السعودیـة: مـن “عاصفـة الإجـرام” إلـى “عاصفـة الإنتقـام” | ||
توقفت “عاصفة الإجرام” إعلامیا فقط، فیما لا تزال مستمرة عسکریا من خلال حملات القصف التی تطال المقصوف وتعصف بما تبقى من مقومات الحیاة لدى الیمنیین، فی رسالة واضحة تقول، أنه لا یمکن المرور إلى مرحلة التسویة السیاسیة إلا إذا أهین الشعب الیمنی ورفع رایة الاستسلام وأعلن الخضوع التام، لتضمن مملکة “الخیر” أن الیمن سیعود إلى هیمنتها المطلقة بعیدا عن النفوذ الإیرانی.. والنفوذ الإیرانی فی الیمن کما یقول عنه آل سعود، یتمثل فی حرکة “أنصار الله” المسلحة التی یعتبرونها بمثابة نسخة طبق الأصل من حزب الله اللبنانی، زرعتها إیران فی خاصرة مملکة الشر والقهر لتطویقها کما فعلت مع “إسرائیل”، وهذا أمر مرفوض لا یمکن القبول به تحت أی ظرف أو شرط.. وبالتالی، فإن مشارکة أنصار الله فی العملیة السیاسیة مستقبلا، لا یمکن أن تتم إلا إذا تخلت هذه الجماعة عن سلاحها وانسحبت من صنعاء وعدن ومؤسسات الدولة والمناطق التی احتلتها وفق منطوق قرار مجلس الأمن الأخیر الذی دفعت “السعودیة” ثمنه نقدا وعدا.. ساعتها یمکن القبول بالحرکة کمکون سیاسی بلا أظافر ولا أنیاب، مثلها مثل بقیة المکونات الیمنیة الهجینة.. وفی ظل حملة العهر الإعلامی التی یتحدث فیها مرتزقة الحرف عن الانتصارات الکبیرة التی حققها غربان الجو فی حملتهم على الیمن، خرج أحد الإعلامیین فی صحیفة الحیاة لیتبجح ب،”مشروع الخیر” الذی أمر به العاهل سلمان للشعب الیمنی بمقدار 274 ملیون دولار وسماه “إعادة الأمل”، هذا فی الوقت الذی تتحدث تقاریر موضوعیة عن خسائر فی البنیة التحتیة الیمنیة وصلت 50 ملیار دولار حتى الآن، ولا نتحدث عن الخسائر البشریة التی لا تقدر بثمن.. ثم تساءل هذا الإعلامی المغرور فی ختام مقاله بتهکم واحتقار: “إذا کان هذا هو مشروع السعودیة للیمن، فأین هو مشروع إیران؟”.. غیر أن فرحة هؤلاء الحاقدین لم تدم طویلا، إذ سرعان ما أطل الأمیر طلال بن عبد العزیز لیکشف المستور فی تصریح لقناة ‘فوکس’ الألمانیة الأحد، تحدث فیه عن خلافات حادة داخل الأسرة الحاکمة، معترفا أن المملکة شعرت فی وقت متأخر أنها استدرجت للحرب على الیمن بقرارات خاطئة.. ومنبین ما کشفه الأمیر طلال، أن الطیارین الذین یقصفون الشعب الیمنی الفقیر، هم عبارة عن مرتزقة من باکستان والهند وفرنسا وأمریکا ومصر، یتقاضى کل منهم 7500 دولار عن کل طلعة، وأن هناک ارتباک شدید حصل فی قیادات الجیش السعودی خوفا من حرب بریة، وأن العدید من الجنود هربوا من الخدمة مرعوبین بعد أن سمعوا بتخلی الحلفاء عن مملکتهم فی حربها الوحشیة على الشعب الیمنی المظلوم. وبذات المقابلة، نصح الأمیر طلال آل سعود بعدم المغامرة باستفزاز إیران وتهدیدها، وإلا ستفتح السعودیة أبواب نار جهنم علیها، لأن القوات الإیرانیة قادرة على تدمیر البنیة التحتیة والقوات السعودیة