آیة الله محمد علی التسخیری: الثورات العربیة بعثت الأمل فــی قلـوب المسلمیــن | ||
![]() | ||
سماحة آیة الله محمد علی التسخیری غنی عن التعریف. عالم جلیل جال العالم کله من أجل التقریب بین المذاهب الإسلامیة وتوحید الصف الإسلامی على کلمة سواء. التقیناه مؤخراً فکان هذا الحوار: * نود فی البدء أن نتعرف على انطباعاتکم ازاء ثورة الشعب المصری المبارکة . ** قبل کل شیء ارحب بکم وارجو لکم کل التوفیق فی اداء رسالتکم الإعلامیة المهمة. ما حدث اخیراً فی تونس وفی مصر وامتد الى انحاء اخرى من العالم العربی، اعتقد انه حدث مبارک وهدیة الهیة لشعوبنا المقهورة التی حاول الطغاة ان یصادروا حریتها وحقها فی صیاغة مستقبلها، وقد ظنّ هؤلاء الطغاة من امثال بن علی ومبارک ظنوا انهم یستطیعون ان یحکموا الى الأبد، مستندین الى دعم القوى لهم وناسین ان قدرة الله تعالى اکبر من کل هذه القدرات ، ومع الأسف صادروا الحریات وربطوا البلاد باسرائیل وبالغرب ونهبوا الأموال العامة وسجنوا الأحرار وحاولوا أن یغیروا وجه هذه الألیفة، وبالخصوص ان النظام المصری فی الواقع أذلّ مصر وافقدها دورها القیادی الذی کانت تلعبه طوال العقود وبالتالی شهدنا تبعیة مقیتة ، لکن صوت هذا الشعب تجلى فی ثورة ٢٥ ینایر، الثورة الجماهیریة الخالصة، الثورة لم تصنعها الأحزاب لوحدها ولم تصنعها شخصیات لوحدها، وانما صنعها الشعب المصری العظیم بلطف الله تعالى ورعایته . ورأینا ان هذا الشعب یرفع شعاراته بکل حریة ویتحمل کل الأذى من البولیس الرسمی ومن البلطجیة الذین سخرهم النظام . رأینا ان الشعب ینطلق من ایمانه، من مساجده ، من صلوات الجمعة، مما یعبر عن صحوة اسلامیة فی هذا الشعب. أنها ثورة عظیمة اسقطت الطاغوت وعلّمت الشعوب دروساً کبیرة. انا اعتقد ان ملامح هذه الثورة فی الواقع تشبه ملامح ثورة الشعب الإسلامی الإیرانی بقیادة الإمام الخمینی (رحمة الله علیه ) حیث استطاعت ان تقضی على طاغوت متکبر هو شاه وعمید للاستعمار الأمریکی، وحوّلت ایران من قاعدة للاستعمار الى موقع ثوری متقدم یستطیع ان یلهم الشعوب الأخرى مسیرة الثورات. وأنا ابارک لکم هذه الثورة وارجو ان یستمر هذا الشعب المصری المحبوب لدینا جمیعاً فی مسیرته ولا یتوانى فی تحقیق اهداف ثورته الکبرى ولا یسمح لأی قوة طامعة من الخارج أن تحرف هذه الثورة عن مسیرتها الأصیلة. * ثمة بعض القوى وخاصة امریکا تحاول ان تستغل هذه الثورة و تطوعها لها ، بما فی ذلک بعض الدول العربیة . ولا یخفى علیکم المد السلفی المتشدد. ماذا تقولون لهؤلاء؟ ** أما عن امریکا فیوما بعد یوم یزداد یقینی من صحة کلام الإمام الخمینی (رحمة الله علیه ) من انها هی الشیطان الأکبر، هی الیوم تقود حرکة الاستکبار فی العالم وهی الداعم الأول للعدو الصهیونی وهی فی الواقع کانت تدعم النظام السابق فی مصر بکل انواع الدعم ، ولکن عندما رأت ان الثورة تنتصر حاولت ان ترکب الموجة ، وهکذا هو مصیر العملاء عندما تستنفذ اغراضهم وفوائدهم یرمون کالنفایات، فحاولت ان تلعب على الحبل وترکب الموجة، ویبقى ایماننا بالله وبوعی الشعب المصری هو الضمانة لئلا تعود امریکا التی طردت من الباب لئلا تعود من