الاسلام وثقافة الغرب بین التقلید والانزواء | ||
الاسلام وثقافة الغرب بین التقلید والانزواء لم یکن الإسلام یوماً یفرض على أتباعه ومریدیه الانغلاق والانزواء ووضع الحواجز والسدود بینهم وبین الآخرین من سائر الملل والأدیان ، بل على العکس فقد دعا منذ انطلاقته إلى مد جسور العلاقات الإنسانیة على قاعدة التشاور والتناصح والتعاون لما فیه خیر للحیاة الإنسانیة، قال تعالى: (وجعلناکم شعوباً وقبائل لتعارفوا). نعم، لم یمنع الإسلام فی هذا المجال أتباعه من التفاعل مع الآخرین فی مختلف الأنماط والنماذج طالما کانت لا تخرج عن حدود وضوابط الشریعة الإسلامیة خاصة وأن الإسلام دین یحترم کل ما لدى الشعوب فی هذا المجال، وإن کان بعض ما هم علیه لا تنطبق علیه ضوابط الاسلام وهم یمارسونه فیما بینهم ویرونه شیئاً مألوفاً. لکن ما یؤسف له فی هذا المجال هو أن نرى الغرب ـ وعلى رأسه الولایات المتحدة الأمریکیة التی تعتبر الیوم رمز الثقافیة الغربیة ـ یحاول تعمیم نموذجه وتقالیده وأعرافه على کل الشعوب والأمم على حساب تاریخ وتراث تلک الشعوب، ومن دون نظر إلى عمق ارتباط تلک الشعوب بتراثها وتاریخها، والمنطلق فی هذا السعی هو الوهم الذی یخیّل إلى أرباب الثقافة الغربیة أنّ ثقافتهم هی الأقوى والأجدر والأقدر على تحریر الشعوب من ماضیها الذی ترید جره إلى الحاضر، وأن انغلاق الشعوب على أعرافها وتقالیدها هو الذی یمنعها من اللحاق بالنموذج الثقافی الغربی الذی عندما تحرر من ماضیه وتاریخه ارتقى ووصل إلى ما هو علیه الیوم من التقدم والازدهار. وحیث إن الغایة تبرر الوسیلة، کان من الطبیعی أن تستخدم دول الاستکبار من أجل تعمیم ثقافتها کل أنواع الوسائل حتى غیر الشریفة منها، وهو ما یفسّر اعتمادهم أسالیب التهدید والابتزاز وتسخیر الإعلام لتشویه ثقافات الآخرین، ولا سیما الثقافة الإسلامیة التی ما زالت قویة فی أوساط المسلمین تمنعهم من الذوبان فی جو الثقافة الغربیة وتحلل شخصیتهم فیها. وتتجلّى خطة الاستکبار الغربی فی الکتب المؤلفة والبرامج الإذاعیة والتلفزیونیة ومن خلال شاشات السینما والأفلام التی تصور المسلمین وثقافتهم وکأنهم یعیشون خارج حدود هذا العالم ولا یریدون أن ینخرطوا فی الواقع المعاصر لیکونوا جزءاً منه،وأنهم یعملون على تدمیر إنجازات الحضارة الغربیة والإنسانیة لإعادتها إلى الوراء،وهو ما نلتمسه أیضاً من خلال الترویج السلبی عن نظرة الإسلام إلى الزواج والمرأة وقضایا الحریة والمساواة وما شابه ذلک. کل هذه التهم والافتراءات المکالة لا تحوج المنصف إلى عناء التفکیر والتأمل لیکتشف براءة الإسلام منها، ولیقف على خبث المکیدة الغربیة للإسلام والمسلمین، وأثناء تحلیلنا للنظریة الإسلامیة اتجاه هذه القضیة نقف على قاعدة ثلاثة المحاور هی المقیاس العام لقبول أو رفض ما عند الآخرین. المحور الأول: أن کل ما عند الشعوب الأخرى من ثقافة أو حضارة أو تقدم علمی أو أی شیء آخر إذا کان موافقاً للضوابط الإسلامیة، أو غیر مخالف