معا فی أقل من 24 ساعة.. وفی اعتقادی، أن تقدیر الأمیر قد جانب الصواب، لأنه إذا کانت إیران قادرة على محو “إسرائیل” من خارطة فلسطین باستثناء “القدس الشریف” فی أقل من 10 دقائق، فإن تدمیر المملکة، باستثناء “الحرمین الشریفین” قد یتم قبل أن یرتد للملک سلمان طرفه. ولا داعی للحدیث بالمناسبة عن ما أوردته تقاریر الصحافة العالمیة عن فشل السعودیة فی تحقیق أی من الأهداف الإستراتیجیة والفرعیة التفصیلیة التی وضعتها لحملتها العسکریة فی الیمن، فالأمر یطول شرحه، لکن، ما یمکن استخلاصه بالمحصلة، هو أن العدوان، وبسبب خطأ إستراتیجی فی الحسابات، تحول بعد قرابة الشهر من القصف العشوائی إلى مأزق أخلاقی وسیاسی وأمنی وعسکری، قد تکون له تداعیات کارثیة على النظام السعودی نفسه فی المدى المنظور. والذی یمکن الوقوف عنده فی هذا السیاق لغرابته، هو تصریح الرئیس أوباما الذی قال ، أن قرار وقف العدوان جاء بسبب الأضرار الجانبیة الکبیرة التی حصلت وأودت بحیاة المدنیین الأبریاء وطالت البنى التحتیة الأساسیة للشعب الیمنی.. لأن السؤال الذی یطرح نفسه وبقوة على ضوء هذا التصریح هو: – إذا کانت القیادة الأمریکیة ومن خلال غرف عملیات بالسعودیة وقطر والبحرین هی من أدارت العدوان، وزودت غربان الجو بالأهداف الإستراتیجیة التی تم قصفتها استنادا إلى معلومات دقیقة کانت تستمدها من الأقمار الصناعیة ومن عملاء على الأرض فی الداخل الیمنی (هادی وعلی محسن الأحمر وزمرتهما).. فمن یتحمل المسؤولیة کاملة غیر منقوصة عن الأضرار الجانبیة التی تحدث عنها الرئیس أوباما؟.. ثم إذا کان ما تم قصفه حتى الآن یدخل فی إطار الأضرار الجانبیة بالمنطق العسکری، فأین هی الأهداف الإستراتیجیة یا ترى؟.. وإذا کان الخطاب الإعلامی السعودی یصر على أن قرار العدوان کان قرارا سیادیا اتخذته المملکة من نفسها وبما یخدم سیاساتها ومصالحها وأمنها القومی، وأن الحرب حققت أهدافها کاملة.. فالواقع المیدانی الیوم، یکذب هذا الادعاء جملة وتفصیلا، قیاسا بالأهداف المعلنة وفق ما أجمع على ذلک الخبراء العسکریون فی الشرق والغرب من جهة، ویفنده أیضا تصریح الإدارة الأمریکیة نفسها وفق ما أعلنه البیت الأبیض من جهة أخرى.. وفی هذا الصدد، قالت ‘جین ساکی’ مدیرة الاتصالات بالبیت الأبیض لشبکة (سی.إن.إن) الأمریکیة حرفیا: “من الواضح أن المهمة لم تنجز”، مضیفة أن: “الیمن مازال یعانی انعداما للاستقرار وإن المنطقة تحتاج إلى عمل أکبر بکثیر”.. هذا یعنی بالقراءة السیاسیة، أن “عملیة الیمن” کانت “مهمة عسکریة” ، بتخطیط استراتیجی ومساهمة لوجستیة واستخباراتیة أمریکیة ودعم “إسرائیلی” سیاسی ومعنوی وبالأسلحة المحرمة دولیا، کلفت بها السعودیة بالوکالة باعتبارها مجرد أداة وظیفیة، لکنها ففشلت فی تنفیذها، وبالتالی، تتحمل وحدها مسؤولیة هذا الفشل، وأن الإدارة الأمریکیة بحاجة لتغییر مقاربتها “العسکریة” للأزمة من مدخل إستراتیجیة “دیبلوماسیة” جدیدة تتطلب الکثیر من العمل على مستوى المنطقة ککل ولیس الیمن فحسب.. هذا الإعلان الرسمی الصادر عن البیت الأبیض یوضح، أن موضوع الیمن لم یعد قضیة محلیة تحل بالحوار الداخلی بین الیمنیین کما کان الحال قبل العدوان فأجهضته السعودیة من خلال عمیلها الطرطور هادی عبد ربه منصور، ولا یمکن أن یحل أیضا فی الإطار الإقلیمی نظرا لصعوبة التواصل بین السعودیة وإیران لاختلال موازین القوى بین الجانبین، ورغبة “السعودیة” الجامحة التی بلغت حد الجنون للتفرد بالنفوذ العربی والإسلامی “السنی” فی المنطقة ضدا فی منطق الأمور وطبیعة العلاقات بین الدول والشعوب.. لذلک، فالمطلوب فی المرحلة المقبلة، وفق ما یستفاد من تصریح ‘جین ساکی’، هو أن یتم العمل على حل الملف الیمنی بمعیة بقیة ملفات المنطقة “دیبلوماسیا” فی إطار المفاوضات الثنائیة المزمع انطلاقها بین أمریکا وإیران بعد الاتفاق النووی النهائی، لیتاح المجال بعد ذلک لإشراک روسیا فی صیاغة مشاریع الحل فی مجلس الأمن وفق ما تم التوصل إلیه بالنسبة لکل ملف على حدة، لأن أمریکا غیر مستعدة حتى الآن لإعطاء دور لروسیا یجعل منها قوة دولیة تشارک بندیة فی صناعة القرار.. ما یؤکد هذا التوجه، هو حدیث السعودیة الذی أوردته صحیفة الوطن نهایة الأسبوع المنصرم، عن سیناریو الصفقات المتبادلة لتلافی حرب إقلیمیة قد تحرق المنطقة، حیث اقترحت الریاض أن تعترف طهران بالیمن کمنطقة نفوذ “سعودیة” خالصة مقابل تنازل الأخیرة فی الملف السوری والملف اللبنانی، وهو ما یعرف فی منطق الصراع على النفوذ بـ: “مرحلة المقیدات السیاسیة المتبادلة بین الدول المتحاربة”.. مع الإشارة إلى أن طرفی الصراع هنا هما أمریکا وإیران، ولیس السعودیة التی هی مجرد أداة لیس إلا. وإذا صح هذا التوجه بالتحلیل، فهذا یعنی أن “السعودیة” قد قررت التخلی عن عمیلها سعد الحریری فی لبنان، وإلا، فما معنى أن یسافر الأخیر – من دون صفة رسمیة – إلى واشنطن ویلتقی بجون کیری لیسأله عن مستقبل ما أسماه بقوى “الاعتدال” فی لبنان وعن دور ایران الذی وصفه بـ “غیر البناء” فی لبنان وسوریا والیمن والعراق، من دون أن یحصل على تطمینات واضحة باستثناء عبارات فضفاضة لا تعنی ما تقول من قبیل “العمل فی سبیل استقرار لبنان وأمنه”، و” ضرورة ملء الفراغ فی رئاسة الجمهوریة”، و “أهمیة إبعاد تأثیر ‘داعش’ و’النصرة’ وسوریا عن الوضع فی لبنان لیتمکن هذا البلد من الحفاظ على احترام سیادته وحمایة وضمان مستقبله”.. وحیث أن هذا العمیل السعودی الفاشل لم یجد ما یصرح به لرفع معنویات فریق الاعتلال فی 14 سمسار، فقد کرر معزوفة الوهم السعودیة بقوله للصحفیین: إن “عاصفة الإجرام ستنتقل إن شاء الله إلى سوریا”، لکنه لم یذکر إن کانت ستنتقل بواسطة جیش دواعش السعودیة السری أم أن السعودیة ستستورد هذه المرة مرتزقة