هل ستکون بریطانیا سببا فی تفکک الاتحاد الأوروبی؟ | ||
هل ستکون بریطانیا سببا فی تفکک الاتحاد الأوروبی؟ أیمن حسین
البریطانیون یطالبون بالخروج من اتحاد “بروکسل”.. والمفوضیة الأوروبیة تکافح لإبقائها فیتو فرنسی – ألمانی یناهض طموحات “کامیرون” فی معرکة “البقاء للأقوى” مقدمة: أسباب الرغبة البریطانیة فی الانفصال: یعتقد صقور حزب المحافظین المشککین بأوروبا، والذین ینادون بالانفصال عن مجموعة بروکسل أن المکاسب ستکون أکبر من الخسائر، لکن الأسباب الواقعیة یمکن رصدها فی الآتی: أولاً: القیود السیاسیة المفروضة على السیادة البریطانیة، لأن خروجها یحرر السلطة القضائیة من أحکام القیود القانونیة، ولا سیما المحکمة الأوروبیة لحقوق الإنسان، بحیث تصبح أحکامها غیر ملزمة للمحکمة العلیا البریطانیة. أضف إلى ذلک المخاوف من انشاء قوة عسکریة أوروبیة والتی من شأنها أن تقوض حلف شمال الأطلسی الذی تقوده بریطانیا مع الولایات المتحدة، خاصة وقد عبر مسبقا رئیس المفوضیة الأوروبیة، جان کلود یونکر، عن ذلک صراحة بدایة العام الحالی، ودعا إلى إنشاء جیش مشترک للاتحاد الأوروبی للتصدی لروسیا وغیرها من التهدیدات.
اضافة الى عدم رضوخ بریطانیا لالغاء عملتها “الجنیه الاسترلینی” وهو ما یطالب به دائما الاتحاد الاوروبی، لأن یکون “الیورو” هو العملة الرسمیة لجمیع بلدان الاتحاد.
بجانب أن أزمة اللاجئین بدأت تهد کاهل الحکومة البریطانیة وتشکل عبئاً کبیراً علیها، حیث قال کامیرون أن أزمة اللاجئین قد تکون سببا أساسیاً فی انفصال بریطانیا عن الاتحاد الأوروبی بل قد تسرع به، وحذر من أن الهجرة الأوروبیة وأزمة اللاجئین قد تدفع بریطانیا صوب باب الخروج من الاتحاد. خطوات بریطانیة: تضع بریطانیا أربعة شروط للبقاء ضمن دول الاتحاد الاوروبى، وهی إعفائها من المبادئ التأسیسیة للاتحاد، وعدم اعتبار “الیورو” العملة الرسمیة للاتحاد الأوروبی، وإقرار نظام “البطاقة الحمراء” لاستعادة القوة من بروکسل إلى لندن، ومنع هیمنة الدول الأعضاء على الدول الـ9 الواقعة خارج منطقة “الیورو”. إلى جانب هذا یشترط رئیس الحکومة البریطانیة الحالیة دیفید کامیرون، انتظار المهاجرین أربع سنوات قبل حصولهم على الرعایة الاجتماعیة فی لندن، وهو ما یلقَى رفضاً من دول الاتحاد. وأبلغت بریطانیا شرکاءها فی الاتحاد الاوروبی ان معاهدات الاتحاد “لا تفى بالغرض” وانه یتعین إصلاحها وإلا فانها ستنسحب من الاتحاد، وقال وزیر المالیة البریطانی جورج اوزوبورن انه یتعین تغییر معاهدات الاتحاد الاوروبی لحمایة الدول الأعضاء التی لا تستخدم الیورو مثل بریطانیا، وتأتی تعلیقات اوزوبورن التی أدلى بها فی مؤتمر فی لندن بعد ان اتهم جوزیه مانویل باروزو رئیس المفوضیة الاوروبیة دولا مثل بریطانیا التی تشکک فی حریة قواعد الحرکة فی الاتحاد بتبنی “فکرة شوفینیة ضیقة للحمایة”. وقال اوزوبورن – وهو حلیف وثیق لرئیس الوزراء البریطانی دیفید کامیرون- ان المعاهدات التی تنظم کیفیة إدارة شؤون الاتحاد الاوروبی “لا تفی بالغرض” ویتعین إصلاحها، واضاف قائلا “توفیر حمایة قانونیة مناسبة لحقوق غیر الأعضاء فی الیورو … ضروریة تماما للحفاظ على السوق الموحدة وتجعل من الممکن لبریطانیا ان تبقى فی الاتحاد الاوروبی”، وأضاف “إذا لم یکن بوسعنا ان نحمی المصالح الجماعیة للدول غیر الأعضاء فی منطقة الیورو عندئذ فإنها ستضطر للاختیار بین الانضمام الى الیورو – وهو ما