دراسة موجزة عن حیاة الامام الرضا وولایة العهد | ||
![]() | ||
دراسة موجزة عن حیاة الامام الرضا وولایة العهد الشیخ علاء الساعدی یحتار کل انسان، بل حتى الادیب والبلیغ، والعالم الضلیع، عندما یمر بخاطره ذکرى عالم من علماء الامة، ولکن اذا مر امامه ذکرى لامام الامة، وامام علمائها ماذا یکون حاله... کـعلی بن موسى الرضا (ع) یعجز البیان عن وصفه، وتملأ الدنیا طیباً بعرفهِ لانه ولید بیت الشرف، والبیت الرفیع، عالم آل محمد، قوی الحجة، دافع الشبهة، وبضعة رسول الله التی لم ترد هذه العبارة فی حق احد من آبائه وابنائه الا فیه، لعلو شأنه، ومنزلته ومقامه عند الله تعالى. مر سابقاً الحدیث عنه تأریخیاً، وذکر الحوادث المؤلمة التی قد أَهَّلَت، وغیرها الامام الرضا لتولی منصب الامامة بعد ابیه(علیهما السلام)، وقیامه بواجبه على أکمل وجه، حتى جعلت المأمون الغیر مأمون ان یستدعیه من المدینة المنورة الى خراسان، لیسند الیه ولایة العهد، لاسباب مرت علینا بصورة مجملة، فنتیجة الولاء ومحبة المسلمین للامام الرضا حتى سمی الرضا لان المسلمین قد رضوا عنه بأجمعهم وهذه القاعدة الجماهیریة لم تتوفر لأی إمام من ائمة اهل البیت(علیهم السلام) قبله فقد وصفها ابنه جواد الائمة محمد الجواد(ع) فقد قال: ((رضی به المخالفون من اعدائه کما رضی به الموافقون من أولیائه ولم یکن ذلک لاحد من آبائه علیهم السلام فلذلک سمی من بینهم الرضا(ع)(1)، وسوف نتعرض على معالم هذه القاعدة من خلال ثلاثة أصناف بعد ذکر أدلة امامته الخاصة التی طالما کثر حولها لغط کثیر بسبب الزیغ واتباع الهوى. إن دراسة سیرة ائمة اهل البیت(علیهم السلام)، تعد احدى الرکائز الاساسیة فی البناء العقائدی والفکری والسلوکی لدیننا القویم، وذلک لانهم عدل القرآن الکریم، والامتداد الرسالی لمنهج النبوة العظیم والحارس الامین للقیم والمفاهیم الاسلامیة فی وجه التشویه والتحریف والضلالة. انها سیرة معصومة للکشف عن سلوک القدوة الحسنة بکل تجلیاتها، وتربط المرء بالمفاهیم الاسلامیة فی اصالتها وتفتح له آفاق جدیدة فی مجالات العلم، والعمل الفکرِ والتربیة والسلوک، من هنا فان الکتابة عنهم وعن سیرتهم لا تنتهی مهما تعددت الدراسات وتنوعت اسالیبها، وذلک لما یجده الباحثون من حالة التواصل مع دلالتها التی تتسع مع سعة الحیاة، وتستعرض کل مفرداتها وسیرتها باتجاه حرکة التکامل المطلوب على صعید الفرد والامة. نحن فی رحاب علی بن موسى(علیه السلام) نعیش أروع معالم الکمال البشری، اذا تیقنا بانه الامام الحق المفروض من الله تعالى طاعته کما سئل الامام الکاظم(ع): وقیل له من الذی یکون بعدک؟ فقال: (ابنی علی(ع) )(2). وکذلک عندما قال داوود الرقی لابی ابراهیم(یعنی موسى بن جعفر(علیه السلام) فداک ابی، انی قد کبرت وخفت ان یحدث بی حدث، ولا القاک فأخبرنی عن الامام من بعدک؟ فقال: (ابنی علی)(3)، فکان هذا دلیل واضح على وجود جو مملوء بالحقد والباطل لمعرفة من یخلفه الامام الکاظم(ع) لانها لم تسمع (جماهیر الناس والموالین) مِن الامام مباشرة، ومَنْ الذی یتزعم منصب الامامة من بعده، فهنا وجهت شخصیات اسئلة صریحة للامام الکاظم حول من سیخلفه بعد وفاته، لاجل قطع الظن الحاصل من بعض الدعایات، بالیقین الحاسم من السماع من الامام مباشرة، فأجابهم بجواب واضح حتى ینقذهم من میتة الجاهلیة کما ذکر فی الحدیث (من مات ولم یعرف امام زمانه مات میتة جاهلیة) لان من اکبر العوائق التی تقف سداً منیعاً فی تقدم الانسان، والوصول لمعرفة الحقائق هو التعصب الاعمى، والتقلید الجاهلی للاباء، لذا عمد الاسلام منذ اعلان الدعوة المحمدیة الى تحطیم هذه الحواجز العائقة، والتندید بکل من یسلک طریق الاباء والمجتمعات من دون رویة وتحقیق عن صحة المسیر والمعتقد، ومن هنا یقول الله(عز وجل): (انهم الفوا ابائهم ضالین فهو على آثارهم یهرعون)(4). فکان جواب الامام صریح بمن یتولى الخلافة من بعده من اجل بیان منصبه الحق، الذی من صفاته هدایة الناس. ان الامام الرضا(ع) لم یکن بعیدا عن هذا المجتمع بل واجهه بصورة جلیة، کما واجهه ابوه الامام الکاظم(ع) بسبب الانحراف الذی اصابه(المجتمع) بعد وفاة النبی(ص)، فکان انحرافاً سیاسیاً خطیر جداً بالرغم من انه لم یمس بحسب الظاهر الا میدان واحد من المیادین التی کان یعتمد علیها الانسان. فی بدایة الامر لعل کثیر من الناس بدا لهم ان هذا الانحراف لا یعنی اکثر من ان شخص کان مرشحاً من قبل النبی(ص)، او من قبل الله تعالى، وهذا الشخص قد غصب حقه، واعطی لشخص آخر بدلاً عنه قد یکون هذا الشخص الآخر قادراً على ان یقوم مقامه فی هذه المهمة، الا ان الانحراف لم یکن انحرافاً شخصیاً او سهلاً او بسیط بهذا المقدار، لان الاسلام رسالة تربیة للانسان، رسالة جاءت لتبنی الاسلام من جدید فلابد من السیطرة على کل المجالات، والذی لا یمتلک زمام تلک المیادین والمجالات فلا یمکن ان یسیطر على کل تلک المیادین والمجالات، ولا یمکن ان یسیطر على کل ابعاد الانسان وبالتالی کیف یربیه تربیة إلهیة، التی هی شاملة لکل الانسان بشکل متمیز کلیاً عن انسان ما قبل الاسلام، أی عن انسان الجاهلیة، فهذا هو الذی جعل الامام ان یصرح بمن یکون بعده حتى تهوی الیه القلوب فیتوضح، الآن عدم اتباع الناس لائمة الحق فی زمانهم اما ان یکون المجتمع لیس واصل لمرحلة یستعد بها لمعرفة من یجب علیه طاعته وهذا قسم، أو ان الانحراف الذی ساد فی جسد المجتمع الاسلامی کان سبباً آخر. وکلاهما واجهه علی ابن موسى الرضا (علیه السلام) فالمجتمع الذی عاصره الامام کان على ثلاثة اصناف، والآن حان ذکرها وتأثیر الامامة علیها حتى صار مجتمعه یختلف عن المجتمعات السابقة بسبب تآکل المرض فیها وهی: 1- العلماء: تبدی لنا عظمة الامام واستحقاقه للامامة من کلمات التقدیر والثناء التی أطّره بها کبار علماء الامامیة، من المتحدثین، والمتکلمین، والمفسرین وبعضهم تلامیذه المشهورون کأبی الصلت الهروی واحمد بن محمد بن ابی نصر البیزنطی والحسن بن محبوب، بعد ان وجدوه بحراً لا یدرک غوره، وجبلاً شامخاً لا تهزه عواصف الاحداث، واراجیف المبطلین ویقف ابی الصلت الهروی ویقول: (ما رایت اعلم من علی ابن موسى الرضا(ع) ولا راه عالم الا وشهد له بمثل شهادتی ولقد حمل المأمون فی مجالس له ذوات عدد علماء الادیان، وفقهاء الشریعة فقلبهم عن آخرهم حتى ما بقی احد منهم الا اقرَّ له بالفضل واقر على نفسه بالقصور) وغیرها من الشهادات التی تثبت الحقیقة المارة آنفاً. 