النافذة . هؤلاء لا یرحمون احداً ولا ترق قلوبهم لشعب معین لکی تعطی حقوقه ، ولذلک اعتقد ان امریکا سوف لن تنجح فی ایجاد انحراف فی هذه الثورة، او غرس عملائها. اما الاتجاه السلفی التکفیری فأنا اعتقد انه انحراف کبیر فی تاریخ امتنا، اسلامنا لا یعرف التکفیر. فی الروایة عنه (صلوات الله علیه ) من قال لأخیه یا کافر فقد باء بها احداهما . اعنی أن الرسول والقرآن یمنعنا وتعالیم الإسلامی کلها تمنعنا من التکفیر کما تمنعنا من الافراط ومحاولة التعصب الأعمى. مع الأسف اعتقد ان هناک بعض السلفیة ممن افرطوا ودخلوا فی حالة تعصب بغیض . ارجو ان یوفق العقلاء والعلماء والأزهر الشریف، وانا اعلم ان الأزهر الشریف وسطی دائماً، وتقریبی دائماً، أرجو ان یوفق العلماء فی هدایة هؤلاء وبالتالی اعادتهم الى المسیر الوسط. * ماذا تقول سماحتک عن تصریحات شیخ الأزهر الشیخ احمد الطیب الاخیرة ؟ ** سماحة الإمام الأکبر الشیخ احمد الطیب لنا صداقة معه منذ عشرات السنین وأنا اعرفه رجلا طیباً مستقیم الفکر، متوازناً، یعمل بکل جد على توعیة الجیل ودفع عجلة التقریب بین المذاهب الإسلامیة الى الأمام. انا اعتقد ان تصریحاته الأخیرة کانت تصریحات جیدة وتصریحات موحیة وتنشر التوعیة وترکز على الوسطیة، فأنا أهنئه على هذا الاتجاه، وهذا ما کنا ننتظره منه وأنا أومن بأن الأزهر سوف یعود دوره الرائد فی العالم الإسلامی، لأن الجماهیر تنتظر منهم أن یهدیها الی الطریق المستقیم. * هل أتى المجمع العالمی للتقریب بین المذاهب الإسلامیة ثماره؟ یعنی هل أدی واجبه؟، وماهی العقبات التی تعرقل التقریب فی الدول التی بدأت تنشط فیها السلفیة بنحو ملفت ؟ ** قبل کل شیء اود ان اوضح انه عندما نطرح التقریب فإنما نطرحه على الصعید الفکری باعتباره مقدمة للتوحید العملی للأمة. فعلى صعید الأفکار لا یمکن ان توحد الأفکار، لأن الأفکار مختلفة والقرآن الکریم یقول: “ولا یزالون مختلفین” فعلى الصعید الفکری نحن لا ندعو لترکیب المذاهب ولا ندعو لتذویب المذاهب، ولا ندعو لتغلیب مذهب على مذهب، وإنما ندعو للتقریب ونقصد من هذا أن یتمسک الجمیع بمذاهبهم ولکن لیفتشوا عن المساحة المشترکة بین هذه المذاهب، وأنا اعتقد أن المساحة المشترکة تتجاوز الــ ٩٠ بالمئة من المسائل الحیاتیة ولکن العدو ینسینا هذا الإشتراک، ویدعنا نرکز على الخمسة بالمئة او الستة بالمئة من المساحة وهی حالة طبیعیة، فالتقریب یدعو لاکتشاف المساحة المشترکة ویدعو لتوسعة هذه المساحة المشترکة عبر الحوار المنطقی القرآنی السلیم ویدعو التقریب الى تنفیذ هذه المساحة المشترکة والتعاون فی هذا التنفیذ وفی مرحلته الأخیرة یدعو التقریب لأن یعذر بعضنا بعضاً فیما اختلفنا فیه. هذه القاعدة الذهبیة للشیخ رشید رحمة الله علیه، صاحب المنار وتلمیذ الشیخ محمد عبده. هذا هو التقریب، نحن ندین واقعاً لدار التقریب فی القاهرة التی بدأت أول ما بدأت بانشاء هذه الحرکة فی الاربعینات وکان فیها علماء کبار من السنة والشیعة ، الشیخ حسن البنا، الشیخ شلتوت، الشیخ المراغی، الشیخ الباقوری .