الخیارات الإسرائیلیة فی ظل المتغیرات الجیو ـ إستراتیجیة | ||
![]() | ||
الخیارات الإسرائیلیة فی ظل المتغیرات الجیو ـ إستراتیجیة
یبدو المشهد الإقلیمی فی أشد لحظاته تعقیداً وضبابیة لا سیما فی ظل الإنتفاضات والتحولات التی تعصف بالمنطقة العربیة منذ ما یقارب السنة والنصف. لم تأت هذه من فراغ بل سبقها تحول عمیق فی البیئة الإقلیمیة وانقلاب جوهری فی میزان القوى الإقلیمیة بفعل الهزائم المدویة للمشروع الأمیرکی ـ الصهیونی فی المنطقة لا سیما فی العراق ولبنان وغزة. إن تراجع النفوذ الأمیرکی خلال السنوات الأخیرة أنتج فراغا فی القوة إنعکس إنکشافاً لدى الأنظمة العربیة التابعة له وهو ما أسس لإمکانیة إزالة النظام العربی "القدیم" الموالی لواشنطن کما حصل بالتحدید فی تونس ومصر. . فی مواجهة هذا التحدی تبنت واشنطن سلسلة خطوات من أبرزها: ـ إتاحة المجال لدور ترکی جدید فی المنطقة قادر على موازنة الدور الإیرانی من خلال قیادة ترکیا لحلف سنی نظراً لما تمتلکه من قدرات وإمکانات وموقع وارتباطها الإستراتیجی بحلف الناتو. ـ دفع الدول الخلیجیة الى تحمل مسؤولیات إضافیة ومباشرة فی المواجهة الإقلیمیة وذلک من خلال مجلس التعاون الخلیجی والجامعة العربیة، إذ إن واشنطن لم تعد قادرة على تحمل اکلاف لعب الدور المباشر والکامل. ـ رفع مستوى التنسیق الأمنی والعسکری مع الکیان الصهیونی لمواجهة التحدیات الأمنیة المتزایدة من جبهات عدة، وهو ما تمت ترجمته بزیادة الدعم العسکری وبرنامج القبة الحدیدیة وتأکید الإلتزام الأمنی الکامل من قبل إدارة أوباما تجاه "إسرائیل". ـ إنتقال الولایات المتحدة الى "القیادة من الخلف" والإکتفاء بتقدیم دعم دبلوماسی ولوجیستی لحلفائها فی المنطقة، مع الترکیز على القوة الناعمة بدل تلک الصلبة. ـ لم تتمسک واشنطن بحلفائها الذین سقطوا بل سارعت الى محاولة التفاهم مع التیار الإسلامی الصاعد لصیاغة تفاهم متبادل على مستوى القضایا الکبرى، ولکن رغم بعض التفاهمات الجزئیة إلا ان عدم الثقة ما زال یحکم علاقة الطرفین. لم یکن هذا التراجع فی النفوذ الأمیرکی ممکناً لولا الهزیمة المدویة فی تموز 2006 ، والتی کانت المحاولة الأمیرکیة الأبرز للخروج من المأزق العراقی ومحاولة قلب الطاولة على سوریا وإیران اللتین أطبقتا على المشروع الأمیرکی فی العراق فی تلک المرحلة، وقد کان للانتصار فی حرب تموز جملة مفاعیل بالغة الأهمیة: ـ کرست الحرب محدودیة القوة الإسرائیلیة فی فرض وقائع سیاسیة تعکس مصالحها فی المنطقة. ـ لم یعد بإمکان "إسرائیل" شن أی حرب مستقبلیة بعیداً عن الإرادة الأمیرکیة، نظراً لاحتمالیة تمدد أی معرکة مقبلة الى المستوى الإقلیمی وهو ما یستلزم دوراً أمیرکیاً مباشراً. ـ تحول "إسرائیل" الى عبء إستراتیجی على الغرب سواء مادیاً أو معنویاً، وهو ما یثیر إنقاسامات داخلیة متزایدة فی