الفلسطینیون بین مطرقة تل أبیب و سندان عباس | ||
الفلسطینیون بین مطرقة تل أبیب و سندان عباس بدایةً من الضروری الإیضاح بأن إسرائیل فی تعاملها مع الفلسطینیین والعرب بشکل عام تنطلق منذ قیامها وحتى اللحظة من منطق القوة والاخضاع والابتزاز على قواعد وأسس من العنجهیة والاستعلاء والتفوق،وهذه لیست صفات مُکتسبة إسرائیلیاً لکنها محددات أساسیة، مرتکزات لأبعاد تربویة للحرکة الصهیونیة فی ایجاد الأجیال المتتابعة التی تزداد تطرفاً والتصاقاً بهذه المرتکزات فی تعاملها مع العرب . هذه قضیة أساسیة یجب استیعابها من قبل کافة الأطراف المتضررة (والفلسطینیون والعرب متضررون) من الوجود الصهیونی الإسرائیلی! هذه المسألة لابد من معرفتها وإدراکها کسمة وجودیة فی العقلیة الإسرائیلیة، وعدم إدراکها یؤدی بأصحاب من لا یدرکونها إلى خلل بنیوی تحلیلی بالمعنیین الاستراتیجی والتکتیکی فی مجابهة المشروع الإسرائیلی فی المنطقة، وبالتالی إلى مزید من الهوّة فی میزان القوى القائم مع إسرائیل، والتی باعتمادها على هذه الأسس کسبت المزید من التنازلات الفلسطینیة والعربیة المتدرجة على طریق الصراع التاریخی القائم فی المنطقة. وللتوضیح نقول: فی کل تاریخها فإن إسرائیل ارتکبت کافة أشکال العدوان ضد الفلسطینیین والعرب بشکل عام. وبدلاً من ان تؤدی هذه الطریقة بهم إلى اعتماد أسالیب القوة والرد بنفس النهج، نراهم یتبنون ما یسمى بـ ( استراتیجیة السلام) مع إسرائیل، ولکن کیف قابلت الأخیرة التنازلات الرسمیة الفلسطینیة، والتی عبّرت عن نفسها فی اتفاقیات أوسلو، وتحول استراتیجی لدى القیادة المتنفذة الفلسطینیة من تحریر کامل التراب الفلسطینی إلى دولة یجری إنشاؤها على حدود عام 1967، وکیف قابلت التنازلات الرسمیة التی عبرّت عن نفسها فی اتفاقیتی کامب دیفید ووادی عربة، وفیما بعد ما سمی” باستراتیجیة السلام العربیة “ المعبّر عنها فی”مبادرة السلام العربیة “التی اقترحتها قمة بیروت فی عام 2002؟ . إسرائیل قابلت کل ذلک بالمزید من التشدد والمزید من ابتزاز التنازلات الفلسطینیة والعربیة بشکل لا تنطفئ معه شهیة الاشتراطات الإسرائیلیة. وعلى سبیل المثال لا الحصر نقول: بعد کل التنازلات الفلسطینیة،یشترط نتنیاهو على الفلسطینیین الاعتراف بیهودیة “ دولة إسرائیل “ کثمن حتى للتسویة الإسرائیلیة معهم (ولیس قیام الدولة العتیدة بالمفهوم الفلسطینی، وإنما بالمفهوم الإسرائیلی لها) ورغم مبادرة “السلام العربیة” التی أظهرت الدول العربیة استعدادها للاعتراف الرسمی بإسرائیل، ورفع أعلامها فی عواصمها، والتطبیع معها، ومن دون حق العودة للفلسطینیین مقابل الانسحاب من حدود عام 1967 والقبول بإنشاء دولة فلسطینیة. کان الرد الإسرائیلی بالرفض “ فالسلام مع العرب هو مقابل السلام” ودون أیة أثمان تدفعها إسرائیل. تطور الأمر إلى مقایضة إسرائیلیة: حقوق الفلسطینیین مقابل حقوق الیهود الذین عاشوا فی الدول العربیة، وإنشاء هیاکل للمطالبة بحقوقهم حتى على صعید الأمم المتحدة. تطور الأمر أیضاً إلى المطالبة والمزاوجة بین العقلیة الیهودیة والأموال العربیة، وکأن العرب لا عقول لهم. و مؤخراً طرح نتنیاهو ضرورة التحالف الإسرائیلی ـ العربی فی مواجهة قضایا کثیرة وفی مقدمتها المشروع النووی الإیرانی. بالتأکید لو أن الفلسطینیین والعرب استجابوا للاشتراطات الإسرائیلیة بکاملها فسیتفتق الذهن الإسرائیلی الصهیونی الشایلوکی عن اشتراطات جدیدة علیهم قبل إنجاز أیة تسویات معهم. القضیة الثانیة المحددة للوجود الإسرائیلی، والتی هی عبارة عن محدد ومرتکز رئیسی آخر لهذا الوجود هی استحالة أن تتواجد إسرائیل فی المنطقة دون حروب، لأن السلام وإسرائیل خطّان متوازیان لا یلتقیان. فی التاریخ الیهودی کما یؤرخه العدیدون من المؤرخین الیهود ( منهم إسرائیل شاحاک فی کتابه “ التاریخ الیهودی، الدیانة الیهودیة، ثلاثة آلاف سنة”) فإن الحاخامات حرصوا على ربط مصالح القیادات الیهودیة بمصالح الطبقات الحاکمة فی کل الدول التی عاشوا بین ظهرانی شعوبها، وکانوا جزءاً من أدوات القمع لهذه الشعوب.