الاتفاق الامیرکی الروسی و قضایا الشرق الاوسط | ||
الاتفاق الامیرکی الروسی و قضایا الشرق الاوسط
البیئة الإستراتیجیة الدولیة اللعبة الأمریکیة فی منطقة الشرق الأوسط تغیرت بشکل دراماتیکی کبیر، یبدو شدید التعقید، ما یستعصی على المراقب متابعة تطوراتها وتوقع مآلاتها بنفس آلیات الماضی المعیاریة. لأن من طبیعة اللعبة الجدیدة سرعة التبدّل والتقلّب من خلال استبدال الأوراق وتغییر الأدوات بما یخدم الإستراتیجیة الأمریکیة الجدیدة، والتی لم یکشف بعد عن کل مکوناتها الإجرائیة. ویبدو أن أمریکا، ومن باب تلافی الظهور بمظهر الضعیف المتراجع عن دوره التقلیدی، تضفی على قراراتها وکل خطواتها السیاسیة نوع من الغموض، الذی یتجلى سواء فی تصریحاتها المتناقضة أحیانا، أو فی مواقفها المتضاربة حد التعارض أحیانا أخرى، من منطلق أنها لا تحتاج تبریرا لتقلّباتها، سواء تجاه حلفائها أو أدواتها من باب الإستکبار الذی لا یزال سمة من سمات سیاساتها اللاأخلاقیة القدیمة، والتی کانت تقوم على ثابت البحث الدائم عن مصالحها الخاصة حتى لو تعارضت مع مصالح الآخرین. وهذا لعمری، هو الذی جعل بعض الدول فی منطقة الشرق الأوسط، کترکیا والسعودیة ومصر، تنزلق نحو خیارات تصادمیة مع الولایات المتحدة، إعتقادا منها أن أمریکا بتراجعها عن ضرب سوریة کمقدمة لضرب إیران، تکون قد تراجعت عن إهتمامها بالمنطقة لصالح روسیا، وانکفأت على نفسها نحو الداخل بعد أن تخلت عن حلفائها وترکت منطقة الشرق الأوسط للنفوذ الروسی والإیرانی.. وهی قراءة خاطئة ستأدی هذه الدول ثمنها غالیا فی المدى المنظور.. وهذا بالضبط ما سنحاول إستقراء نتائجه الکارثیة المتوقعة على هذه الدول فی سیاق هذا التحلیل. مصالح الولایات المتحدة الیوم هی بالفعل مع الشریک الروسی، بعد أن اقتنعت إدارة ‘أوباما’ بأن منطق الهیمنة الأحادیة على العالم القائم على عقیدة “لاهوت القوة” قد استنفذ آلیاته، ولم یعد من الممکن الإستمرار فی سیاسات الحروب المباشرة أو بالوکالة للعب دور ‘شرطی العالم’، نظرا للتبعات الإقتصادیة الخطیرة التی خلفتها مثل هذه السیاسات الخاطئة والمکلفة جدا على النظام الرأسمالی العالمی عموما والوضع الداخلی الأمریکی بصفة خاصة. هذا التحول الإستراتیجی الکبیر حصل، بعد أن اقتنعت إدارة ‘أوباما’ أن الشریک الروسی لا یسعى لمنافسة الولایات المتحدة على دورها التقلیدی، بهدف إقصائها من مناطق نفوذها فی منطقة الشرق الأوسط والعالم، کما کان الحال زمن الحرب الباردة فی عهد الإتحاد السوفیاتی السابق.. بل کل المؤشرات تؤکد أن الروسی ومن خلفه دول البریکس وحلفائه فی المنطقة، یسعون للعب دور متوازن ومکمّل، دور لا یلغی أحدا، لکنه یتمسّک بشرعیة الأمم المتحدة، والقانون الدولی، وإحترام سیادة الدول، ومبادىء حقوق الإنسان، وآلیات الدیمقراطیة، وحق الشعوب فی تقریر مصیرها، مع تجنب الحروب والصراعات الدمویة فی حل الأزمات، لصالح لغة الحوار والتشاور والتوافق من خلال الآلیات والمؤسسات الدولیة المعتمدة. أمریکا أدرکت وإن مع بعض التأخیر، أن العالم تغیّر، خصوصا