الامام الخامنئی : حالة النهوض و الوعی فی الأمة ألحقت الهـزیمة بالاستکبار | ||
![]() | ||
شهدت طهران مؤخراً انعقاد مؤتمر دولی من العیار الثقیل شارک فیه لأول مرة أکثر من سبعمائة عالم و مفکر و باحث و خبیر من ثمانین دولة منها مصر والعراق ولبنان والیمن وأفغانستان والجزائر واندونیسیا وآذربیجان وتاجیکستان والسودان وسوریة والصومال وباکستان وتنزانیا وترکیا وتشاد وفلسطین وخاصة البلدان التی تشهد الصحوة الإسلامیة والتی شهدت إسقاط بعض الأنظمة الإستبدادیة. کما حضرت المؤتمر وفود من دول غربیة کثیرة منها بریطانیا وایطالیا وامیرکا وروسیا ورومانیا والارجنتین والبرازیل وبلجیکا والبوسنة وبولیفیا وتشیلی وصربیا وفرنسا. . ناقش المؤتمر على مدى یومین محاور رئیسیة هامة ربما میّزه عن کل المؤتمرات التی عقدت سابقاً ، منها : "دراسة مفاهیم وأسس وجذور الصحوة الإسلامیة" ، و "الدور الذی تؤدیه القیادات والتیارات فی هذه الصحوة" ، و"دراسة المخاطر التی تهدد الصحوة الإسلامیة فی المنطقة" ، و"مناقشة أهداف وتداعیات الصحوة الإسلامیة". .. افتتح مرشد الجمهوریة الاسلامیة الامام الخامنئی المؤتمر بکلمة هامة فیما یلی نصها :
بسم الله الرحمن الرحیم السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام على نبینا محمد وآله الطیبین وصحبه المنتجبین قال الله العزیز الحکیم: بسم الله الرحمن الرحیم: (یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْکَافِرِینَ وَالْمُنَافِقِینَ إِنَّ اللَّهَ کَانَ عَلِیمًا حَکِیمًا وَاتَّبِعْ مَا یُوحَى إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ إِنَّ اللَّهَ کَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرًا وَتَوَکَّلْ عَلَى اللَّهِ وَکَفَى بِاللَّهِ وَکِیلا ) أرحّب بالحضور الکرام والضیوف الأعزاء. إن ما جمعنا هنا هو الصحوة الإسلامیة، أعنی حالة النهوض والوعی فی الأمة الإسلامیة، التی أدت إلى تحوّل کبیر بین شعوب المنطقة، والى انتفاضات وثورات لم تکن تستوعبها أبداً محاسبات الشیاطین الاقلیمیین والعالمیین. ثورات عظیمة هدمت قلاع الاستبداد والاستکبار وألحقت الهزیمة بحرّاسها. إن مما لاشک فیه أن التطورات الاجتماعیة الکبرى تستند دائماً إلى خلفیة تأریخیة وحضاریة، وهی حصیلة تراکم معرفی وتجارب طویلة. فی الأعوام المائة والخمسین الماضیة کان حضور الشخصیات الفکریة والجهادیة الکبیرة والفاعلة الإسلامیة فی مصر والعراق وإیران والهند والبلدان الأخرى الآسیویة والأفریقیة مقدمة تمهیدیة لهذا الوضع الحالی فی دنیا الإسلام. إنّ ما جرى فی العقدین الخامس والسادس من القرن الماضی المیلادی فی عدد من البلدان من تطورات أدت إلى تولّی أنظمة تمیل غالباً إلى مدارس فکریة مادیة، وقد تورّطت بمقتضى طبیعتها بعد أمد فی شراک القوى الاستکباریة والاستعماریة الغربیة، إنما هو أیضاً من التجارب الملیئة بالعبر ومما کان له سهم وافر فی بلورة الأفکار العامة والعمیقة فی دنیا الإسلام. إن ما شهدته إیران من ثورة إسلامیة کبری هی على حد تعبیر الإمام الخمینی العظیم انتصار الدم على السیف، وإقامة نظام متجذّر ومقتدر وشجاع ومتطوّر وموثّر فی الصحوة الإسلامیة الراهنة، هو أیضاً یشکل فصلاً مُسهباً یحتاج إلى بحث وتحقیق، وسیستوعب حتماً مساحة هامة فی تحلیل وتدوین الوضع الحالی لدنیا الإسلام. والحصیلة أن الحقائق المتزایدة الحالیة فی دنیا الإسلام، لیست بالحوادث المنفصلة عن جذورها التأریخیة وأرضیتها الاجتماعیة والفکریة، ولذلک من العبث أن یعمد الأعداء أو السطحیون إلى اعتبارها موجة عابرة وحادثة سطحیة، وأن یحاولوا بتحلیلاتهم المنحرفة والمغرضة إطفاء شعلة الأمل فی قلوب الشعوب. إننی فی حدیثی الأخوی هذه أرید أن أقف عند ثلاث نقاط أساسیة:
1- إلقاء نظرة مجملة على هویة هذه النهضات والثورات. 2- الآفات والأخطار والعقبات الکبرى التی تقف فی طریقها. 3- اقتراحات بشأن مواجهة هذه الآفات والأخطار ومعالجتها.
