العدوان السعودی علی الیمن فی ضوء القانون الدولی | ||
![]() | ||
لم تبدأ مشکلة الیمن مع السعودیة منذ العدوان الحالی أی عاصفة الحزم، بل بدأت منذ زمن أبعد بکثیر، حینما قامت قوات آل سعود باحتلال ثلاث مناطق یمنیة(عسیر-جیزان ونجران). وبالتالی فقد نشأت مشکلة السعودیة مع الجیل الأول من الیمنیین باحتلال أرضه، ثم رفعت السعودیة من حدّة عدائها تجاه الشعب الیمنی فی حربها خلال ستینیات القرن الماضی. بعدها انتقلت السعودیة إلى سیاسة "التدخل الناعم" عبر "المبادرات الخلیجیة"، أما حالیا فقد عادت إلى سیاسة الحرب الأکثر دمویة على الشعب الیمنی والتی راح ضحیتها آلاف الشهداء والجرحى حتی کتابة هذه السطور. لن نتطرق فی هذا التحقیق إلى تلک الأحداث القدیمة، بل سوف نقصرها على الإجراءات العنیفة والأعمال العدوانیة التی تشنها السعودیة على الیمن، مرکزین بشکل خاص على المخالفات الجسیمة المرتکبة من قبل القوات السعودیة، التی اعتبرتها المواثیق الدولیة والأعراف القانونیة الدولیة بأنها تشکل جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانیة. وسوف نعالج فی هذا التحقیق وضع الحرب الحالیة على الیمن، ونتطرق للنقاط التالیة: 1. العدوان السعودی من وجهة نظر القانون الدولی 2. مدى خرق السعودیة للعدید من قوانین الحرب العرفیة والاتفاقیة.
العدوان السعودی على الیمن فی نظر القانون الدولی بدأت "السعودیة" عدوانها على الیمن فی 2015/3/26 عندما قامت القوات الجویّة الملکیة السعودیة بقصف جوی کثیف للأراضی الیمنیة، إلا أن حقیقة الأمر هو أنها بدأت استفزازاتها لأنصار الله وحزب المؤتمر الشعبی قبل ذلک، حینما اتهمتهم بالانقلاب على الشرعیة- لرئیس مستقیل انتهت ولایته الرئاسیة قبل عامین- ضاربةً عرض الحائط الحوار السیاسی بین مختلف المکونات السیاسیة الیمنیة تحت رعایة الأمم المتحدة ومبعوثها "جمال بن عمر". وفی مثل هذا الجو بدأ العدوان على الشعب الیمنی، فهل یعتبر ذلک العدوان دفاعا عن الشرعیة؟ وما صحّة ما طرحه البعض عن أن السعودیة "قررت الحرب تفعیلاً لحقها فی الدفاع عن النفس وحمایة لأرضها ومقدساتها"؟ لعل من أهم ما ورد فی میثاق الأمم المتحدة من نصوص، هو ما ورد فی المادة الثانیة من أنه "على أعضاء الهیئة أن یمتنعوا جمیعاً فی علاقاتهم الدولیة عن التهدید باستعمال القوة أو استخدامها ضدّ سلامة الأراضی أو الاستقلال السیاسی لأیة دولة". إلا أن المیثاق سمح للدول باستخدام القوة فقط فی حالة الدفاع الشرعی عن النفس، ولکن بشروط مشددة حددتها المادة 51من المیثاق، ویمکن تلخیصها بالشروط التالیة: أ. أن تعتدی قوة مسلحة على دولة عضو فی المنظمة