لن تفعله المملکة المتحدة- أو مغادرة الاتحاد الاوروبی”، وقال ان مسعى لتوثیق التکامل بین الدول الثمانی عشرة التی تستخدم العملة الموحدة یضع ضغوطا على البنیان المؤسسی للاتحاد الاوروبی. دور شرقی: الأمر اللافت فی الصراع الأوروبی الذی بدأت تظهر إرهاصاته على السطح، أنها المحاولة الأولى، فی تاریخ الاتحاد الأوروبی، التی تسعى فیها دول أوروبا الشرقیة، الأحدث انضماماً للاتحاد، إلى مزاحمة دول أوروبا الغربیة المؤسسة وتتکتل لتغییر معادلة القوة الراسخة داخل الاتحاد الأوروبی، فی مواجهة برلین وباریس وبقیة الدول الأعضاء فی أوروبا الغربیة، فالضغوط التى تنتهجها لندن للضغط على الاتحاد الأوروبى لیست بعیدة عن دول أوروبا الشرقیة – المختلفة فکریا وسیاسیا واجتماعیا واقتصادیا عن بریطانیا – حیث شرعت دول أوروبا الشرقیة فی ممارسة المزید من الضغوط على دول أوروبا الغربیة لإدخال إصلاحات على نظام عمل مؤسسات الاتحاد الأوروبی، تُقَلص من هیمنة وسیطرة الاتحاد على الدول الأعضاء مقابل تعزیز سلطات المؤسسات والحکومات الوطنیة فی الدول الأعضاء، حیث تنظر دول أوروبا الشرقیة بزعامة المجر، التی تقودها حکومة فیکتور أوروبان الیمینیة المحافظة، إلى الوقت الراهن على أنه فرصة تاریخیة لتمریر التعدیلات المطلوبة، بناءً على معطیات جدیدة تتمثل فی تولی حکومة یمینیة محافظة مقالید الحکم فی بولندا، وظهور رغبة لدى رئیس الوزراء البریطانی، دیفید کامیرون، فی التعاون مع دول أوروبا الشرقیة الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی، لتمریر الإصلاحات التی ینادی بها، فی اتجاه عودة السیطرة إلى الحکومات والبرلمانات الوطنیة على مقالید الأمور فی بلدانهم مقابل تقلیص صلاحیات الاتحاد والمفوضیة الأوروبیة، کبدیل لخروج المملکة المتحدة من عضویة الاتحاد الأوروبی. المصالح تتلاقى بین بریطانیا ودول أوروبا الشرقیة فى انتزاع صلاحیات وسلطات الاتحاد الاوروبى، فحکومتا المجر وبولندا عازمتان على عدم تفویت الفرصة المتاحة، لإعادة انتزاع جزء من سلطات الاتحاد الأوروبی لصالح الحکومات والبرلمانات الوطنیة للدول الأعضاء، بالتعاون مع دول أوروبیة شرقیة أخرى مثل سلوفاکیا والتشیک ودول البلطیق (إستونیا لاتفیا لیتوانیا)، بالتنسیق مع دیفید کامیرون رئیس وزراء المملکة المتحدة، حیث ترى هذه الدول أن الاتحاد الأوروبی تعرض مؤخراً لعدة أزمات أدت إلى إضعافه، فی إشارة إلى أزمة الیونان المالیة ومشکلة تدفق اللاجئین إلى أوروبا وارتباطها بخطر انتشار الارهاب والتهدیدات الإرهابیة المحتملة فی أوروبا، إضافة إلى تلویح بریطانیا بالخروج من عضویة الاتحاد الأوروبی، حیث تعتقد هذه الدول أن تلک الأزمات جعلت الظروف مواتیة لإدخال إصلاحات على نظام عمل مؤسسات الاتحاد الأوروبی، تساهم فی استرداد جزء من سلطات الحکومات الوطنیة وإطلاق أیادیها المغلولة فی مواجهة سیطرة الاتحاد الأوروبی، واستغلال الضعف النسبی، الذی لحق بدول أوروبا الغربیة، لا سیما ألمانیا وفرنسا، فی تمریر الإصلاحات المطلوبة، فیما یرى محللون نمساویون أن المشاکل التی تواجه دول أوروبا الغربیة فتحت الباب على مصراعیه أمام دول أوروبا الشرقیة، التی تحاول استغلال هذه الفرصة عن طریق تجمیع الجهود ضد نظیراتها الغربیة. التسریبات التی نشرت مؤخراً عن دوائر قریبة الصلة بالحکومة المجریة الیمینیة، تکشف النقاب عن هدف حکومة فیکتور أوربان، التی ترغب فی تقلیص النزعة