القضیة الحسینیة.. والابعاد السیاسیة والاجتماعیة | ||
القضیة الحسینیة.. والابعاد السیاسیة والاجتماعیة لم یشهد تاریخ البشریة على طول امتداده وآلاف سنینه ملحمة أروع وأسمى وأرفع مما سطره الامام الحسین بن علی بن أبی طالب وأهل بیته علیهم السلام وأصحابه المیامین فی یوم عاشوراء عام ٦٠ للهجرة لیرسم بذلک صرح ونهج ومدرسة الاباء والتضحیة والفداء الذی أدى الى انتصار الدم على السیف والحق على الباطل والمظلوم على الظالم والطاغیة والحقیقة على التحریف والتزویر. وقد ظل هذا الصرح الذی رسمه هذا الامام الهمام ، یصدح فی ربوع المعمورة وأضحى مناراً وضاءاً یهتدی به جمیع الاحرار والمقاومین فی کل مکان ولن یقتصر على المسلمین الشیعة لوحدهم لیسطروا الملاحم والانتصارات الواحدة تلو الاخرى بل تعدت حدود حتى العالم الاسلامی وتمسک به غیر المسلمین ایضاً لیحققوا ما کانوا یصبون الیه طیلة عقود بل قرون طویلة فی الحریة والاستقلال. من هذه النقطة یمکن إیجاد علاقة وثیقة بین الشعائر الحسینیة وبین الوضع الاجتماعی الراهن، فمن جهة تساهم الشعائر الحسینیة وهی تُمارس فی اطار جَماعی، ببناء السلوک الاجتماعی للمجتمع بشکل عام. وحین نأخذ بنظر الاعتبار الخصائص التی تنطوی تحتها القضیة الحسینیة، فلا ریب ان معطیاتها ستصب ایجابیاً وتساهم بفاعلیة فی بناء سلوک اجتماعی مستقر ومتوازن . وینبغی التأکید على ان النسیج الاجتماعی الموحد لایة فئة أو مجموعة بحاجة الى هویة تشکل مضمونه، والى إطار تشدّه ویبقی علیه متماسکا إزاء التحدیات وعوامل التحلل. والامام الراحل یرى فی الشعائر الحسینیة فضیلة اداء هذا الدور، على صعید الأمة الإسلامیة کافة التی عاشت عطاء المأتم الحسینی، ومنحت الحیاة مجدداً بتضحیات سبط رسول الله (ص). وربما لم یشعر المسلمون عامة بقیمة العزاء الحسینی فی الحفاظ على هویتهم ووحدة انتمائهم والدفاع عنها مقابل التحدیات، وربما کان مردّ بعض ذلک الى ترکز المسؤولیة فی جانب إحیاء الشعائر والاستمرار بخط الحسین سید الشهداء، على فئة منهم هم الشیعة الامامیة الذین عاشوا قضیة الحسین بحماس أعلى، ووعوا دور المأتم والشعائر بمسؤولیة اکبر، فقطفوا ثمار ذلک وضوحا فی هویتهم، وتماسکاً فی نسیج انتمائهم الاجتماعی، ولکن رغم ذلک نحسب ان أجواء النهضة الإسلامیة المعاصرة تسمح بفرص اکبر لاستفادة المسلمین قاطبة من عطاء الحسین سبط رسول الله (ص). یقول الامام الراحل فی وصیته معبراً عن هذا الجانب : (وعلینا ان نعلم جمیعا بان هذه المراسم السیاسیة ( مراسم العزاء الحسینی ) هی التی أوجدت الوحدة بین المسلمین، وحفظت هویتهم لا سیما شیعة الأئمة الاثنی عشر علیهم صلوات الله وسلامه). ومن الواضح ان الامام الراحل ، یصدر فی هذا النص وهو آخر ما ترکه لنا من مسؤولیة علیا فی الحرص على المسلمین جمیعا ، ودعوتهم للانفتاح على عطایا وثمار أحیاء ذکرى سید الشهداء(علیه السلام). اما على صعید الشیعة وتعمیق الهویة، فیمکن ان ننظر الى المسالة من زاویة نفسیة اجتماعیة تجعلنا نقیم على صورة أفضل الدور التأریخی الذی مارسته الشعائر الحسینیة فی ترسیخ هویة الشیعة وتعمیق انتمائهم وولائهم لأهل البیت (علیه السلام )، والزاویة التی نعنیها هی نزوع الإنسان الى الانتماء الاجتماعی بالشکل الذی یکون الأخیر حاجة نفسیة غریزیة وعلیه مثلت الشعائر الحسینیة والعلائق التی تبثها بین المجتمعین إطارا ممتازا للانتماء الاجتماعی فی