1- فی الموضوع الأول، أعتقد أن أهم عنصر فی هذه الثورات الحضور الواقعی والشمولی للشعوب فی میدان العمل وساحة النضال والجهاد، لا فقط بقلبهم وبعواطفهم وإیمانهم، بل أیضاً بأجسامهم وإقدامهم. إن الفرق کبیر وعمیق بین مثل هذا الحضور، وبین انقلاب یقوم به جمع من العسکریین أو مجموعة مناضلة مسلحة أمام شعب لایتفاعل معهم أو حتى أن لا یکون راضیاً عنهم. فی حوادث العقدین الخامس والسادس من القرن المیلادی الماضی کان عبء الثورات فی عدد من بلدان آسیا وأفریقیا لاتحمله الجماهیر والشباب، بل تنهض به مجموعات انقلابیة أو فئات صغیرة ومحدودة مسلحة. أولئک عزموا وأقدموا، ولکن حین غیروا هم أو الجیل الذی تلاهم طریقهم على أثر دوافع وعوامل عدیدة فإن الثورات قد انقلبت إلى ضدها وعاد العدو لیفرض سیطرته مرة أخرى. إن هذا یختلف کل الاختلاف مع تغییر تنهض به جماهیر الشعب التی تندفع بأجسامها وأرواحها إلى المیدان وتطرد العدو من الساحة. و هنا، وهنا فقط تصنع الجماهیر شعاراتها، وتعیّن أهدافها وتشخّص عدوّها وتفضحه وتتعقبه، وترسم - ولو بإجمال - مستقبلها، وبالنتیجة تقطع الطریق أمام الخواص المداهنین والملوثین بل أمام المندسّین وبذلک تحول دون الانحراف ومداهنة العدو وتغییر المسیر. إن التحرک الجماهیری قد یؤدّی إلى تأخر الانتصار النهائی للثورة، ولکنه یبتعد عن السطحیة وعن عدم الثبات. إنه الکلمة الطیبة التی قال عنها سبحانه: (أَلَمْ تَرَ کَیْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِی السَّمَاء) إننی حین رأیت التجمع الجماهیری الضخم المقاوم للشعب المصری الفخور من شاشة التلفزیون فی میدان التحریر أیقنت أن هذه الثورة منتصرة بإذن الله. أذکر لکم هذه الحقیقة وهی: أنه بعد انتصار الثورة الإسلامیة وإقامة النظام الإسلامی فی إیران وما نزل على أثر ذلک من زلزال عظیم هزّ القوى الطامعة الشرقیة والغربیة وما ولّده من موجة هائلة فریدة بین الشعوب المسلمة.. کنا نتوقع أن مصر سوف تنهض قبل غیرها. والذی أثار فی قلوبنا هذا التوقع ما کنا نعرفه عن مصر من تاریخ جهادی وفکری ولما أنجبته من شخصیات مجاهدة وفکریة کبری. لکننا لم نسمع صوتاً واضحاً من مصر. کنت مع نفسی أخاطب الشعب المصری بقول أبی فراس الحمدانی: أراک عصیّ الدمع شیمتک الصبر أما للهوى نهی علیک ولا أمر ؟ ولکن حین تدفقت الجماهیر المصریة إلى ساحة التحریر والساحات المصریة الأخرى سمعت الجواب، فإن الشعب المصری کان یقول لی بلسان قلبه: بلى أنا مشتاق وعندی لوعة ولکن مثلی لایذاع له سرُّ هذا السّر المقدس، یعنی العزم على الثورة قد تبلور ونضج فی أعماق الشعب المصری بالتدریج، وتجلّی بإذن الله وبحوله وقوته فی الساحة بشکله العظیم. تونس والیمن ولیبیا والبحرین سوف تجرى على نفس هذه القاعدة إن شاء الله تعالى. ( وَمِنْهُمْ مَّن یَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِیلاً). فی مثل هذه الثورات، الأصول والقیم والأهداف لم تدوّن فی مشاریع مسبقة على ید الفئات والأحزاب، بل هی مدوّنة فی أذهان کل أفراد الشعب المتواجد فی الساحة وفی قلوبهم وإرادتهم، ومعلنة ومثبتة فی شعاراتهم وسلوکهم. بهذه المحاسبة یمکن بوضوح تشخیص أن أصول الثورات الحالیة فی مصر وبقیة البلدان تتجلّی بالدرجة الأولى فیما یلی: - إحیاء وتجدید العزة