حصار غزة بین القانون الدولی والصمت العربی | ||
![]() | ||
حصار غزة بین القانون الدولی والصمت العربی محمد معاش
منذ سنة 2006 وقطاع غزة لا یزال محاصرا من طرف الکیان الصهیونی، فی صمت عربی وإسلامی، وتنکر دول الجوار وإخوة العروبة والإسلام. إن هذا القطاع المحاصر إسرائیلیا وعربیا، هو الذی بالأمس القریب أعطى دروسا فی الدیموقراطیة والتفاف الشعب الغزاوی حول المقاومة واعتباره لها خیارا وحیدا لتحریر الأرض والعرض الفلسطینی المغتصب. إن هذه الانتخابات، على غیر المتوقع دولیا، على اعتبار الحملات الإعلامیة الواسعة التی وسمت حماس بالإرهاب والتطرف، قد أعطت فوزا ساحقا لحرکة المقاومة، إبان آخر انتخابات، حیث حصلت على 76 مقعدا من بین 132 من مقاعد المجلس التشریعی، وهو الأمر الذی لم یرق لا الکیان الصهیونی فی الداخل ولا قوى المنتظم الدولی فی الخارج الراعیة ، من المفروض، للخیارات الدیموقراطیة فی العالم. إن اعتبار الخیار الدیموقراطی من طرف المنتظم الدولی کمعیار فی حسن السلوک وحسن تدبیر التنمیة المحلیة واحترام حقوق الإنسان، کان کافیا لرفع الحصار عن قطاع غزة والإسهام فی إعمارها، ولکن نلاحظ أن الحصار لم یرفع لحد الآن، ورغم تقدیم حماس للعدید من التنازلات کتخلیها عن حکم غزة وإسهامها فی تشکیل حکومة توافق وطنی. والمعضلة أن هذا الحصار الظالم رغم کل الأضرار الاقتصادیة والتنمویة والاجتماعیة والصحیة التی ترتبت عنه، لم یکن کافیا لدى المحتل الصهیونی. فقد قام بمزید من التصعید على مستوى القتل والتشرید والاغتیالات، حیث بادر لإشعال فتائل ثلاثة حروب عدوانیة دامت لعدة أیام، وحصدت العدید من الشهداء، وخلفت الکثیر من الدمار، وأزهقت العدید من الأرواح، ورغم ذلک بقی أهل غزة صامدین یستعصون على الترکیع والاستعباد، مقاومین بشکل فردی، کما استطاعوا بما لهم من السلاح أن یصدوا العدوان ویخرجوا من کل معرکة مرفوعی الرأس محققین انجازات باهرة أدهشت العدو قبل الصدیق. ما عاد أحد فی العالم ینکر أو یجهل المآلات الخطیرة التی خلفها هذا الحصار، لقد خلف أوضاعا اقتصادیة واجتماعیة وإنسانیة وبیئیة یعجز اللسان عن وصفها، إن تقاریر المنظمات الدولیة والهیئات الحقوقیة قد کشفت عن بشاعة مخلفات هذا العدوان الجائر، فمن بین هذه المخلفات ما جاء فی بیان لهیئة الحراک الوطنی لکسر الحصار وإعادة الإعمار أن نسبة البطالة قد تجاوزت 45% الأمر الذی خلف نصف ملیون مواطن عاطل عن العمل، وفی المقابل فإن فرص العمل باتت ضئیلة بفعل إغلاق المعابر ومنع الاستیراد لکثیر من السلع والموارد الأساسیة، ومن مخلفات الدمار الکبیر الذی أصاب المصانع والمرافق الصناعیة جراء الحروب العدوانیة الإسرائیلیة الثلاثة، وتخلی حکومة التوافق عن مسؤولیاتها تجاه قطاع غزة. أما القطاع الصحی فقد مر بمراحل معقدة طوال الأعوام الماضیة مما زاد من معاناة المرضى، حیث نجد أن أکثر من 30% من الأرصدة الدوائیة و40% من المستهلکات الطبیة الأساسیة قد تعرض للتلف مما جعل وزارة الصحة فی أزمة خانقة. ویعتبر مشکل الکهرباء من أبرز المشاکل التی أفرزها الحصار، الأمر الذی أجبر شرکة کهرباء غزة على وضع برنامج توزیع توافقی حتى تستفید جمیع سکنة القطاع بنسبة معینة من الکهرباء، وفق جدول یشمل قطع التیار ل8 ساعات، وتزید ساعات القطع فی حال نفاذ الوقود اللازم لتشغیل محطة