لمرة أخیرة: معاییر النصر والهزیمة فی حرب السعودیة على الیمن | ||
تخوض وسائل الإعلام المموّلة من السعودیة، من الفضائیات إلى الصحافة، حرباً ضروساً لا تقلّ ضراوة عن الحرب التی خاضها جیشها، لتثبیت مقولة إنّ الحرب توقفت، لأنّ السعودیة حققت نصراً یسمح بإعلان وقف حرب انطلقت لتحقیق أهداف وقد تحققت، ویشترک فی هذه الحرب الإعلامیة کلّ من تملک السعودیة قدرة على تحریکهم والتأثیر علیهم، من سیاسیین وإعلامیین ورجال دین ودیبلوماسیین وخبراء عسکریین، إلى درجة بات واضحاً معها، أنّ نتیجة الحرب العسکریة ستحدّدها نتیجة الحرب الإعلامیة الدائرة، حول تحدید معاییر النصر والهزیمة فی الحرب العسکریة. - تستند مقولة النصر السعودی إلى رکنین رئیسیّین، یبقى سواهما غباراً بلا قیمة، من نوع الحدیث عن تثبیت شرعیة منصور هادی استناداً إلى تأکید مرجعیته الشرعیة فی قرار مجلس الأمن، والحقیقة أنّ القرار الأممی الذی سبق القرار الأخیر، تضمّن النصّ الصریح ذاته عن شرعیة منصور هادی، فماذا جلبت الحرب من إضافة، إلا إذا کان القصد هو کون القرار الجدید وفقاً للفصل السابع، فهذا ما سنتوقف عنده لاحقاً لجهة أنّ عدم الاعتراف من الثوار بشرعیة هادی سیرتب تبعات ونتائج دولیة بحقهم، لکن من زاویة الاعتراف الأممی بشرعیة هادی لا جدید، سوى أنّ القرار السابق صدر بالإجماع، بینما القرار الأخیر الذی جاء بعد الحرب، ترافق مع الامتناع الروسی عن التصویت، ومعلوم أنّ الصدور وفقاً للفصل السابع لا یضیف إلى القیمة السیاسیة والمعنویة لأیّ قرار أممی شیئاً من زاویة الوقائع التی یتبناها ویشرّعها، بل تحصر قیمة الفرق بینه وبین الصدور من دون اللجوء إلى الفصل السابع بالتبعات المترتبة على عدم الأخذ بها. - من عناصر الغبار أیضاً الحدیث السعودی عن وضع حدّ للتمدّد الإیرانی سواء داخل الیمن أو فی میاه الخلیج، وهو أمر تنفیه وقائع من نوع، أنّ بقاء الحوثیین فریقاً یمنیاً وازناً لا یمکن تجاهله فی الحلّ السیاسی، وفقاً للمنطق السعودی نفسه، یعنی أنّ ما یسمّونه بالنفوذ الإیرانی لم یضرب، وربما یکون تعاظم، بظهور تمدّد الثوار على رغم الحرب إلى مناطق لم تکن بین أیدیهم، أما فی البحر، فالواضح أیضاً أنّ التقرّب الذی قامت به البحریة الإیرانیة من السواحل الیمنیة، والتجوال فی البحر الأحمر والکشف عن قاعدة بحریة إیرانیة فی أریتریا على البحر الأحمر، والإعلان الأمیرکی عن عدم تحدید اعتراض السفن الإیرانیة من مهام بحریتها وقواتها، کلها مکاسب إیرانیة ما کانت لتتحقق لولا الحرب السعودیة، بل إنّ انطلاق نقاش تفاوضی أمیرکی إیرانی حول الحدود والأدوار التی یتقاسمها الطرفان فی المیاه الممتدة من الخلیج إلى البحر الأحمر، وفرت له الحرب منصة لم تکن متوافرة من قبلها ومن دونها، وکلّ ما سیسفر عنه من مکاسب لإیران هی مکاسب إضافیة ترتبت ببرکة الحرب السعودیة. - الاستقواء السعودی لفرضیة النصر بکون القرار بوقف الحرب لم یتم، بنتیجة مواجهات خاضها الحوثیون وهدّدت الأمن السعودی کإطلاق الصواریخ على العمق السعودی، أو التقدّم البرّی خارج الحدود الیمنیة، مردود علیه، بفرضیة، أنّ وقف الحرب قرار استباقی لتفادی مثل هذه المخاطر، بعد إعلان قائد الثوار الیمنیین عن الخیارات المفتوحة، والرسائل الواضحة عن نهایة شهر الحرب الأول، سیعنی بدء الردّ، هذا إضافة إلى