التقریب بین المذاهب بدأ فی الاربعینات و احتضنه الأزهر الشریف و کان یضم علماء کبار امثال الشیخ المراغی و الشیخ حسن النبا و غیرهما من العلماء ، الشیخ محمد تقی القمی من قم ، و المرحوم کاشف الغطاء من النجف، والمرحوم البروجردی من قم، کبار العلماء قاموا بهذه الحرکة وانتجوا الکثیر ولکن مع الأسف قلّ صوت الحرکة فی أوائل السبعینات من القرن الماضی. نحن نعتقد ونؤمن بأننا امتداد لهذه الحرکة، نرید أن نحیی هذا الصوت الإسلامی الوسطی السالم الذی ینسجم مع الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة وما طرحه الأئمة الکبار فی العصور السابقة، وبالتالی اعتقد ان مصر وشعب مصر یمثلان النماذج للحالة الوسطیة ، فتجدهم من جهة لهم مذاهب مختلفة شافعیة، مالکیة، حنبلیة، حنفیة، ولکنهم منفتحین ویجتمعون على الشیعة وهم اقرب للشیعة ویحترمون اهل البیت نهایة الاحترام، ویزورون مسجد سیدنا الحسین، والسیدة زینب، والسیدة نفیسة، ومسجد الإمام الشافعی والآخرین، یعنی هذه الحالة الوسطیة ، فی الواقع الشعب المصری یمثل التجمع الإسلامی المنفتح الوسطی، والذی یستوعب مختلف المذاهب ویؤمن بکل المقدسات الإسلامیة. * کیف تتوحد الأمة الإسلامیة، ماذا تقول للأمة الإسلامیة لکی تنهض ؟ ** انا نسیت ان اجیب عن آخر السؤال السابق حول العقبات التی تعترض التقریب . استکمالاً للسؤال السابق اعتقد ان معظم المشکلات والمصائب تأتینا من أعداء الأمة من الاستکبار العالمی الذین کادوا لهذه الأمة منذ صدر الإسلام والذین حاولوا أن یستعمروا هذه الأمة ویغیروا عقیدتها واستهدفوا ثقافتها بل استهدفوا حتى وجودها، فهؤلاء هم الأصل فی المشکلة، ولکن هناک عوامل مساعدة فی داخلنا، تساعد العدو فی تحقیق مآربه، اعتقد من العوامل المساعدة هذا الافراط والتشدد ، هذا التعصب الأعمى . وایضا الى جانب ذلک المصالح الشخصیة، من بعض الشخصیات حتى المصالح السیاسیة . وایضا مما یساعد العدو لتحقیق ماربه هذا الافراط فی تهجم اتباع مذهب على مقدسات المذهب الآخر، هذه أمور و عوامل مساعدة ، هذا بالنسبة لاستکمال الجواب السابق. اما بالنسبة للسؤال الآخر وهو کیف نستطیع ان نقود الأمة نحو وحدتها؟ حقیقةً أن القرآن الکریم لم یترک طریقا یؤدی الى الوحدة إلاّ وسلکه، القرآن الکریم عیّن لکل هذه الأمة محور الوحدة وهو حبل الله “واعتصموا بحبل الله جمیعاً” الاعتصام، اعتصام مجموعی بحبل الله تعالى والابتعاد عن الفرقة والقرآن ، و وصف الفرقة بأبشع الأوصاف وقال “ولا تکونوا کالذین تفرَّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البینات وأولئک لهم عذاب عظیم . یوم تبیضُّ وجوهٌ وتسودُّ وجوه فأما الذین اسودت وجوههم أکفرتم بعد إیمانکم فذقوا العذاب بما کنتم تکفرون”. لاحظوا اوصاف العذاب، اوصاف الکفر، اوصاف التفرق والابتعاد عن حبل الله . القرآن یقول: “والذین کفروا بعضهم اولیاء بعض” ثم یقول: “إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَکُنْ فِتْنَةٌ فِی الأَرْضِ وَفَسَادٌ کَبِیرٌ” فاذن هو یدعو لأن یکون بعضنا ولیاً للبعض الآخر فالقرآن یدعونا، انا اعتقد ان طریق الوحدة یبدأ بالاعتصام بحبل الله والذین یقودون هذه المسیرة هم العلماء وهم المراکز العلمیة التی یجب أن تنشر التوعیة بین الجماهیر، لیشعر