحتاجین، وبین الأفراد من أهل الخیر والإحسان. ولا بدّ من أن یقوم التّواصل والتّکافل کذلک مع الدّولة بمؤسّساتها الراعیة، الّتی یجب أن تشکّل الإطار الداعم لمسیرة العمل الاجتماعی - التّکافلی، الّذی یؤطّر ویحتضن المؤسّسات الأهلیّة، ویشجّعها ویدفعها إلى المزید من العطاء والتقدّم فی مسیرة الرّعایة الاجتماعیّة لذوی الاحتیاجات من أبناء المجتمع.. وفیما یلی بعض الأفکار السّریعة فی هذا المجال: 1ـ إیجاد أطرٍ عملیَّة للتَّنسیق بین المؤسَّسات الرّعائیَّة والأفراد والمتطوّعین، وذلک عن طریق إقامة ندواتٍ مشترکةٍ وأنشطةٍ تحفیزیّة، ولقاءات شهریّة أو فصلیّة للعاملین داخل المؤسَّسات وخارجها، أو للمتطوّعین للعمل الرّعائیّ بشتَّى مناحیه. 2ـ التَّکامل لا یتمّ إلا من خلال عملیّة متّصلة - دائمة - تلتقی فیها المؤسَّسات الرّاعیة مع مؤسَّسات المجتمع المدنیّ (نواد - وسائل إعلام واتّصال - بلدیّات... إلخ) وذلک عن طریق نشاطات هادفة یتأکَّد فیها عنصر الانسجام والهدفیَّة والخطّة الّتی تطبع أیّ نشاط ذی بعد اجتماعیّ تعاضدیّ. 3ـ الاستفادة من التّجارب الّتی عرفتها الدّول المتقدّمة فی العمل الرّعائی- التّکافلی، وذلک من خلال الوفود القادمة الّتی تعمل فی المجال الاجتماعیّ، ومن خلال إیفاد عاملین فی هذا المجال إلى الخارج للإحاطة بالتّجارب، والاستفادة من الخبرات المتاحة.. 4ـ إفساح المجال للطّاقات وللشّرائح العمریّة المختلفة، لتقدیم ما تستطیعه فی مجال العمل التطوّعیّ والاجتماعیّ، والعمل على إحیاء روح العطاء المتجدّد لدى هذه الفئات، وکذلک لدى العاملین فی المؤسَّسات الرعائیّة، من خلال زیادة تحفیزهم ومکافأتهم، ومدهم بخبراتٍ وبرامج وأنشطة تفتح لهم آفاقاً جدیدة على العمل الاجتماعی وأبعاده الإنسانیّة المختلفة. وأخیراً : لا بدّ من تنمیة روح المبادرة لدى أفراد المجتمع، لأنّ روح المبادرة هی من القضایا الّتی تحتاج إلى اهتمام خاصّ، ولا سیّما فی أوقات الأزمات، إذ یبحث النّاس عمن یقودهم، أو یجمعهم على عمل الخیر.. لکنّ الجمیع ـ إلا ما ندر ـ یتَّجهون إلى حمایة المصالح الخاصَّة، والتّفکیر فی الهمّ الشّخصیّ.. وهنا تبرز أهمیّة الإنسان الصّالح الواعی و"المشارک"، کما یبرز شعوره بالمسؤولیَّة، ووعیه بضرورة المواجهة المشترکة للأزمة. ولذا، فإنَّ من الحیویّ أن یشعر کلّ من حولنا بأنّنا نملک طاقة الرّیادة والمبادرة إلى عمل شیء یعود بالخیر والنّفع العام، ویخفّف من حدّة الأزمة الجاثمة.. ولو أنَّ الواحد منَّا أعطى کلّ یوم نصف ساعة من وقته للتّفکیر والعمل فی مسألة من مسائل الشّأن العام، لوجد أنّه بات محوراً ورائداً لأعمال خیر کبیرة، کما أنّه یشجّع کثیرین من إخوانه على أن یسلکوا المسلک نفسه، وبذلک تولد "فضیلة الاهتمام"، وتصبح ظاهرةً اجتماعیّةً ساطعة الحضور..
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,247 |
||