نحو عالم بدون هیمنة غربیة | ||
نحو عالم بدون هیمنة غربیة
الطموح إلى عالم أکثر عدلا وإنصافا طموح مشروع یراود البشریة منذ زمن طویل. وفی کثیر من الأدبیات المتعلقة بتحلیل النظام الدولی الراهن اتفاق على أنه نظام غیر دیمقراطی، وملئ بالاختلالات الهیکلیة، وتسود فیه نزعات الغرب التدخلیة فی شؤون باقی الدول والمجتمعات.
وفی الأدبیات الروسیة والصینیة، تکثر تحلیلات ودعوات لبناء نظام دولی جدید یتجاوز مرحلة الهیمنة الغربیة بقیادة الولایات المتحدة، کما أن مواقف کل من روسیا والصین رسمیا تدعم هذه الفکرة/ المبدأ. فالعالم لدى بکین هو متعدد الألوان، ومتنوع الثقافات، والقیم، والسلوکیات، وله جذور حضاریة مختلفة، وبالتالى فلا یمکن أن یکون کله على شاکلة واحدة، مهما یکن مستوى الاحتکاک والتداخل مرتفعا بین المجتمعات المختلفة، نتیجة التجارة البینیة، وثورة الاتصالات، والیات العولمة. ولدى روسیا هو عالم متعدد الأقطاب، أو یجب أن یکون کذلک، لا تهیمن فیه قوة على حقوق واختیارات القوى الأخرى، ولا تسعى فیه دولة بعینها أو قوة محدودة لأن تحتکر الحقیقة والمصالح، أو الأمن على حساب مصالح وأمن باقی دول العالم.
وجهتا النظر الروسیة والصینیة على النحو السابق تجدان دعما معنویا وسیاسیا من أطراف عدیدة فی العالم الراهن، وهی أطراف سئمت الهیمنة الأمریکیة، والنزعة الاستعلائیة الغربیة بوجه عام. والأمران معا یصبان نحو رغبة قویة أو تطلع عنید لدى مجتمعات وحکومات عدیدة لإعادة هیکلة النظام الدولی، الذی تهیمن على مفرداته والیاته الولایات المتحدة، یدعمها فی ذلک الدول الأوروبیة وإلىابان. غیر أن التطلع وحده، ومهما یکن عنیدا ومثابرا، لا یکفی. فالمطلوب جهد والیات ومسارات واضحة تؤدی فی النهایة إلى تصحیح أوجه الخلل الکبیرة والکثیرة فی النظام الدولی الراهن، وبحاجة إلى مؤسسات تؤمن وتدعم فکرة التعددیة القطبیة، وتحولها إلى واقع، ولو بتدرج. ورغم أن الدعوة إلى بناء نظام دولی متعدد الاقطاب هی دعوة قدیمة، ولها جذور فکریة، وفلسفیة، ومصلحیة، منذ خمسة عقود أو أکثر، فإن قابلیتها للحدوث کانت دائما محل شک من قبل کثیر من المحللین. فالفارق فی القوة، بمعناها الشامل، والمتعدد الأبعاد عسکریا، واقتصادیا، وسیاسیا، ونفوذا، وتأثیرا ثقافیا بین الغرب - وعلى قمته الولایات المتحدة - وبین باقی القوى الدولیة، کان فارقا کبیرا للغایة، الأمر الذی جعل الدعوة إلى عالم متعدد الأقطاب قبل عقدین مثلا نوعا من التمنی والطموح المقید.