أنّ مرور شهر تقریباً على بدء الحرب من دون ظهور نتائج حاسمة، ترافق مع تساؤلات عن جدوى استمرارها، من واشنطن إلى نیویورک وموسکو، ومع تحذیرات من طهران، فیصیر فی أحسن الأحوال، حسم مصیر هذا الاستقواء بعدم الردّ من الثوار، کعامل قوة لأحد المتحاربین، مرهوناً بما تظهره سائر أرکان التبریر السعودی لوقف الحرب کونها حققت أهدافها، بما سیقوله فی الجوهر منطقهم وفرضیاتهم، وفقاً لرکنی نظریة النصر التی یسوقونها. - الرکنان اللذان یستحقان النقاش فی الخطاب السعودی حول النصر هما، الأول هو الاستقواء بواقعة مواصلة الطیران السعودی غاراته، على مواقع الحوثیین لتقدیم الدعم للمجموعات المناوئة لهم وللجیش الذی یقف فی أغلبه معهم، وفی المناطق التی عجز مساندو السعودیة عن السیطرة علیها فی ظل الحرب وعلى رغم مشارکة تنظیم «القاعدة» بین صفوفهم بکل مقدراته وقوته، ویخشى السعودیون أن یستتبّ أمرها للثوار والجیش مع وقف الحرب، والثانی هو التأشیر لربط وقف الحرب باقتراب نهایة المهلة التی حدّدها مجلس الأمن لتطبیق بنود قراره، الذی صدر سابقاً قبل الحرب وفق الفصل السادس مطالباً الثوار بالانسحاب من المدن، خصوصاً صنعاء وعدن، وتسلیم الأسلحة التی حصلوا علیها من الجیش، والاعتراف بشرعیة منصور هادی، وقبول المبادرة الخلیجیة والدعوة للحوار وفقاً لرعایة مجلس التعاون الخلیجی فی الریاض، ومع نهایة المهلة یقول السعودیون أنّ الثوار فی المأزق، وأنّ سلاح الجو السعودی یتابع مهامه، وسیتابع تأدیبهم إذا لم یستجیبوا لمندرجات القرار، بقوة تکلیف أممی یصیر أقوى من القرار وقت صدوره، والحرب قد بدأت بغطاء التحالف الذی تقوده السعودیة، من دون تکلیف أممی أو تغطیة القانون الدولی، فکیف عساها تکون إذا حصلت علیهما؟ - إذا أخذنا الغارات السعودیة بمعزل عن مهلة قرار مجلس الأمن، فلا قیمة لها کدلیل على قوة أو نصر، لأنّ الذی یخوض حرباً لترکیع خصمه، لا ینتقل من ضربات مکثفة إلى ضربات منتقاة، وموضعیة وتذکیریة، إلا فی سیاق النزول عن الشجرة والخروج التدریجی من الحرب، مع حفظ ماء الوجه بأقلّ خسائر ممکنة، طالما أن النسخة الأصلیة للحرب لم تنجح بترکیع الخصم وتحقیق الأهداف، فلن یکتب لنسختها المنقحة النجاح وهبی دونها مرتة فی القدرة على ممارسة الضغط، ویکفی الإعلان عن وقف الحرب سبباً لإضعاف قدرتها على مواکبة الضغط المیدانی بضغط نفسی مواز، فتصیر عسکریاً أقلّ ونفسیاً صفر، وهی تشبه هنا ما فعلته «إسرائیل» فی حرب غزة الأخیرة عندما کانت التسویة مکلفة، فترکتها إلى ما بعد الإعلان عن وقف الحرب من دون تسویة، وواصلت الغارات المتقطعة، حتى تمّ الوقف التدریجی بالتزامن مع التسویة التی لا تأتی فی لحظة عاصفة فتقع کفضیحة، فالمواصلة هنا تبدو أقرب لمحاولة الحفاظ على توازن میدانی، لحساب الحلیف الیمنی، بانتظار خروج التسویة إلى الضوء. - ربط الإعلان عن وقف الحرب ومواصلة الغارات بنهایة المهلة الأممیة للثوار للرضوخ لشرعیة منصور هادی، هو الأمر الأهم الذی یرکز علیه السعودیون والذی یستحق المناقشة، وهذا یعنی وفق الترویج السعودی أننا سنکون أمام أحد احتمالین خلال یومین، إما أن یعلن الحوثیون الانسحاب من المدن وقبول شرعیة منصور هادی والقبول بحوار الریاض تحت رایة مجلس التعاون الخلیجی وفی الریاض، وإلا فمجلس الأمن سیصدر قراراً حازماً حاسماً، بحق