بعد أن أثبتت حرکات الشعوب، سواء فی أمریکا من خلال حرکة ‘احتلوا وول ستریت’، أو تلک التی عرفتها أوروبا فی الیونان وإسبانیا بسبب الأزمة الإقتصادیة الأخیرة، أو تلک التی عصفت بالمنطقة العربیة فیما أصبح یعرف بـ”الربیع العربی”.. أن الکلمة الفصل فی رسم السیاسات وتحدید الخیارات الوطنیة لم تعد تستأثر بها الحکومات الحلیفة فی الغرب، القائمة على دیمقراطیة الأحزاب بدل دیمقراطیة الشعوب، أو الأنظمة الدیکتاتوریة الفاسدة والمستبدة فی العالم العربی، وأن عهدا جدیدا من الحریة والمشارکة الدیمقراطیة الفاعلة هو بصدد التشکل، تکون فیه الشعوب سیدة نفسها، تحکم نفسها بنفسها من نفسها ولنفسها.. ما یتطلب تغییرا جذریا فی السیاسات یتماشى وتطلعات هذه الشعوب من جهة، وتبدلا نوعیا فی الإستراتیجیات یضمن المصالح الجیوستراتیجیة الکبرى للاعبین الدولیین والإقلیمیین بشکل عادل ومتوازن من جهة أخرى. أمریکا على حافة هاویة الإفلاس أمریکا تعیش الیوم أزمة مالیة بنیویة لا تستطیع الخروج منها بمواجهة تداعیاتها فی المدى المنظور، لعدم وجود حل سحری قادر على إنقادها من الإفلاس الذی یتهدّدها فی المدى المتوسط. والأمر لا یتعلّق هنا بشلل المؤسسات بسبب عدم تصویت الکونجرس على المیزانیة بالإضافة لقرار رفع سقف المدیونیة الذی وصل حالیا لما قدره 17 تریلیون دولار. المشکلة وفق ما یراه خبراء فی الإقتصاد الأمریکی، تکمن فی النظام الرأسمالی اللیبرالی المتوحش القائم حالیا فی أمیرکا والعالم، والذی یزید من ثراء الأغنیاء ویوسّع بشکل مهول من طبقة الفقراء.. بحیث وصل الجمیع الیوم إلى قناعة مفادها، أن النظام الرأسمالی الذی کان یعتقد أنه یجدّد نفسه بنفسه کلما تعرّض لأزمات لم یعد قادرا على ذلک، ودخل هذا النظام فی نفق لن یستطیع الخروج منه متعافى، مهما رفع من سقف المدیونیة، ومهما طبع من أوراق نقدیة بضمان سندات الخزینة من دون أن یکون لها ضمان مقابل من خلال معدلات نو سنویة واعدة.. یحدث هذا فی أکبر دولة تقف الیوم على حافة هاویة الإفلاس. إن ما یتهدد أمریکا وأوروبا فی السنوات الخمس المقبلة هو کارثة بکل المقاییس، یفوق حجمها أزمة ‘فقاعة العارات’ التی عصفت ببورصة ‘وول ستریت’ سنة 2008. خصوصا بعد أن دخل الإقتصاد الأمریکی فی سلسلة متتالیة ومتسارعة من الأزمات التی بدأت بإفلاس کبریات الشرکات ثم ضربت بقوة أکبر ولایة صناعیة أمریکیة “دیترویت”، وما خفی أعظم. ویقول الخبیر فی الشأن الأمیرکی الدکتور ‘کامل وزنة’ فی حدیث لقناة المنار حول هذا الموضوع، أن حجم المدیونیة الحقیقة فی أمیرکا الیوم یصل إلى 86.8 تریلیون دولار، ولیس 17 تریلیون فقط. وبالتالی، فکل الأرقام المتداولة الیوم فی الإعلام لا تحکی القصة الحقیقة لأزمة الرأسمالیة فی أمریکا. وعلیه، فلأزمة هی بالحقیقة أکبر من أن تحلّ بین الجمهوریین والدیموقراطیین من خلال رفع سقف المدیونیة التی طالب به الرئیس ‘أوباما’، لأنه حتى وإذا تمّ الإتفاق على رفع سقف المدیونیة لهذا العام، فإن الأمور لن تحلّ، والولایات المتحدة ستحتاج لـ 7 تریلیون دولار لتمویل عجز الموازنات للأعوام القلیلة القادمة . لکن الخطورة تکمن فی أنه وفی ظرف 10 سنوات، لن تجد أمریکا أموالا لتدفعها للمتقاعدین الذین ولدوا بعد الحرب العالمیة الثانیة، وهو الجیل الذی یعرف فی أمریکا بـ”بیبی بومر”. ما یهدد باضطرابات إجتماعیة وسیاسیة عنیفة قد تفجر الولایات المتحدة من الداخل.