الآن، تبدو فکرة عالم متعدد الأقطاب، تسوده حالة توازن نسبی، وتستعید فیه مبادئ السیادة للدولة قوتها ومکانتها، بما فی ذلک حق الشعب فی أی بلد فی أن یشکل حیاته الخاصة دون تدخل من أحد، أو خضوع لابتزاز، أو تهدید مباشر أو مباشر من قوة أخرى - قابلة للتحقق، أو بالأحرى فی طریقها لأن تتحقق، ربما بعد عقد أو عقدین من الآن. ففارق القوة آخذ فی التقلص بین الولایات المتحدة، والغرب من ورائها، وبین قوى صاعدة، وفی مقدمتها الصین، وروسیا، والهند فی المجالات الاقتصادیة، والعسکریة، والتکنولوجیة. فالصین الآن هی المنافس الاقتصادی الأول للولایات المتحدة، حیث تجاوزت من حیث الترتیب فی إجمإلى الإنتاج القومی إلىابان التی احتلت المرتبة الثانیة لفترة طویلة. ویتوقع خلال عقد أو عقد ونصف عقد أن تصبح الصین الاقتصاد الأکبر حجما على مستوى العالم. وتشهد روسیا والهند عملیات تنمیة اقتصادیة متسارعة، وتعمل روسیا جاهدة على تطویر صناعاتها العسکریة، وتقلیل الفوارق التکنولوجیة مع الصناعات الأمریکیة فی مجال الصواریخ، والطائرات الحربیة متعددة المهام، والدبابات ذات القدرات والتسلیح العإلىة، والغواصات التقلیدیة والنوویة، وتوظف إمکاناتها الهائلة فی مجال الطاقة، خاصة الغاز الطبیعی والنفط، للحصول على عوائد مالیة کبیرة، فضلا عن نفوذ ملموس فی صناعة الغاز على مستوی العالم ککل. وینطبق الأمر - وإن بدرجات مختلفة من التنمیة والتقدم الاقتصادی والعسکری - على کل من البرازیل، وجنوب إفریقیا، والأرجنتین ودول أخرى فی العالم، تتطلع جمیعها لأن تخرج من دائرة التأثر من الهیمنة الغربیة، وعملیات الأمرکة.
بید أن الحکمة تقتضی القول إن الوصول إلى حالة التعددیة القطبیة، والتوازن النسبی فی العلاقات الدولیة بشکل عام، وخفض مستوى الهیمنة الغربیة عما هو علیه الآن لن یخلو من صعوبات، وعقبات، ومواجهات عنیفة أحیانا. إذ لا یتصور أن الولایات المتحدة وأوروبا إجمالا سوف تسلمان بجهود والیات تمارسها قوى دولیة أخرى تؤدی عملیا إلى محاصرة أوجه النفوذ والاستعلاء التی تمارسانها على باقی دول العالم. بید أن هذا هو درس التاریخ، فلا شیء یحدث مجانا، أو بلا عقبات.
على أیة حال، لیس أمامنا نحن هنا فی مصر أو فی عموم الوطن العربی سوی أن نراقب ما یحدث حولنا، وأن ندعم ما یحقق مصالحنا، والتی تتطابق جملة وتفصیلا مع عالم یسوده حد أدنی من العدالة، وبعید عن الهیمنة والاستعلاء، والتدخلات فی الشأن الداخلی للدول الأخری، وأن نشارک قدر الإمکان فی توجیه مسارات الأحداث نحو هذا العالم الذی نرجوه. وهنا، فإن الانفتاح على الجهود الدولیة التی تحدث فی مناطق مختلفة من العالم، بل والمشارکة فیها قدر الإمکان، ویکون هدفها البعید تصحیح الاختلالات القائمة فی النظام الدولی، یعد بمنزلة فریضة سیاسیة واجبة الالتزام دون تردد أو تکاسل. والإسهام بأی شکل کان فی تخفیض حدة هیمنة الغرب على مسارات السیاسة الدولیة فی اللحظة الجاریة هو الحد الأدنی الواجب دعمه الآن.