الأوروبیة وجعل الاتحاد الأوروبی “تجمع یهتم بتعزیز المصالح الاقتصادیة للدول الأعضاء مقابل تقلیص دور الاتحاد فی تقییم أداء وسلوکیات الدول الأعضاء”، وتعول حکومة المجر لتحقیق هذا الهدف على تعزیز التعاون بین دول مجموعة “فیشجراد”، المکونة من المجر وبولندا وسلوفاکیا والتشیک، بالتعاون مع رومانیا ودول البلطیق، ویعتقد رئیس وزراء المجر فی القوة، التی تتمتع بها هذه الدول فی مواجهة دول أوروبا الغربیة، التی بدأت تعتریها مظاهر الضعف بسبب الأزمات المتعددة التی تعانی منها. واهتمت صحف نمساویة بتصریح جاء على لسان الخبیر الإعلامی البولندی الیمینی، ایجور یانک، القریب من رئیس حکومة المجر، فیکتور أوربان، قال فیه “إذا ما اتحدت دول أوروبا الوسط وتعاونت مع کامیرون تستطیع تغییر الاتحاد الأوروبی”، ویرصد المحللون قضیتین أساسیتین تجمعان رئیس وزراء المجر فیکتور أوربان الیمینی المحافظ ونظیره البریطانی دیفید کامیرون، رئیس حزب المحافظین، الأولى تستهدف إدخال تعدیل یسمح لبرلمانات الدول الأعضاء بممارسة حق الاعتراض على قرارات الاتحاد الأوروبی “فیتو”، والثانیة تطالب بتحدید موعد تعمل فیه جمیع الدول الأعضاء فی الاتحاد بالعملة الأوروبیة الموحدة “الیورو”. ردود اتحاد بروکسل: وفی رسالة ضمنیة من المفوضیة الأوروبیة للمجموعة التی تسعى لتغییر معادلة القوة الراسخة داخل دول الاتحاد الأوروبی تفکر المفوضیة الأوروبیة جدیا فی استخدام البند السابع من اتفاقیة الاتحاد الأوروبی، الخاص بانتهاک الدول الأعضاء لمعاییر وقیم الاتحاد الأوروبی ضد بولندا، بعد أن أقدمت حکومتها الیمینیة الجدیدة على تنفیذ تغییرات تحد من سلطات المحکمة الدستوریة وتهدد حریة الإعلام، بشکل أزعج قادة الاتحاد الأوروبی ودفع المفوضیة الأوروبیة إلى الإعلان عن تخصیص جلسة لمناقشة وضع سیادة القانون فی بولندا بعد هذه التعدیلات الأخیرة. فی سیاق متصل حث رئیس المفوضیة الاوروبیة (جوزیه مانویل باروزو) بریطانیا على أن تتواصل مع شرکائها فی الاتحاد الاوروبی بدلا من أن تدیر ظهرها للاتحاد قائلا إنه ینبغی على لندن أن تناضل لمحاولة تغییر الاشیاء التی لا تروق لها، ویتخذ الائتلاف الحاکم فی بریطانیا والذی یقوده المحافظون موقفا متشککا بشأن التکامل الاوروبی. وقال باروزو فی کلمة القاها فی کلیة لندن للاقتصاد “الشیء الصحیح الذی ینبغی عمله لیس الابتعاد بل التواصل ومعرفة ما الذی یمکننا معا ان نفعله من أجل آداء أفضل… إذا کنتم غیر راضین عن اوروبا کما هی فلتحسنوها”، واستبعد باروزو أی محاولة لتغییر قواعد الاتحاد الاوروبی بشأن حریة انتقال العمال وهو شیء قال کامیرون انه یرید ان یفعله لمنع مواطنی الدول الاعضاء الجدد فی الاتحاد من استغلال مزایا الرعایة الاجتماعیة فی بریطانیا. من جهته عبر الرئیس الفرنسی فرنسوا هولاند عن رأى بلاده قائلا إن إعادة التفاوض على عضویة بریطانیا فی الاتحاد الاوروبی “لیست أولویة”، وأضاف “لا نستطیع فرض الخیار البریطانی على اوروبا”. جدل بریطانی: یرى فریق من المراقبین أن بریطانیا تحت قیادة دیفید کامیرون تسعى لانتهاج سیاسة جدیدة تتوافق مع التطورات الجدیدة على الأصعدة کافة، وذلک باعتماد إستراتیجیة الانفصال لضمان تحقیق مصالحها الاقتصادیة والاستراتیجیة والسیاسیة مستقبلا، ویتضح أن الاتحاد یعتبر بالنسبة لکثیر من البریطانیین رحلة لا تتوقف فی اتجاه واحد وینحسر فیه السیادة الوطنیة، کما أن مصیر