خصائص وعبر من کربلاء.. قراءة فی خطاب السید القائد | ||
![]() | ||
خصائص وعبر من کربلاء.. قراءة فی خطاب السید القائد
شکلت حادثة کربلاء على امتداد التاریخ منبعاً لا ینضب لکل أحرار ومستضعفی العالم تجاه الظلم والظالمین. وقد طبعت هذه الواقعة حیاة الشیعة عامة کما شکلت الواجهة الأساس التی کان یراهم الأعداء من خلالها طیلة قرون متمادیة. وقد شاء الله تعالى لهذه الواقعة أن تخلد وأن تخرج عن کونها حادثة وقعت فی التاریخ الى أن تصبح من مکونات التاریخ وصانعةً له ومؤثرة فی صنع المستقبل. وکان من أبرز من تفاعلت روحه وفکره بثورة کربلاء العظیمة الإمام الخمینی (قدس سره) وتلامیذه المبارکین وعلى رأسهم ولی أمر المسلمین السید القائد الخامنئی (دام ظله). وقد تمیز فکرهما وخطابهما بالتلاقی الفعلی والفعّال مع حرکة هذین العظیمین، بحیث لیس من المبالغة أبداً القول إن أهم الطرق لفهم کربلاء ومضامینها یکمن فی کربلاء. وسیتضح لنا کم هو مهم ما لاحظاه وکم هی مهمة قراءتهما لکربلاء وفهمهما لها وتطبیقهما لذلک فی حیاتهما. فإن الفکر الحرکی إذا ما قورن بالحرکة والتجربة یکون أصوب وأنضج، ویکون صاحب تلک الحرکة من أقدر الناس على قراءة کربلاء وفهمها. ولهذا لم یکن عبثاً السعی لاستخلاص المضامین الفکریة لحرکة الإمام الحسین(ع) من خلال ما قالاه. وسنحاول فی هذا البحث الإشارة قدر الإمکان إلى نصوص وردت عن هذین العظیمین وعناوین مستقاة من منهلهما العذب محاولین منهجتها وتقدیم بعض الشروحات لها ولو بشکل مختصر.
دور القائد من عبر کربلاء أنها دلّت على مدى الحاجة للقائد الملهم فی حرکتها وفی قیامها بالمهام المطلوبة منه. وقد رکّز السید القائد الخامنئی (حفظه الله) على أهمیة دور القائد من حیث کونه الأقدر على تشخیص الواقع الفعلی وبالتالی الأقدر على اتخاذ الموقف المطلوب فی تلک المرحلة من خلال الترتیب الصحیح والدقیق للأولویات. وفی هذا المجال نراه یقول: (إن الحسین بن علی(ع) قد شخّص فی وقت حسّاس جداً من تاریخ الإسلام الوظیفة الرئیسة من بین وظائف متنوعة ومتفاوتة من حیث الأهمیة، ولم یخطىء أو یشتبه فی معرفة ما کان العالم الإسلامی محتاجاً إلیه فی ذلک الیوم. ولقد کان تشخیص الوظیفة الأصلیة دائماً أحد نقاط الخلل والضعف فی حیاة المسلمین على مر العصور) أهمیة التشخیص الدقیق للأولویات ویؤکد السید القائد الخامنئی على أهمیة هذا التشخیص، فیقول: (الخلل فی تشخیص الوظیفة الأصلیة یعنی أن أفراد الأمة والقادة ووجهاء العالم الإسلامی یخطئون فی ذلک التشخیص فی لحظة من الزمن فلا یعرفون ما علیهم أن یفعلوا أو أن یقدموا وماذا علیهم أن یترکوا أو یؤخروا) (لقد کان من بین رموز المسلمین فی ذلک الوقت أشخاص مؤمنون یریدون العمل بالتکلیف، لکنهم لم یدرکوا ما هو التکلیف الرئیسی ولم یشخّصوا أوضاع ذلک الزمان ولم یعرفوا العدو الرئیسی، فخلطوا بین المهمة الأساسیة المحوریة والمهام المتأخرة عنها(. إن وضوح الرؤیة تجاه الأولویات سیدفع بکل إصرار نحو العمل لتنفیذها من غیر تعلل أو تسامح فی شأنها أو تحجج بالانشغال بأمور أخرى أقل أهمیة. وفی هذا المجال یقول السید القائد الخامنئی: (هناک أشخاص ربما کانت لدیهم انشغالاتهم واهتماماتهم کالتدریس والتألیف والوعظ والإرشاد.. وهؤلاء یعتقدون أن الانشغال بالصراع سیلهیهم عن هذه الأمور فکانوا یترکون الجهاد على أهمیته حتى لا تتوقف تلک الأعمال(. (من البدیهی أن الحسین بن علی (ع) بتوجهه إلى العراق سوف یحرم من البقاء فی المدینة ومن تبلیغ الأحکام للأمة وبیان معارف أهل البیت (ع) وإرشاد المسلمین، کما سیحرم من تقدیم العون للفقراء والأیتام وهی أمور کان ینشغل بها الإمام الحسین (ع) قبل کربلاء لکنه جعلها جمیعاً فداءً للوظیفة الأکثر أهمیة حتى أنه ضحّى بحج بیت الله الحرام فی سبیل التکلیف الأهم.