طالبان لإسقاط دمشق وإخراج حزب الله من لبنان؟.. وبالنسبة لموضوع المقایضة الذی یقلق سعد الحریری لخوفه من غدر أسیاده وأولیاء نعمته فی السعودیة، لا نزعم أننا نعرف ما الذی تخطط له إیران فی هذا الصدد، ولیس من حقنا الحدیث باسمها، لکن ما نعرفه یقینا، هو أن إیران لا تتعامل فی السیاسة بانتهازیة لا أخلاقیة، ولا تنوب عن أیة دولة حلیفة فی تقریر ما تراه مناسبا لأمنها وسیادتها ومصلحة شعبها، وتدافع عن قیم الحریة وحقوق الشعوب فی تقریر مصیرها بنفسها من نفسها ولنفسها، وتساعدها على التحرر من الهیمنة الخارجیة غربیة کانت أم غیرها، ومن هذا المنطلق، نعتقد أن من سیقرر مصیر الیمن هو الشعب الیمنی ولیس إیران أو السعودیة أو أمریکا، تماما کما هو الحال بالنسبة للعراق وسوریة ولبنان.. نقول هذا، لأننا نعتقد أن السعودیة قد تبلغت بالموقف الإیرانی الواضح فی هذا الشأن، بدلیل قرار استمرار عاصفة القصف والعصف فی الیمن برغم إعلان توقفها من جهة، وتهدید سفیر المملکة لمندوب سوریة خلال اجتماع الجمعیة العامة للأمم المتحدة بنیویورک ، بنقل “عاصفة الإجرام” إلى سوریة بعد الیمن، وهو ما رد علیه السید الجعفری بالقول “سنقطع الید التی ستمتد إلى سوریة وسنعاقبکم بما تستحقون”، وطالب الأمم المتحدة بـ “وضع حد لممارسات النظام السعودی فی دعم الإرهاب” مشبها إیاه بالنظام الصهیونی من حیث زرع الکراهیة وممارسة الإجرام فی المنطقة. وإذا کان سماحة السید قد تنبأ صادقا بفشل العدوان السعودی فی الیمن خلال إطلالته من على قناة الإخباریة السوریة، وقال أن هزیمة السعودیة فی الیمن هی بالنسبة لنا من أوضح الواضحات، وهو ما حصل بالفعل وبوضوح فاضح، فإنه أیضا تنبأ فی إطلالته الأخیرة من الضاحیة الجنوبیة، حیث قال، إن السعودیة بفشلها فی استئجار الجیوش ستنتقم ممن دعمتهم ولم یشارکوها العدوان على الیمن، فی إشارة لمصر بصفة خاصة. وها هو ولی العهد و وزیر الدفاع السعودی الأمیر محمد بن سلمان الذی قاد العدوان على الیمن، یفاجئ الجمیع ببیان نشر على موقع “عاصفة الحزم” ونقلته بانوراما الشرق الأوسط الأربعاء 23/4/2015، یکیل فیه الشتائم لنظام مصر وشعبها، مذکرا السیسی بأن السعودیة هی من أوصلته إلى سدة الحکم، وأنه لا یستحق رتبة المشیر، وأنه وعد بمساعدة المملکة فی عدوانها على الیمن ومشارکتها الحرب، فخان الوعد، ما ینبغی معه تجریده من رتبته العسکریة لأنه متعالی وجبان وناکر للجمیل، وفق ما قال. وتفید معلومات عن أن الملک سلمان شخصیا، وبأوامر من أوباما، أجرى مؤخرا بحضور مسؤولی المخابرات “السعودیة” والأمریکیة بالإضافة لمستشارین سیاسیین من الجانبین، مجموعة اتصالات سریة بقیادات رفیعة فی جماعة “الإخوان” بمساعدة قطر وترکیا، حیث یراهن حلف (واشنطن – الریاض – تل أبیب – الدوحة – أنقرة)، وبرغم تحفظ الإمارات، على دعم “الإخوان” فی الیمن ومصر وسوریة ولیبیا، شریطة أن