التسامح منظومة قیمیة | ||
التسامح منظومة قیمیة إذا أُخذ التسامح معزولاً أو مفصولاً عن القیم الأخرى، فیمکن أن یبدو منظره جمیلاً، لکنه وهو یسیر فی الحیاة محفوظاً بوفد أو طائفة من القیم العُلیا یتجلى جماله أکثر، حتى لیخال للباحث فی القیم الإسلامیة أنّها أشبه شیء بالمجموعة الشمسیة التی لکلٍّ منها فلکه ومداره الخاص، کما أنّ له فلکاً أو مداراً عامّاً. التسامح.. سخاء: إذا سامحتنی فأنتَ سخیّ، فالسخاء خُلق الله الأعظم، وفی الحدیث عن النبی الأکرم (ص): (إنّ السخاء شجرة من أشجار الجنة لها أغصان متدلِّیة فی الدنیا، فمَن کان سخیّاً تعلّق بغصن من أغصانها، فساقه ذلک الغصن إلى الجنة). والتسامح بلا ریب – غصن کبیر من أغصان شجرة التسامح. التسامح.. شجاعة: المُسامح شجاع؛ لأنّه یقف بین خیارین: الانتقام أو المسامحة، فیختار الثانی؛ لأنّه یرى فی الانتقام جبناً، أو رد بالمثل، بینما یرى فی غضِّ الطرف، والإغضاء عن الخطأ مرتبة عالیة من ضبط النفس والتعالی على التهور والإنجراف، بل ویعتقد أنّ الصبر شجاعة، وأنّ المُسامحة فضیلة والشجاعة فی عدم الإنجرار إلى نفس الموقف عزّاً. التسامح.. إحسان: المُسامح محسن.. لأنّه لم یختر الإساءة ردّاً على إساءة المُسیء، بل تجاوزها إلى ما هو خیرٌ منها، فهو یعلم هذا جیِّداً و(زینة العلم الإحسان)، کما یعلم أنّ الإساءة غریزة الأشرار وطبعهم وشیمتهم، وهو لا یرید أن یتنزّل عن الإحسان الذی هو غریزة الأخیار الأحرار، إلى اللّؤم الذی هو غریزة الأشرار. إنّه على بیِّنةٍ أنّه «بالإحسان وتغمد (إخفاء) الذنوب بالغفران یعظم المجد». وهو یرید الزیادة فی رصید مجده، لا أن یُعاب بردّ الإساءة کما عیب المسیء إلیه. وهو إذ یکتب الإساءة على الرمل، بل على الماء لا یطلب مردودها الآنیّ فحسب، بل یریدها زاداً لمعاده: «زاد المعاد الإحسان إلى العباد! التسامح.. صُلح: المسامح صالحٌ مُصالح.. یقرأ قوله تعالى: (وَالصُّلْحُ خیرٌ)، فیعلم أنّ الصلح سید الأحکام، وهو بمسامحته المسیء یُصلح ذات بینهما، وهو یرى أنّ فی الصلح دِعة وفرصة ثمینة لتنقیة الأجواء والعودة إلى الصفاء، هو إنسان یُفکِّر بالربح دائماً، ومقابلة الإساءة بالإساءة خسارة، وهو فی نظر نفسه عاجز إن قابل الضعف بضعف، والمهانة بالمهانة، والسوء بالإساءة، والجهل بالجهالة. إصلاح ذات البَیْن عنده أفضل من درجة الصِّیام والصلاة والصدقة، وإن فساده هی (الحالقة) التی تحلق الحسنات وتزیلها کما تحلق شفرة الحلاقة الشعر، فإذا کان الهدم سهلاً فإنّ البناء صعب، وهو لا یرید أن یستسهل الهدم لعلاقة وطیدة شابها کد. التسامح.. حرِّیة: المُسامح حرّ، ولو قیّد نفسه بالإنتقام ورد الإساءة لما کان حرّاً، هو حرٌّ لأنّه مختار، خیّر نفسه بین التشفِّی وبین المسامحة، فوجد لهذه لذّة ولتلک لذة، فلم یؤثر لذة التشفی على لذة المسامحة والتسامح، وکیف تُقاس هذه بتلک والتشفی انسیاق مع الشهوة، بینما التسامح سباحة عکس تیارها، تلک تهدم المناعة وهذه تبنیها، وصدق مَن قال: «مَن ترک الشهوات کان حرّاً. التسامح.. إنصاف: المُسامح مُنصِف، یضع نفسه فی موضع المُسیء، یُقدِّر له صعوبة موقفه فی الإساءة، ویحاول أن یُجنِّبه حراجة موقفه فی الاعتذار، هو یحبّ له ما یحبّ لنفسه، ویکره له ما یکره لها. التسامح.. صبر: المُسامح صبور، ولو تعجّل الموقف لکان بادر إلى الإساءة کرد فعلٍ لإساءة المسیء، ولقد کان من تعالیم السید المسیح (ع) لأتباعه: «إنّکم لا تُدرکون ما تحبّون إلا بصبرکم على ما تکرهون». فالمُسامح صبر على ما یکره لینال ما یتمنّى من غفران الله وعفوه، ومن إصلاح المُسیء وکسب مودّته، ومن عدم الإنزلاق فی شهوة الانتقام، وکما قلنا فإنّ المُسامح شجاع، والصبر بحدِّ ذاته شجاعة، وهو عون على تحمّل الإساءة بصدر رحب. التسامح.. رحمة: المسامح رحیم لأنّه تعلّم من أخلاق الله تعالى أنّه رؤوف رحیم یتودّد إلى مَن یؤذیه بأولیائه ومَن یؤذی فیه، وأنّه التواب الرحیم الذی یتوب على من یعادیه، ولذلک فهو یرحم مَن فی الأرض أملاً ورجاءً بأن یرحمه مَن فی السماء، ذلک أنّ من موجبات الرحمة الإلهیة هی هذه الرحمة الإنسانیة الغاضة الطرف، المتسامحة الصافحة عن أخطاء الضعفاء. التسامح.. رفق: المسامح رفیق؛ لأنّ الرفق ما دخل على شیء إلا زانه، فکیف إذا کان الدخول على رفع العتب، وغفران الذنب، واللطف فی معاملة المسیء. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,157 |
||