( (وقف الإمام الحسین (ع) فی وجه نظام الحکم ولما تبرز المشاکل بعد، وبعد ذلک بدأت المشاکل تتوالى کالاضطرار إلى الخروج من مکة وغیرها. ومن الأمور التی تمنع الانسان من الاستمرار فی المواقف الکبرى التمسک بالأعذار الشرعیة وقد کانت فی طریق الإمام الحسین (ع) کثیرة أوّلها إعراض أهل الکوفة ومقتل مسلم فإن هذا الحدث کان یقتضی فی الظاهر أن یقرّر الإمام الحسین (ع) کونه عذراً شرعیاً، وأنّ التکلیف سقط، فعلیه المبایعة بسبب الاضطرار أو لأنه من غیر الممکن أداء التکلیف فی ظل هذه الأوضاع والأحوال، فإن الناس لن تتحمل ذلک. کما کان بمقدور الإمام الحسین (ع) لو أراد أن یعمل بهذا المنطق أن یقول: إن هؤلاء النسوة والأطفال لا طاقة لهم على تحمل هذه الصحراء المحرقة، کما کان یمکنه أن یقرّر یوم عاشوراء التوقف(. (لو أراد الإمام الحسین (ع) أن یعمل کمتشرّع عادی ویدع عظمة رسالته فی عالم النسیان کان یمکن أن ینسحب عند کل خطوة ویعلن عن سقوط التکلیف، فإن الضرورات تبیح المحظورات ولکن الإمام الحسین (ع) لم یفعل ذلک وهذه استقامة وثبات الحسین (ع). فالامام الحسین (ع) بمجرد أن سنحت له الفرصة للقیام بعمل عظیم استغلّ تلک الفرصة وذهب إلیها ولم یدعها تفلت من یده(. غربة الإمام الحسین (ع( ومن الأمور الملفتة فی حرکة الإمام (ع) غربته فی مجتمعه، فی مجتمع المدینة، فلم یکن أحد یفهم ما یرید أو یستجیب لما یرید، إلاّ القلّة القلیلة التی ناصرته، حتى بعض أعلام هذه الأمة کانت فی وادٍ غیر الوادی الذی کان فیه الإمام (ع). والجهاد فی الغربة من أصعب أنواع الجهاد. وقد نبّه السید القائد إلى هذه الالتفاتة المهمة إذ قال: (ویتحلى (أی جهاد الغربة) بخروج الإنسان إلى ساحة المعرکة والمجتمع من حوله ما بین منکر علیه وغافل عنه ومعادٍ له، حتى أن الذین یمیلون إلیه یسکتون حتى عن ابداء التشجیع لمسیرته.. الغالبیة أعداء له. والجمیع معرِضٌ بوجهه عنه حتى المؤمنین، بل ان الإمام (ع) طلب من بعضهم النصرة فلم یجد ذلک البعض، إلاّ أن عرض على الإمام (ع) تقدیم الجواد.. إنه الجهاد فی الغربة، جهاد یفقد فیه الإمام (ع) أعزّ أعزّائه أمام ناظریه من بنیه وبنی إخوته وأخواته وأعمامه.. کل ذلک مع علمه (ع) بأنه بمجرد استشهاده ستُسبى عیاله وما سیجری علیهنّ. کل ذلک کان یعلم به الإمام إضافة إلى عطشه وعطش من معه من عیاله.( (مثل هذا العظیم الطاهر الذی تتسابق ملائکة السماء لمشاهدة نور وجهه والتبرّک به ویأمل الأنبیاء والأولیاء لو أن لهم مقامه، مثل هذا العظیم یستشهد فی هکذا جهاد وفی هکذا محنة.