تولید الکهرباء الوحیدة. ویحتاج القطاع إلى 360- 370 میغاواطا من الکهرباء، حتى تعمل مدة 24 ساعة، بینما لا یتوفر حالیاً إلا على 210 "میغاواط"، توفر منها إسرائیل (120 میغاواطا)، ومصر (32 میغاواطا)، وشرکة تولید الکهرباء (60 میغاواطا). إن ما سبق ذکره ما هو إلا غیض من فیض مما یعانیه القطاع وأبناء القطاع من أزمات وویلات وصعوبات. فالاحتلال الصهیونی قد عمل على فرض حصار بری وبحری وجوی, فمن الناحیة البریة فإنه یحکم قبضته على المنافذ الخمسة للقطاع, إذ لازال یحکم قبضته على کل من:
أما من الناحیة البحریة فإنه لا یسمح إلا للصیادین بالدخول إلى الشواطئ ضمن مسافة محددة فی ستة أمیال بحریة، یکون من تجاوزها فی مرمى نیران البحریة الإسرائیلیة أو یتعرض للاعتقال. هذا ما کان قد تم الاتفاق علیه ضمن تفاهمات وقف إطلاق النار بین الجانب الفلسطینی والکیان الصهیونی والذی تم برعایة مصریة والذی لم یحترمه الکیان. حتى على المستوى الجوی لم یسمح للقطاع باستغلاله، إذ أن مطار غزة الدولی الذی أنشأ عام 1998 بموجب اتفاق أوسلو (اللعین) قد أغلق عام 2000، ولیتم قصف المهبط الوحید للطائرات فی القطاع وتدمیره خلال العدوان الصهیونی عام 2008. إن الغریب فی الأمر هو أن هذا الحصار لا یستند على أی مسوغات قانونیة ولا على أی قرار دولی صادر عن مجلس الأمن أو غیره، وهو ما یؤکد الانبطاح التام والمباشر للأنظمة العربیة أمام سیاسة الاحتلال الصهیونی المدعم بشکل صریح من طرف الولایات المتحدة الأمریکیة التی یتسابق المرشحون لرئاستها إلى کسب ود اللوبی الصهیونی. وهذا یدفعنا إلى التساؤل عن دور جامعة الدول العربیة ومنظمة التعاون الإسلامی ومجلس التعاون الخلیجی وغیرها من الهیئات التی تعقد فیها اجتماعات متأخرة أحیانا وطارئة أحیانا أخرى، یجتمع فیها من یجتمع حول الموائد الفاخرة ویلتقطون لبعضهم صور تذکاریة لیختموا مجمعهم المبارک بقراءة بیان تندیدی یتوعدون فیه المحتل بلهجة حادة بأنه إن لم یوقف عدوانه فإنهم سیجتمعون من جدید لإصدار بیان شدید اللهجة؟ وأمام هذا التخاذل الرسمی؛ نجد حراکا شعبیا یتحرک هنا وهناک، فبعد کل عدوان تخرج تظاهرات ترفع خلالها الشعارات وخاصة ذلک الشعار الخالد:"الشعب یرید تحریر فلسطین" وشعار "الموت لإسرائیل" وغیرها من الشعارات، لیعود المتظاهرون إلى بیوتهم بینما أهل غزة یدفنون شهداءهم ویضمدون جراحهم ولا یجدون ما یحمیهم من برد الشتاء. صحیح أن التحرکات الشعبیة لا یملک أحد تبخیسها أو نکران مفعولها، فقد استطاعت الحملات التی یقوم بها الشباب على موقع التواصل الاجتماعی من إقلاق العدو، وخیر دلیل على ذلک مسح موقع تویتر لمجموعة من الهشتاخ المساند للقضیة وکذا إزالته للصفحات الرسمیة لکتائب القسام، ومن بین الأمور التی تؤکد مفعولها أنها الوسیلة التی ینسق بها شباب الانتفاضة تحرکاتهم، کما أن اقتحام الاحتلال لمقر قناة فلسطین الیوم وتنکیله بالصحافیین (هنا نشید بمعرکة الصحفی محمد القیق الذی واجه الاحتلال بالأمعاء الفارغة) وحجب بث قناة الأقصى من القمر الصناعی نایل سات دلیل آخر على فعالیة هذه الوسائل أمام محتل یخشى الحقیقة، هذا إلى جانب ما تقدمه قوافل کسر الحصار من تخفیف الکرب عن إخواننا، إلا أنها غیر کافیة ویجب البحث عن وسائل أکثر فعالیة لیس لفک الحصار عن غزة فحسب ولکن لتحریر فلسطین کل فلسطین.