والکرامة الوطنیة التی انتُهکت على ید الهیمنة الدکتاتوریة للحکام الفاسدین والسلطة السیاسیة لأمریکا والغرب. - رفع رایة الإسلام الذی یمثل العمق العقائدی والعاطفی للشعب وتوفیر الأمن النفسی والعدالة والتقدم والتفتح مما لایتحقق إلاّ فی ظلّ الشریعة الإسلامیة. - الصمود أمام النفوذ والسیطرة الأمریکیة والأُوربیة التی أنزلت خلال أعوام أکبر الضربات والخسائر والإهانات بشعوب هذه البلدان. - نضال الکیان الصهیونی الغاصب ودولته اللقیطة التی غرسها الاستعمار مثل خنجر فی خاصرة بلدان المنطقة وجعلها وسیلة لاستمرار سلطته المتجبرة، وشرّد شعباً من أرضه التأریخیة. مما لاشک فیه أن تبنّی ثورات المنطقة لهذه الأصول وسعیها لتحقیقها لاینسجم مع رغبات أمریکا والغرب والصهیونیة، وهولاء یبذلون ماوسعهم من جهد لینکروا ذلک، لکن الواقع لایتغیّر بإنکاره. إن شعبیة هذه الثورات هی أهم عنصر فی تشکیل هویتها. القوى الطامعة بذلت کل جهدها ومارست کل أسالیبها الملتویة لحفظ الحکام المستبدّین والفاسدین والتابعین فی هذه البلدان، ولم تکفّ عن دعمهم إلاّ حینما انقطع أملها على أثر ثورة الجماهیر وعزمها. من هنا فإن هذه القوى لایحق لها أن تعتبر نفسها مساهمة فی هذه الثورات. وفی بلد مثل لیبیا لا یستطیع تدخّل أمریکا والناتو أن یکدّر هذه الحقیقة. فی لیبیا أنزل الناتو خسائر فادحة لا تعوّض. لو لم یکن هذا التدخّل فإن انتصار الشعب اللیبی کان من الممکن أن یتأخر قلیلاً، ولکن سوف لا ینزل بالبلد کل هذا الدمار فی بُناه التحتیة، ولا تزهق کل هذه الأرواح من النساء والأطفال، ولا یدّعی اولئک الأعداء الذین کانت یدهم لسنوات بید القذافی بأنّ لهم حق التدخّل فی هذا البلد المظلوم المُدمّر. إن جماهیر الشعب والنخب الجماهیریة والذین انطلقوا من الجماهیر هم أصحاب هذه الثورات والأمناء على حراستها والذین یرسمون مستقبلها ویدفعون بعجلتها إن شاء الله تعالى. 2- موضوع الآفات والأخطار.. لابد من التأکید اولاً أن الآفات والأخطار موجودة، ولکنّ هناک أیضاً سبلاً للوقایة منها. لاینبغی أن تکون الأخطار مبعث خوف الشعوب، دعوا الأعداء یخافوکم واعلموا ( إِنَّ کَیْدَ الشَّیْطَانِ کَانَ ضَعِیفًا ) ربّ العزة والجلال یقول بشأن فئة من المجاهدین فی عصر الرسالة: ( الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَکُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِیماناً وقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الْوَکِیلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ لَمْ یَمْسَسْهُمْ سُوءٌ واتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِیمٍ ). لابدّ من معرفة الأخطار والآفات للوقایة من الحیرة والتردید عند مواجهتها، ولنکون على معرفة مسبقة بتشخیص علاجها. إننا واجهنا هذه الأخطار بعد انتصار الثورة الإسلامیة وعرفناها وجربناها وخرجنا من أکثرها بسلام بفضل الله وقیادة الإمام الخمینی ووعی جماهیرنا وبصیرتهم وتضحیاتهم. طبعاً لایزال الأعداء یحوکون المؤامرات ولایزال الشعب یقاوم بعزیمة راسخة لا تلین. إننی أقسّم هذه الأخطار والآفات على قسمین: ماکان له جذور فی داخلنا وینبثق من ضعفنا، وماکان نتیجةً مباشرةً لتخطیط أعدائنا. القسم الأول هو من قبیل: الشعور والظن بأن سقوط الحاکم