الإمام علی بن موسى الرضا(ع) رسالته التوحید | ||
الإمام علی بن موسى الرضا(ع) رسالته التوحید العلامة السید محمد حسین فضل الله
نحن عندما نبتعد عن الإمام الرضا(ع) بهذه القرون، نعمل على أن نعیش معه فی زیارتنا له عندما نسلّم علیه ونخاطبه ونتوسّل إلى الله تعالى أن یشفّعه فینا، ونعمل أیضاً على أن نزوره زیارةً من نوع آخر، زیارة إلى فکره، لأنَّ إمامته(ع) فی معناها الرسالیّ، تنفتح على ما أعطاه من فکر فی توضیح أحکام الإسلام ومفاهیمه وتأصیل قواعده وتحریک حرکته فی الواقع.. وهذا هو الذی یبقى لنا من عظمائنا عندما تغیب أجسادهم فی التراب وتبقى رسالاتهم کالشمس تضیء لنا فی کلِّ یومٍ روحاً من روح الله، ووحیاً من وحیه، وحرکةً فی أحکامه وشرائعه ومفاهیمه. ولهذا، لا بدَّ لنا مع الرسل والأنبیاء ومع کلِّ الأئمة(ع)، ألاَّ نستغرق فی شخصیاتهم دون رسالاتهم، وإن کانت شخصیاتهم لا تختلف عن رسالتهم، باعتبار أنهم یمثّلون التجسید للرسالة، وهم فقدوا الإحساس بأجسادهم وذواتهم وذابوا فی الرسالة. رسالة التوحید فی زمن الإمام الرضا(ع)، اختلف الناس فی أصول التوحید وخطوطه، بعد أن دخلت الآراء الفلسفیة إلى الواقع الإسلامی وتنوّعت المفاهیم، فیُوضح(ع) هذا المفهوم فی ما ینقله عنه محمد بن زید قال: "جئت إلى الرضا(ع) أسأله عن التوحید، فأملى علیَّ وکأنَّ الإمام(ع) أراد أن یسجّل ما یقوله لیبقى منهجاً للناس فی التوحید، کما یجب أن یتصوّره الناس ویعتقدوه، مما کان الإمام(ع) ینتزعه من القرآن انتزاعاً : "الحمد لله فاطر الأشیاء إنشاءً ـ فهو سبحانه الذی خلقها وأنشأها ـ ومبتدعها ابتداعاً بقدرته ـ فهی تمثّل سرَّ الخالق فی کلِّ ما أبدعه ـ وحکمته ـ لأنَّ الله تعالى عندما یخلق الأشیاء فإنَّه یخلقها بالحکمة لیضع عناصرها التی تمثّل خطوط وجودها فی موقعها، حیث تتکامل عناصر الخلق لتحقّق الهدف المراد منها ـ لا من شیءٍ سابق فیبطل الاختراع ـ لم یخلقها من شیءٍ سابق علیها فیبطل الاختراع، فالله تعالى یخترع (یخلق) المادة والصورة معاً، ولیس کمثل الذین یعملون على اختراع الصورة من خلال المادة والنماذج التی کانت سابقة على اختراعهم، فتکون اختراعاتهم نسخاً عن المثال، فالله عزَّ وجلّ یخلق المادة والصورة معاً، لأنَّه مخترع الأشیاء فی عناصرها کلِّها ـ ولا لعلّة ـ لسبب یسبقها ـ فلا یصحّ الابتداع، خلق ما شاء ـ فبمشیئته کان الخلق ـ کیف شاء ـ وبمشیئته کانت الصورة والتنوّع ـ متوحِّداً بذلک ـ فلیس له شریک فی ذلک کلِّه ـ لإظهار حکمته ـ من خلال طبیعة هذا التناسق والأسرار التی تتمثّل فی عناصر الأشیاء ومکوّناتها ـ وحقیقة ربوبیّته ـ لأنَّه هو الذی یربّی الأشیاء وینمّیها ویحرّکها کیف شاء ـ لا تضبطه العقول ـ لأنَّ العقول لا تملک الآلیة التی یمکن من خلالها أن تحصل على معرفته وعلمه المطلق، لأنَّه سبحانه هو المطلق الذی لا حدَّ له، ومهما کانت سعة تأملات العقل واتساع تجربته، فإنَّه لا یمکن أن یتصوّر المطلق، لأنَّ له حدوداً لا بدَّ أن یقف عندها ـ ولا تبلغه الأوهام ـ لأنَّ الأوهام التی تمثّل بعض منطقة الوعی الداخلیّ للإنسان، لا تملک الوسائل التی تستطیع بها أن تبلغ مقام ربِّها ـ ولا تدرکه الأبصار ـ لأنَّه لیس جسماً لیُرى، ولیس مادّةً تقع تحت إمکانیة الرؤیة ـ ولا یحیط به مقدار ، لأنَّه فوق المقدار الذی یمثّل المحدود، والله هو المطلق الذی لا حدَّ له فی أیِّ شیء، فکیف یمکن لمقدَّر أن یقدِّر ما لا یُحصى؟ ـ عجزت دونه العبارة ـ لأنَّ الکلمات تمثّل المعانی التی یمکن للإنسان أن یعبّر عنها، وهی الأمور التی یتصوّرها فی تأمّلاته، أو التی یعیشها فی تجاربه، والله سبحانه وتعالى فوق ذلک، فلا یمکن أن تحیط به العبارة ـ وکَّلت دونه الأبصار ـ سواء کانت أبصار العیون أو أبصار القلوب ـ وضلّ فیه تصاریف الصفات ـ فعندما یرید الإنسان أن یصرّف وینوّع فی صفات الله، فإنَّه سوف یدخل فی متاهات کثیرة، لأنَّه لا یستطیع تحدیدها بشکل دقیق ـ احتجب بغیر حجاب محجوب، واستتر بغیر سِتْرٍ مستور ـ والناس عندما یحتجبون عن بعضهم البعض، والأشیاء عندما تحجب عن بعضها البعض، فإنَّها تُحجب من خلال سِتْر وحجاب، أما الله سبحانه وتعالى فإنَّه یحتجب من غیر حجاب، وذلک من خلال طبیعة وجوده الذی لا یملک أحدٌ أن یتطلّع إلیه أو یراه ـ عُرف بغیر رؤیة ـ لأنَّه تعالى عُرِف بالعقل وبخلقه، على اعتبار أنَّ الخلق یدلُّ على الخالق ـ وُوصِف بغیر صورة ـ فنحن نصف الله بالخالق والرازق والقویّ والحکیم وما إلى ذلک، مما تدرکه عقولنا فی معنى صفة الله ـ ونُعِتَ بغیر جسم ـ لأنَّ الإنسان عندما ینعت(یصف) المرئیات، فإنَّه ینعتها من خلال ملامح الجسم الموجود، لکنَّ الله سبحانه یُنعت بغیر جسم ـ لا إله إلا هو الکبیر المتعال"(1). وفی بعض أحادیثه(ع) عن العباس بن هلال، قال: "سألت الرِّضا(ع) عن قول الله: {اللهُ نورُ السمواتِ والأرض} [النور:35] فما هو المقصود من النور؟ هل هو النور المادیّ کما هو نور الشمس مثلاً، أم هو النور المعنوی؟ إنَّ الإمام الرضا(ع) یرى بأنَّ المقصود من النور، هو النور الذی یضیء العقول والقلوب والأرواح والحیاة کلَّها، وهو هنا النور المعنوی فقال: "هادٍ لأهل السماء وهادٍ لأهل الأرض"(2)، أی أنَّه سبحانه وتعالى یضیء طریق الهدى فی عقولهم وحیاتهم وکلِّ شؤونهم وأوضاعهم، به یهتدون من خلال ما أودعه فی أسرار وجودهم، أو مما ألهم به عقولهم. وفی روایة (البرقی): "هدى لأهل السماء وهدى لأهل الأرض". وعن الحسن بن الوشاء عن أبی الحسن الرضا(ع) قال: "سألته، فقلت: الله فوّض الأمر إلى العباد؟ ـ أی هل أنَّ الله سبحانه وتعالى خلق الناس، وقال لهم إنّی فوّضتُ لکم شؤون حیاتکم ولا دخل لی بذلک، أی عزل نفسه تعالى عن التدخّل فی شؤون العباد؟ وهذه هی نظریة التفویض التی کانت موجودةً فی الواقع الفلسفیّ والکلامی آنذاک، قال: اللهُ أعزُّ من ذلک {فلله العزّة جمیعاً} [فاطر:20] ـ فعندما یعطی عباده الاختیار، فإنَّه یملک أن یضبطهم ویردعهم، حیث تبقى هیمنتُه على الأمر کلِّه من خلال ما أودعه فی الکون وفی حیاة الناس من سُنَن، ومن خلال قوّته التی تشمل کلَّ شیء ـ فجبرهم على المعاصی؟ ـ هل أنَّ الله یتدخّل فی شؤونهم بشکل مباشر، بحیث إنهم إذا عصوا، فإنَّهم یعصون على أساس أنهم مجبورون على المعصیة، لأنَّه لا حریة لهم ولا اختیار فی ذلک، لأنّ الله سبحانه هو المسیطر على الأمر کلِّه ـ قال: الله أعدل وأحکم من ذلک ـ فالله تعالى لا یمکن أن یجبر الناس على المعاصی ویعاقبهم على ذلک، لأنَّ الحکیم المطلق لا یفعل ذلک ـ ثم قال: قال الله تعالى: یابن آدم، أنا أولى بحسناتک ـ لأنَّ حسناتک انطلقت من العناصر الإیجابیّة التی أودعتُها فی وجودک، فلقد أعطیتک العقل الذی تدرک به الحسن من القبیح، کما وتدرک به نتائج الأفعال السلبیّة والإیجابیّة، وقد أعطیتک الحواس التی تستطیع أن تحصل من خلالها على مفردات المعرفة کلِّها، وقد أوحیت إلیک بالوحی الذی یعرّفک ما لا یستطیع أن یدرکه عقلک وحسُّک، وقد أعطیتک الوسائل التی تدرک بها وتطیع، فأنا أولى بحسناتک منک، فهی وإن انطلقت من إرادتک، لکن ما حقّق لک هذه الإرادة، ما هو من فضل ربِّک الذی دعاک وشجّعک وألهمک وأعطاک الوسائل فی تحقیق ذلک ـ وأنت أولى بسیئاتک منی، عملت المعاصی بقوّتی التی جعلت فیک"(3)، لأنّی عندما أعطیتک القوّة والإرادة، حذّرتک من السیئات، وأوحیت إلیک بالوسائل المعنویّة والمادیّة التی تبتعد بها عن السیئات، ولکنَّ سوء الاختیار هو الذی جعلک تعمل هذه السیئات. وعن عبد العزیز بن مسلم قال: "سألت الرّضا(ع) عن قول الله عزَّ وجلّ، {نَسُوا اللهَ فنسیَهُم} [التوبة:67]، فقال(ع): "إنَّ الله لا ینسى ولا یسهو، وإنَّما ینسى ویسهو المخلوق المحدَث، ألا تسمعه عزَّ وجلّ یقول: {وما کان ربُّک نسِیّاً} [مریم:64]، فالنسیان هو غیبوبة الشخص عن الوجدان والوعی ـ وإنَّما یجازی من نسیه ونسی لقاءَ یومه بأن ینسیهم أنفسهم ـ ونسیهم یعنی أهملهم، أی جازاهم على نسیانهم له من خلال نسیانهم لمسؤولیاتهم ومقام ربِّهم، فتعامل معهم کتعاملهم مع بعضهم البعض عندما ینسى أحدُهم الآخر، وذلک بأن یهمله ولا یعتنی به ـ کما قال الله عزَّ وجلّ: {وَلا تکونوا کالذین نسوا اللهَ فأنساهُم أنفسَهُم أولئک هُمُ الفاسقون} [الحشر:19] فالإنسان عندما ینسى مسؤولیاته، یکون قد نسی ربه ونسیَ مصلحته وقال تعالى: {فالیوم ننساهُم کما نسوا لقاءَ یومهم هذا}(4) [الأعراف:51]"، أی فترکهم کما ترکوا الاستعداد للقاء یومهم. فالنسیان عندما یُنسب إلى الله فی هذا المجال فهو یعنی الإهمال لهم. وعن الحسن بن علیّ بن فضّال قال: "سألت الرضا(ع) عن قول الله عزَّ وجلّ: {کلاّ إنَّهُم عن ربِّهم یومئذٍ لمحجوبون} [المطففین:15] وهذا مما ینافی العقیدة، إذ کیف یمکن أن یکون هناک شیءٌ محجوبٌ عن الله، فبحسب المعنى المطابقی أو اللغوی للکلمة، فإنَّ هؤلاء محجوبون عن الله سبحانه وتعالى، أی لم یعد یراهم فقال(ع): "إنَّ الله تعالى لا یوصَف بمکانٍ یحلّ فیه فیحجب عنه فیه عباده، ولکنه یعنی أنهم عن ثواب ربِّهم محجوبون" ـ أی محجوبون عن رحمة الله ولطفه وأجره ـ قال: وسألته عن قول الله عزَّ وجلّ: {وجاء ربُّک والمَلَکُ صفّاً صفّاً} [الفجر:22] فقال: "إنَّ الله لا یُوصَفُ بالمجیء والذهاب، تعالى عن الانتقال ـ فالذی ینتقل من مکانٍ إلى آخر هو الجسم، والله تعالى لیس بجسم ـ إنَّما یعنی بذلک: وجاء أمرُ ربِّک والمَلَکُ صفّاً صفّاً"(5)، لأنَّ الله یتمثّل فی یوم القیامة بمواقع قوّته، فکأنّه یهیمن علیها من خلال أمره وعظمته وهیمنته. تجدّد القرآن کان القرآن الکریم هو الأساس فی منهج أهل البیت(ع)، وتأتی السّنّة فی خطه: {ما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا} [الحشر:7]، والقرآن هو الذی یؤصِّل لنا مفاهیم السُّنّة، ومن هنا، فإنَّ الحدیث عندما یأتینا، فإننا یجب أن نعرضه على القرآن، فما وافق کتاب الله نأخذ به، وما خالفه ندعه.. وفی هذا یقول الإمام الرِّضا(ع) فی ما ینقل بعض أصحابه، وهو (الریان بن الصلت)، قال: "قلت للرضا(ع): ما تقول فی القرآن؟ فقال: کلام الله فلا تتجاوزوه ـ أی قفوا عنده وادرسوه وتدبّروه وخذوا منه مفاهیم الفکر فی العقل، وخذوا منه خطوط الحرکة فی الواقع، ومناهج الحرکة فی ما تتحرّکون به فی هذا العلم أو ذاک ـ لا تطلبوا الهدى فی غیره فتضلّوا"(6)، فهو الهدى والنور، وإذا انفتحتم علیه وعرفتم کلَّ معانیه، فإنَّکم سوف تعرفون الهدى مشرقاً منیراً مضیئاً، أما إذا تجاوزتموه إلى غیره، فقد ترون ظلماتٍ بعضها فوق بعض. ویقودنا الإمام الرضا(ع)، کما یقودنا الأئمة من أهل البیت(ع) فی کلِّ أحادیثهم إلى القرآن الکریم. وقد جاء فی حدیث أحد أصحابه أنه قال: "سمعت إبراهیم بن العباس یحدّث عن الرضا عن أبیه موسى بن جعفر، أنَّ رجلاً سأل أبا عبد الله: ما بال القران لا یزداد عند النشر والدراسة إلا غضاضةً؟ ـ أی إلاَّ جِدَةً، فهو قد نزل قبل عشرات القرون، ونحن نقرأه بعد کلِّ هذه القرون، فما بالُنا، وهو کتابٌ قدیمٌ استهلک الناس قراءته ودراسته، فما بالُنا نشعر أننا عندما ندرسه، فکأننا ندرس شیئاً جدیداً علینا لم نقرأه من قبل ـ فقال(ع): لأنَّ الله لم یُنزله لزمان دون زمان ـ ذلک أنَّ القرآن هو کتاب الله الذی یعیش مع الزمن کلِّه، ومن هنا، فقد اختزن القرآن بإیحاءات معانیه وفی الآفاق التی یمکن أن ینفتح ویطل علیها، ما یمکن له أن یخاطب أهلَ کلِّ جیلٍ بقضایاهم ومشاکلهم ـ لأنَّ الله لم ینزله لزمانٍ دون زمان ولا لناسٍ دون ناس ـ فقد خاطب الناس کلَّهم: {یا أیُّها النّاس اتقوا ربّکم} [الحج:1]، {یا أیّها الناسُ إنَّا خلقناکم من ذکرٍ وأنثى} [الحجرات:13]، وخاطب المؤمنین فی کلِّ زمانٍ ومکان: {یا أیُّها الذین آمنوا}، لم یخاطب الناس فی زمنه، ولم یخاطب المؤمنین فی زمنه ـ فهو فی کلِّ زمانٍ جدید، وعند کلِّ قومٍ غضّ حیویّ إلى یوم القیامة"(7). ومن خلال ذلک، لا بدَّ عندما نقرأ القرآن وندرسه، أن نستوحیه فی کلِّ ما یستجدُّ فی حیاتنا، لنقف عند آفاقه حتى تنفتح على آفاقنا، فلا نقرأ القرآن فی الأحداث التی عاشت فی عهد الرسالة الأولى وحسب، بل نقرأه من خلال تلک الأحداث على أساس أن تکون هذه الأحداث أحداث الحیاة ولیست أحداث زمنٍ معیّن أو موقع معیّن. وبهذا نستطیع أن نتحرّک بالقرآن وأن