البلاد تحدده قوة أوروبیة عظمى، لذا یتخذ المحافظون فی بریطانیا موقفا متشککا بشان التکامل الأوروبی. بینما یرى فریق آخر أن ما دأبت به الحکومة البریطانیة فی المدة الأخیرة من مماطلة سیاسیة تهدف للخروج من الوحدة الأوروبیة، او الحصول على موقع رئیسی فی هذا الاتحاد، خصوصا بعد هیمنة القوى الفرنسیة والألمانیة علیه سیاسیا واقتصادیا فی الفترة الاخیرة، أظهر مساعی هذه الدولة لإعادة هیمنتها الدولیة، بالإضافة إلى الخوف البریطانی من تدخل الأوروبیین فی شؤونهم الداخلیة التی یفضلون تسویتها فیما بینهم، دون أن ننسى الأسر الحاکمة التقلیدیة فی أوروبا التی کانت دائماً تناوئ بریطانیا، وغیرها من الأسباب والدوافع الأخرى، التی قد تمهد لانفصال بریطانیا عن الاتحاد الأوربی فی المستقبل القریب. فیما اختلفت الآراء وتعددت الانتقادات بشأن خروج المملکة المتحدة من اتحاد القارة العجوز خلال المدة المقبلة، فقد حذر أغلب المتخصصین من تداعیات سلبیة إذا انسحبت المملکة المتحدة من الاتحاد الأوروبی، فإن مثل هذه الخطوة قد تلحق ضررا بالاقتصاد البریطانی وتخفض الاستثمار من الشرکات الدولیة، کما أن تبعات خروج لندن من الاتحاد من شأنها أن تؤثر على السوق الداخلیة للاتحاد الأوروبی، کون وجود بریطانیا فیه یعزّز السوق الاقتصادی الحرّ، لما للندن من أهمیة کبیرة لکونها مرکزاً مالیاً فی أوروبا، ومرکزاً لصنادیق التحوّط المالی وشرکات الأسهم الخاصة.
التقدیرات تشیر إلى أن أکبر المکاسب التی یمکن جنیها هی مطالب لندن الحالیة من الاتحاد الأوروبی، بینما تترکز الخسائر فی تدهور العلاقات التجاریة بین لندن والاتحاد الأوروبی، وخسارة بریطانیا میزة تنافسیة کبیرة فی قدرتها على جذب الاستثمارات کونها عضوا فی الاتحاد.
وأظهر بحث طلبته مجموعة ضغط تمثل البنوک ومدیری الأموال أن خروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبی یمکن أن یؤدی إلى تدمیر موقف لندن بوصفها المرکز المالی الوحید لمنافسة نیویورک وإلى عزل الاقتصاد البریطانی، وفقا للمجموعة التی تضم بنوک “جولدمان ساکس” و”سیتی” و”جیه بی مورغان”. على الجانب الآخر، یرى معارضو البقاء فی الاتحاد الأوروبی إن بریطانیا ستکون فی وضع أفضل فیما یتعلق بالتجارة مع العالم من خارج الاتحاد الأوروبی، خاصة أن مصادر نمو الاقتصاد العالمی الآن تأتی من الدول الناشئة ولیس من الاتحاد، ثم إنهم یرون أن الاقتصاد الخامس فی العالم یمکنه العیش خارج الاتحاد الأوروبی، وأنه ینبغی على أوروبا أن تکون سوقًا مشترکة ولیس بلدًا مشترکا، فیحتفظون بالمکاسب الاقتصادیة دون تحمل مشاکل المهاجرین. وطالبت بریطانیا بوضع آلیة للتحکم فی حرکة المهاجرین الوافدین إلى المملکة المتحدة من بلدان أوروبا والسیطرة على الحدود البریطانیة، إلا أن مطالبها لم تنفذ. ولیس بعیداً عن هذا الانقسام، تأتی خطورة خروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبی وتأثیرها على مکانة الاتحاد، على الرغم من المخاطر التی من الممکن ان تواجهها البلاد، ومنها إعطاء الذریعة مجدداً للاسکتلندیین للمطالبة بالاستقلال عنها.
ربما یکون سعیها لممارسة ضغوط على الکتلة الأوروبیة هو لتحقیق مکاسب لکنه یصطدم بفیتو فرنسی ألمانی رافض لإجراء ای تعدیل على اتفاقیة لشبونة، لکن فی الوقت نفسه وبعیدا عن الحسابات السیاسیة، تأتی الحسابات الاقتصادیة بثقل کبیر لتبقى المعادلة مفتوحة لاضافة قرارات أو أطراف اخرى.