ینجحوا فی قلب موازین القوى فی مصر وسوریة والیمن ولیبیا لصالح السعودیة، مقابل ما یریدون من مال ودعم بالسلاح والتکفیریین من کل أصقاع الأرض لقتال “الروافض” کما یصفهم الأمیر محمد بن سلمان فی المنطقة، وهزیمة “أعداء الله” کما یصف الحوثیین فی الیمن.. هذا علما أن أمراء السعودیة لا یعتبرون الصراع مع “إسرائیل” صراعا دینیا، بل یصفونه بـ”السیاسی”، وهذا صحیح لا غبار علیه، لکن عندما یتعلق الأمر بإیران، یتحول الصراع إلى طائفی، فی محاولة غبیة للعزف على الوتر الدینی المدسوس لتحریک العصبیة الجاهلیة لدى البسطاء من الناس. وبهذا التوجه الجدید، تعود “السعودیة” إلى خیار “الإخوان” الذی اعتمده أوباما کحل لخلق توازن سنی – شیعی فی الشرق الأوسط لما لهم من شعبیة واسعة فی الأوساط العربیة العریضة المتخلفة من جهة، ولالتزامهم بالسیاسة الأمریکیة بخلاف التنظیمات الإرهابیة من جهة أخرى.. ویأتی هذا التحول السعودی المفاجئ، بعد أن کانت قد انقلبت علیهم فی مصر زمن محمد مرسی، وأتت بالجنرال السیسی اعتقادا منها أن الجیش المصری، وبفضل المال الحرام، سیتحول إلى عصا طیعة فی ید آل سعود، یواجهون بها المارقین والمتمردین على نفوذهم فی المنطقة، وعلى رأسهم حلفاء إیران. وبهذا التوجه الجدید، نستطیع القول أن مصر ستکون أول ضحایا إرهاب الإخوان والقاعدة ومشتقاتها، نظرا لحساسیة موقعها وسهولة اختراقها بعد أن تم تطویقها بـ”الإخوان” من السودان فی الجنوب، و”داعش” من لیبیا فی الغرب، و “القاعدة” ومتفرعاتها من “إسرائیل” فی الشرق، ناهیک عن طابور “الإخوان” و”السلفیین الوهابیین” فی الداخل، ما سیسهل إسقاط نظامها وتحویل جیشها إلى جیش من المرتزقة لمواجهة النفوذ الإیرانی فی المنطقة لمصلحة النفوذ الأمریکی، وفق ما تتوهم أمریکا وتساعدها فی ذلک السعودیة وترکیا وقطر و”إسرائیل”. وهذا یعنی أن الشعب المصری یواجه الیوم تحدیا کبیرا وخطیرا قد یعصف بترکیبته الإجتماعیة، خصوصا وأن أمریکا تخطط بمعیة السعودیة و”إسرائیل” لإشعال فتنة بین المسلمین والأقباط لتقسیم مصر، وبالتالی، فمشروع التفجیر المتوقع یضع القیادة المصریة أمام خیار تاریخی لا بدیل عنه.. إما التحالف سریعا مع محور (روسیا – إیران – سوریا – العراق) لمواجهة الإرهاب فی الداخل ومشاریع التقسیم التی تهدد المنطقة برمتها، أو الانتحار وإغراق الشعب المصری فی حمام من الدم قد یحول النیل إلى اللون الأحمر لسنوات قادمة.. هذا ما یقوله العقل والمنطق، لکننا فوجئنا الیوم بتصریح للعمیل ‘السیسی’ یقول فیه بمناسبة الذکرى 33 لتحریر سیناء “المنقوص” ما مفاده، إن “مصر لن تسمح بتهدید أمنها القومی، ولن تسمح – بالتعاون مع أشقائها العرب – لأی قوى تسعى لبسط نفوذها أو مخططاتها على العالم العربی بأن تحقق مآربها”.. وهذا لعمری قمة الجبن والخذلان فی حق الشعب المصری وجیشه ومؤسساته، والذی کان یفترض أن یثور “السیسی” لکرامته ویرد الإهانة عنه، لکن طبیعة الاستبداد التی من سیماتها أن یختزل الدیکتاتور الشعب والجیش والمؤسسات فی شخصه، تدفعه لتقبل الإهانة وتحمیلها لمؤسسة الجیش والشعب المصری معا، هذا فی الوقت الذی انتفض فیه بعض من الإعلام المصری ورد للسعودیة الصاع صاعین، ومسح الأرض بأمرائها. المنطقة الیوم أمام خطر کبیر یتهددها أکثر من أی وقت مضى، بعد أن حولتها أمریکا إلى مختبر لتجربة إستراتیجیاتها، بحیث کلما فشلت إحداها استبدلتها بأخرى، ولا یبدو أن الأمن والاستقرار والسلام سیعم المنطقة إلا إذا تمت مواجهة الهیمنة الأمریکیة من خلال ضرب أدرعها الثلاثة وفق الترتیب التالی: * الوهابیة فی شبه الجزیرة العربیة من خلال الحرب البریة، التی تبدو حتمیة فی ظل استمرار القصف والحصار الخانق لقتل الشعب الیمنی جوعا، ولا یبدو أن هناک مخرجا لهذه المعضلة سوى برد یمنی قوی یتبعه هجوم لاسترداد المناطق الثلاث المحتلة، ما سیخلط الأوراق ویقلب معادلة الصراع فی المنطقة، وإیران لن تسمح لأیة قوة بالتدخل عسکریا لصالح السعودیة کما أکد مسؤولوها. * الماسونیة الإخونجیة فی ترکیا بالسیاسة، من خلال ورقة الأکراد فی الانتخابات البرلمانیة القادمة لنزع سلطة القرار من ید السلطان أردوغان ومنعه من توسیع نفوذ الرئاسة على حساب سلطة البرلمان، الأمر الذی من شأنه أن یقوی المعارضة بدعم الأکراد وینهی الوجود الإخوانی فی معقلهم الرئیس ببلاد الأناضول، وینعکس بالتالی سلبا على الدور القطری الإجرامی فی المنطقة. * الصهیونیة الیهودیة فی فلسطین المحتلة، وهذه لا یمکن الحدیث عنها قبل تطهیر المنطقة من الوهابیة وفکرها التکفیری، ومن الإخوان ومؤامراتهم الإجرامیة، حینها سیکون من السهل هدم بیت العنکبوت فی فلسطین الحبیبة. ومن دون القضاء على هذه الأدرع الثلاثة أو الثالوث الشیطانی الماسک بخناق المنطقة، لا یمکن الحدیث عن التحرر من الهیمنة الأمریکیة ولا من یحزنون، وستظل المنطقة تحت رحمة الشیطان الأکبر، تتقاذفها عواصف الإستراتیجیات، من مؤامرة إلى أخرى حتى استنزافها وتمزیقها بالکامل مهما تطلب الأمر من جهد و وقت.. ولا سبیل لمواجهة هذا القوى الشریرة المتربصة بالأمة إلا فی إطار مشروع وحدة الأمة الذی تنادی به إیران، لأنه من غیر تکاثف الجهود والتضامن والتعاون مع إیران القویة لن یقوم للعرب قائمة، وهذا لا علاقة له بالاحتلال أو النفوذ أو غیره من الترهات التی یسعى أعداء الأمة من وراء ترویجها للحؤول دون تحقیق هذه الوحدة التی ستغیر وجه المنطقة والعالم. ألیس هذا ما یقول به القرآن وبشر به الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم أمته ودعاها للاعتصام بحبله؟.. فلماذا لا نصدق القرآن والرسول فی هذا إن کنا حقا مؤمنین قولا وفعلا؟..
أحمد الشرقاوی/بانوراما الشرق الأوسط | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,800 |
||