العمیل والفاسد والدیکتاتور هو نهایة الطریق. إن هذا سوف یبعث على الارتخاء وراحة البال والغرق فی نشوة النصر، وما یتبع ذلک من ضعف الدوافع وهبوط العزائم. هذا هو الخطر الأول. وسوف یتفاقم هذا الخطر حین یعمد أشخاص إلى الحصول على سهم خاص فی الغنیمة. ماجرى فی (معرکة أُحد) حیث طمع المحافظون على مضیق الجبل بالغنیمة الامر الذی أدّى إلى هزیمة المسلمین وإلى لوم ربّ العالمین إنما هو نموذج بارز ینبغی أن لاننساه أبداً. إن الشعور بالخشیة من الهیمنة الظاهریة للمستکبرین والإحساس بالخوف من أمریکا وسائر القوى الطامعة، خطر آخر من هذا القبیل، ولا بّد من توقّیه. النخب الشجاعة والشباب یجب أن یطردوا من قلوبهم هذا الخوف. إن الثقَة بالعدوّ والانخداع بابتسامته ووعوده ودعمه إنما هو من الآفات الکبرى الأخرى التی یجب أن یحذر منها بشکل خاص النخب وقادة المسیرة. یجب معرفة العدوّ بعلاماته مهما تلبس من لباس، وصیانة الشعب والثورة من کیده الذی یدبره فی مواضع خلف ستار الصداقة ومّد ید المساعدة. ومن جانب آخر قد یعتری الأفراد غرور ویحسبون العدوّ غافلاً، لا بّد من اقتران الشجاعة بالتدبیر والحزم وحشد کل الإمکانات الإلهیة فی وجودنا لمواجهة شیاطین الجنّ والإنس. إثارة الاختلافات وخلق الصراعات بین الثوریین والاختراق من خلف جبهة النضال هی أیضاً من الآفات الکبرى التی یجب الفرار منها بکل ما أوتینا من قوة. أما أخطار القسم الثانی: فإن شعوب المنطقة قد خبرتها غالباً فی الحوادث المختلفة. وأولها تولّی الأمور عناصر تعتقد أن لها التزامات أمام أمیرکا والغرب. الغرب یسعى بعد السقوط الإضطراری للعناصر التابعة أن یحافظ على أصل النظام والمحاور المفصلیة للقدرة ویضع رأساً آخر على هذا البدن وبذلک یواصل فرض سیطرته. و هذا یعنی إهدار کل المساعی والجهود، وفی هذه الحالة إن واجهوا مقاومة الجماهیر ووعیها فسوف یسعون إلى بدائل انحرافیة أخرى یضعونها أمام الثورة والجماهیر. هذه البدائل یمکن أن تتمثل باقتراح نماذج للحکم والدستور تدفع بالبلدان إلاسلامیة مرة أخرى إلى شراک التبعیة الثقافیة والسیاسیة والاقتصادیة للغرب، ویمکن أن تتمثل فی اختراق صفوف الثورة وتقدیم الدعم المالی والإعلامی لتیار مشکوک وعزل التیارات الثوریة الأصلیة. وهذا یعنی أیضاً عودة تسلط الغرب وتثبیت النماذج المتهرئة الغربیة والبعیدة عن مبادئ الثورة ثم سیطرة الأجنبی على الأوضاع. و لو أن هذه الخطط لم تفلح بأجمعها فإن تجربتنا تقول إنهم سیعمدون إلى أسالیب منها إثارة الفوضى والاغتیالات والحرب الداخلیة بین أتباع الأدیان أو القومیات والقبائل والأحزاب، بل بین الشعوب والبلدان الجارة، إلى جانب وفرض الحصار الاقتصادی والمقاطعة وتجمید الأرصدة الوطنیة وأیضاً الهجوم الشامل الإعلامی والدعائی. إن الهدف من وراء کل ذلک جعل الشعوب تشعر بالتعب والیأس، والثوار بالتردید والندم، والأعداء یعلمون أن مثل هذه الحالة تجعل هزیمة الثورة ممکنة ومیسورة. اغتیال النخب الصالحة والفاعلة والإساءة إلى سمعة الآخرین، ومن جهة أخرى شراء ذمم العناصر الهزیلة هی أیضاً من الأسالیب المتداولة للقوى الغربیة وأدعیاء التمدن والأخلاق!! إن وثائق وکر التجسس الأمریکی التی وقعت بید الثورة الإسلامیة فی إیران الإسلام، أوضحت بدقة أن کل هذه الدسائس قد خطط لها نظام الولایات المتحدة الأمریکیة. إعادة الرجعیة والاستبداد والحاکمیة التابعة فی البلدان الثوریة مبدأ یجیز لهم ممارسة کل هذه الأسالیب القذرة. 