أولا - مرحلة انتقإلىة نحو تعددیة قطبیة:
ومن نافلة القول إن العالم یعیش الآن حالة انتقال من مرحلة تفرد الولایات المتحدة التی تربعت فیها على قمة النظام الدولی، منذ مطلع تسعینیات القرن الماضی، إلى حالة تعددیة قطبیة یجری بناؤها على قدم وساق. وهناک قوى دولیة وإقلیمیة مؤثرة تعمل وفق استراتیجیة واضحة المعالم لتجسید الوضعیة الدولیة الجدیدة فی أقرب مدى زمنی ممکن. وفی مقدمة هذه القوى کل من روسیا والصین، ومعهما عدد یتزاید من الدول التی تحقق مستویات عإلىة من النمو الاقتصادی، والتقدم التقنی، والعسکری، والنفوذ السیاسی فی المحیط الاقلیمی المباشر لها کالهند، والبرازیل، وجنوب إفریقیا، وباکستان، وإیران، وأوزبکستان، وقیرغیزستان، وبیلاروسیا، ودول أخرى من مناطق مختلفة. ونشیر هنا تحدیدا إلى حالتی منظمتی البریکس، وشنغهای للتعاون، إضافة إلى المبادرة الصینیة الخاصة بطریق الحریر الجدید، وبناء الاقتصاد الأورو-آسیوی.
لکن قبل الحدیث عن أهمیة هاتین المنظمتین، بحسبانهما آلیتین دولیتین بازغتین تؤدیان فی المدى الزمنی المنظور إلى تغییر جذری فی طبیعة النظام الدولی، خاصة هیکلیة توزیع القوة فیه، تجدر الإشارة إلى الإدراک السائد الآن لدى القیادة الروسیة بشأن حالة النظام الدولی الراهن، وما فیه من هیمنة أمریکیة وغربیة تضر بمصالح دول عدیدة فی العالم. والمعروف أن روسیا ترفض تماما سیاسة العقوبات الأحادیة التی تفرضها الولایات المتحدة ودول أوروبا على دول أخرى حین تختلف المصالح أو الرؤى، وترى فی هذه السیاسة ابتزازا وانتهاکا لسیادة الدول ولمیثاق الأمم المتحدة. وفی أثناء تصاعد الأزمة الأوکرانیة، ومعها ترکیز الولایات المتحدة ودول أوروبا على توقیع عقوبات مشددة على روسیا، أکد الرئیس بوتین أن بلاده لن تساوم على سیادتها أو قراراتها، وأن العقوبات لن تثنی موسکو عن التراجع عن حمایة مصالحها القومیة، أیا کان الثمن. وفی مواقف مختلفة، شدد بوتین على أن سیاسة العقوبات الأمریکیة تتنافى تماما مع قیم ومیثاق الأمم المتحدة، وتعد تدخلا مرفوضا لن یمر دون رد. وبالفعل، فقد ردت روسیا على هذه العقوبات الأمریکیة والأوروبیة الأحادیة بوقف استیراد المواد الغذائیة من دول أوروبا، مما أدى إلى تضرر اقتصادات العدید من أعضاء الاتحاد الأوروبی، وفی مقدمتها بولندا، وبلجیکا، وإلىونان.
وفی کلمة افتتاحیة لوزیر الخارجیة الروسی، سیرجی لافروف، أمام المنتدی الشبابی الروسی، الذی عقد فی مقاطعة فلادیمیر یوم 24 أغسطس الماضی، ذکر أن "مجال المصالح السیاسیة بات إلىوم مرتبطا بمنافسة الأفکار،وعلى اللاعبین الموجودین فی الساحة الدولیة أن یختاروا قیمهم ونموذج التطور، أو سیفرض ذلک علىهم. لقد باتت حقبة هیمنة الغرب التاریخی فی طور الانتهاء، بعد أن استمرت لمئات السنین. وإلىوم، تتعارض هذه الهیمنة بصورة موضوعیة مع ظهور أقطاب جدیدة فی منطقة آسیا والشرق الأوسط".
