سر خلود رسالة الحسین علیه السلام | ||
![]() | ||
سر خلود رسالة الحسین علیه السلام لیست بطویلة تلک المسافة الزمنیة التی تفصل بین ولادتین مبارکتین، کان فیهما مجد الأمة الإسلامیة و عزتها و حیاتها الخالدة بخلود رسالتها الإلهیة و امتدادها؛ إنهما ولادتان لإنسان واحد جسّد الکمال الذی تصبو إلیه الإنسانیة، ذلک هو السبط الشهید الحسین علیه السلام، و تلکما الولادتان هما الولادة الحقیقیة فی الثالث من شعبان العام الرابع للهجرة، یوم خرج سبط رسول الله صلى الله علیه وآله من رحم الراضیة المرضیة، رحم الطهارة والنور، فأنار الدنیا و من علیها بإطلالته، ثم الولادة المعنویة فی العاشر من محرم الحرام عام 61 للهجرة، الولادة التی کتبت له الخلد فی کل ضمیر حیینشدالصلاحوالخیر. إنها لقصیرة تلک المسافة إذا ما قورنت بذلک الدور التاریخی العظیم الذی ینبغی أن یؤدّى فی مثل هذا العمر الزمنی. و هنا یتبادر إلى أذهاننا السؤال المحوری التالی الذی یتضمن عدة تساؤلات: ما الذی جعل الإمام الحسین، نبراسالحقالشامخالأبی؟ و ما السر الذی جعل أئمة العصمة الهداة أئمة وقادة لنا نحن المسلمین؟ ثم ما السر فی وقوع الاختیار الإلهی على هذه العصبة الطیبة من الرجال الأفذاذ فأکرمهم بأنوار الرسالة بأن جعل منهم أئمة بعد أن اختار من أصولهمالأنبیاءوالرسل؟ هناک تفسیر غیبی لا أرید تناوله لما فیه من عمق و اتساع و بحث طویل لا یتسع له بحثنا هذا. وأود أن أقدم لجواب هذا السؤال مقدمة هی عبارة عن ملاحظة استوحیتها واستلهمتها من مجمل آیات الذکر الحکیم، و آثار العترة الطاهرة التی هی عدل القرآن، هذه الملاحظة تتمثل فی أن الله تعالى خلق الأشیاء یوم فطر السماوات والأرض خلقاً واحداً، فی حین أنه خلق الإنسان خلقین، فبأمره سبحانه خُلقت الأشیاء و صارت و جوداً بتلک القوة الأزلیة کما عبر عن ذلک جلت قدرته بقوله:(إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَیْئاً أَن یَقُولَ لَهُ کُن فَیَکُونُ) (یس:82) فتحولات الکون و تطوراته و مستجداته إنما وجدت بفعل تلک القوانین والسنن الکونیة التی أودعها الله تعالى فی الوجود، هذا فی حین أنه تعالى عندما خلق الإنسان و فطره فإن إرادته شاءت أن یکون هذا الخلق الواعی والناطق مرة بید قدرته و بصورة مباشرة، حیث قال جل وعلا:(إِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلآَئِکَةِ إِنِّی خَالِقٌ بَشَراً مِن طِینٍ ) (ص:71)، و مرة أخرى بید الإنسان نفسه بعد أن منحه تعالى میزة الاختیار وسمة الحریة. ولقد بلغت هذه القدرة درجة و عظمة مکنته من أن یسمو و یرتفع إلى مقام و منزلة من السمو والکمال تبلغ به قاب قوسین أو أدنى من الکمال إن شاء السمو والارتفاع و بلوغ الدرجات العلى؛ أما إذا شاء هذا الإنسان -والعیاذ بالله- أن ینحدر و یهوی إلى أسفل سافلین، والدرک الذی لا یمکن لنا أن نتصوره فإن هذا بإمکانه أیضاً، لأن هذا یعود إلى حریة الاختیار والإرادة الممنوحة لهذا الإنسان بالفطرة.
و بمعنى آخر؛ لیست هناک قوة تجبر الإنسان على تغییر سلوکه و تصرفاته من خارج ذاته، بل إن هذا التغییر لا یحصل إلا من ذات الإنسان، فالقوى الخارجیة إنما تؤثر فی الإنسان بصورة غیر مباشرة، فهی تقصد التأثیر على الذات أولاً و عندها تقرر الذات هذا التغییر، فیخرج إلى الفعل بقوتها؛ أی قوة الذات العقلیة عند الإنسان.
إن کل ما فی القرآن و آثار العترة الطاهرة، بل إن جمیع الرسالات التی حملها رُسل الله و أنبیاؤه و أوصیاؤهم إنما تدور حول هذا المحور، فهی کلها تؤکد و تشیر إشارات واضحة أن یا أیها الإنسان کن على یقظة و حذر، اصح من غفلتک، إبتعد عن مسالک الشیطان الکامنة فی النفس الأمارة.. إن جمیع الرسالات السماویة تصرخ بالإنسان أنْ عُدْ إلى ذاتک، فإنک وحدک القادر على أن تصنع تلک النفس و تُخرجها من حالة الأمر بالسوء إلى الأمر بالخیر والکمال، فالحرکة إنما تنطلق بالإرادة الکامنة فی الذات الإنسانیة.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,033 |
||