3- وفی آخر قسم من حدیثی أضع أمام تشخیصکم وانتخابکم توصیات استقیها من تجاربنا العینیة فی إیران ومن مطالعة دقیقة لبقیة البلدان. من المؤکد أن ظروف الشعوب والبلدان لیست على نحو واحد فی جمیع الأمور. لکن ثمة بیّنات تستطیع أن تکون للجمیع مفیدة. أول الحدیث هو أنه من الممکن التغلب على کل هذه الموانع الآفات واجتیازها اجتیازاً منتصراً بالاتکال على الله والاعتماد علیه وحسن الظن بما ورد فی کتابه العزیز من وعد بالنصر، والتحلّی بالتعقل والعزم والشجاعة، إنکم طبعاً قد نهضتم بعمل کبیر کبیر ومصیری. لذلک لا بّد أن تتحملوا من أجله أیضاً متاعب کبیرة، أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) یقول: « فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ یَقْصِمْ جَبَّارِی دَهْرٍ قَطُّ إِلَّا بَعْدَ تَمْهِیلٍ ورَخَاءٍ ولَمْ یَجْبُرْ عَظْمَ أَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا بَعْدَ أَزْلٍ وبَلَاءٍ وفِی دُونِ مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَتْبٍ ومَا اسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ خَطْبٍ مُعْتَبَر...» توصیتی الهامة أن تروا أنفسکم دائماً فی الساحة: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) واجعلوا الله سبحانه نصب أعینکم وثقوا بأنه فی عونکم (وَإِلَى رَبِّکَ فَارْغَبْ) وأن لا تکون الانتصارات مبعث غرور وغفلة: (اِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ والْفَتْحُ ورَاَیْتَ النّاسَ یَدْخُلُونَ فی دینِ اللهِ اَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ واسْتَغْفِرْهُ اِنَّهُ کانَ تَوّاباً ) هذه دعامات حقیقیة لکل شعب مؤمن. توصیتی الأخرى إعادة قراءة أصول الثورة بشکل مستمر. الشعارات والأصول یجب أن تخضع للتنقیح والتطبیق مع أصول الإسلام ومحکماته. الاستقلال والحریة والعدالة، وعدم الاستسلام أمام الاستبداد والاستعمار، ورفض التمییز القومی والعنصری والمذهبی، ورفض الصهیونیة رفضاً صریحاً وهی التی تشکل أرکان النهضات المعاصرة فی البلدان الإسلامیة، هی بأجمعها مستقاة من الإسلام والقرآن. الانحراف فی الثورات یبدأ من الانحراف فی الشعارات والأهداف، لا تثقوا إطلاقاً بأمریکا والناتو وبالأنظمة المجرمة مثل بریطانیا وفرنسا وإیطالیا التی جثمت لأمد طویل على صدور بلدانکم ووزّعت بینها بلدانکم ونهبت ثرواتکم، تعاملوا معها بسوء ظن ولا تصدّقوا ابتساماتهم، فوراء هذه الابتسامات والوعود تکمن الخیانات والمؤامرات. ابحثوا عن حلولکم من منبع الإسلام الفیّاض وردّوا وصفات الأجانب إلیهم. توصیتی المهمة الأخرى الحذر من الاختلافات المذهبیة والقومیة والعنصریة والقبلیة والحدودیة. اعترفوا بالتفاوت ووجّهوه بإدارة حاذقة. التفاهم بین المذاهب مفتاح النجاة. أولئک الذین یضرمون نیران التفرقة المذهبیة أو یعمدون إلى تکفیر هذا وذاک، هم عملاء الشیطان وجنده حتى لو لم یعلموا هم بذلک. إقامة النظام عمل کبیر وأساسی، إنه عمل معقد وصعب. لا تدعوا النماذج العلمانیة أو اللیبرالیة الغربیة، أو القومیة المتطرفة، أو الاتجاهات الیساریة المارکسیة تُفرض علیکم. إن المعسکر الشرقی قد انهار والمعسکر الغربی یتوسل بالعنف والحرب والخدعة، لیحافظ على بقائه ولیس له عاقبة خیر متصورة فی الأفق. مرور الزمان بضررهم ولصالح تیار الإسلام.