هل ستکون بریطانیا سببا فی تفکک الاتحاد الأوروبی؟ أیمن حسین
البریطانیون یطالبون بالخروج من اتحاد “بروکسل”.. والمفوضیة الأوروبیة تکافح لإبقائها فیتو فرنسی – ألمانی یناهض طموحات “کامیرون” فی معرکة “البقاء للأقوى” مقدمة: أسباب الرغبة البریطانیة فی الانفصال: یعتقد صقور حزب المحافظین المشککین بأوروبا، والذین ینادون بالانفصال عن مجموعة بروکسل أن المکاسب ستکون أکبر من الخسائر، لکن الأسباب الواقعیة یمکن رصدها فی الآتی: أولاً: القیود السیاسیة المفروضة على السیادة البریطانیة، لأن خروجها یحرر السلطة القضائیة من أحکام القیود القانونیة، ولا سیما المحکمة الأوروبیة لحقوق الإنسان، بحیث تصبح أحکامها غیر ملزمة للمحکمة العلیا البریطانیة. أضف إلى ذلک المخاوف من انشاء قوة عسکریة أوروبیة والتی من شأنها أن تقوض حلف شمال الأطلسی الذی تقوده بریطانیا مع الولایات المتحدة، خاصة وقد عبر مسبقا رئیس المفوضیة الأوروبیة، جان کلود یونکر، عن ذلک صراحة بدایة العام الحالی، ودعا إلى إنشاء جیش مشترک للاتحاد الأوروبی للتصدی لروسیا وغیرها من التهدیدات.
اضافة الى عدم رضوخ بریطانیا لالغاء عملتها “الجنیه الاسترلینی” وهو ما یطالب به دائما الاتحاد الاوروبی، لأن یکون “الیورو” هو العملة الرسمیة لجمیع بلدان الاتحاد.
بجانب أن أزمة اللاجئین بدأت تهد کاهل الحکومة البریطانیة وتشکل عبئاً کبیراً علیها، حیث قال کامیرون أن أزمة اللاجئین قد تکون سببا أساسیاً فی انفصال بریطانیا عن الاتحاد الأوروبی بل قد تسرع به، وحذر من أن الهجرة الأوروبیة وأزمة اللاجئین قد تدفع بریطانیا صوب باب الخروج من الاتحاد. خطوات بریطانیة: تضع بریطانیا أربعة شروط للبقاء ضمن دول الاتحاد الاوروبى، وهی إعفائها من المبادئ التأسیسیة للاتحاد، وعدم اعتبار “الیورو” العملة الرسمیة للاتحاد الأوروبی، وإقرار نظام “البطاقة الحمراء” لاستعادة القوة من بروکسل إلى لندن، ومنع هیمنة الدول الأعضاء على الدول الـ9 الواقعة خارج منطقة “الیورو”. إلى جانب هذا یشترط رئیس الحکومة البریطانیة الحالیة دیفید کامیرون، انتظار المهاجرین أربع سنوات قبل حصولهم على الرعایة الاجتماعیة فی لندن، وهو ما یلقَى رفضاً من دول الاتحاد. وأبلغت بریطانیا شرکاءها فی الاتحاد الاوروبی ان معاهدات الاتحاد “لا تفى بالغرض” وانه یتعین إصلاحها وإلا فانها ستنسحب من الاتحاد، وقال وزیر المالیة البریطانی جورج اوزوبورن انه یتعین تغییر معاهدات الاتحاد الاوروبی لحمایة الدول الأعضاء التی لا تستخدم الیورو مثل بریطانیا، وتأتی تعلیقات اوزوبورن التی أدلى بها فی مؤتمر فی لندن بعد ان اتهم جوزیه مانویل باروزو رئیس المفوضیة الاوروبیة دولا مثل بریطانیا التی تشکک فی حریة قواعد الحرکة فی الاتحاد بتبنی “فکرة شوفینیة ضیقة للحمایة”. وقال اوزوبورن – وهو حلیف وثیق لرئیس الوزراء البریطانی دیفید کامیرون- ان المعاهدات التی تنظم کیفیة إدارة شؤون الاتحاد الاوروبی “لا تفی بالغرض” ویتعین إصلاحها، واضاف قائلا “توفیر حمایة قانونیة مناسبة لحقوق غیر الأعضاء فی الیورو … ضروریة تماما للحفاظ على السوق الموحدة وتجعل من الممکن لبریطانیا ان تبقى فی الاتحاد الاوروبی”، وأضاف “إذا لم یکن بوسعنا ان نحمی المصالح الجماعیة للدول غیر الأعضاء فی منطقة الیورو عندئذ فإنها ستضطر للاختیار بین الانضمام الى الیورو – وهو ما لن تفعله المملکة المتحدة- أو مغادرة الاتحاد الاوروبی”، وقال