( نظرة فی أهداف الإمام الحسین (ع( لقد تحدث العَلَمان عن أهداف الإمام (ع) وذکرا مجموعة من الأهداف بعضها یندرج فی إطار المشروع العام للإمامة، وبعضها یعتبر من خصائص حرکة الإمام الحسین (ع) التی أصرّ علیها وإن أدّت إلى استشهاده. وفی الإشارة إلى بعض الأهداف من القسم الأول نرى الإمام الخمینی یقول: (السلام على الحسین بن علی الذی نهض مع قلّة الناصر لیقوّض أسس الخلافة الظالمة الغاصبة دون أن تحمله قلّة العدد والعدة على مهادنة الظالم، وجعل من کربلاء مذبحاً له ولأولاده وأصحابه القلّة، وأوصل صرخته الخالدة «هیهات منّا الذلّة» لمسامع طلاّب الحق فی العالم کله.( ویذکر هدفاً آخر یقول: (تحرّک (ع) لیستلم زمام الحکم، وهذا مبعث فخر له، والذین یتصورون أن سیّد الشهداء لم ینهض لأخذ زمام الحکم فهم مخطئون، فسید الشهداء (ع) إنما جاء وخرج مع صحبه لتسلّم الحکم لأن الحکومة یجب أن تکون لأمثال سید الشهداء (ع).. لکن لیس من باب طلب الرئاسة، فلم تکن القضیة قضیة سیطرة أو تحکّم، فالحکم کله لیس له أی قیمة بنظرهم.( ولمثله أشار السید القائد الخامنئی بقوله: (فهو لم یکن یهدف إلى السلطة من حیث هی شأن دنیوی. وقد روی عن الإمام الحسین (ع) أنه قال: اللهم إنک تعلم أنّ الذی کان منّا لم یکن منافسة فی سلطان ولا التماس شیء من الحطام(.. ثم یشیر الإمام الخمینی (قده) إلى الهدف الأساس الذی اختصّ به الإمام الحسین (ع)، فیقول: (إن الذی صان الإسلام وأبقاه حیاً حتى وصل إلینا هو الإمام الحسین (ع) الذی ضحّى بکل ما یملک وقدّم الغالی والنفیس وضحّى بالشباب والأصحاب من أهله وأنصاره فی سبیل الله ونهض من أجل رفعة الإسلام ومعارضة الظلم.( (أوشکت حکومة یزید وجلاوزته أن تمحو الإسلام وتضیّع جهود النبی (ص) المضنیة وجهود مسلمی صدر الإسلام ودماء الشهداء وتلقی بها فی زاویة النسیان.( وهذا المعنى قد عبّر عنه السید القائد الخامنئی بطریقة أخرى إذ قال: (لم تکن واقعة الطفوف استنقاذاً لحیاة شعب أو حیاة أمّة فحسب بل کانت استنقاذاً لتاریخ بأکمله، وهذا ما فعله الإمام الحسین (ع) وأخته زینب وأهل بیته وأصحابه بموقفهم البطولی.( ویؤکد السید القائد الخامنئی على هذا الهدف الجوهری بقوله: (شخص کالحسین (ع) وهو تجسید لکل القیم الإلهیة والإنسانیة ینهض بالثورة حتى یقف بوجه استشراء الانحطاط الذی أخذ یتفشّى فی أوصال المجتمع وأوشک أن یأتی على کل شیء فیه).(أحیى الحسین جدّه (ص) وهو معنى قول النبی (ص): وأنا من حسین.( الخواص والمعارضة تکمن أهمیة الخواص فی أنّ لهم الدور الکبیر فی تثبیت الجماعة على الخط الصحیح، کما أنّ لهم التأثیر الخطیر فی انحراف الناس، وعلى الأقل فی اضطرابهم وزعزعة أفکارهم، وتقدیم النموذج للتبریر والتخلّف عن العمل بالتکلیف الشرعی، وإن کان هذا التأثیر سیبقى مقتصراً على ضعاف الإیمان والبصیرة، وهذه مشکلة کانت بارزة فی المجتمع المسلم، بل فی أی مجتمع عموماً فی کل العصور حتى عصرنا الحاضر، ومن المهم جداً النظر إلى خطورة هذه القضیة فی عصر الإمام الحسین (ع). وقد اعتنى السید القائد الخامنئی بهذه القضیة عنایة بارزة، وإلیکم جملة مما قاله فی هذا الموضوع: (إذا نظرتم إلى المجتمع البشری، أی مجتمع کان تجدون الناس فی فئتین: فئة تسیر عن فهم ووعی وإرادة وتعرف طریقها، سواء کانت مصیبة فی اختیارها أم لا، وهذه فئة الخواص. وفئة لا تفکّر فیما هو الطریق الصحیح ولا یهمها أن تحلّل لتعرف بل تتبع الجو السائد والهوى العام، وهذه هی فئة العوام) (وقد یکون بین الخواص أناسٌ غیر متعلمین لکنهم یفهمون ما ینبغی فعله ویخططون ویتفهمون الأمور