من الناحیة القانونیة تعد "إسرائیل" بالنسبة لغزة دولة احتلال رغم ما تدعیه من کونها انسحبت من القطاع منذ 15 آب 2005، مما یعفیها من أیة مسؤولیة، وهذا یتناقض مع ما أعلنت عنه فی خطة الانفصال عن غزة أن "إسرائیل ستستمر بصورة حصریة فی السیطرة على المجال الجوی لغزة وأنها ستستمر فی تنفیذ نشاطات عسکریة فی المجال البحری التابع لقطاع غزة". کما أن اتفاق أوسلو أبقى فی ید إسرائیل السیطرة الحصریة على المجالین الجوی والبحری لقطاع غزة کما کان علیه الوضع منذ أن احتلت "إسرائیل" قطاع غزة سنة 1967، وبالنتیجة یقع على عاتق دولة الاحتلال- وفقاً لاتفاقیة لاهای لسنة 1907 ومیثاق جنیف الرابع (1949) الذی تنص المادة الثانیة منه على أن الاتفاقیة تنطبق على جمیع حالات الاحتلال الجزئی أو الکلی للأراضی- مسؤولیة شاملة عن أمن ورفاهیة المواطنین الذین یعیشون داخل المناطق المحتلة. وعندما تخل الدولة المحتلة بالتزاماتها المنبثقة عن الاتفاقیات والمعاهدات الدولیة تتعرض للمحاسبة الدولیة، غیر أن "إسرائیل" أصبحت تتمتع بوضع، أقل ما یمکن قوله بشأنه، أنه وضع استثنائی یجعلها خارج قواعد القانون الدولی والمحاسبة السیاسیة، نتیجة الحمایة الأمریکیة غیر المشروطة، و من تم کان تجرؤها على قافلة الحریة التی تعرضت لها فی المنطقة البحریة التی تبعد عن میاهها الداخلیة بحوالی 48 میل بحری، منتهکة قاعدة حریة المرور التی تنص علیها اتفاقیة قانون البحار لسنة 1982 ومستهترة بالمجتمع الدولی وبمؤسساته وبمختلف المواثیق الدولیة التی تضمن للشعوب الحد الأدنى من الحقوق الأساسیة، ومکرسة نفسها بالتالی دولة خارج القانون، وحالة یندر أن نجد لها مثیلاً فی التاریخ الإنسانی.(2) ختاما نشیر إلى أنه من الحمق والجنون التعویل على المنظمات الدولیة أو الدول المتمدنة من أن تقف فی صفنا ضد عدونا الذی هو حبیبها وابنها المدلل، وأنه من الواجب التشمیر على ساعد الجد والسعی نحو بناء لوبی عربی إسلامی ذی قوة اقتصادیة متملک یملک قوة إعلامیة تمکنه من مجابهة اللوبی الصهیونی، وعلى الهیئات الشعبیة عدم الملل من مساندة ومؤازرة إخواننا الفلسطینیین فی محنتهم وبذل کل ما یمکن فی سبیل رفع الظلم عنهم أو تخفیفه وفضح جرائم المحتل الصهیونی. المراجع : (1): معاناة قطاع غزة تحت الحصار الصهیونی تقریر معلومات(1)،مرکز الزیتونة لدراسات والاستشارات بیروت،إعداد قسم الأرشیف والمعلومات، 2009 صفحة 20-21 (2): مقال للأستاذ أحمد بو دراع أستاذ القانون العام بجامعة محمد الأول بوجدة، نشر بصحیفة القدس العربی اللندنیة، الأربعاء 28 یولیو2010.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,054 |
||