ما الذی دفع السعودیة لشن حرب على الیمن | ||
حُوّل الصراع فی منطقة الشرق الأوسط من صراع عربی – صهیونی إلى صراع عربی عربی ولم یعد یخفى على کل لبیب بأن الصراع العربی العربی المتزاید هذه الأیام فی المنطقة العربیة یصب فی مصلحة أعداء الأمة. فالصراع العربی العربی لم یأخذ الشکل الدینی أو القومی له بل کان صراعا سیاسیا ومذهبیا طائفیا إقلیمیا لا یقوم أو یستند إلى قاعدة متینة من الصراع، فالصراع العربی عربی یقوم على قواعد زائفة ضعیفة کان الهدف منه تحقیق مکاسب سیاسیة وشهوة سُلطانیة أو سیطرة مذهبیة. حرب السعودیة على الیمن مثل تورط صدام حسین عندما شن الحرب على إیران عام 1980 معتقداً أن الجیش الإیرانی مفتت وغیر موالی لحکومة الثورة الإسلامیة، وأن حربه هذه ستکون خاطفة لن تستغرق أکثر من عشرة أیام، على غرار الحروب الصهیونیة الخاطفة على العرب، تنتهی بتحقیق نصر سهل وسریع، والنتیجة أن الحرب العراقیة الإیرانیة استمرت 8 سنوات أهلکت الحرث والنسل فی البلدین. تحاول العائلة السعودیة المالکة تجنب الحروب المباشرة، فعندما بدأ الصراع بین إیران والسعودیة على أثر الثورة الإیرانیة الإسلامیة عام 1979، وخوفاً من تصدیر الثورة إلى الدول العربیة، لجأت السعودیة ومعها الدول الخلیجیة الأخرى وأمریکا إلى خداع صدام حسین ودفعه لشن الحرب على إیران نیابة عنهم بحجة حمایة البوابة الشرقیة للأمة العربیة، ومدوه بالمال الوفیر والدعم اللوجستی والاستخباراتی والسلاح، وقالوا له (منا المال ومنک الرجال). وبعد إسقاط صدام حسین فی العراق وبدعم أمریکا، وکعقوبة منهم للعراق، اعتبروا دعمهم المالی لصدام خلال حربه على إیران دیوناً على الشعب العراقی، و وظفوا العقیدة الوهابیة، لإثارة الشحن الطائفی وکذلک ضد إیران، الأمر الذی شجع إیران للعب دور قوی فی دعم النظام العراقی الجدید. وهذا ما أثار حقد وغضب السعودیة أکثر فأکثر. ومن جانب آخر، ومنذ إعلان الثورة الإیرانیة، راحت إیران تدعم المکونات المضطَهدة فی البلاد العربیة، لیس الشیعة فحسب، مثل حزب الله فی لبنان، بل وحتى التنظیمات السنیة المناهضة للعدو الصهیونی فی فلسطین. وهذا الوضع الجدید جعل السعودیة والأنظمة الخلیجیة تتمادى أکثر فی اضطهاد الشیعة فی بلدانها والتقرب إلى العدو الصهیونی والتحالف غیر المعلن معها. فکانت مثلاً ثورة الحوثیین فی الیمن، وانتفاضة الشیعة فی البحرین وهم محرومون من أبسط حقوق المواطنة . وکان رد فعل السعودیة أن أرسلت قواتها درع الجزیرة. والحجة أن هذه الانتفاضات هی من صنع إیران. وإنما سبب هذه الانتفاضات هو الظلم والمطالبة بالحقوق. وفی هذه الحالة تسعى إیران إلى استغلال الفرصة، وتعمل على دعم الجهات الناشطة المحلیة التی تناضل ضد المظالم، ولزیادة قوتها ونفوذها فی المنطقة. ولذلک فالتمادی فی قمع تلک الجهات المظلومة لیس هو الحل. ونتیجة الدعم الإیرانی للفئات المهمشة والمضطهدة فی البلاد العربیة، وتخاذل الحکومات العربیة وعلى رأسها السعودیة، وتواطئها مع العدو الصهیونی ضد الشعب الفلسطینی، صارت إیران تتمتع بشعبیة واسعة فی العالم العربی.إذا کانت السعودیة ترید حقا تقویض النفوذ الإیرانی فی الشرق الأوسط، یجب علیها أن تقر بمعالجة آلام ومعاناة الفئات المهمشة فی مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وذلک بإعطائهم حقوقهم ودعوتهم الى طاولة المفاوضات هی أفضل وسیلة لعزلهم من النفوذ الإیرانی … والسؤال الآن هو، ما الذی دفع السعودیة، الأغنى دولة فی العالم إلى شن حرب ظالمة على الیمن، الأفقر بلد فی العالم ؟ السبب هو لیس سیطرة الحوثیین على الحکم، وهزیمة الرئیس عبد ربه منصور هادی، بل هو خوف السعودیة من توسع النفوذ الإیرانی،وخاصة بعد أن اقتربت المفاوضات الإیرانیة مع مجموعة الـ (5+1) بقیادة أمریکا فی جنیف، إلى حل یبدو فی صالح إیران وخروجها منتصرة کقوة عظمى فی المنطقة. ویبدو أن السعودیة صارت تخاف أن تتخلى عنها أمریکا، لذلک قررت أن تشن هذه الحرب على الیمن للحد من النفوذ الإیرانی! وکما أشرنا أعلاه، فثورة الحوثیین لیست بتحریض من إیران کما تحاول وسائل الإعلام السعودی والعربی تضلیل الرأی العام، وإنما هی نتاج مظالم الحکومات الیمنیة المتعاقبة . فإیران لیست لها قوات عسکریة فی الیمن لدعم الحوثیین عدا الدعم المعنوی واللوجستی . وتشیُّع الحوثیین ( الزیدی ) یختلف عن التشیع الإیرانی ( الإثنی عشری ). ولذلک فالصراع هو لأغراض سیاسیة بحتة والنفوذ. إذ کما ذکر روبرت فیسک فی الإندبندنت اللندنیة، إن العائلة السعودیة خائفة من داعش، وخائفة من الشیعة، وخائفة من إیران وخائفة من الیمن، وخائفة من أمریکا وخائفة من العدو الصهیونی، بل خائفة حتى من نفسها، و من قواتها الأمنیة أن تنقلب علیها !!! نعم، العائلة السعودیة خائفة حتى من نفسها ومن خیالها. إذ هناک أنباء تفید عن انشقاق داخل الأسرة الحاکمة، وأن عدداً من الأمراء ضد تورط بلادهم فی الحرب على الیمن، فیعتقد أغلب المحللین السیاسیین وخاصة فی الغرب، أن هذه الحرب قد تؤدی إلى صراع داخل العائلة الحاکمة وربما إلى انهیار الحکم السعودی. ومهزلة المهازل هی، ما جاء فی البیان الختامی لمؤتمر القمة العربی فی شرم الشیخ بتاریخ 28 آذار الماضی یدعو لإنشاء قوة عسکریة عربیة، تشارک فیها الدول اختیاریا، وتتدخل هذه القوة عسکریا لمواجهة التحدیات التی تهدد أمن وسلامة أی من الدول الأعضاء بناء على طلب من الدولة المعنیة، فلو تم الأخذ بهذا القرار الغریب العجیب، لاعتبرت أغلب الحکومات العربیة غیر شرعیة، إذ کما جاء فی مقال للسید سالم مشکور : (غریب أن نسمع الرئیس المصری یقول أن ما حدث فی الیمن هو انقلاب على الشرعیة، وإنه مستعد لإرسال قواته لإعادة الحکم الى الشرعیة. فلو کانت کل شرعیة لا یجوز الانقلاب علیها، فان حکم الرئیس المخلوع محمد مرسی کان شرعیا (بذات المعیار) أیضا، والسیسی أطاح به . هل یعنی ذلک ان حکم السیسی الآن غیر شرعی ؟ وهل ان من حق دول معادیة له مثل قطر وترکیا استخدام أموالهم لاستخدام قوات باکستانیة لمهاجمة مصر و”إعادة الشرعیة ” ؟ یبدو أن السعودیة بلغ بها الغرور والغطرسة إلى حد الثمالة بسبب تراکم الثروة النفطیة إلى أرقام فلکیة هائلة فوق التصور والخیال، فاعتقدت أنها بإمکانها شراء الحکومات وجیوشها وتحریکها کما تشاء. ولحد الآن، نجحت فی تحویل جیوش إلى جیوش للإیجار، ومع الأسف الشدید حتى الجیش المصری لم یسلم من الإغراء السعودی، وهذا لیس فی صالح الشعب المصری الذی له تاریخ مؤلم فی الیمن وهو یعانی الیوم من الملیشیات الإسلامیة السنیة (الارهابیة) ذات العقیدة الوهابیة . إنها (فزعة عرب) ضد الیمن، بقیادة السعودیة ولأغراض شریرة. وفی هذه الحالة، وکما نفهم من دروس التاریخ، فلا بد وأن یکون مصیر النظام السعودی الزوال کمصیر غیرة من حکام العرب، وأن تورط السعودیة فی هذه الحرب الجائرة على الشعب الیمنی هو بدایة النهایة لحکام السعودیة، وإن غداً لناظره قریب.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,159 |
||