ویسیرون بوعی وإرادة، وقد یکون من العوام أناسٌ متعلمون( و(ینقسم الخواص إلى فریقین: خواص فریق الحق، وخواص فریق الباطل). (الخواص المتابعین للباطل لا تتوقعوا منهم سوى التآمر ضد الحق وضدکم، وهذا ما یفرض علیکم محاربته). (علیکم العثور على ذاتکم فی هذا المشهد الذی أتحدّث عنه فی صدر الإسلام. بعض الناس من طبقة العوام، فإذا صادف أن کانوا فی زمن یتصدّى لزمام الأمور فیه إمام کأمیر المؤمنین (ع) أو الإمام الخمینی (قده) ویسیر بهم إلى الجنّة فخیرٌ على خیر، هؤلاء یسوقهم الصالحون، لکن إذا صادف أن عاشوا فی زمن من یصفهم القرآن بقوله: {وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یَدْعُونَ إِلَى النَّار}أو {أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوار * جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرار}، فسیکون مصیرهم النار(. (إذا ضلّ الخواص دخلوا فی خانة (المغضوب علیهم) والعوام فی فئة (الضالین( (لن تنتهی المشکلة فی أن نکون من خواص أهل الحق، بل هنا مشکلة جدیدة لأن خواص أهل الحق فریقان: فریق تغلّب فی الصراع مع مغریات الدنیا من الجاه والشهوة والمال واللذة والرفاه والسمعة، وفریق خسر الصراع). (إذا أصبح الخواص المناصرون للحق یخافون على حیاتهم وأموالهم ومناصبهم حینها لن ینصروا الحق ولن یضحّوا بأنفسهم). (لاحظوا مدى الضرر الناجم عن وجود هؤلاء الخواص فی المجتمع، الخواص الذین یرجّحون الدنیا على مصیر العالم الإسلامی لقرون مقبلة. جمیع الخواص من أنصار الحق لم یکونوا إلى جانب الحکومة.. لکنهم حینما أحسّوا ببطش السلطة الحاکمة تخاذلوا رغبةً فی الحفاظ على أنفسهم وأموالهم ومناصبهم، ونتیجة تخاذل هؤلاء مالَ عوام الناس إلى جانب الباطل). (لو نظرنا إلى أسماء أهل الکوفة الذین کاتبوا الإمام الحسین (ع) لوجدناهم کلّهم من طبقة الخواص، لکن لما کان غالبهم یمیل إلى التضحیة بالدین من أجل الدنیا آلت النتیجة إلى مقتل مسلم بن عقیل، معنى هذا أن حرکة الخواص تجلب فی أعقابها حرکة العوام). ومن خلال نظرة إلى ما جرى فی الکوفة مع مسلم وفی کربلاء یحلّل السید القائد فیقول: (أرى أنّ ذلک یعزى إلى الخواص من أنصار الحق الذین سلک بعضهم مسلکاً اتّسم بغایة التخاذل، من أمثال شریح القاضی الذی لم یکن من بنی أمیة وکان یعرف حقیقة الأوضاع). (قد تؤدی حرکة ما إلى تبدیل وجه التاریخ، وقد تؤدی حرکة أخرى مغلوطة إلى جعل التاریخ یتمرّغ فی مهاوی الضیاع، وهذا هو دور الخواص الذین یفضّلون الدنیا على الدین). (لو أنّ شخصاً کشبث بن ربعی خشی الله فی لحظة مصیریة بدلاً من خشیة ابن زیاد لتبدّل وجه التاریخ، لکنّهم انجرّوا لتثبیط الناس فتفرّق العوام). (أینما تذهبون تُصدمون بموقف الخواص، ومن الواضح أنّ قرار الخواص فی الوقت المناسب ورؤیتهم الصائبة فی الوقت المناسب وإعراضهم عن الدنیا فی اللحظات المناسبة وموقفهم فی سبیل الله فی الفرصة المؤاتیة، هو الذی سینقذ التاریخ ویصون القیم). (ولتغیّر وجه التاریخ ولما سیق الحسین بن علی (ع) إلى میدان کربلاء). (إنّ العوام یتّبعون الخواص ویسیرون وراءهم، ولذا فإن أکبر جریمة ترتکبها الشخصیّات الواعیة المتمیزة فی المجتمع هو انحرافها لأنه یؤدی إلى انحراف کثیر من الناس). | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,730 |
||