فی جزء آخر، استطرد الوزیر الروسی قائلا "إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفریقیا تحولتا إلىبؤرة للإرهاب والتطرف العنیف، وتجتاح أوروبا الآن، بسبب السیاسات الغربیة، موجات کبیرة من المهاجرین غیر الشرعیین .. فالإرهاب والمهاجرون غیر الشرعیین هما نتاج تعنت الغرب فی محاولته الحفاظ على هیمنته على الشئون الدولیة، من خلال التدخل فی الشئون الداخلیة لدول ذات سیادة".
مثل هذا الإدراک الروسی للنتائج الکارثیة لسیاسة التعنت والاستعلاء الغربی على العالم ککل، بما فی ذلک المصالح الروسیة ذاتها، یفسر الجهود الحثیثة التی تبذلها موسکو، خاصة فی ظل قیادة بوتین، للخروج من هذه الدائرة الجهنمیة، وصولا إلى تعددیة قطبیة بلا هیمنة غربیة. وتبدو التحرکات الروسیة والصینیة عنصرا رئیسیا فی هذا السیاق، وهی تحرکات تبدو مدروسة، ومتدرجة، وعمیقة التأثیر فی آن واحد، خاصة أنها تستقطب جهود وقدرات قوی أخری فی إطار مؤسسی قابل للتطور، لکی یکون بمنزلة مؤسسات بدیلة لمؤسسات النظام الدولی الراهنة، وفی مقدمتها البنک الدولی، وصندق النقد الدولی، وحلف الناتو، أو على الأقل مؤسسات دولیة أو حتی إقلیمیة جدیدة ذات مهام واضحة، تکون موازیة لها، ولکنها تطرح سیاسات وآفاقا أخری غیر تلک التی یهیمن علىها الغرب، بما یؤدی فعلىا إلى حالة تعددیة فی قمة النظام الدولی، تسمح بحریة الاختیار للشعوب، وتؤدی إلى ألوان متعددة من الحیاة بدون قسر أو إجبار.
ثانیا - نحو مؤسسات دولیة بدیلة:
إن حالتی منظمتی دول البریکس وشنغهای للتعاون تمثلان مؤسسات دولیة قابلة للتطور لتصبح بمنزلة المؤسسات البدیلة والمؤدیة إلى حالة التعددیة القطبیة، وإلى عالم أقل هیمنة غربیة. فعلى مدی عقد ونصف عقد تقریبا، تطورت منظمة شنغهای للتعاون التی تشکلت فی عام 2001 لتصبح مؤسسة إقلیمیة ذات تأثیر عالمی متزاید بامتیاز. فی البدایة، تشکلت المنظمة لمواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف الدینی فی منطقة آسیا بوجه عام، والحفاظ على الأمن القومی للدول المنشئة لها. وهی ست دول: الصین، وروسیا، وأوزبکستان، وکازاخستان، وقیرغیزیا، وطاجیکستان. غیر أن محصلة عملها خلال 14 عاما دفعت بها لتؤسس منظمة ذات رؤیة شاملة للنظام الدولی ککل، توصف بأنها رؤیة أورو-آسیویة لعالم جدید ومختلف. وطوال هذه السنوات، ارتفعت درجة الثقة المتبادلة بین الدول الأعضاء، وتوسعت أهداف المنظمة لتشمل التعاون فی المجالات الاقتصادیة، والعسکریة، والأمنیة فی الإطارین الاقلیمی والدولی، وذلک إلى جانب أهدافها الثلاثة الأولی، وهی مکافحة الإرهاب والتطرف الدینی، والحد من الخلافات بین الدول الأعضاء بشأن الحدود والقضایا الإقلیمیة، واحتواء النزعات الانفصإلىة التی کانت سائدة فی الدول الأعضاء حین تشکلت المنظمة. ومن هنا، تحذر تحلیلات أمریکیة وأوروبیة من أن منظمة شنغهای قد تکون المؤسسة الدولیة الموازیة لمجموعة الدول الثمانی الأکثر تقدما اقتصادیا، وأنه إذا انخرطت دول المنظمة فی أنشطة عسکریة وأمنیة متتإلىة، فقد تکون بدایة لنشأة حلف یوازی حلف الناتو، وإن کان ذلک على المدی البعید، لاسیما وأن دول حلف الناتو الـ 26 هی أکثر تقدما وإمکانیات عسکریة من دول منظمة شنغهای بمقاییس اللحظة الجاریة، وإلى المدی الزمنی المنظور، علما بأن دول المنظمة لم تطرح رسمیا بناء حلف عسکری فیما بینها، وکل ما تم بحثه هو مزید من التنسیق والتعاون فی مجال مکافحة الإرهاب والتطرف بین وزارات الدفاع فی دول المنظمة.