ان مسعى لتوثیق التکامل بین الدول الثمانی عشرة التی تستخدم العملة الموحدة یضع ضغوطا على البنیان المؤسسی للاتحاد الاوروبی. دور شرقی: الأمر اللافت فی الصراع الأوروبی الذی بدأت تظهر إرهاصاته على السطح، أنها المحاولة الأولى، فی تاریخ الاتحاد الأوروبی، التی تسعى فیها دول أوروبا الشرقیة، الأحدث انضماماً للاتحاد، إلى مزاحمة دول أوروبا الغربیة المؤسسة وتتکتل لتغییر معادلة القوة الراسخة داخل الاتحاد الأوروبی، فی مواجهة برلین وباریس وبقیة الدول الأعضاء فی أوروبا الغربیة، فالضغوط التى تنتهجها لندن للضغط على الاتحاد الأوروبى لیست بعیدة عن دول أوروبا الشرقیة – المختلفة فکریا وسیاسیا واجتماعیا واقتصادیا عن بریطانیا – حیث شرعت دول أوروبا الشرقیة فی ممارسة المزید من الضغوط على دول أوروبا الغربیة لإدخال إصلاحات على نظام عمل مؤسسات الاتحاد الأوروبی، تُقَلص من هیمنة وسیطرة الاتحاد على الدول الأعضاء مقابل تعزیز سلطات المؤسسات والحکومات الوطنیة فی الدول الأعضاء، حیث تنظر دول أوروبا الشرقیة بزعامة المجر، التی تقودها حکومة فیکتور أوروبان الیمینیة المحافظة، إلى الوقت الراهن على أنه فرصة تاریخیة لتمریر التعدیلات المطلوبة، بناءً على معطیات جدیدة تتمثل فی تولی حکومة یمینیة محافظة مقالید الحکم فی بولندا، وظهور رغبة لدى رئیس الوزراء البریطانی، دیفید کامیرون، فی التعاون مع دول أوروبا الشرقیة الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی، لتمریر الإصلاحات التی ینادی بها، فی اتجاه عودة السیطرة إلى الحکومات والبرلمانات الوطنیة على مقالید الأمور فی بلدانهم مقابل تقلیص صلاحیات الاتحاد والمفوضیة الأوروبیة، کبدیل لخروج المملکة المتحدة من عضویة الاتحاد الأوروبی. المصالح تتلاقى بین بریطانیا ودول أوروبا الشرقیة فى انتزاع صلاحیات وسلطات الاتحاد الاوروبى، فحکومتا المجر وبولندا عازمتان على عدم تفویت الفرصة المتاحة، لإعادة انتزاع جزء من سلطات الاتحاد الأوروبی لصالح الحکومات والبرلمانات الوطنیة للدول الأعضاء، بالتعاون مع دول أوروبیة شرقیة أخرى مثل سلوفاکیا والتشیک ودول البلطیق (إستونیا لاتفیا لیتوانیا)، بالتنسیق مع دیفید کامیرون رئیس وزراء المملکة المتحدة، حیث ترى هذه الدول أن الاتحاد الأوروبی تعرض مؤخراً لعدة أزمات أدت إلى إضعافه، فی إشارة إلى أزمة الیونان المالیة ومشکلة تدفق اللاجئین إلى أوروبا وارتباطها بخطر انتشار الارهاب والتهدیدات الإرهابیة المحتملة فی أوروبا، إضافة إلى تلویح بریطانیا بالخروج من عضویة الاتحاد الأوروبی، حیث تعتقد هذه الدول أن تلک الأزمات جعلت الظروف مواتیة لإدخال إصلاحات على نظام عمل مؤسسات الاتحاد الأوروبی، تساهم فی استرداد جزء من سلطات الحکومات الوطنیة وإطلاق أیادیها المغلولة فی مواجهة سیطرة الاتحاد الأوروبی، واستغلال الضعف النسبی، الذی لحق بدول أوروبا الغربیة، لا سیما ألمانیا وفرنسا، فی تمریر الإصلاحات المطلوبة، فیما یرى محللون نمساویون أن المشاکل التی تواجه دول أوروبا الغربیة فتحت الباب على مصراعیه أمام دول أوروبا الشرقیة، التی تحاول استغلال هذه الفرصة عن طریق تجمیع الجهود ضد نظیراتها الغربیة. التسریبات التی نشرت مؤخراً عن دوائر قریبة الصلة بالحکومة المجریة الیمینیة، تکشف النقاب عن هدف حکومة فیکتور أوربان، التی ترغب فی تقلیص النزعة الأوروبیة وجعل الاتحاد الأوروبی “تجمع یهتم بتعزیز المصالح