وبالتالی، فلا حل أمام أمریکا الیوم وفق العدید من الخبراء، إلا بحل الأزمة من خلال معالجة أسبابها، أی بعودة أمریکیا للداخل، والإنطواء على نفسها، ووقف لعب دور شرطی العالم، والحد من الإنفاق على العسکرة والحروب العبثیة، وترشید الإنفاق فی کل القطاعات البیروقراطیة، مع إعادة توزیع الضرائب بشکل أکثر عدالة، خصوصا بعد أن بلغ عدد الفقراء فی الولایات المتحدة لهذه السنة 46 ملیون مواطن، وأن تُقلص من إنتشارها فی العالم عبر القواعد العسکریة والمدمرات والسفن الحربیة وحاملات الطائرات المکلفة جدا، والتی یرجع خبراء أمریکیون سبب الأزمة إلى کلفة هذا الإنتشار غیر المجدی، فی زمن لم یعد فیه الصراع قائما بین المعسکر الغربی والعسکر الشرقی على مناطق النفوذ کما کان الحال زمن الحرب الباردة التی انتهت إلى غیر رجعة. التحولات فی المنطقة النظام السیاسی العربی التقلیدی، کان فی الماضی یقوم على أرکان أربعة: العراق، السعودیة، سوریة، مصر. وبسبب تحالف سوریة مع إیران هربا من الغدر والخیانة العربیة، وبعد سقوط العراق بسبب التحریض الخلیجی وتحوله إلى عمق إستراتیجی لإیران عقب الإنسحاب الأمریکی المذل من بلاد الرافدین. شعرت السعودیة بغبن وقلق عمیق من تمدد النفوذ الإیرانی فی أفغانستان والعراق من دون أن تحارب أو تطلق رصاصة واحدة. لکن قلقها لم یصل حد الرعب الذی شعرت به بعد سقوط حکم المخلوع ‘مبارک’، حیث ولأول مرة أصبح النظام العربی فی مهب الریح، بعد أن اکتشفت التحالف الخفی والقوی القائم بین الإخوان والولایات المتحدة، لما تمثله الإدیولوجیة الإخوانیة من تهدید وجودی للإدیولوجیة الوهابیة، وکان آل سعود قد نجحوا فی التربع على عرش الزعامة العربیة لفترة غیر قصیرة، بفضل الإیدیولوجیة الدینیة والبیترودولار الذی کانوا ینفقونه على نشر الفکر التکفیری فی الوطن العربی بسخاء حاتمی. لذلک، عمل النظام السعودی والإماراتی فی سریة ضد الإستراتیجیة الأمریکیة فی المنطقة من خلال إسقاط نظام الإخوان فی مصر عن طریق تمویل المؤسسة العسکریة قبل التغییر وبعده. ووصل الحد بالسعودیة أن هددت علنا الإدارة الأمریکیة بتعویض مصر بکل ما تحتاجه من مال وسلاح فی حال قررت إدارة ‘أوباما’ قطع المساعدات عن القاهرة، لإیمانها بأن النظام العسکری فی مصر هو الضمانة لإستمرار زعامتها فی العالم العربی وتحقیق نوع من التوازن من خلال التحالف السعودی المصری الإسرائیلی فی مواجهة الهلال الشعی الممتد من إیران إلى لبنان مرورا بالعراق وسوریة، وامتداداته فی منطقة الخلیج {الفارسی وخاصة فی المنطقة الشرقیة السعودیة الغنیة بالنفط والبحرین والیمن الشمالی. وذهبت السعودیة بعیدا فی تحدی الإدارة الأمریکیة، حین شعرت بالرعب بعد تراجع الرئیس ‘أوباما’ عن ضرب سوریة وإسقاط نظامها، فسارعت لنسج تحالف إستراتیجی جدید مع إسرائیل بهدف تخریب التسویة السیاسیة فی سوریة وإعاقة أی تقارب أمریکی إیرانی قد یغیر من موازین القوى فی منطقة الشرق الأوسط. وتتحدث تقاریر إسرائیلیة نشرتها وسائل إعلام، عن أن إدارة الرئیس الأمریکی ‘باراک أوباما’ طلبت من اسرائیل الامتناع عن أیة خطوات یمکن أن تعطل ما أسمته التقاریر بـ “عملیة فحص النوایا” التی تقوم بها واشنطن إتجاه إیران وامکانیة حل أزمة النووی الإیرانی، فهی، أی الولایات المتحدة، لن تتحمل “مشاکسات” وخطوات تنعکس سلبا على المساعی الأمریکیة للتوصل الى حلول سیاسیة مع القیادة الإیرانیة تنهی تخوفات المجتمع الدولی من خطر البرنامج النووی الإیرانی وتفتح آفاقا جدیدا للتعاون السیاسی والإقتصادی مع إیران باعتبارها قوة إقلیمیة فاعلة فی منطقة الشرق الأوسط وآسیا، وخصوصا أن أمریکا ستحتاج لتعاونها عند انسحابها من أفغانستان السنة المقبلة. وتقول هذه التقاریر التی نشرت صحیفة ‘المنــار’ المقدسیة مقتطفات منها ، أن مرحلة التقرب الى هذا الطفل المشاکس ـ اسرائیل ـ فی الشرق الأوسط الذی کان یتمتع بالرعایة والدعم المطلق وبدون مراجعة أو نقاش من جانب أمریکا، هذه المرحلة التی کانت فیها أمریکا تقف خلف تل أبیب لإصلاح کل ما تعمل على تخریبه، سوف تشهد تراجعا کبیرا.
التحولات فی سوریة تنازلت أمریکا أخیرا عن أهدافها التخریبیة فی سوریة، فقبلت بتأجیل الإنتخابات الرئاسیة إلى غایة الإنتهاء من تدمیر السلاح الکیمیائی بعد سنة من الآن، وتخلت عن الفیتو الذی کانت ترفعه فی وجه ترشح الرئیس الأسد، وأثنى الوزیر ‘جون کیری’ على دوره وتعاونه وجدیته، وقررت منظمة حظر الأسلحة الکیمیائیة التی نالت جائزة نوبل للسلام منح الأسد جائزة خاصة تقدیرا لتعاونه، ولم یعد مؤتمر ‘جنیف 2′ طاولة للحوار بین النظام السوری والمعارضة، بل تحول إلى مؤتمر دولی تنظمه الأمم المتحدة، وتحضره القوى الدولیة والإقلیمیة ودول الجوار المعنیة بالأزمة السوریة، بالإضافة للنظام السوری وممثلین عن المعارضة الداخلیة والخارجیة، حیث من المرتقب أن تصدر عنه قرارات دولیة ملزمة وحاسمة وتتمثل أساسا فی قرارین: الأول، یتعلق بحکومة انتقالیة تشکل من النظام والمعارضة ومحایدین بنسبة الثلث لکل منهما، یکون من مهامها إعداد دستور جدید للبلاد وقانون انتخابات، والمشارکة فی إدارة شؤون المواطنین فی المرحلة الإنتقالیة، على أن یبقى الرئیس الأسد الممسک بالقرار السیاسی الداخلی والخارجی والسلطة الأمنیة والعسکریة إلى غایة الإنتخابات المقبلة المرجح تنظیمها بعد انتهاء فترة التمدید لسنتین. وهی الفترة المقدرة للإنتهاء من تدمیر الأسلحة الکیمیائیة، وتنظیف الجغرافیة السوریة من زبالة التکفیریین، وبسط نفوذ الدولة على کافة التراب السوری، وعودة المهجرین إلى دیارهم. لأن السعودیة وقطر وترکیا کانت تحرض العصابات الإرهابیة على قتل المدنیین وترهیبهم لدفعهم إلى الهجرة إلى دول الجوار، ظنا منهم أن الأمم المتحدة ستقیم لهم مکاتب تصویت فی مخیمات الأردن وترکیا ولبنان، ما