استقطبت المنظمة اهتمام العدید من الدول الآسیویة، وبات ضروریا أن تتعدد مستویات العضویة والعلاقة بین المنظمة بدولها الست المنشئة، والدول الطامحة فی أحد أشکال الارتباط المؤسسی به. ومن هنا، تم استحداث مستویین للعضویة، الأول درجة عضو مراقب، ومنحت لدول أفغانستان، وإیران، والهند، ومنغولیا، وباکستان، والثانی درجة مشارک فی الحوار، ومنحت لدول مثل ترکیا، وسیرلانکا، وأذربیجان، وأرمینیا، وکمبودیا، ونیبال. وقد أسهم کلا النوعین من العضویة فی إضفاء طابع آسیوی - أوروبی على المنظمة فی آن واحد. کما تقدمت إیران رسمیا بطلب الانضمام إلى المنظمة کعضو. وهناک طلبات أخری من أذربیجان، وأرمینیا، وبنجلادیش، وبیلاروسیا، وسیرلانکا، وسوریا، وأوکرانیا، وجمهوریة المالدیف، وکمبودیا، ومصر لمنحها صفة أعضاء مراقبین.
1-أهمیة قمة "أوفا":
تعد قمة "أوفا"، التی عقدت فی الفترة من 9 إلى 10 یولیو الماضی بروسیا الاتحادیة، قمة فاصلة فی مسیرة تطور هذه المنظمة من حیث العضویة، والمهام، والرؤیة للنظام الدولی. فقد تم قبول عضویة کل من الهند وباکستان، وسیتم تفعیل هذه العضویة خلال عام، توقع فیه العدید من الاتفاقیات والمعاهدات بینهما وبین دول المنظمة، بحیث تصبح العضویة کاملة خلال القمة المقبلة المقرر عقدها فی سبتمبر 2016 فی أوزبکستان. کما منحت بیلاروسیا درجة عضو مراقب. ورغم أن هذه الدول، مجتمعة ومنفردة، لها مواقفها المختلفة إزا ء العدید من القضایا الآسیویة والعالمیة، فإن ما یجمعها، حسب قول محللین روس وصینیین، أنها تؤمن بحقها فی ممارسة سیاسة مستقلة، وتسعی إلى التعاون مع جیرانها من أجل التنمیة والأمن المشترک، وتحافظ على هویتها الوطنیة، وترفض التدخلات الغربیة فی شئونها الداخلیة، وتعمل من أجل إصلاح الاختلالات فی النظام الدولی الراهن.
