سوریا .. تسویة لم تنضج | ||
![]() | ||
سوریا .. تسویة لم تنضج یبدو أن التسویة المرتقَبة، ولو کانت بشائرها تلوح فی الأفق، إلا أنها ما زالت بعیدة المنال، ولا شکّ أن ما قاله الرئیس بشار الأسد فی مقابلته الأخیرة یعکس ثقة بالنفس لن تدفعه إلى تقدیم تنازلات لفئة معارضة کل ما تملکه هو بعض العبارات الغربیة المشیدة بـ (اعتدالها) ، بینما هی فی الواقع لا تعکس تمثیلاً على الأرض، لا میدانیاً ولا شعبیا. ناقض وزیر الخارجیة الأمیرکی جون کیری ما کان قد أعلنه الرئیس باراک أوباما فی خطابه فی الأمم المتحدة، من أن الشعب السوری یقرر مصیره بنفسه، حین هدد بأن إعادة انتخاب بشار الأسد لرئاسة الجمهوریة العربیة السوریة سیمدد أجل الحرب، مع العلم أن إعادة الانتخاب - إن حصلت بشفافیة وبمراقبة دولیة - ستشیر إلى أن الشعب السوری قد اختار من یریده، وما على دول العالم التی تدّعی الدیمقراطیة سوى أن تحترم خیار الشعب السوری وحقّه فی تقریر مصیره، واختیار نظام الحکم الذی یناسبه. یتضح من التصریحات الأمیرکیة ومما یتمّ تسریبه حول اجتماعات ) أصدقاء المعارضة السوریة(، أن الأمیرکیین لا یحملون طلباً عاجلاً ومُلحاً للمعارضین السوریین الذین یدورون فی فلکهم لدفعهم إلى طاولة المفاوضات فی )جنیف-2(، وما زال کیری یطمح إلى أن یکون )الائتلاف السوری( - أو ما یسمیه )المعارضة المعتدلة( - هو المظلة لأی معارضة تضطلع بمهمة محاورة النظام والوصول إلى تسویة معه، بینما یصرّ الرئیس السوری بشار الأسد على جعل )المعارضة الداخلیة الوطنیة غیر المرتبطة بالخارج ( هی المحاور للسلطة حصراً. الاختلاف على الطرف المفاوض للسلطة لا یبدو تفصیلاً فی مسار التسویة المتصورة فی سوریة، فالأمیرکیون لا یمکن أن یقبلوا إلا بطرف محسوب علیهم مئة بالمئة، ولا یمکن لأی سلطة انتقالیة أن تحظى بثقتهم ما لم تکن قد قطعت تعهدات مسبقة لهم، خصوصاً فی ظل الإدراک الأمیرکی أن تکرار سیناریو العراق فی سوریة یبدو محتمَلاً إلى حد بعید، لاسیما مع تزاید نفوذ )القاعدة( واحتمال خروجه عن السیطرة، والوصول إلى واقع تتحقق فیه لـ) القاعدة( دولة تهدد الشرق الأوسط برمّته، وقد ینتقل مداها إلى الجوار الأوروبی. ولعل الهستیریا التی اجتاحت المملکة العربیة السعودیة بعد التراجع عن الضربة العسکریة والإعلان عن ضرورة الوصول إلى تسویة سلمیة، وسیاسة الحَرَد التی استخدمتها فی الأمم المتحدة، هی التی تدفع الأمیرکیین إلى التریّث قلیلاً فی إعلان الخطط التی أعدّوها للمرحلة الانتقالیة، أو لما بعد مؤتمر جنیف، علماً أن الجمیع یدرک أن انعقاد )جنیف-2( دونه عقبات کبرى، وإنّ مجرد انعقاده لا یعنی انتهاء التسویة والوصول إلى حل الأزمة السوریة المتشابکة والمعقّدة، والتی تتداخل فیها العوامل الإقلیمیة والدولیة، والعوامل الرادیکالیة الأصولیة، والتی تجعل من الصعب عودة سوریة إلى ما کانت علیه بـ”کبسة زر”، أو بمجرد مؤتمر دولی. واستطراداً، یمکن القول إن أی تسویة أو أی لقاء فی جنیف أو غیرها، یجب أن یأخذ بعین الاعتبار المحطات التالیة: - وقف العنف، وعملیات نزع السلاح وإعادة إدماج المقاتلین، ودون هذه العملیة صعوبات هائلة ترتبط بوجود (القاعدة)، وبمقاتلین من دول أجنبیة وعربیة لا ترید دولهم استعادتهم بالتأکید، کما ترتبط بمصالح الدول التی تموّل هؤلاء، ومدى استعدادها لوقف الدعم والتمویل، إن لم تحصل على حصتها من التسویة المقبلة. - عودة اللاجئین، والبدء بمسیرة الإعمار وتنمیة المناطق، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وهذه تتطلب جهوداً دولیة، وأموالاً طائلة، ودونها أیضاً تعقیدات ترتبط بمسار التسویة المحتمَلة بین الأطراف الدولیین، وکیفیة تقسیم عقود إعادة الإعمار، ومَن یحصل على ماذا. - البدء بعملیات الإصلاح السیاسی، والسیر بخیار (دمقرطة) المؤسسات، والذهاب إلى انتخابات رئاسیة شفافة ونزیهة، تعکس فعلیاً خیارات الشعب السوری وتفضیلاته، وتعطیه الحریة فی تقریر مصیره بنفسه، ودون هذه أیضاً صعوبات هامة وأساسیة، ویبدو أنها تفترض التقدّم فی المرحلتین السابقتین مسبقاً، فکیف یمکن الوصول إلى هذه الخطوة بدون فرض الأمن والاستقرار، وفی ظل خروج مناطق عدیدة عن سیطرة الدولة؟ وکیف یمکن التأکد من عدم ممارسة الضغط على الناخبین فی ظل انتشار السلاح فی أیدی المواطنین فی معظم المناطق السوریة؟ وکیف یمکن التأکد من صحة التمثیل وعدالته فی ظل وجود الملایین من السوریین خارج البلاد؟ فی المحصلة،.. وإلى أن تنضج التسویة، یبقى المیدان هو الحکم والفاصل.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,283 |
||