الاقتصادیة للدول الأعضاء مقابل تقلیص دور الاتحاد فی تقییم أداء وسلوکیات الدول الأعضاء”، وتعول حکومة المجر لتحقیق هذا الهدف على تعزیز التعاون بین دول مجموعة “فیشجراد”، المکونة من المجر وبولندا وسلوفاکیا والتشیک، بالتعاون مع رومانیا ودول البلطیق، ویعتقد رئیس وزراء المجر فی القوة، التی تتمتع بها هذه الدول فی مواجهة دول أوروبا الغربیة، التی بدأت تعتریها مظاهر الضعف بسبب الأزمات المتعددة التی تعانی منها. واهتمت صحف نمساویة بتصریح جاء على لسان الخبیر الإعلامی البولندی الیمینی، ایجور یانک، القریب من رئیس حکومة المجر، فیکتور أوربان، قال فیه “إذا ما اتحدت دول أوروبا الوسط وتعاونت مع کامیرون تستطیع تغییر الاتحاد الأوروبی”، ویرصد المحللون قضیتین أساسیتین تجمعان رئیس وزراء المجر فیکتور أوربان الیمینی المحافظ ونظیره البریطانی دیفید کامیرون، رئیس حزب المحافظین، الأولى تستهدف إدخال تعدیل یسمح لبرلمانات الدول الأعضاء بممارسة حق الاعتراض على قرارات الاتحاد الأوروبی “فیتو”، والثانیة تطالب بتحدید موعد تعمل فیه جمیع الدول الأعضاء فی الاتحاد بالعملة الأوروبیة الموحدة “الیورو”. ردود اتحاد بروکسل: وفی رسالة ضمنیة من المفوضیة الأوروبیة للمجموعة التی تسعى لتغییر معادلة القوة الراسخة داخل دول الاتحاد الأوروبی تفکر المفوضیة الأوروبیة جدیا فی استخدام البند السابع من اتفاقیة الاتحاد الأوروبی، الخاص بانتهاک الدول الأعضاء لمعاییر وقیم الاتحاد الأوروبی ضد بولندا، بعد أن أقدمت حکومتها الیمینیة الجدیدة على تنفیذ تغییرات تحد من سلطات المحکمة الدستوریة وتهدد حریة الإعلام، بشکل أزعج قادة الاتحاد الأوروبی ودفع المفوضیة الأوروبیة إلى الإعلان عن تخصیص جلسة لمناقشة وضع سیادة القانون فی بولندا بعد هذه التعدیلات الأخیرة. فی سیاق متصل حث رئیس المفوضیة الاوروبیة (جوزیه مانویل باروزو) بریطانیا على أن تتواصل مع شرکائها فی الاتحاد الاوروبی بدلا من أن تدیر ظهرها للاتحاد قائلا إنه ینبغی على لندن أن تناضل لمحاولة تغییر الاشیاء التی لا تروق لها، ویتخذ الائتلاف الحاکم فی بریطانیا والذی یقوده المحافظون موقفا متشککا بشأن التکامل الاوروبی. وقال باروزو فی کلمة القاها فی کلیة لندن للاقتصاد “الشیء الصحیح الذی ینبغی عمله لیس الابتعاد بل التواصل ومعرفة ما الذی یمکننا معا ان نفعله من أجل آداء أفضل… إذا کنتم غیر راضین عن اوروبا کما هی فلتحسنوها”، واستبعد باروزو أی محاولة لتغییر قواعد الاتحاد الاوروبی بشأن حریة انتقال العمال وهو شیء قال کامیرون انه یرید ان یفعله لمنع مواطنی الدول الاعضاء الجدد فی الاتحاد من استغلال مزایا الرعایة الاجتماعیة فی بریطانیا. من جهته عبر الرئیس الفرنسی فرنسوا هولاند عن رأى بلاده قائلا إن إعادة التفاوض على عضویة بریطانیا فی الاتحاد الاوروبی “لیست أولویة”، وأضاف “لا نستطیع فرض الخیار البریطانی على اوروبا”. جدل بریطانی: یرى فریق من المراقبین أن بریطانیا تحت قیادة دیفید کامیرون تسعى لانتهاج سیاسة جدیدة تتوافق مع التطورات الجدیدة على الأصعدة کافة، وذلک باعتماد إستراتیجیة الانفصال لضمان تحقیق مصالحها الاقتصادیة والاستراتیجیة والسیاسیة مستقبلا، ویتضح أن الاتحاد یعتبر بالنسبة لکثیر من البریطانیین رحلة لا تتوقف فی اتجاه واحد وینحسر فیه السیادة الوطنیة، کما أن مصیر البلاد تحدده قوة أوروبیة عظمى، لذا یتخذ المحافظون فی بریطانیا