إن توسع منظمة شنغهای لتصبح ثمانی دول بدلا من ست دول فقط من شأنه أن یضفی وزنا أکبر على المنظمة ککل، وأن یجعلها منظمة أورو/آسیویة بامتیاز، خاصة أن الهند وباکستان تعدان دولتین نوویتین، وکلتاهما دولة کثیفة السکان. وبإضافة إجمإلى الناتج القومی لهما إلى إجمإلى الناتج القومی لباقی الدول الأعضاء، تصبح دول المنظمة منتجة لما یقرب من ثلث إنتاج العالم أو أکثر قلیلا، وتستحوذ على أکثر من نصف سکان العالم، وتشارک فی إجمإلى التجارة الدولیة بما یزید على 30، بما یضفی أهمیة کبیرة على المنظمة ککل، وینظر إلىها کإلىة من إلىات تغییر النظام الدولی الراهن، ومحاصرة الهیمنة الغربیة بشکل عام، وتسریع عملیة بناء نظام دولی غیر أمریکی الهوی، إضافة إلى حسابات عملیة أخری تتعلق بالوضع الأمنی المحتمل فی أفغانستان، فی ضوء احتمال انتهاء مهمة قوات "إیساف" التابعة لحلف الناتو، وانتشار الجماعات المؤیدة لتنظیم الدولة "داعش"، وتمدد بعضها فی الأراضی الأفغانیة، وعودة جماعة طالبان إلى الساحة الأفغانیة، وانتشار زراعة المخدرات، واستغلال عوائدها الهائلة فی تمویل أنشطة وجماعات إرهابیة وانفصإلىة قد تؤثر مباشرة فی أمن دول منظمة شنغهای. وهو ما یعد تحدیا أمنیا کبیرا، قد تساعد عضویة کل من الهند وباکستان فی مواجهته على نحو أفضل.
هذه الدلالات وغیرها تتدعم بقوة حین ینظر إلى الرؤیة الشاملة التی انتهی إلىها قادة المنظمة تجاه قضایا العالم المختلفة فی قمة "أوفا" المشار إلىها. ووفقا للبیان الختامی للقمة، عبرت الدول الأعضاء عن قلقها البالغ لتنامی أبعاد الإرهاب والتطرف الدولیین، وتوحید جهود مختلف الجماعات الإرهابیة. ودعت إلى "تکثیف الجهود المشترکة للمجتمع الدولی لمکافحة المنظمات الإرهابیة، وذلک بمراعاة القرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن الدولی، وأکدت "ضرورة تسویة الأزمات فی الشرق الأوسط وشمال إفریقیا دون تدخل خارجی، وعلى أساس الاحترام المتبادل للمصالح ومبادئ القانون الدولی، وتأییدها لمساعی دول وشعوب العالم العربی إلى تحسین مستوی المعیشة، والحصول على حقوق سیاسیة، واقتصادیة، واجتماعیة واسعة، أخذا فی الحسبان الخصائص الحضاریة والتاریخیة لکل بلد".
وفی مجال مکافحة التطرف، أکد الأعضاء بذل جهود أکبر من أجل "منع انتشار الأفکار المتطرفة، لاسیما فی أوساط الشباب، وإلى العمل الوقائی لمنع انتشار التطرف الدینی، والتعصب العرقی والطائفی، وکراهیة الغیر،وتنامی نزعات التطرف فی المجتمع"، وکذلک "إیلاء اهتمام خاص لتوظیف قدرات المؤسسات التعلىمیة والعلمیة، ووسائل الإعلام، والمنظمات غیر الحکومیة والدینیة، ونقابات العمال لمواجهة أفکار التطرف والتعصب". کما أکد البیان الختامی أن قیام دول بعینها - والمقصود الولایات المتحدة ومشروعها لنشر صواریخ بعیدة المدی فی بلدان أوروبا الشرقیة سابقا، وبالقرب من الحدود الروسیة- بزیادة منظومات الدفاع الصاروخی من جانب واحد، وبشکل غیر محدود، سیلحق ضررا بالأمن العالمی، وسیؤدی إلى زعزعة الاستقرارفی العالم. وحذر البیان من أن "أمن کل دولة یجب ألا یتحقق على حساب أمن غیرها من الدول". ودعا إلى تعزیز النظام الدولی لمنع انتشار الأسلحة النوویة بما یساعد على تعزیز السلام والاستقرار فی العالم. وأکدت دول المنظمة تأییدها" التعاون الدولی الواسع فی مجال تجاوز الهوةفی المجإلىن التکنولوجی والاقتصادی - الاجتماعی بین الدول على أساس السماح لکل الدول باستخدام مزایا العولمة الاقتصادیة على أساس المساواة، ودون أی تمییز. وعلى هذا، فإن اللجوء إلى تقیید التعاون الاقتصادی التجاری دون موافقة مجلس الأمن الدولی کوسیلة للضغط على دولة ما هو أمر غیر مقبول".