یمکنهم من شراء أصوات السوریین المهجّرین بالمال الحرام لإسقاط الأسد فی الإنتخابات المقبلة، فخاب أملهم وسقطت أوهامهم وانقلب السحر علیهم من حیث لا یحتسبون، وقریبا سیأتی الدور علیهم لینتهی بهم المطاف فی مزبلة التاریخ الذی لا یرحم العملاء والخونة المتآمرین. الثانی، ویتعلق بمحاربة الإرهاب لتطهیر کل البلاد من فلول التکفیریین وجیوش الإرهابیین، من قبل الجیش العربی السوری ومساعدة الجیش الروسی وخبراء ألمان، وهناک إقتراح روسی بتشکیل تحالف دولی لمحاربة الإرهاب فی المنطقة والعالم، لکن أمریکا وإن أبدت موافقتها على الفکرة إلآ أنها تفضل تأخیر تنفیذها لبعض الوقت، وذلک لأسباب تتعلق بمصر والسعودیة، سنتطرق إلیها فی سیاق هذا التحلیل. المهم، أن سوریة حصلت على ضوء أخضر لمحاربة الإرهاب کیف تشاء وترید، مع ضمانات أمریکیة بالضغط على السعودیة وقطر وترکیا والأردن لوقف دعم الإرهابیین بالمال والسلاح، وإغلاق الحدود فی وجه الوافدین الجدد، خصوصا بعد کشف وزیر الخارجیة الروسی عن معلومات إستخباراتیة تتحدث عن عزم الإرهابیین فی شمال سوریة نقل مواد کیمیائیة سامة لإستعمالها ضد المدنیین البریاء فی العراق. و واضح أن نظام آل سعود الصهیونی المجرم الحقود والبغیض، هو من یقف وراء هذا الإجرام الذی فاق کل الحدود. من جهة أخرى، تقوم ترکیة ببناء جدار بینها وبین سوریة لمنع الإرهابیین من العودة عبر أراضیها، وتعمل المخابرات على ضبط فلول الإرهابیین بالداخل مخافة أن ینتقموا منها فیفجروا الوضع فی المدن الترکیة. أما الأردن، فقد اتخذ الإجراءات اللازمة لوقف تدفق السلاح والإرهابیین بطلب من أمریکا، وعاد التنسیق الأمنی بین المخابرات السوریة والمخابرات الأردنیة فی هذا الشأن. مؤشــرات الإنتصــار و الهزیمـــة.. هذا یقودنا لإستخلاص الدرس من التجربة السوریة القاسیة، ومفاده، أن العرب والمسلمین الیوم أمام محورین: محور الممانعة والمقاومة الذی یمثل قمة الوفاء، والإخلاص، والتضحیة، ونکران الذات، والإستقامة، ومکارم الأخلاق، والإستماتة دفاعا عن الحق والخیر على هدى من نور الله.. ومحور یجسد قمة الغدر، والعمالة، والخیانة، والنذالة، والخسة، والوقاحة، والخبث، والغل، والإستکبار، والإجرام، والأخلاق الوضیعة التی تحول الإنسان إلى أبشع من شیطان رجیم، ما دام الشیطان نفسه بریىء منهم ومما یفعلون، لأنه یخاف رب العالمین، بشهادة القرآن. هذا یقودنا کذلک، إلى عنوان هذا المقال الذی نحن بصدده، سواء فیما له علاقة بالتوازنات الدولیة الجدیدة أو التحولات فی المنطقة. وقد سبق وأن تحدثنا عن هذه التوازنات، وبدأنا بإستقراء تقدیرات التحولات القادمة فی الشرق الأوسط، وتحدثنا عن المشهد المقبل فی سوریة، لکن وکما تمت الإشارة فی البدایة، من یتابع تطورات الأحداث فی المنطقة، یبدو وکأنه یشاهد سباق خیول جامحة، وعلیه أن یتوقع الرابح والخاسر منها وسط نقع الغبار الکثیف، بناء على المعلومات والمعطیات المتوفرة، وقراءة ومتابعة الأحداث والمواقف والتصریحات والتسریبات الرائجة وما إلى ذلک، ما یرهق العقل ویشل التفکیر