الغرب لا سیما الولایات المتحدة عن جدوى الدعم اللامشروط للکیان الصیهونی. ـ إنتقال "إسرائیل" الى مستوى الردع الدفاعی، والإهتمام بتحصین الجبهة الداخلیة وردع خصومها من الهجوم، بعدما فقدت القدرة على المبادرة الهجومیة والحسم السریع. ـ رفعت الحرب من وزن حزب الله الإستراتیجی فی المعادلة الإقلیمیة. کل هذه التحولات العمیقة فی توازنات المنطقة والتی ساهمت فی تضرر صورة الولایات المتحدة وشرعیتها وإستنزافها إقتصادیا، فاقمت من الازمة الإقتصادیة التی تعصف بالغرب منذ ثلاث سنوات. فی مقابل هذا التراجع الأمیرکی ومحاولته الدفع بدور ترکی ـ خلیجی الى الواجهة ، برزت بقوة المصالح الروسیة ـ الصینیة على المستوى الدولی وخاصة فی الشرق الأوسط نتیجة أهمیته الجیو ـ إستراتیجیة. تجد الصین أن الولایات المتحدة تظهر عدائیة متزایدة تجاه صعودها وتدفع بمزید من القوات والموارد باتجاه منطقة الباسیفیک، ولذا بدأت الصین تدرک بشکل متزاید حاجتها الى سیاسة خارجیة أکثر وضوحاً ودور أکثر فاعلیة فی الشرق الأوسط لموازاة الضغط الأمیرکی، إلا ان هذا التوجه ما زال فی بدایاته. التغیر الحقیقی هو فی الموقف الروسی، حیث یجد الروس فرصة لاستعادة بعض النفوذ الدولی وممارسة دور متزاید فی ظل محدودیة القوة الأمیرکیة. إلا أن الروس یتزاید إهتمامهم بالشرق الأوسط خوفا من خسارة رکیزتیهما المتبقیتین إیران وسوریا لحساب دور ترکی أکبر یطمح للتمدد أیضا باتجاه آسیا الوسطى التی تصنف ضمن المجال الحیوی الروسی حیث تنشط الحرکات الإسلامیة الإنفصالیة. فی ظل کل هذه التطورات أصبح قرار الحرب فی المنطقة قراراً شدید التعقید والخطورة والصعوبة باعتبار أن أی حرب ستکون مرشحة لتتوسع إقلیمیاً، وبالتالی لا بد لقرار الحرب أن تشترک فیه مجموعة دول إقلیمیة ودولیة. فی اللحظة الراهنة یبدو الخیار الإسرائیلی هو انتظار مآلات الأزمة السوریة لأنها الأقل تکلفة کون "إسرائیل" لیست متورطة بها بشکل مباشر، ویمکن فی حال سقوط النظام أن تتغیر حسابات المعرکة بالنسبة لها بالکامل، وهذا التقدیر تشترک فیه مع الأمیرکی أیضاً. الإسرائیلی منشغل فی دراسة التغییرات التی تطرأ على البیئة الأمنیة الجدیدة ودراستها وإعادة تشکیل سیاسة دفاعیة جدیدة تتناسب معها ولکنه ما زال یعتبر التهدید الإیرانی هو الأکثر حضوراً. وفی شأن الخیارات الإسرائیلیة یمکن إیراد النقاط التالیة: ـ ان القرار الإسرائیلی بالحرب أصبح خاضعاً بنسبة کبیرة للموقف الأمیرکی فی المنطقة ولا یمکن لـ"إسرائیل" الإنخراط فی معرکة بمعزل عن موافقة الولایات المتحدة، لذا لا یمکن تقدیر الخیارات الإسرائیلیة بمعزل عن سیاسة واشنطن فی الشرق الاوسط وأولیاتها. ـ تعتبر کل من "اسرائیل" والولایات المتحدة أن أی حرب إسرائیلیة حالیة على لبنان من شأنها تقویض الجهود الامیرکیة فی سوریا وتعید تعزیز شرعیة المقاومة. کما