2- تعاون لمواجهة الإرهاب:
ووفقا للبیانات والتصریحات الصادرة عن زعماء المنظمة، فقد تم "بحث إنشاء مجموعة عمل خاصة لدی هیئة مکافحة الإرهاب التابعة لمنظمة شنغهای للتعاون، معنیة بمنع تمویل الأنشطة الإرهابیة عن طریق تجارة المخدرات، وتعزیز التنسیق بین وزارات الدفاع من أجل زیادة فعإلىة إجراءات الرقابة على الوضع، وبتنسیق الخطوات المشترکة لمواجهة المخاطر المحتملة، ومواصلة إجراء التدریبات المشترکة فی مجال مکافحة الإرهاب بشکل سنوی. ونظرا للوضع الأمنی الخاص الذی تعیشه أفغانستان، وصلته المباشرة بجهود مکافحة التطرف، والتعصب، وجماعات الإرهاب الدینی، فقد رئی، وفقا للرئیس الصینی، أن تقوم دول المنظمة بدور أکبر فی دعم المصالحة الوطنیة والإعمار الاقتصادی".
وکذلک، اقترح الرئیس الکازاخی، نور سلطان نزارباییف، بحث مسألة استحداث شبکة عالمیة موحدة لمکافحة الإرهاب على المستوی الأممی، عادَّا أن انخراط مواطنین من دول "شنغهای" فی العملیات القتإلىة بالشرق الأوسط إلى جانب الإرهابیین یمثل خطرا کبیرا. کما وقع الزعماء بیان "أوفا" واستراتیجیة تنمیة منظمة شنغهای للتعاون حتی عام 2025، بالإضافة إلى برنامج التعاون بین أعضاء المنظمة فی مکافحة الإرهاب والانفصإلىة والتطرف فی الفترة من 2016 إلى .2018
3- دور مجموعة "البریکس":
تکتمل أهداف إنشاء منظمة شنغهای للتعاون على المدی البعید المتعلق بمواجهة الهیمنة الغربیة على السیاسة الدولیة، وتغییر موازین القوی لغیر مصلحة الحضارة الغربیة، بإلىة مؤسسیة أخری، هی مجموعة دول البریکس BRICS التی تشکلت أولا فی عام 2009، وتضم کلا من الصین، وروسیا، والهند، والبرازیل، ثم انضمت إلىها جنوب إفریقیا عام .2010 وهی دول تمثل أکثر وأسرع الاقتصادات نموا، وتنتمی إلى ثلاث قارات: آسیا، وإفریقیا، وأمریکا اللاتینیة. وهی بذلک، تنطلق من أساس اقتصادی بحت، وتسعی إلى حمایة مصالحها، وتأمین عملیات النمو الخاصة بکل منها، من خلال التعاون مع القوی المماثلة لها، والساعیة إلى عدم الانزلاق تحت ضغوط الغرب، بما یؤدی إلى تعسرها وانکفائها مرة أخری على ذاتها. وبهذا النوع من التعاون الجماعی، تقدم هذه الدول نموذجا فی التنمیة المتواصلة مع الحفاظ على الهویة واستقلال الإرادة السیاسیة، ونموذجا فی بناء حائط صد جماعی ضد أیة محاولات غربیة معاکسة. وتشکل مساحة هذه الدول ربع مساحة إلىابسة، وعدد سکانها یقارب 40 من سکان الأرض. وفی بعض التحلیلات الروسیة، هناک تأیید لتوسیع مجموعة البریکس لتشمل دولا مثل إندونیسیا ومصر المسلمتین، ولو فی غضون عام أو عامین، بما یشکل آنذاک منظمات تنشأ على أساس اقتصادی حضاری فی آن واحد، ودون أیة مشارکة غربیة. ومن ثم، تتطور لتصبح إلىة أخری لتصحیح اختلالات النظام الدولی الراهن.
