عاشوراء لکل العصور | ||
عاشوراء لکل العصور
دراسة تحلیلة قیمة حول النهضة الحسینیة المبارکة و آثارها و نتائجها على الامة الاسلامیة فی الماضی و الحاضر ، هذه الدراسة للمستبصر و الباحث الاسلامی المستبصر الدکتور أبو حیدر من شمال أفریقیا . و من هنا کان یُطرح دوما و فی کل موسم لعاشور ـ کتبیان لأهمیة ثورة کربلاء و دورها الرائد ـ شعار أن الإسلام " محمدی الوجود حسینی البقاء " نظرا لأهمیة الدور الذی قام به الحسین ( علیه السَّلام ) من خلال ثورته ، فقد استطاع هذا الإمام أن یعید تصویب المسار ، بعد أن بدأ الانحراف السریع نتیجة لإبعاد الإسلام عن ساحة الحیاة ، أو على الأقل بتحویله إلى شکل و رسم بلا مضمون ، و هذه الصورة عبر عنها الحسین ( علیه السَّلام ) آنذاک عندما قال : " ألا و إن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشیطان و ترکوا طاعة الرحمان ، و احلوا حرام الله و حرموا حلاله و استأثروا بالفئ و عطلوا الحدود و أنا أحق من غیر " الحرکة الحسینیة لم تکن انتحاریة : یصف بعض الباحثین ثورة الإمام الحسین بأنها مأساة إنسانیة مروعة ، و یرى آخرون أنها أشبه بعملیة انتحاریة لم تبلغ أهدافها بل أسفرت عن نتائج مأساویة مؤلمة ، لا تزال علامة فارقة فی جبین الإنسانیة و لطخة عار فی تاریخها . بید أن هذا التحلیل یبدو سطحیا و ساذجا و هو مبتنی على رؤیة قاصرة لأهداف الثورة و مقاصدها و نتائجها ، و یؤسفنی أن بعض علماء المسلمین لم یوفقوا لإدراک أبعاد تلک الثورة و بلیغ دروسها و عظیم عطائها و کانوا أقصر نظرا من الزعیم الهندی الشهیر غاندی القائل : " تعلمت من الحسین کیف أکون مظلوما فأنتصر " 1 ـ حیث نجد بعد عام من ثورة الحسین ( علیه السَّلام ) أن المدینة تثور على یزید ، و تطرد والیه و جمیع الأمویین . 2 ـ و فی السنة الثانیة تثور مکة المکرمة أیضا على یزید الطاغیة . 3 ـ و یصبح حکم الأمویین مهددا بالسقوط بعد موت یزید ، و نمو و تطور حرکة عبد الله بن الزبیر ، و المختار بن عبیدة الثقفی . 4 ـ و بعد ذلک أخذت الثورات تتوالى حیث ظهرت ثورة التوابین و التی تعتبر أثرا مباشرا لثورة الحسین ( علیه السَّلام ) حیث کانت شعاراتهم یا لثارات الحسین ، و لم تهدأ هذه الثورة حتى تکون ثورة المختار و الذی قام من أجل الثأر لدماء الحسین ( علیه السَّلام ) و یتمکن المختار من عمل عسکری مهم و عمل سیاسی أهم ، أما العمل العسکری فهو القضاء على الجیش الأموی و قتل عبید الله بن زیاد الذی کان یقود هذا الجیش ، و العمل السیاسی هو تصفیة الکوفة من جمیع قتلة الحسین ( علیه السَّلام ) و من أنصار الأمویین . و قد استمر هذا التحرک و الرفض فی الأمة حتى تمت الإطاحة بالحکم الأموی بعد عدة عقود من الزمن . هذا من جهة . و من جهة أخرى فإن الحسین ( علیه السَّلام ) أصبح مثلا أعلى لکل الثوار و المناضلین من أجل التحرر و الإنعتاق من نیر الظالمین و المستبدین . و عندما یغدو المرء ملهما للثوار فهذا دلیل انتصار لا هزیمة ، و عندما تزلزل دماءه الزکیة عروش الظالمین فهذا دلیل نصر مؤزر لا مأساة مروعة . . و لکن السؤال هنا : ما هی النقاط و الوسائل التی أکد علیها الإمام فی نهضته و کان لها الدور و التأثیر البالغ فی ضمیر الأمة و إرادتها ، ثم کان لها هذا التأثیر البالغ فی جمیع الأجیال و العصور ؟ فی معرض الجواب على هذا السؤال یجدر بنا أولا أن نعالج العناوین التالیة : 1 ـ دراسة دوافع الثورة الحسینیة و أسباب هذه الحرکة التی قام بها الإمام الحسین ( علیه السَّلام ) . 