الحوثیین، أبعد وأقوى وأهمّ من سخافة تجمید أرصدة غیر موجودة ومنع سفر عن غیر مسافرین، لمستوى تصیر الغارات السعودیة حرباً کاملة أین منها الحرب بنسختها الأولى، ولکن بتفویض أممی هذه المرة، حتى سحقهم أو ترکیعهم وجلبهم إلى بیت الطاعة السعودی، فهل هذه هی الصورة؟. - من یواکب الوقائع والمتغیّرات فی المواقف السعودیة، سیلاحظ الانتقال من الحدیث السعودی عن لا مکان للرئیس السابق علی عبدالله صالح فی أی تسویة وحلّ سیاسی، إلى بدء الحوار معه ومع حزبه، والانتقال من لا مکان لإیران فی الحلّ السیاسی فی الیمن إلى الرسائل العلنیة غیر المباشرة، التی من ضمنها تمّ الاتفاق أن تعلن طهران بلسان نائب وزیر خارجیتها حسین أمیر عبد اللهیان عن وقف الحرب قبل أن یعلنها الناطق السعودی أحمد العسیری، کما سیلاحظ المتابع أنّ الأمم المتحدة تتحدث عن تعیین مندوب جدید لبدء الحوار الیمنی، وأن مسقط التی کانت فی صورة قرار وقف الحرب تعلن نیتها إطلاق مبادرة للحوار، وسیلاحظ أنّ الرئیس الروسی فلادیمیر بوتین کان شریکاً فی ترتیبات ما قبل وقف الحرب، فهل هذه مؤشرات تصعید؟ أم مؤشرات تراجع الحوثیین واستسلامهم لمنصور هادی؟ ثم ماذا عن منصور هادی نفسه؟ ألیست عملیة تعیین خالد بحاح نائباً له فی حمأة الحرب تمهید لرحیله وتسلیم بحاح ضمن التسویة مهام رئاسة انتقالیة یعلن الحوثیون قبولها؟ فمن خاض حرباً لتثبیت شرعیة هادی وحاز على القرار الأممی الذی یمنح الشرعیة للحرب لتثبیته کما یقول السعودیون، لا یتنازل عن هذه الورقة إلا مرغماً بقوة الفشل. - طبعاً بیننا وبین ما یُسمى نهایة المهلة وما سترتب، ساعات وأیام، ستقول أجوبة نهائیة، لا تحتاج إلى التحلیل، وسیکون السعودیون أمام ساعة الحقیقة، لکنهم یراهنون على تضییع الطاسة عندها، بأنّ التسویة تکون قد تمّت وهم یعلمون أنّ مجلس الأمن لن ینعقد إلا لإعلان مندرجات خطواتها، ومن ضمنها رفع وضع الیمن من الوقوع تحت الفصل السابع بما فی ذلک الحصار البحری السعودی، وربما التراجع عن العقوبات لکن بالتأکید لیس بتصعیدها. - الحدّ الفاصل بین النصر والهزیمة فی الحرب على الیمن، إذا قبلنا المنطق السعودی، ولم یحصل ما یبشرون به من استسلام للحوثیین ولا من تصعید أممی ضدّهم، وتکشفت الأیام عن مسار تسویة، هو فی الإجابة عن سؤال، عندما تنتهی الحرب بتسویة ضمنیة، متدرّجة التطبیق بروزنامة متبادلة، تفرض الخطوة التراجعیة الأولى على المهزوم، فمن أعلن قبل الآخر التراجع عن خطواته العدائیة، السعودیة أم خصومها؟ هل سمعنا بیاناً للحوثیین یعلن الاعتراف بشرعیة منصور هادی، أم سمعنا بیاناً سعودیاً یعلن وقف الحرب؟. - قبلت السعودیة روزنامة تتضمّن البدء بالإعلان عن وقف الحرب، والاستعداد لخلع منصور هادی، مقابل قبول الحوثیین بخالد بحاح رئیساً موقتاً، والإعلان عن تسلّم الجیش الذی یعرف السعودیون ولاءه للحوثیین، مسؤولیة الأمن فی المدن الیمنیة، وبدء حوار یمنی ـ یمنی، برعایة واسعة تکون البصمة الإیرانیة فیه واضحة، ویکون عنوانه حکومة توافقیة تمهد لانتخابات نیابیة ورئاسیة ودستور جدید، وفقاً لما قاله الحوثیون فی إعلانهم الدستوری، ولا ترد المبادرة الخلیجیة وسائر المعزوفة إلا من قبیل رفع العتب. - من یکون المنتصر؟
ناصر قندیل/البناء | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,715 |
||