فیما بعد ظهرت الحرکة الصهیونیة وحرص قادتها منذ مؤتمرها الأول فی بازل عام 1897 وفیما بعد فی مؤتمر کامبل - بنزمان فی عام 1908 على ربط وجود هذه الحرکة مع المصالح الاستعماریة على صعید العالم أجمع وبخاصة فی المنطقة العربیة (بسبب أن الرأی استقر على إنشاء الدولة الیهودیة فی فلسطین). وبالفعل مثّلت الحرکة الصهیونیة هذه المصالح وکانت جزءاً رئیسیاً منها (بریطانیا من قبل وکذلک مع الولایات المتحدة وفرنسا فیما بعد ومع کافة الدول الاستعماریة الأخرى).المنظمات الإرهابیة الصهیونیة (قبل إنشاء إسرائیل) کانت حریصة على ربط مصالحها بالمصالح الاستعماریة، کما إسرائیل فیما بعد،جعلت من وجودها جسراً متقدماً للمخططات الإمبریالیة للمنطقة، وشرطیاً ضارباً باسم تلک المصالح فیها.الدلیل على صحة ما نقوله هو التاریخ الإسرائیلی نفسه: الحروب التی خاضتها إسرائیل ضد الدول العربیة، وعلى سبیل المثال ولیس الحصر، فإن العدوان الثلاثی الإسرائیلی- البریطانی - الفرنسی على مصر فی عام 1956 لم یکن له أیة مبررات، سوى أن الزعیم الوطنی عبد الناصر قام بتأمیم شرکة قناة السویس العالمیة،ومصرّها تماماً.کذلک هو عدوان عام 1982 على لبنان واحتلال جزءٍ کبیر من أراضیه. إسرائیل بررت عدوانها بمحاولة الفلسطینیین اغتیال السفیر الإسرائیلی فی بریطانیا موشیه أرغوف،لیتبین من الکتابات والوثائق الإسرائیلیة بعد مرور 30 عاماً على الحادثة أن الفلسطینیین لم یکن لهم دخل بمحاولة اغتیاله، وأن الحادثة تمت فی ظروف غامضة وربما إسرائیل قامت بمحاولة قتل سفیرها،فتاریخها والمنظمات الإرهابیة الصهیونیة والحرکة الصهیونیة حافل بالاعتداء وقتل یهود من أجل کسب العطف العالمی واستعمال ذلک کمبررات لتنفیذ اعتداءات اسرائیلیة. إسرائیل وقفت مع الولایات المتحدة فی حربها العدوانیة على فیتنام، ووقفت مع الدکتاتور التشیلی بینوشیت بعد انقلابه على حکومة اللیندی الشرعیة والمنتخبة شعبیاً، وامتلکت أفضل الوشائج مع حکم الفصل العنصری فی جنوب أفریقیا، وعلى ذلک قِسْ. القضیة الثالثة المتوجب إدراکها فلسطینیاً وعربیاً: أن إسرائیل لا تستجیب سوى إلى لغة القوة. لقد ثبتت دقة هذا المفهوم فلولا الثورة الفلسطینیة المسلحة لما اعترفت بالوجود الفلسطینی ،ولولا حرب أکتوبر فی عام 1973 لم تتزحزح عن متر من الأراضی العربیة، ولولا المقاومة الوطنیة اللبنانیة لما انسحبت من الأراضی اللبنانیة فی عام 2000، ولولا صمود هذه المقاومة لأعادت احتلال الجنوب اللبنانی بکامله فی عدوان 2006، ولولا صمود المقاومة الفلسطینیة وامتلاکها لصواریخ تطال أهدافاً إسرائیلیة لما وافقت على وقف إطلاق النار. القضیة الرابعة: فی السابق أیضاً فإن إسرائیل تطورت باتجاه المزید من العنصریة والتطرف، هذا ما لا نقوله نحن وإنما استطلاعات الرأی الإسرائیلیة نفسها، والتی تؤکد أنه فی العام 2025 فإن غالبیة الإسرائیلیین 65% سیکونون من المتدنیین الدینیین ،وهؤلاء ما زالوا یتمسکون”بأرض إسرائیل الکبرى”ودولة إسرائیل فی أذهانهم من النیل إلى الفرات. یبقى القول: أن هذه القضایا الأربع هی غیض من فیض الأسس والمرتکزات للوجود الإسرائیلی، بالتالی فإن العرب والفلسطینیین مطالبون بوضع نهج استراتیجی جدید فی التعامل مع إسرائیل، فبالمعنى الاستراتیجی فإن الدولة الصهیونیة هی التی تقوم بتضییق الخیارات أمامهم.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,220 |
||