2 ـ الجواب على السؤال الذی لازال موجودا فی کثیر من أذهان الدارسین و الباحثین عن ثورة الحسین ( علیه السَّلام ) ، هذا السؤال هو : لماذا لم یکن هدف الحسین ( علیه السَّلام ) هو الوصول إلى السلطة . ثم الأهم من ذلک ، لماذا لم یتحقق للحسین ( علیه السَّلام ) أن یصل إلى تغییر الحکم و الإطاحة بنظام یزید بن معاویة ؟ و بصدد الجواب على هذا السؤال نفسه ، لا بُدَّ لنا من : 1 ـ أن نتعرف على الشروط الأساسیة العامة التی یجب أن تتوفر فی الثورة الناجحة . 2 ـ الفحص على وجود هذه الشروط الأساسیة و توفرها فی ثورة الحسین ( علیه السَّلام ) أو عدم توفرها . 3 ـ إذا وجدناها متوفرة فی ثورة الحسین ( علیه السَّلام ) ، یطرح السؤال نفسه مرة أخرى و هو : لماذا لم تتمکن ثورة الحسین ( علیه السَّلام ) من أن تحقق هدف الإطاحة بحکم یزید ، على الرغم من أنها کانت تستجمع الشروط التی لا بُدَّ لکل ثورة ناجحة أن تستجمعها ؟ دوافع الثورة الحسینیة : التفسیرات التی تطرح عادة فی تبیین دوافع الحرکة الحسینیة یمکن تصنیفها إلى صنفین : الصنف الأول : التفسیرات التی أعطیت من بعض المستشرقین ، من بعض المسلمین ، من بعض الحکام أنفسهم فی زمن الإمام و بعده ، قسم من هذه التفسیرات نصنفها و نجعلها فی عداد التفسیرات الباطلة لأنها ناتجة من أغراض و نوایا سیئة نجد بذورها منذ زمن الحکام الأمویین و قد نجد الباحثین المتأخرین قد تأثروا بتلک الکلمات التی یجدونها مبثوثة فی بعض الکتب التاریخیة ، و قسم من هذه التفسیرات الباطلة قد تکون ناتجة من أن أصحاب التفسیر و التحلیل التاریخی لقضیة الحسین ( علیه السَّلام ) و هم بعیدون کل البعد عن مدرسة أهل البیت ( علیهم السلام ) عن حقیقة الأئمة و معنى الإمامة ، و یمکننا هنا أن نشیر إلى تفسیرین مشهورین فی هذه القائمة ، قائمة التفسیرات الباطلة و المنحرفة ، ربما یجدها الإنسان فی بعض الکتب التاریخیة و بعض الدراسات الإستشراقیة . التفسیر الأول : ثورة الحسین ( علیه السَّلام ) صراع قبلی . فسرت الحرکة التغییریة للحسین ( علیه السَّلام ) فی بعض کتب التاریخ و بعض کتب الاستشراق على أساس أن حرکة الحسین کانت حرکة قبلیة ( عشائریة ) تعبر عن الصراع المحتدم بین قبیلتین قرشیتین ، کانتا تتصارعان على السلطة و الهیمنة قبل الإسلام ، و استمر هذا الصراع بینهما إلى ما بعد الإسلام ، ذلک هو الصراع بین بنی هاشم و بنی أمیة ، و حاول هذا التفسیر أن یستشهد لما ذهب إلیه ببعض الأشعار و القصائد و قد أنشدها بعض الشعراء من مثل الأخطل و غیره أو بعض الأشعار التی ذکرها بعض السلاطین و الحکام الجاهلین أنفسهم کشعر یزید الذی یقول فیه : لیت أشیاخی ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل
إذن هذا التفسیر مرفوض : أولا : عقائدیا باعتبار أنه یخدش فی قضیة الإیمان بنبوة الرسول الکریم . ثانیا : علمیا من خلال مراجعة وقائع التاریخ . ثالثا : الإمام الحسین و من خلال تصریحه الأول و الذی یحدد فیه هویة تحرکه التغییری ، بّین أن خروجه لم یکن إلا لطلب الإصلاح فی أمة جده و هو هدف رسالی مبدئی و لیس هدفا قبلیا أو عشائریا . و للحدیث بقیة إن شاء الله تعالى . مراجع البحث : هذا البحث مستلهم من المراجع التالیة مع التصرف :
2 ـ ثورة الحسین للسید محمد باقر الحکیم . 3 ـ الملحمة الحسینیة للشهید مرتضى مطهری . 4 ـ فی رحاب أهل البیت للسید محمد حسین فضل الله . 5 ـ مجلة البینات : الأعداد الخاصة بمناسبة عاشوراء . مرکز الاشعاع الاسلامی | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,620 |
||