أوروبا وظاهرة الحجاب | ||
إعداد: د. یحی أبوزکریا تحوّل الحجاب الإسلامی فی الغرب إلى ظاهرة حقیقیّة أصبحت تؤرّق کثیرا من صنّاع القرار السیاسی والإجتماعی والثقافی فی الغرب ، وموقف هذه العواصم الغربیة من الحجاب یتشعب إلى ثلاث توجهات ، التوجّه الأوّل وهو الرافض لظاهرة الحجاب جملة وتفصیلا و تقف فرنسا فی طلیعة الدول الغربیة المؤیدّة لهذا التوجّه ، والتوجّه الثانی وهو الذی یعتبر الحجاب مسألة شخصیة تتعلق بحریة الشخص وقناعاته الذاتیة و هذا التوجه سائد فی العدید من الدول الأوروبیة وتحدیدا فی أوروبا الشمالیة ، و توجّه ثالث یعتبر الحجاب مسألة خاصة لکن یحرم المحجبّة الکثیر من الحقوق ، کحقّها فی العمل فی کثیر من القطاعات المتاحة . و تتوافق هذه التوجهات الغربیة الثلاث على أنّ للحجاب علاقة کبیرة بالإسلام الذی بدأت ملامحه تتجلى بوضوح فی الغرب ، ولذلک وضعه الإستراتیجیون الغربیون تحت دائرة الضوء والتشریح لمعرفة مستقبله وتأثیره على المعادلة الإجتماعیة وحتى الثقافیة والسیاسیة فی الغرب ، خصوصا بعد أن تبینّ لهؤلاء الإستراتیجیین أنّ أبناء المرأة المسلمة غیر الملتزمة هم أسرع فی الإندماج فی المجتمع الغربی بکل تفاصیله مسلکا ولغة وثقافة ومعتقدا ، أمّا أبناء المرأة المسلمة المحجبّة فمن الصعوبة بمکان إدماجهم فی المجتمع الغربی وإذابة قیمّهم وتوجهاتهم . ویربط الإستراتیجیون الغربیون الحجاب فی الغرب بالإسلام ویعتبرون تنامی هذه الظاهرة تنامیّا للظاهرة الإسلامیة فی حدّ ذاتها بإعتبار أنّ الإسلام یتحرّک فی الواقع الغربی بمصادیق متعددة أبرزها الحجاب والمدارس الإسلامیة والمساجد والجمعیات الإسلامیة وغیر ذلک من مفعلاّت العمل الإسلامی فی الغرب . ویعود عدم إقدام الکثیر من الدول الغربیة على محاصرة الحجاب إلى القوانین المعمول بها فی هذه الدولة وتلک والتی تقدّس إلى أبعد الحدود الحریة الإیمانیة والدینیة للشخص ، و هی القوانین التی تمّ التوافق علیها بین مواطنی هذه الدولة الغربیة وتلک ، و من الصعوبة بمکان تغییر هذه القوانین التی جاءت إستجابة للتطورات الحاصلة فی الغرب على مدى قرون . و تدشین فرنسا حملة إعلان الحرب على الحجاب مردّه إلى أنّ فرنسا یتواجد على أراضیها أربع ملایین مسلما و هذا الکم الهائل من المسلمین جعل الحجاب الذی تلتزم به الفتیات المسلمات فی فرنسا مسألة ملفتة إلى أبعد الحدود إلى درجة أنّ فرنسا بدأت تخشى من ضیاع صورتها الماجنة أمام منظر الحجاب وما یمثلّه من عفّة وطهر و الذی له وجود کبیر فی کل المحافظات الفرنسیة . ویتوافق أصحاب التوجهات الثلاث المذکورة على أنّ ظاهرة الحجاب الإسلامی فی الغرب ظاهرة مقلقة وقد تصبح خطیرة على المدى المتوسط والبعید لأسباب عدیدة منها وجود الحجاب فی الشارع الأوروبی یشیر إلى فشل سیاسة الإندماج التی سعى من خلالها الإستراتیجیون الغربیون إلى تذویب الإنسان المسلم فی الواقع الغربی منعا من قیّام إثنیة دینیة فی الخارطة الأوروبیة فی المستقبل المنظور ، بالإضافة إلى أنّ الملازمة الأکیدة بین الإسلام والحجاب تجعل الإسلام ودائما حاضرا فی الشارع الأوروبی من خلال الحجاب ، وهذا ما یجعل الإنسان الأوروبی یتساءل عن الإسلام الماثل أمامه وقد یکون ذلک مدخلا لإسلامه کما حدث مع کثیرین ، و فی کثیر من المدارس الغربیة وعندما تتواجد فیها فتاة مسلمة محجبة تطلب المعلمة الغربیة من هذه الفتاة أن تتقدّم إلى مقدمة القسم وتشرح سبب إرتدائها للحجاب ولماذا الإسلام أوصى البنت بالحجاب وهذا قد