إطار تنظیم کتلة واحدة، بحیث یعود هذا الانتماء بعوائد ثمینة على مستوى الفرد الشیعی الذی اخذ یشعر بهویته الاجتماعیة على نحو أفضل . واذا أضفنا الأوضاع السیاسیة السیئة والإرهاب العنیف الذی کان یمارس ضد الشیعة تاریخیاً، فان الحاجة الى الانتماء واثبات الهویة فی إطار الجماعة ، سیتضاعف وتزداد الحاجة الیه ، فی إبداء تفاعل وشد اکبر بین أفرادها . وفی إطار حالة کهذه تتحقق الکثیر من الفوائد التی تنتج عن التفاعل وسهولة التاثیر ، کما حصل وما زال یحصل بقوة الشعائر الحسینیة . ومن مظاهر الوحدة ومصادیقها التی تقوم الشعائر الحسینیة بصوغها،هی المساهمة فی ایجاد السلوک الجمعی، من خلال الممارسة المؤکدة لاحیاء شعائر الحسین على نطاق واسع وعام . وما نلاحظه فی الشعائر الحسینیة کونها مظهرا من مظاهر السلوک الاجتماعی الإسلامی، هو عین ما نلاحظه فی الشعائر الأخرى کالحج وصلاة الجمعة والجماعة مثلا، ففی المراسم الحسینیة یلتقی الجمیع من دون نظر الى المواقع والمراکز الاجتماعیة، ففی هذه المراسم الغنی والفقیر، والحاکم والمحکوم والعربی وغیر العربی ، ینتظمهم شعار حب الحسین "سلام الله علیه" . أول سمة فی المجتمع الإسلامی المفعم بروح الحسین(علیه السلام ) هی میله نحو التضحیة والفداء ولذلک حفلت مسیرة التشیع بحکم قربها من الحسین وصلتها بابن بنت رسول الله ( (ص) بمواکب التضحیة فی کل بقعة من بقاع العالم الإسلامی عاشت قضیة الحسین، وأحیت ذکراه . وعن ایران یتحدث الامام الراحل بقوله : (مجالس العزاء والمواکب الحسینیة والمأتم ، قد ربت شبابنا على الذهاب الى جبهات الحرب وطلب الشهادة والافتخار بها، حتى بات شبابنا یتألم اذا لم یوفق للشهادة وهذه المجالس ربت أمهاتنا على ان یضحین بأبنائهن وجعلتهن مستعدات لتقدیم باقی أولادهن). ویقول (ره) : ( بل نحن شعب حماسة ) والحماسة الحسینیة هی التی أبقت الشعب حیا یقظا ثوریا ، حیث یعود الامام لیعبر عن هذه الحالة بقوله : على شعبنا ان یعی قیمة هذه المجالس التی تحتفظ بالشعب حیا ثائرا فی أیام عاشوراء ، وفی جمیع الأیام. و هذا التاریخ الحدیث و المعاصر، یسجل لوحده وقائع ناصعة حیث انطلقت ثورات و انتفاضات باسم الحسین و من خلال شعائره؟ إنّ هناک روحاً إسلامیة یشعر بها کل من سمع الحسین (ع) وعاش حرکته وتعمّق بثورته، بحیث یجد حرکیّة الإسلام فی تلک الحرکة، وفاعلیته و مسؤولیته و إمکانیة، أن یبقى لیمدّ کل جیلٍ إسلامی بالجدید ممّا یمکن أن یحقّق له الأهداف الکبیرة فی الحیاة . فالإسلام لیس مجرد فکر نختزنه فی عقولنا، ولیس مجرد کلمات نردّدها على ألسنتنا، ولکنّه یمثّل بالإضافة إلى ذلک حرکةً فی مسؤولیة الحیاة. والّذی یعیش مسؤولیته هو الّذی ینسى ذاته، و یفکّر أنّ علاقاته بالناس و بالأحداث، بل و حتّى علاقاته بأهله الأقربین، تتحرّک سلباً أو إیجاباً فی خطّ المسؤولیة. ان ثورة الإمام الحسین (علیه السلام)قد انبعثت من ضمیر الاُمّة الحیّ و من وحی الرسالة الإسلامیة المقدسة ومن البیت الذی انطلقت منه الدعوة الإسلامیة للبشریة جمعاء، البیت الذی حمى الرسالة والرسول و دافع عنهما، حتى استقام عمود الدین. وأحدثت هذه الثورة المبارکة فی التأریخ الإنسانی عاصفة تقوض الذل والاستسلام و تدک عروش الظالمین، وأضحت مشعلاً ینیر الدرب لکل المخلصین من أجل حیاة حرّة کریمة فی ظل طاعة الله تعالى. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,744 |
||