أحیانا، وقد تکون معلومة صغیرة وبسیطة جدا تشکل مفتاحا مهما للفهم.. الأمر یشبه إلى حد بعید لعبة البازل (Puzzle) التی یتعلم من خلالها الطفل إعادة ترکیب الصورة من عشرات القطع الصغیرة المتناثرة. وانطلاقا مما أصبح معروفا الیوم للجمیع، من أن الإتفاق الروسی الأمریکی ما کان لیتم لولا إنتصار سوریة، وأن هذا الإتفاق الإستراتیجی الکبیر فتح الباب على حلول شاملة لمشاکل المنطقة وأزماتها المزمنة، نظرا لترابط القضایا وتداخلها وتشابک خیوطها الدقیقة ومساراتها المعقدة.. إنها سلة واحدة تتضمن إطارا عاما لحل کافة القضایا بالتدریج، وخطوة تلو خطوة، للإنتقال من ملف إلى آخر.. وهذا یتطلب الکثیر من العمل والجهد والوقت والصبر، مع التحلی بالحکمة والتبصر والحذر والتمسک بالمبادىء والثوابت التی لا حیاد عنها قید أنملة.. وهذه هی عین سیاسة محور المقاومة. وحیث أن من یترجم السیاسات على أرض الواقع الیوم هی المخابرات ولیست الجیوش، فإن التحولات المرتقبة فی المنطقة ستکون لعبة هذه الأجهزة بامتیاز.. أما المؤشرات فتدل جمیعها، وفق تقاریر لمواقع تستمد معلوماتها من أروقة المخابرات الغربیة، أن الدول المستهدفة بعد انتصار سوریة هی مصر ثم السعودیة، أما الأردن وترکیا فالإدارة الأمریکیة لا تزال بحاجة إلى دورهما فی هذه المرحلة للتخریب فی مصر، ما یقتضی تأجیل التغییر فی هذین البلدین إلى مرحلة لاحقة، وهذا ما یفسر تحفظ الإدارة الأمریکیة على الإنخراط فی تحالف دولی لمحاربة الإرهاب کما اقترحته روسیا، وإن کانت توافق على الفکرة من حیث المبدأ، لکنها تفضل تأجیل بحثها لبعض الوقت إلى غایة الإنتهاء من الحالة المصریة التی تقلقها وتولیها الأولویة فی الوقت الراهن قبل السعودیة. التحــولات فـی السعودیـــة.. أما السعودیة، فالتغییر سیطالها بمجرد وفاة الملک ‘عبد الله بن عبد العزیز’ من خلال إقتتال جیوش الأمراء الثلاث، (جیش رئیس جهاز المخابرات، جیش ولی العهد، وجیش وزیر الداخلیة)، وهذا أصبح أکثر من متوقع، لأن القیادة فی هذا البلد رفضت خطة أمریکیة تقضی بانتقال سلس للسلطة قدمتها إدارة ‘أوباما’ للملک ‘عبد الله بن عبد العزیز’ شخصیا فرفضها، ورفض بعد ذلک استقبال المبعوثین الأمریکیین، بتحریض من الجناح المتشدد الممسک الیوم بدوالیب السلطة، وهو ذات الفریق المجرم الذی یقوم بتخریب التسویة السیاسیة فی سوریة من خلال تصعید الإرهاب لقلب موازین القوى لصالح القاعدة والجماعات التکفیریة الدائرة فی فلکها، وتحریض “المعارضة” على عدم الذهاب لمؤتمر “جنیف 2″، ویحاول جاهدا عرقلة الإتفاق الأمریکی الإیرانی لأنه یعتبره تهدیدا وجودیا لحکم عائلة آل سعود وإدیولوجیتها التکفیریة الوهابیة.. وهو ما یتعارض مع المصالح الأمریکیة ویعرقل سیاساتها الجدیدة فی المنطقة. لیس صحیحا أن الرئیس الإیرانی الشیخ ‘روحانی’ أجّل زیارته للمملکة الوهابیة ولم یلغیها، لأن هناک مسؤولین من البلدین منکبین حالیا على دراسة مختلف القضایا ذات الإهتمام المشترک لوضع خارطة طریق لإتفاق سیاسی سعودی إیرانی کما تروج لذلک بعض الدوائر الإعلامیة.. هذا