أن هجوما کهذا قد یشکل ذریعة تتیح لمحور المقاومة توسعة الصراع بهدف تخفیف الضغط عن النظام السوری. ـ هناک قلق إسرائیلی بعد زوال النظام المصری ووهن النظام الأردنی لاحتمال أن دخول قوى عربیة الى ای مواجهة مقبلة أصبح جدیاً، إذ ان مبارک شکل ضامناً لمنع القوى المصریة من التدخل فی الحروب السابقة ولکن الآن یمکن بسهولة لقوى عربیة ان تتدخل فی أی صراع بین حزب الله و"إسرائیل" أو حماس و"إسرائیل". ـ لکن یثار تساؤل حول إمکانیة قیام "إسرائیل" بتوجیه ضربة محدودة لعملیات نقل سلاح کیمیائی من سوریا الى لبنان، عند هذا المستوى من المحتمل جداً ان تبادر "إسرائیل" الى هذه الخطوة ولو بدون الموافقة الأمیرکیة. ـ من الإحتمالات الجدیة هو توسع الصراع فی سوریا الى صراع إقلیمی وهذا ما یثیر قلقاً من ناحیة بالنسبة لـ"إسرائیل" کونها ستکون الهدف الأفضل لمحور المقاومة، ولکن فی ذات الوقت هی تستعجل سقوط الأسد وترى أن التدخل الدولی فی سوریا سیجعل "إسرائیل" تبدو فی المحور الذی یضم قوى عربیة وإسلامیة بوجه إیران وحزب الله، وهو ما یخدم الدبلوماسیة العامة الإسرائیلیة مع الرأی العام العربی. ـ الخیارات الإسرائیلیة الحالیة مرتبطة بما ستؤول إلیه الأزمة السوریة من ناحیة، وبالملف النووی الإیرانی من ناحیة أخرى. تتحضر "إسرائیل" للسیناریو الأسوأ وتواصل إستعداداتها المیدانیة، فی حال فشل الغرب فی إیقاف البرنامج النووی الإیرانی ولم یتمکن من الإطاحة بالنظام السوری. ـ یفترض البعض أن "إسرائیل" والولایات المتحدة ربما تستغل إنشغال النظام السوری وتضرر شرعیة حزب الله على المستوى الإقلیمی والإنقسام الداخلی حول السلاح والضغوط المتزایدة على إیران، للقیام بضربة عسکریة فی ظل هذه الظروف المثالیة، ولکن بالنظر لما اوردناه سالفاً یبدو هذا الإفتراض ضعیفاً. ـ الخیار الإسرائیلی ـ الأمیرکی لهذه المرحلة هو الإستمرار فی إستنزاف المقاومة لا سیما معنویاً وعزلها عن الرأی العام العربی وتعمیق الإنقسام الداخلی حولها، وتکریس صورة جدیدة للمقاومة کمیلیشیا مذهبیة إجرامیة تابعة لإیران، وذلک الى حین اکتمال شروط تنفیذ ضربة عسکریة. فی الخلاصة، ورغم الضجیج الذی یثار فی أکثر من جبهة، تبقى التطورات السوریة هی الفیصل فی المرحلة المقبلة مع إمکانیة متزایدة لتوسع الصراع الى المستوى الإقلیمی. تبدو الولایات المتحدة حریصة على عدم توسع الصراع فی هذه المرحلة لعدم إعطاء ذریعة لتدخل أکثر وضوحا للمقاومة وإیران وروسیا ولعدم تشتیت الإنتباه عن الساحة السوریة لا سیما مع إعتقاد الإدارة الأمیرکیة أن العقوبات والضغوط على إیران بدأت تؤتی أکلها. ولذا تضبط واشنطن القرار الإسرائیلی الإستراتیجی وتقیده فی إنتظار إکتمال کافة الشروط لمسرح عملیات الحرب المقبلة على المستویات کافة.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,402 |
||