حدود الحریة والاستقلال فی المجتمع الإسلامی | ||
منذ أن بزغت شمس البشریة والناس فی تقاتل بین مطالب بالحریة والاستقلال وبین مستبد ظالم یستغل نفوذه لیسیطر على رقاب العباد ویجعلهم أتباعا وعبیدا ظلما وعدوانا، ولقد بذل الإنسان لأجل تحقیق الحریة الأنفس والأولاد والأحبة، وحارب لأجل تحقیق الاستقلال بکل جوارحه، ولا زالت مسیرة الحق تکافح منذ آدم الى قیام ساعة الحساب العادل. ولقد بعث الله أنبیائه ورسله لتحقیق العدالة، وکافحوا وجاهدوا وتحملوا المصاعب وبذلوا أنفسهم وأهلیهم لأجل تحقق العدالة فی المجتمع وتحقیق الحریة ونبذ الاستعباد الظالم، فکان الهدف الإلهی من بعث الأنبیاء والرسل هو تحقیق العدالة بین الناس ومحاربة الظالمین وتهیئة المجتمع للوصول الى الله تعالى بصورة حسنة یکون قد کسب رضا الله نتیجة أعمال الخیر التی قام بها ونتیجة إتباع تعالیم الله. فإن الإسلام من أشد الذین نادوا بالحریة والاستقلال وعمل على تکریسها فی المجتمع ووضع تشریعاته تحت إطار تحقیق القسط والعدل وتکریم الإنسان وصیانته عن الرذائل، فحارب الظالمین والمستبدین الذین قهروا العباد ظلما وعدوانا. وعمل الإسلام منذ یومه الأول على تحقیق هذا الشعار ورفض کل أنواع التبعیة والاستعباد والظلم . ولکن لا یمکن للإنسان أن یدعی الحریة والاستقلال عن الله تعالى ، لأن الإنسان بأصل تکونه محتاج ومفتقر الى الله ولا یمکنه الاستغناء عنه ولو للحظة لأن الله هو موجد هذا الکون بکل تفاصیله وسکناته وحرکاته وهو الذی أوجد الإنسان وهیئ له کل الظروف لیعیش بکرامة، فلا یوجد تبعیة حقیقیة إلا لله تعالى وقد نفى الإسلام کل أنواع التبعیة إلا التبعیة لله تعالى نعم إن الله بعلمه وحکمته قد أوکل أمر الحاکمیة للرسول محمد(ص) . وهکذا فإن أمر الحریة والاستقلال من المسلمات فی الشریعة الإسلامیة إلا عن الله تعالى ومن یوکله الله بالقیام بأمر قیادة المجتمع، فلا یمکن للإنسان أن یرفع شعار الحریة والاستقلال ویطلق العنان فی ذلک بل لا بد له من الاعتراف بالتبعیة الحقیقیة لله وتنفیذ ما یأمره به وإلا سیقع الإنسان بالمزالق والمتاعب قال تعالى فی کتابه الکریم (نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئک هم الفاسقون)، فإن حقیقة الإنسان تکمن فی توجهه لله والقیم بتعالیم الله تعالى وهذا لأن الله هو موجد هذا الکون والقیم علیه بجمیع مکوناته، ولا یمکن للإنسان أن یتناس هذه الحقیقة الناصعة التی یدل علیها الوجدان السلیم والفطرة النظیفة، وربما أستغل البعض مفهوم الحریة للإضرار بالآخرین وسلب حریتهم وهذا من الأمور التی أبتلینا بها فی هذه الأزمنة نتیجة استغلال هذا المفهوم من قبل بعض الناس للتعدی على حقوق الآخرین، ولکن الإسلام یقرّ بأن الحریة تقف عند حدود الإضرار بالآخرین، ولقد استغل مفهوم الحریة من قبل الأجهزة الاستعماریة التی أرادة من ورائه التغلغل فی بلادنا ووضع الید على مقدراتها وخیراتها. ولأجل الحفاظ على الحریة وانسجامها مع التشریع الإسلامی نرى أن الدستور الإسلامی الإیرانی التی یجسد التعالیم الإسلامیة وینبثق منها، نراه یحافظ على موضوع الحریة والاستقلال کأصل مسلم، جاء فی المادة التاسعة من المواد العامة: (فی جمهوریة إیران الإسلامیة تعتبر الحریة والاستقلال ووحدة أراضی البلاد وسلامتها أمورا غیر قابلة للتجزئة وتکون المحافظة علیها من مسؤولیة الحکومة وجمیع أفراد الشعب، ولا یحق لأی فرد أو مجموعة أو أی مسؤول أن یلحق أدنى ضرر بالاستقلال السیاسی أو الثقافی أو الاقتصادی أو العسکری لإیران أو ینال من وحدة أراضی البلاد باستغلال الحریة الممنوحة..) فإن هذه المادة من الدستور الإسلامی تقرّ بأن الحریة والاستقلال محفوظ لجمیع الأفراد وأن الحکومة والشعب یتقاسمان المسؤولیة لتنفیذ هذا الأمر، ولکن هذه الحریة تقف عندما یستغلها الأشخاص أو الدولة لجلب الاستعمار فلا یسمح الدستور الإسلامی أن تستغل الحریة من قبل الأشخاص أو المجموعات لجلب الاستعمار الى البلاد لیخرب أمورها ویسرق خیراتها ومقدراتها، فلا یسمح الدستور الإسلامی بأی نوع من أنواع التسلط الثقافی واستیراد الثقافات الهادمة للقیم والأخلاق، فلا یمکن لأی شخص أو جماعة أن یستغل الحریة الممنوحة لجلب الثقافة الهادمة والمخربة، أو یستغل الحریة الممنوحة لجلب الاستعمار العسکری أو السیاسی أو الاقتصادی، فإن الحریة الممنوحة للأشخاص وللمجتمع تقف دون هذه الحدود، لأن جلب أی نوع من أنواع الاستعمار أو الاستغلال سیؤدی بالضرر البالغ على المجتمع، وهذا لا یقبله الإسلام لأن الإسلام یعطی الحریة الکاملة ما لم تتعارض مع حریة الآخرین ومصالح المجتمع.
ابراهیم بیضون
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,310 |
||