موقفا متشککا بشان التکامل الأوروبی. بینما یرى فریق آخر أن ما دأبت به الحکومة البریطانیة فی المدة الأخیرة من مماطلة سیاسیة تهدف للخروج من الوحدة الأوروبیة، او الحصول على موقع رئیسی فی هذا الاتحاد، خصوصا بعد هیمنة القوى الفرنسیة والألمانیة علیه سیاسیا واقتصادیا فی الفترة الاخیرة، أظهر مساعی هذه الدولة لإعادة هیمنتها الدولیة، بالإضافة إلى الخوف البریطانی من تدخل الأوروبیین فی شؤونهم الداخلیة التی یفضلون تسویتها فیما بینهم، دون أن ننسى الأسر الحاکمة التقلیدیة فی أوروبا التی کانت دائماً تناوئ بریطانیا، وغیرها من الأسباب والدوافع الأخرى، التی قد تمهد لانفصال بریطانیا عن الاتحاد الأوربی فی المستقبل القریب. فیما اختلفت الآراء وتعددت الانتقادات بشأن خروج المملکة المتحدة من اتحاد القارة العجوز خلال المدة المقبلة، فقد حذر أغلب المتخصصین من تداعیات سلبیة إذا انسحبت المملکة المتحدة من الاتحاد الأوروبی، فإن مثل هذه الخطوة قد تلحق ضررا بالاقتصاد البریطانی وتخفض الاستثمار من الشرکات الدولیة، کما أن تبعات خروج لندن من الاتحاد من شأنها أن تؤثر على السوق الداخلیة للاتحاد الأوروبی، کون وجود بریطانیا فیه یعزّز السوق الاقتصادی الحرّ، لما للندن من أهمیة کبیرة لکونها مرکزاً مالیاً فی أوروبا، ومرکزاً لصنادیق التحوّط المالی وشرکات الأسهم الخاصة.
التقدیرات تشیر إلى أن أکبر المکاسب التی یمکن جنیها هی مطالب لندن الحالیة من الاتحاد الأوروبی، بینما تترکز الخسائر فی تدهور العلاقات التجاریة بین لندن والاتحاد الأوروبی، وخسارة بریطانیا میزة تنافسیة کبیرة فی قدرتها على جذب الاستثمارات کونها عضوا فی الاتحاد.
وأظهر بحث طلبته مجموعة ضغط تمثل البنوک ومدیری الأموال أن خروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبی یمکن أن یؤدی إلى تدمیر موقف لندن بوصفها المرکز المالی الوحید لمنافسة نیویورک وإلى عزل الاقتصاد البریطانی، وفقا للمجموعة التی تضم بنوک “جولدمان ساکس” و”سیتی” و”جیه بی مورغان”. على الجانب الآخر، یرى معارضو البقاء فی الاتحاد الأوروبی إن بریطانیا ستکون فی وضع أفضل فیما یتعلق بالتجارة مع العالم من خارج الاتحاد الأوروبی، خاصة أن مصادر نمو الاقتصاد العالمی الآن تأتی من الدول الناشئة ولیس من الاتحاد، ثم إنهم یرون أن الاقتصاد الخامس فی العالم یمکنه العیش خارج الاتحاد الأوروبی، وأنه ینبغی على أوروبا أن تکون سوقًا مشترکة ولیس بلدًا مشترکا، فیحتفظون بالمکاسب الاقتصادیة دون تحمل مشاکل المهاجرین. وطالبت بریطانیا بوضع آلیة للتحکم فی حرکة المهاجرین الوافدین إلى المملکة المتحدة من بلدان أوروبا والسیطرة على الحدود البریطانیة، إلا أن مطالبها لم تنفذ. ولیس بعیداً عن هذا الانقسام، تأتی خطورة خروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبی وتأثیرها على مکانة الاتحاد، على الرغم من المخاطر التی من الممکن ان تواجهها البلاد، ومنها إعطاء الذریعة مجدداً للاسکتلندیین للمطالبة بالاستقلال عنها.
ربما یکون سعیها لممارسة ضغوط على الکتلة الأوروبیة هو لتحقیق مکاسب لکنه یصطدم بفیتو فرنسی ألمانی رافض لإجراء ای تعدیل على اتفاقیة لشبونة، لکن فی الوقت نفسه وبعیدا عن الحسابات السیاسیة، تأتی الحسابات الاقتصادیة بثقل کبیر لتبقى المعادلة مفتوحة لاضافة قرارات أو أطراف اخرى. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,335 |
||