یکون مدخلا أیضا بإتجاه أسلمة عقول بعض الناشئة الغربیین ، و ما زلت أتذکّر عندما توجهّت إبنتی بحجابها إلى المدرسة السویدیة طلبت منها المعلمة أن تلقی کلمة عن الإسلام فی القسم السویدی ، بل دعت المعلمة أمها المحجبة أیضا لتقدم شرحا مستفیضا عن ثقافة الإسلام والمرأة وقد لاقى شرحها إستحسان الحضور ، إلى درجة أنّه وبعد ذلک أصبح هناک تفهم کامل من قبل المعلمات السویدیات والتلمیذات السویدیات لظاهرة الحجاب . ولم یصبح حجاب المرأة المسلمة فی الغرب مجرّد قطعة قماش تستر به مفاتنها بل أصبح محفزّا للمرأة المسلمة لتدافع عن حجابها و إسلامها فی الوقت ذاته ، فلأنها تعیش فی خضم مجتمع یرمقها صباح مساء ویعتبرها مظلومة ، فإنها تضطّر أن تدافع عن نفسها وخیارها الإسلامی فی المدرسة والشارع والحافلة والمستشفى ، وقد أدّى کل ذلک إلى تکریس قناعاتها بالإضافة إلى إقناع الأوروبیات بعظمة الإسلام ومن تمّ أسلم الکثیر من الأوروبیّات وأرتدین الحجاب تماما کالمرأة المسلمة . وقد صادف أن أسلمت فتاة سویدیة تعمل فی محل لبیع الثیّاب النسائیّة فطردت من عملها ورفعت دعوى على ربّ العمل ، فأنصفتها المحکمة السویدیة وردتها إلى عملها مقرّة بحقها فی إرتداء الحجاب وإعتبار حجابها ذلک لا یتنافى مع العمل . و أشدّ ما یخشاه الإستراتیجیون الغربیون هو حجاب المرأة المسلمة المولودة فی الغرب و التی تجید اللغة الغربیة فی هذه الدولة وتلک بطلاقة ، حیث کان المعوّل أن یکون هؤلاء بحکم المولد الغربی و بحکم الدراسة فی المدارس الغربیة غربیّات ، خصوصا إذا علمنا أنّ الکثیر من الدول الغربیّة فتحت باب الهجرة للعرب والمسلمین لیس طمعا فی الکهول المشربین بالعادات والتقالید الإسلامیة و لکن طمعا فیمن هم فی أصلابهم من الجیل الذی سیولد فی الغرب فیکثرّون به النسمة الغربیة و یخضعونه لعملیة غسیل دماع حضاری حتى یکون النسیج الإجتماعی والثقافی والحضاری فی الغرب بعد خمسین سنة واحدا من وحی الترکیبة الفکریة والثقافیة والحضاریة الغربیة . وقد أصبح هذا الجیل من المحجبات المسلمات المولودات فی الغرب یشارکن فی التظاهرات و النقاشات السیاسیة والثقافیة التی تدور فی وسائل الإعلام الغربیة ، ومثلما یثرن الدهشة فإنّهن یثرن التساؤل لدى المهتمین الغربیین حول تبددّ المشاریع الإندماجیة فی الغرب التی لم تستطع أن تزحف بإتجّاه معتقد المرأة المسلمة المحجبّة الذی یردف هذه المرأة بکثیر من معانی القوة و الإندفاع . کما لاحظ هؤلاء الإستراتیجیون أنّ أبناء المرأة المحجبة الملتزمة یظلون محافظین على قیمهّم الدینیة ومبادئهم الإسلامیة و هو الأمر الذی یعتبره هؤلاء عقبة فی وجه إنجاح سیاسة الإندماج بشکل کامل . وفوق هذا وذاک فإنّ المنظومة الإقتصادیة الغربیة التی تقدّس المادة إلى أبعد الحدود وتعتبر الربح هدفا فی حدّ ذاته ، تعتبر أنّ الحجاب منافس لکثیر من صناعات الملابس فی الغرب ، وقد یشکل إنتشاره بین الفتیات المسلمات و الأوربیات إلى حرمان هذه الشرکات المنتجة للملابس والخلیعة منها على وجه التحدید من الرواج المطلوب حیث أن الحجاب بات یصدم أصحاب الفکر المادی مادیّا وروحیّا . و یبقى القول أنّ الإستراتیجیین الغربیین یخشون أن تکون فریضة الحجاب المنتشرة فی أوروبا والتی یلتزم بها المحجبات المسلمات منطلقا بإتجاه تکریس الفرائض الأخرى ، و هو ما تخشاه أوروبا وبدأت تدقّ لأجله الدوائر المعادیة للإسلام فی الغرب نواقیس الخطر . | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,567 |
||