لها فی الحد الأدنى، فلا مانع من الأخذ به وترویجه بین المسلمین إذا کان مفیداً لهم ونافعاً فی التخفیف عن معاناتهم وتسهیل حیاتهم، وهذا ما نراه بأم العین فی أوساط عالمنا الإسلامی الذی یتعامل مع نتاج الحضارة والثقافة الغربیتین بشکل إیجابی فی هذه المجالات غیر المتنافیة مع ضوابطنا الإسلامیة، ولهذا نرى أن أکثریة نتاج الحضارة الغربیة وثقافتها منتشر بین المسلمین ولا أحد یعترض على ذلک بل لا یحق لأحد الاعتراض مبدئیاً فی هذا المجال، کیف؟ والإسلام یؤمن بالتقارب والتفاعل بین الشعوب إذا کان مما یخدم الإنسان بما هو إنسان بغض النظر عن الدین واللون والجنس واللغة والأرض. المحور الثانی: إذا کان بعض ما لدى الثقافات والحضارات الأخرى منافیاً مع ضوابط الإسلام وغیر منسجم مع منظومته الفکریة والسلوکیة فهو مرفوض،لأن الإسلام یرى فیه ابتعاداً عن الأهداف الإلهیة المطلوب من المسلمین تحقیقها فی حیاتهم، ولهذا نرى أن الکثیر من مفردات الثقافة الغربیة القائمة على التحلل الأخلاقی والإباحة الجنسیة والممارسات التی تسلخ الإنسان عن إنسانیته وتجعله أقرب إلى الحیوانیة والبهیمیة هی مرفوضة إسلامیاً، ولا یمکن الاستهانة فی قبولها لأنها تمتهن کرامة الإنسان وتجعله سلعة من السلع التی تباع وتشترى. فالإسلام حینما یأمر المرأة بالستر والحجاب، یأمرها بذلک لأنّه یرى فیه صوناً لإنسانیتها وإخراجاً لها من دائرة الإغواء والإغراء والشهوة واللذة إلى دائرة الإنسانیة الواسعة، فی حین تدفعها الثقافة الغربیة إلى السفور والعری حتى الفاضح منه والذی یتجلى فی ممارسات شاذة تأنف منها النفوس وتشمئز منها الطباع السلیمة المحافظة على فطرتها الصحیحة، أو ما یشاع الآن فی الغرب عن تشریع تدخین واستعمال المخدارت أو تشریع محرمات العلاقة بین الرجل والرجل من جهة أو المراة والمرأة من جهة أخرى أو بین الرجال والنساء من جهة ثالثة وغیر ذلک مما قد صار متعارفاً بأنه من نتاج الثقافة الغربیة الداعیة إلى الحریة الفردیة المطلقة التی تتجاوز حدود المسؤولیة لتتحول إلى فوضى مدمرة للحیاة الإنسانیة جمعاء. المحور الثالث: إذا کان ما لدى الثقافة الغربیة أو غیرها من الثقافات مما هو غیر واضح المعالم من جهة إیجابیاته أو سلبیاته, لأنه قابل لهما معاً, فالإسلام لا یمنع من الأخذ بالجهة الإیجابیة من هذه الأمور وفق ضوابطه، لکنه یمنع من الاستفادات السلبیة له, فمثلاً نرى أن الغرب قد ابتدع فی ثقافته أنماطاً من اللباس للمرأة یکشف الکثیر من جسدها ولا یبقی مستوراً منه إلا القلیل فهنا لا مانع للمرأة المسلمة أن تستفید من مثل هذه الألبسة ولکن وفق ضوابط الإسلام وحرصه الدائم على أن تلتزم المراة جانب الإنسانیة من شخصیتها فی المجتمع العام, ولکن لا مانع من أن تمارس حریتها فی الاستفادة من هذا النمط من اللباس فی عالمها الخاص بها حیث یجوز ذلک، وهکذا فی العدید من هذه المفردات التی ذکرناها.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,277 |
||