المواطن العربی و رحیل الزعماء! | ||
کثیر من الزعماء العرب وولاة امورهم باتوا على حواف قبورهم بعد أن بلغوا من الکبر عتیاً، وبعد أن بات بعضهم مهدداً بالشنق او مکتویاً بالحرق او مرشحاً للصعق بسکتة دماغیة قاضیة، ولأن هذا یعنی امکانیة کبیرة لسماع اخبار طیبة عن بعضهم عما قریب، باذن الله، ولاننی قد اکون منهمکا وقتها بما هو اهم بألف مرة من الحدیث عن نفوقهم، وجدت أن استبق الأمور فأعبر منذ الآن عن المشاعر التی ستعترینی، کمواطن عربی، عند استراحة الدنیا من احد الزعماء العرب! لا شماتة فی الموت طبعاً، لأننا جمیعاً نهرول على طریقه، لکن الحزن هو آخر ما یمکن أن ینتاب المواطن العربی عند سماعه نبأ انقلاع احد اولئک الطغاة عن ظهورنا! واتحدث هنا عن المواطن العربی الواعی الشریف، الذی لم تتلوث اصابعه برشاوى انظمة الحکم العربیة وعطایاها المسروقة من مقدرات الوطن العربی وجیوب ابنائه. و إذا ما حزن مواطن ما لسماعه ذلک النبأ - وهذا مستبعد على الأرجح - فإنه یحزن لمجرد افتقاده لما تعوده من مظالم ذلک الزعیم وحماقاته، وخشیته من أن یکون خلفه، الذی لا یکون على الأغلب الا شر خلف لشر سلف، اکثر ظلماً وحماقة! اول وأهم ما قد یفکر فیه المواطن العربی عند تلقیه النبأ - المفرح کثیراً للبعض - هو مدة العطلة الرسمیة التی سیحظى بها، وکیف سیقضی تلک العطلة، وهل ستکون الأسواق والمحال التجاریة مشرعة ابوابها لتأمین احتیاجاته خلال تلک العطلة اذا ما طالت، نظراً لوجوده فی مزرعة - عفواً اقصد دولة - الفقید غیر المأسوف على شیخوخته! واتحدث عن الشیخوخة هنا لأنه لا احد من زعمائنا العرب یموت - لسوء الحظ - الا بعد أن یعتریه الخرف ویرد الى ارذل العمر وهو یربض على قلوب مواطنیه کالکابوس الثقیل سنوات وسنوات طوال، تأبى أن تنتهی الا بتدخل مباشر من (عزرائیل) علیه السلام! بعض المواطنین العرب الضالین الذین ادمنوا عادة قبیحة تلقیهم فی احضان الفضائیات الساقطة سیقلقون اشد القلق فی حال تلقیهم النبأ على مصیر البرامج التی دابوا على متابعتها. فهل ستقطع تلک الفضائیات بثها المعتاد حداداً - منافقاً طبعاً - على فخامة الفقید، لتتحول بقدرة قادر ولبضعة ایام فحسب الى محطات حزینة تنافس اخشع القنوات تدیناً وحرصاً على اظهار التقوى والورع، بعد أن کانت تملأ الدنیا صخباً وإسفافاً وابتذالاً. البعض الآخر سینهمک، بکل الأسى والمرارة والقهر، فی رصد وتقدیر حجم الأموال الضخمة التی تهدر فی سیاق الأعداد لدفن المغفور له - والمغفور له هذه من قبیل المجاملة فقط - ورثائه وتأبینه والنفاق لوریثه المحظوظ. تلک الأموال التی قد تکفی لإطعام ملایین الجائعین العرب وسد عوزهم وکفایتهم سؤال الناس لتأمین ابسط الإحتیاجات للبقاء على قید الکرامة قبل الحیاة! فریق آخر، ومن باب قتل الوقت وإشباع الفضول، سیوجه بعض اهتمامه الى متابعة سلسلة البرامج والمقالات التی یتم تلفیقها للحدیث عن مناقب الفقید الکبیر ومآثره وانجازاته التاریخیة، التی تتجاهل تماماً بطبیعة الحال جرائمه ومظالمه ومخازیه، التاریخیة أیضاً، التی اسهمت، متضافرة مع بقیة جرائم ومظالم ومخازی نظرائه من الزعماء فی وطننا العربی المنکوب، فی ایصال امتنا العربیة الى هذا المستنقع المنتن من التخلف والهوان والإنحطاط! بالنسبة لی شخصیاً، وکمواطن عربی، لا اظن أن الحزن سینتابنی على الإطلاق لإنتقال ای من الزعماء العرب الى الجناح الذی حجزه مسبقاً بأعماله السوداء فی الجحیم. غیر أنی سأتوجه بالنصیحة الى من هم على عروش دویلاتهم الهشة من اولئک الزعماء فأقول: اخلصوا لله واتقوه فی امتکم؛ تطهروا من ادران الأنانیة والجشع والإستغلال والظلم والتسلط؛ اجمعوا شتات هذه الأمة الممزقة ووحدوها؛ لا تتآمروا مع اعدائها وتکونوا أذناباً لهم. عندها، وعندها فقط، سیبکیکم عند رحیلکم عن هذه الدنیا الفانیة ملایین الشرفاء من ابناء امتکم، ودموع الحزن الصادق لهؤلاء ستکون حاضرة هناک کی تدافع عنکم یوم الحساب العسیر الذی ینتظرکم، الذی تبیض فیه وجوه وتسود وجوه، وإلا فسیعلم الذین ظلموا فی ذلک الیوم الرهیب القادم لا محالة ای منقلب سینقلبون!
د. خالد سلیمان
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,482 |
||