یحرّکنا القرآن، وأن نحرّک القران فی کلِّ واقعنا. إنّـا له لحافظون قال علیّ بن محمّد بن موسى الرازیّ: حدّثنی أبی قال: ذکر الرضا(ع) یوماً القرآن فعظّم الحجة فیه ـ یعنی ما احتجّ الله به على عباده فی کلِّ ما لله فیه الحجة {فلله الحجّة} [الأنعام:149] على جمیع خلقه، واحتجَّ به على الکافرین والمشرکین والمنافقین ـ والآیة والمعجزة فی نظمه ـ یعنی فی أسلوبه ـ وقال: هو حبل الله المتین وعروته الوثقى وطریقته المثلى المؤدی إلى الجنّة ـ باعتبار أنَّ من أخذ به استطاع أن یکتشف طریق الجنّة فی کلِّ ما یخطّطه القرآن للإنسان ـ والمُنجی من النار لا یَخْلَق ـ یعنی لا یبلى ـ على الأزمنة، ولا یفت على الألسنة، لأنَّه لم یُجعل لزمانٍ دون زمان، بل جُعِل دلیلَ البرهان والحجّة على کلِّ لسان: {لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه} [فصّلت:42] ـ وهذه الکلمة تشیر إلى أنَّ القرآن لا یمکن أن یُنسب إلیه التحریف، سواء من حیث الزیادة أو من حیث النقصان. وعلى هذا الأساس، فما یُنسَب إلى شیعة أهل البیت(ع) بأنَّهم یرون تحریف القرآن، فإنَّ ذلک مما یکذّبه حدیث أئمتهم(ع) ـ {لا یأتیه الباطلُ من بین یدیه ولا من خلفه تنزیلٌ من حکیم حمید} [فصّلت:42]، وهکذا نرى کیف یعظّم أهل البیت(ع) القرآن، وکیف یریدون من الناس جمیعاً أن یکون النورَ الذی یُشرق فی عقولهم، والهدى الذی یتمثّل أمام عیونهم، والمنهج الذی ینتهجونه فی کلِّ ما یریدون الوصولَ إلیه، والطریق المستقیم الذی یقود إلى الجنّة وینجی من النّار. وهذا هو الذی یفرض على المسلمین، ولا سیّما أتباع الأئمة من أهل البیت(ع)، أن تکون الدراسات القرآنیة فی موقع القلب فی الدراسات الإسلامیة، فی عملیة فهم وتدبّر واستنطاق لمفاهیمه من خلال ظواهره، على أساس القواعد الثابتة لفهم النص فی اللغة العربیة فی تنوعاتها البلاغیة، وأن لا یُسمح لأصحاب الاتجاهات الفکریة والمذهبیة الخاصة فی أیّ شأن من الشؤون الثقافیة أن یفرضوا أفکارهم ومذهبیّاتهم على القرآن فی عملیة تأویل یخرج به النص عن القاعدة الظهوریة فی فهمه أو فی الاستناد إلى بعض الروایات غیر الموثوقة سنداً أو متناً مما وضعه الواضعون، فإن مسألة القرآن من أخطر المسائل فی العقیدة الإسلامیة وفی التشریع الإسلامی، فلا یجوز لأی شخص أن یلعب فیه بالوسائل المنحرفة عن القاعدة الأصیلة. وسوف تسقط کل تلک التجارب أمام النور القرآنی الذی یضیء غیره ولا یحتاج إلى شیء یضیء معانیه. المصادر: (1)الکافی، ج:1، ص:157. (2)المصدر نفسه، ج:1، ص:167. (3)الکافی، ج:1، ص:308. (4)عیون أخبار الرضا، الدوق، ج:1، ص:135. (5)الکافی، ج:1، ص:135. (6)مسند الإمام الرضا ـ للشیخ العطاردی، ج:1، ص:307. (7)المصدر السابق، ج:1، ص:308.
سوتیتر: کان القرآن الکریم هو الأساس فی منهج أهل البیت(ع)، وتأتی السّنّة فی خطه: {ما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا} [الحشر:7]، والقرآن هو الذی یؤصِّل لنا مفاهیم السُّنّة. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,700 |
||