الدولیة. ب. وجوب قیام الدولة المعتدى علیها بإبلاغ مجلس الأمن فورا بما تمّ من تدابیر اتخذتها الدولة المعتدى علیها. ج. فإذا اتخذ المجلس أیّ تدابیر لحفظ السلم والأمن الدولیین، ینتهی ردّ فعل تلک الدولة المعتدى علیها. لو صدقنا فعلاً ما زعمته السعودیة وأنها استخدمت حقها فی الرد على ذلک العدوان بموجب المادة51 من المیثاق، فهل تقیدت الریاض بالقیود والشروط التی وضعتها تلک المادة، کی تعدُّ فعلاً فی حالة دفاع شرعی عن النفس؟ وهل أبلغت مجلس الأمن بذلک العدوان المزعوم؟ وزیادة على ذلک فإن قواعد القانون الدولی العرفی والاتفاقی تشترط التناسب بین فعل العدوان والرد علیه، کی تکون الدولة المعتدى علیها فی موقف سلیم یتسق مع نصوص وقواعد القانون الدولی، فهل قصف المدن والقرى والمنشآت المدنیة والبیوت السکنیة والمصانع والمساجد، هو حالة دفاع شرعی وفیها تناسب فی الرد؟ إن ما ترتکبه السعودیة من أعمال تقع تحت بند الجرائم الخطیرة والبشاعات ضدّ المدنیین وأملاکهم، فضلاً عن کونها تعارض أیضاً نص المادتین 1و55 من المیثاق الدولی، عبر التأکید على "حقّ الشعوب فی تقریر مصیرها والسیطرة على ثرواتها الطبیعیة". ثانیاً: خرق السعودیة لمعظم قواعد قوانین الحرب العرفیة والاتفاقیة مما لا شک فیه أنه إذا أردنا سرد کافة خروقات السعودیة المذکورة فإننا نحتاج إلى مجلد لکثرة تلک الخروقات، لذلک سوف نقتصر على ذکر أمثلة على الخروقات الخطیرة الأساسیة وعلى العقوبات التی تجرمها.
1.العقوبات الجماعیة لعل أبرز السمات التی تمیز هجمات السعودیة هی أنها لا توجه ضدّ المقاتلین، بل ضدّ کافة السکان ابتداء من البیوت السکنیة وانتهاء بالمستشفیات والمصانع والبنیة التحتیة کالکهرباء والماء والمیاه، وجمیع هذه الإجراءات تعدُّ ضمن العقوبات الجماعیة حیث إنها موجهة ضدّ مجمل السکان من دون تمییز، ولیست محصورة ضدّ المقاتلین کما تنص علیه قواعد قانون الحرب. لقد نصت الکثیر من قواعد القانون الدولی الإنسانی (قانون الحرب) على منع هکذا عقوبات جماعیة وعدَّت فی بعض المواثیق بمثابة مخالفات جسیمة، أی بمثابة جرائم حرب. حیث نصت المادة 50 من أنظمة لاهای الملحقة بمعاهدة لاهای الرابعة سنة 1907 على أنه: "لا یجوز إنزال عقوبات جماعیة ضدّ السکان بسبب أعمال ارتکبها أفراد لا یمکن أن یکون هؤلاء السکان مسؤولین عنها بصفة جماعیة". اذاً تقع "الدمع المرتعد" أو ما یسمی بعاصفة الحزم السعودیة ضمن جرائم الحرب(المادة 8)، وإذا کانت ممنهجة وعلى نطاق واسع ولمدة زمنیة طویلة(تقترب السعودیة باستمرار العدوان من هذه النقطة) فإنها ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانیة.