4-تمویل التنمیة بدون هیمنة:
ومرة ثانیة، فإن قمة "أوفا" تقدم خطوة أخری متقدمة على طریق تعزیز النمو الاقتصادی الذاتی للدول الأعضاء، والدول النامیة الأخری، بما یعزز نموذج التنمیة بعیدا عن الهیمنة الغربیة، ویعزز أیضا عملیات إصلاح الخلل الهیکلی فی النظام الدولی الراهن. لقد حرصت دول مجموعة البریکس ومنظمة شنغهای على توفیر إلىات تمویلیة بعیدا عن المؤسسات المإلىة الکبری التی یهیمن علىها الغرب، ومن ثم تم إنشاء بنک تمویل خاص برأس مال قیمته 100 ملیار دولار، جاء معظمه من الصین، بهدف تمویل مشروعات التنمیة فی البلدان النامیة، ومشروعات البنیة التحتیة. کما وقعت المصارف المرکزیة لدول مجموعة "بریکس" فی موسکو اتفاقیة حول شروط الدعم المتبادل، فی إطار صندوق احتیاطی مشترک للعملات، واتفاقیة أخری لإنشاء إلىة مشترکة للاستثمار فی مشاریع البنیة التحتیة بمشارکة الصندوق الروسی للاستثمارات المباشرة، ومجموعة "آی دی إف سی" الهندیة، وشرکة "بی تی جی" باکتشول، وصندوق طریق الحریر الصینی، ومصرف التنمیة فی جنوب إفریقیا. وهو ما یشکل إجمالا إلىة دفاع ذاتی اقتصادی تنموی فی مواجهة الإلىات التی یتحکم الغرب فیها إجمالا.
وأخیرا، یمکن القول إن التداخل الحاصل بین منظمة شنغهای ومجموعة دول "بریکس"، من حیث عضویة أهم الأعضاء فیهما معا، وتحدیدا الصین وروسیا، فضلا عن وحدة الهدف المتعلق بتعزیز أدوار هذه الدول فی النظام الدولی، عبر تغییر إلىاته وسیاساته، وتخفیض حدة هیمنة الغرب علىه، والتکامل العضوی بین وظیفتی النمو الاقتصادی، ومکافحة التطرف، والنزعات الانفصإلىة، وتعزیز الأمن الجماعی، عبر التعاون الشامل والمتدرج، بما ینشئ صورة من صور الأمن الجماعی دون هیمنة خارجیة - یدفع إلى استنتاج أننا أمام مرحلة من مراحل تحول النظام الدولی نحو تعددیة قطبیة، ولکن بصبر ودأب، ودون ضجیج. ویساعد على ذلک أن الاستعلاء الغربی لا یزال لا یری فی هذه التحرکات الدءوب أمرا مزعجا، أو یجب التعامل معها بجدیة، أو الإقدام على تغییر الذات، وإنهاء نزعة الغطرسة طوعیا، والتحول إلى صیغة من التعاون الحضاری عبر العالم کله. وبینما یدرک العالم غیر الغربی أن العالم بأسره أکبر من أی قوة، وأکبر من الغرب کله، فلا یزال الغرب یتعثر فی إدراک العدید من مجریات الأحداث حوله، وهو تجاهل سیکون له ثمنه الکبیر فی اللحظة المناسبة. تعریف الکاتب: مستشار مرکز الأهرام للدراسات السیاسیة والاستراتیجیة، رئیس مجلس إدارة دار المعارف سابقا. مجلة السیاسة الدولیة
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,348 |
||