کل مسلم بضرورة الوحدة، ان الاستعمار عمل على تمزیق هذه الأمة وعمل على ابقاء هذه الأمة متخلفة وعمل على ابعاد هذه الأمة عن دینها . وایضا عمل على ان تنسى هذه الأمة روح الثورة والجهاد ضد المستبدین وتبتعد عن ثقافة القرآن، نحن نعتقد ان العلماء یجب ان یرکزوا على وحدة هذه الأمة، القرآن یخاطب المؤمنین بخطاب واحد، “یا أیها الذین آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا” الأمة یجب ان تنتسب لأوامر القرآن وکما قلت العلماء یجب ان یرکزوا على توحید الأمة ویرکزوا على تقدم الأمة فی کل المجالات العلمیة، وایضا یجب ان یرکزوا على التحام الأمة بالدین وبتعالیم الإسلام، فهی سر هذه العظمة وهی طریق وحدتها واذا آمنت الجماهیر، فان الطغاة لا یستطیعون ان یقفوا امام التحرک الجماهیری. *سماحتکم هل ترى الثورة التونسیة والثورة المصریة امتداداً للثورة الإیرانیة؟ **ان الوعد الالهی کبیر وَ”نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِینَ “ هؤلاء الطغاة وهؤلاء الفراعنة لا یمکن ان یقفوا امام حرکة الجماهیر، انا أومن بان القرآن هو الذی سیصوغ لنا مستقبلنا وان مصالح هؤلاء الطغاة شخصیة، وانهم لا یستطیعون ان یقفوا امام الحرکة الجماهیریة، هذا ما ارجوه. * اعداء الأمة الاسلامیة یشنون حربا ناعمة وهذا ما حذر منه الإمام الخامنئی ؟ ** نعم، الاستعمار یغیر اسالیبه لأنه ماکر، لأنه شیطان وهناک تحذیر قرآنی من خطوات الشیطان، لأن للشیطان خطوات مختلفة، فهو تارة یحاربنا حرباً مکشوفة بجیوشه کما فعل بالنسبة للثورة الاسلامیة إذ وقف بقوة امام الثورة الإسلامیة فی ایران ، واخرى یعمل على ان یختفی خلف الأقنعة ویحاول ان یستفید من العملاء فی الداخل ویحقق اهدافه ، واخرى یشن حرباً اعلامیةً لیجعل الأرض تتنفس فی الفضاء الذی یریده ، وأخرى یحاول ان یشکک فی العقائد واخرى یحاول أن یبعدنا عن الاخلاق الاسلامیة ویحاول أن یغرق المجتمع فی التمیع واللامسؤولیة والضیاع ، وهذه السیاسة نفذها فی العالم الإسلامی . واخرى یحاول ان یستهدف اسلامنا، یستهدف وجودنا، او یحاول ان یبقینا متخلفین بعیداً عن الرکب الحضاری العالمی. اسالیب الاستعمار کثیرة ومنها هذه الحرب الناعمة ، یعنی قد لا یشعر الشعب بضرر الافلام السینماییة التی تصدر ولکن هی تحمل اضرارا وسموم قاتلة ، قد لا یشعر الشعب بما یسربه الینا من برامج تربویة وهو یغیر التربیة الإسلامیة ، کانت الأمة الإسلامیة تقرأ الحیاة بسم الله فی حین بعد الهجوم الاستعماری وخصوصا بعد دخول نابلئون الى مصر فی اوائل القرن الثامن عشر یعنی عمل على تغییر المنهج التربوی فصار الطالب فی المدارس لا یتعلم الاّ وفق منهج غربی استکباری وفق تصور وضعی. انا اعتقد انها حرب ناعمة یعنی قد لا یبدو منها انها حرب خشنة ولکنها فی الواقع تعمل على القضاء علی شخصیتنا وعلى ثقافتنا وهنا یاتی دور العلماء ودور المسؤولین المخلصین الذین یجب علیهم ان یقفوا امام هذه الحرب الناعمة ویرجعوا لهذه الأمة ثقافتها ومنهجها التربوی وعزتها وشخصیتها الإسلامیة الصامدة امام الاعداء.
حوار : محمد حلمی | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,725 |
||