الهدف النهائی یجب أن یتمثل فی التوجه نحو الأمة الواحدة الإسلامیة وبناء الحضارة الإسلامیة الجدیدة على أساس الدین والعقلانیة والعلم والأخلاق. تحریر فلسطین من مخالب الوحش الصهیونی هو أیضاً هدف کبیر. بلدان البلقان والقفقاس وآسیا الغربیة قد تحررت من سیطرة الاتحاد السوفیتی السابق بعد ثمانین سنة من الاحتلال، فلماذا لا تستطیع فلسطین المظلومة بعد سبعین سنة أن تتحرر من أسر السیطرة الصهیونیة ؟! الجیل المعاصر فی البلدان الإسلامیة له قدرة القیام بمثل هذا العمل الکبیر. جیل الشباب مبعث افتخار مَنْ سبقه من أجیال. یقول الشاعر العربی: قالوا: أبو الصخر من شیبان قلت لهم کلا لعمری ولکن منه شیبانُ وکم أبٍ قد علا بابنٍ ذُرى شَرَفٍ کما عـلا برسولِ الله عدنانُ ثقوا بجیل شبابکم أحیوا روح الثقة بالنفس فی وجودهم وغذّوهم بتجارب الآباء والأجداد. و ثمة ملاحظتان مهمتان فی هذا المجال: الأولى: أن أحد أهم مطالب الشعوب الثائرة والمتحررة أن یکون لها الحضور وأن یکون لأصواتها الدور الحاسم فی إدارة البلاد. ولما کانت هذه الشعوب مؤمنة بالإسلام فإن مطلوبها هو « نظام السیادة الشعبیة الإسلامی » أی إن الحکام یُنتخبون وفق تصویت الناس، وأن تکون القیم والأصول الحاکمة على المجتمع وفق أصول قائمة على المعرفة والشریعة الإسلامیة. الملاحظة الثانیة أن التوجه الإسلامی یجب أن لا یختلط بالتحجّر والقشریة والتعصب الجاهل والمتطرف. لا بدّ أن یکون الفاصل بین هذین الاثنین واضحاً. التطرف الدینی المقرون غالباً بالعنف الأعمى هو عامل التخلف والابتعاد عن الأهداف السامیة للثورة، وهذا بدوره عامل ابتعاد الجماهیر وفی النتیجة سیکون عامل فشل الثورة. خلاصة الحدیث أن الکلام عن الصحوة الإسلامیة لیس بحدیث عن مفهوم مبهم غیر مشخص ویقبل التأویل والتفسیر. إنه حدیث عن واقع خارجی مشهود ومحسوس ملأ الأجواء وفجّر الثورات الکبرى وأسقط عناصر خطرة فی جبهة الأعداء وأخرجهم من الساحة. ومع ذلک فالساحة لا تزال هشّة وتحتاج إلى بلورة وإلى تحقیق الأهداف النهائیة. الآیات التی تلیت فی مطلع الحدیث تشتمل على منهج کامل للعمل وله الفاعلیة الدائمة وخاصة فی هذه البرهة الحساسة المصیریة. إنها تخاطب النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله وسلم) لکننا جمیعا فی الواقع مخاطبون بها ومکلفون. أول توصیة فی هذه الآیات بالتقوى بمعناها السامی والواسع، ثم رفض الطاعة للکافرین والمنافقین، ثم اتباع الوحی وبالتالی التوکل على ألله والاعتماد علیه. مرة أخرى أمرّ على هذه الآیة الکریمة: (بسم الله الرحمن الرحیم یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْکَافِرِینَ وَالْمُنَافِقِینَ إِنَّ اللَّهَ کَانَ عَلِیمًا حَکِیمًا وَاتَّبِعْ مَا یُوحَى إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ إِنَّ اللَّهَ کَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرًا وَتَوَکَّلْ عَلَى اللَّهِ وَکَفَى بِاللَّهِ وَکِیلا). و السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,828 |
||