هراء من نسج خیال الحالمین.. لأن إیران ترفض مبدئیا الدخول فی مفاوضات مع السعودیة فی وجود عراب الإرهاب الدولی ‘بندر بن سلطان’، و وزیر الخارجیة الحقود ‘سعود الفیصل’، وولی العهد وفریق المتآمرین.. لأن ما ألحقه هذا الفریق من أضرار بالغة بالمنطقة لا یمکن أن تلتأم جراحه باتفاقیات دیبلوماسیة وسیاسیة شکلیة تنتهی بتبویس لحى لتبقى النار موقدة تحت الرماد کما کان الحال دائما.. هذا مستحیل. بالإضافة إلى أن السعودیة سبق وأن رفضت مشروعا أمریکیا للتسویة فی البحرین یفتح باب المشارکة السیاسیة للمعارضة فی السلطة والقرار السیاسی، وإطلاق سراح المعتقلین، وإعادة الموقوفین عن العمل وإحترام حقوق الإنسان… وغیرها من الآلیات الإجرائیة لتعزیز الدیمقراطیة. وحیث أن تطبیق الدیمقراطیة فی البحرین یعنی انتقال العدوى إلى الداخل السعودی، ما یهدد بانفجار المجتمع من الداخل، فقد رفض النظام الوهابی القروسطی هذه الخطة. کل هذه المواقف، بالإضافة إلى التحرکات السعودیة المشبوهة تجاه إسرائیل وفرنسا لعرقلة الحل فی سوریة، وتجاه إسرائیل لتخریب التقارب الأمریکی الإیرانی، وإصرارها على سفک الدماء وتخریب أی حل سیاسی فی العراق یعید للشعب دولته وأمنه وإستقراره، وکذلک عرقلتها قیام أی حکومة توافقیة فی لبنان، وهو ما فضحه فی تطور سیاسی غیر مسبوق وعلناً، السفیر الأمیرکی السابق فی بیروت والممثل الحالی للأمین العام للأمم المتحدة، ‘جیفری فیلتمان’، الذی شن حملة عنیفة على السعودیة، ناعتاً حکامها بأقذع الأوصاف، وفق ما أوردته جریدة ‘الأخبار’ اللبنانیة بتاریخ 12-10/2013. حیث قال: “لم أر أوقح وأسوأ من الحکومة السعودیة”، مضیفاً: “لا أعرف کیف ستواصل هذه الإدارة الحکم”، مستعرضا بعض المواقف السعودیة السابقة، لافتا إلى “أنه بعد خلاف السعودیین مع العراق، قطعوا کل العلاقات معه، ولم یعد مسؤولوها یتحملون رؤیة أی شیء جید فی هذا البلد. وعندما رأوا علامات تقارب أمیرکی ـــ إیرانی جن جنونهم، لدرجة أن وزیر الخارجیة ‘سعود الفیصل’ لم یکتف بعدم إلقاء کلمة بلاده فی اجتماعات الجمعیة العمومیة للأمم المتحدة، بل إنه لم یوزعها على الحضور”. وتساءل ‘فیلتمان’: “هل یُعقل هذا الحقد؟”. ولفت ‘فیلتمان’ إلى أن الریاض تتعامل بنفس هذه الطریقة مع لبنان، فهی “لا ترید أن تسمع کلمة عن لبنان، ولا حتى اسم رئیس الجمهوریة ‘میشال سلیمان’. وکل ذلک بسبب سوء إدارتها”. وأکد أن “السعودیة لا ترید حکومة فی لبنان مطلقاً، وهی تعطل کل شیء فیه”. هذا یعنی، أننا أمام معطى نوعی جدید وخطیر، یبشر بأن العالم سیشهد قریبا تحولات دمویة قاسیة فی مملکة الشر الوهابیة قد تأدی إلى تقسیمها، لتذوق من ذات السم الذی سقته لجیرانها فی المنطقة (العراق، سوریة، لبنان)، وهذا بالضبط هو ما تؤکده الیوم تقاریر استخباراتیة، وما کان ‘فیلتمان’ لیفصح عما قاله لولا قرار أمریکی حاسم بقلب الطاولة على عائلة ‘آل سعود’ التی تمادت فی تخریب السیاسات الأمریکیة والإضرار بمصالحها فی المنطقة.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,454 |
||