2. عملیات الإبادة هناک نوعان من أعمال الإبادة الوارد النص علیها فی النظام الأساسی لمحکمة الجنایات الدولیة، وهی: أ.عملیات إبادة الجنس البشری: وقد نصت علیها المادة 6 من النظام الأساسی وهی أخطر الجرائم الدولیة فی المنازعات المسلحة. ب.عملیات الإبادة: المنصوص علیها فی المادة 7 من النظام الأساسی لمحکمة الجنایات الدولیة، وهی تعدُّ من ضمن الجرائم ضدّ الإنسانیة. وکلا النوعین من الجرائم یشترط فیها توفر عنصر النیة الجنائیة الخاصة أی نیة خاصة لارتکاب الجریمة بذاتها لکی یعاقب المتهمون علیها. ویعتبر بعض الخبراء أنه فی حالة عملیات إبادة مئات المدنیین بواسطة الجیش السعودی فی أعمال قصف عشوائی من البحر والجو والبر بواسطة المدافع والصواریخ والطائرات مثل F16، فإن هذا القتل العشوائی یشکل عملیات إبادة الجنس البشری، إلا أنه من الصعب إثبات توفر النیة الجرمیة الواجب توفرها فی هذه الجریمة، لذلک فإنه من الممکن اعتبار هذا القتل لمئات المدنیین بشکل عشوائی وإبادة عشرات العائلات إبادة کاملة، یمکن اعتباره عملیة إبادة المنصوص علیها فی المادة 7 من النظام الأساسی لمحکمة العدل الدولیة وهی من ضمن الجرائم ضدّ البشریة.
3. جرائم القتل العمد أشارت الکثیر من الأخبار الصادرة عن وکالات الأنباء والفضائیات بأنه کانت هناک عملیات قتل عمد للمدنیین فی مختلف المحافظات الیمنیة، على اختلاف الانتماءات الدینیة والطائفیة، وجمیعها حدثت فیها مجازر قتل بالجملة ضدّ المدنیین خارج نطاق القانون. ولا شکّ فی أن هذه الجرائم تعدُّ من ضمن المخالفات الجسیمة، کما نصت علیها المادة 147 من معاهدة جنیف الرابعة، وقد عدَّها النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة بأنها تعدُّ جرائم حرب.
4. استخدام أسلحة محرمة دولیاً لقد نصت المادة 23 من أنظمة لاهای لسنة 1907 على وجوب احترام المتحاربین للمحظورات کـ"استخدام الأسلحة والقذائف التی من شأنها إحداث أضرار وآلام لا مبرر لها". کما نصت معاهدة جنیف الرابعة أیضاً على تحریم استخدام عدد من الأسلحة الفتاکة کالغازات السامة أو القنابل العنقودیة أو القنابل الحارقة وغیرها من الأسلحة، وعدَّت استخدام مثل هذه الأسلحة من المخالفات الجسیمة (أی جرائم حرب). کذلک نصت المادة 36 من البروتوکول الدولی الأول على حظر استخدام وسائل وأسالیب القتال الممنوعة بموجب أیّ وثیقة أو أیّ قاعدة من قواعد القانون الدولی. والسعودیة حالیاً تستخدم أسلحة محرمة دولیاً ضد الشعب الیمنی، هذا ما تؤکده معظم الشهادات والمعطیات منذ اندلاع العدوان على الیمن. منظمة "هیومن رایتش ووتش" تقول إن لدیها أدلة على استخدام السعودیة قنابل عنقودیة فی غاراتها على الأحیاء السکنیة الیمنیة. کذلک یجزم أطباء یمنیون أن السعودیة متورطة فی استخدام أسلحة محرمة دولیا کالقنابل الجرثومیة والعنقودیة، مستشهدین على ذلک ببعض الحالات التی تم نقلها إلى المستشفى والتی تظهر نتوءات جلدیة وجروحاً غائرة من جراء القصف، وهذا ما یمکن أن یتطور إلى حالات أمراض سرطانیة فی الجلد. اذاً، بات واضحاً وفق القانون الدولی أن العدوان السعودی على الیمن یرقى فی حدّه الأدنى إلى "جرائم الحرب" وحدّه الأقصى إلى "جرائم ضد البشریة"، ولا شک فی أن استمرار العدوان- رغم صمت المجتمع الدولی- سیعرّض وزیر الدفاع السعودی محمد بن سلمان فی یوم من الأیام للمسائلة القانونیة فی ارتکابه جریمة إبادة الجنس البشری(أخطر الجرائم الدولیة)، کما حصل فی قضیة تادیتش الصربی المتهم بالإشراف على مجزرة سیربنتسا فی البوسنة والهرسک سنة 1992. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,394 |
||