2- جمهور الناس: لما کانت اسرار الرسالة ومفاتیح کنوزها قد انتهت الى الامام الرضا غدت جموع الجماهیر تحف به وفی المقابل کان الامام(ع) یکن للناس کل الحب والعطف عندما تحف به الجماهیر، تتألف ملامحهُ بالبُشر والنور وتفیض عیناه بالوداع واللطف، کانت شخصیة ذات جاذبیة خاصة تجذب القلوب المؤمنة، والنفوس الطاهرة، کما یجذب شذى الازهار النحل اینما یرحل او یحل، ینظروه بوابل کلمات التقدیر والتبجیل، یتعطشون الى رؤیته تعطش لضمان الى الماء. عن ابی حبیب النّباجی قال: (جاءنی من اخبرنی بقدوم ابی الحسن الرضا(ع) من المدینة ورأیت الناس یسعون الیه)(5). وعبارة یسعون الیه تکشف لنا مدى شوق الناس للامام وشدة محبتهم له فکانوا یتبرکون به ویسألونه عن الحلال والحرام. روى شیخنا الکلینی فی الکافی بسنده عن الیسع بن حمزة قال: کنت فی مجلس ابی الحسن الرضا وقد اجتمع الیه خلق کثیر یسألونه عن الحلال والحرام. 3- الشعراء کانوا یتوافدون الیه وینضمون القوافی ویتفننون فی صوغ قوالب المعانی التی تشید بفضله ومنزلته، کان دعبل من ابرز شعرائه حتى انه جهر بعداءه للعباسیین، وابدى دعبل حبوره لبیعة المأمون للامام الرضا(ع) بولایة العهد فدخل علیه بمرو فقال لهُ: یا ابن رسول الله انی قد قلت فیکم قصیدة وآلیت على نفسی ان لا انشدها احداً قبلک، فقال(ع): هاتها فأنشد: مدارس آیات خلت من تلاوة * * * ومنزل وحی مقفر العرصات(6). من الشعراء ـ أیضاً ـ أبی نؤاس فارس الشعر فی زمانه فقد ادلى بدلوه، واظهر جواهر شعره، حتى شّنت علیه وعلى کل من مدح الامام، حرباً شعواء لا هوادة لها فحاولوا ان یسقطوهم من الألسن ولکن لم یعلموا ان لهم عروشاً فی القلب بسبب مدحهم وصدعهم بالحق. فان الامام کان له دور بارز فی صیانة الاسلام الاصیل التی وضعت اسسه واتضحت معالمه فی عصر الرسالة، الاسلام لیس بحاجة الى صیاغة جدیدة وانما بحاجة ماسة الى قراءة تجلی صورته الاصیلة وفق رؤیة واضحة خصوصاً بعد ظهور الفرق والمذاهب وهبوب ریاح التیارات الفکریة المنحرفة والمخالفة، فقد استطاع الامام ان یستثمر هذه الفترة من أجل المواجهة، فمثلاً؛ کان له حوارات مع اهل الادیان والملل المختلفة کما نقل الشیخ الصدوق فی کتاب التوحید(7)، بإبطال عقیدة النصارى واثبات نبوة النبی(صلى الله علیه واله) والرد على عقیدة الیهود والرد على المجوس والصائبة والزنادقة بل کانت له حوارات مع المسلمین حول العصمة والامامة والعترة ومکانة آل محمد وانهم اهل الذکر وبیان انهم المنصبون من الله تعالى وکذلک رفع الجهل عن العلم الالهی فی حدیثه عن البیداء وتصحیح المفاهیم کما فی الفصول المهمة وایجاد الحلول الشافیة کما فی کشف الغمة.کان للامام دور عظیم فی قیادة المجتمع. فسلام علیه یوم ولد ویوم استشهد ویوم یبعث حیاً. ــــــــــــــــــــــ
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,950 |
||