القیم والمُثُل السامیة فی سلوک الامام الرضا (ع) | ||
![]() | ||
القیم والمُثُل السامیة فی سلوک الامام الرضا (ع) الهام شعبان
من المعروف لکل ذی بصیرة، إن الامام علی بن موسى الرضا(ع)، هو الامام الثامن من أئمة أهل البیت (ع) الذین کانوا دعاة الاصلاح الاجتماعی، ومصابیح الوعی و الفکر فی دنیا المسلمین الذین تبنّوا التحریر الکامل لفکر الانسان وإرادته وسلوکه وإنقاذه من العبودیة لغیر الله تعالى خالق الکون وواهب الحیاة.فهم جزء لا یتجزّأ من حیاة الرسول الأعظم (ص) الذی رفع مستوى الانسان من مساوئ الحیاة التافهة الى حیاة مشرقة تزدهر بالوعی والنور. ولم یکن الامام الرضا (ع) إلا إمتداد لجدّه رسول الله (ص)، ونفحة من نفحات رحمته وعظمته. إن جمیع القیم الاصیلة والمُثل الرفیعة ماثلة فی هذا الامام الملهم، فقد کان ثروة من ثروات الاسلام فی سلوکه ونکرانه لذاته وإعراضه عن جمیع مباهج الحیاة، سوى ما یتصّل منها بالحق. فقد تمیّز سلوک الامام الرضا (ع) بالصلابة للحق، ومناهضة الجور، فقد کان یأمر المأمون العبّاسی بتقوى الله، وینعى علیه تصرّفاته التی لا تتفق مع الدین، وقد ضاق المأمون به ذرعاً فأقدم على اغتیاله، ولو أنّه جاراه ولم ینکر علیه سیاسته کشأن حاشیته الذین اقرّوه على کل إثم اقترفه، لکان من أقرب الناس إلیه ومن ألصقهم به، وما سارع إلى سقیه بالسمّ والقضاء علیه. تواضع إلى أبعد الحدود وکان الامام الرضا (علیه السلام)، أروع مثل للأخلاق الفاضلة والآداب السامیة، ومِن سمو خلقه أنه إذا جلس على مائدة، أجلس علیها ممالیکه حتى السائس والبواب (1). إذ قال له رجل: أنت والله خیر الناس. فردّ علیه الإمام قائلاً: ((لا تخف یا هذا، خیرُ منی من کان أتقى لله عزّ وجل وأطوعُ له. والله ما نُسِخَت هذه الآیة: ((و جعلناکم شعوباُ وقبائل لتعارفوا إن أکرمکم عند الله أتقاکم)) (2)،(3). فقد کان الامام (علیه السلام)أعلم عصره وأفضلهم وأدراهم بجمیع أنواع العلوم، کعلم الفقه والفلسفة وعلوم القرآن والطب والمعرفة وغیرها، وقد تحدّث الهروی عن سعة علومه، بالقول: ما رأیت أعلم من علی بن الرضا، ما رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتی ، ولقد جمع المأمون فی مجالس له، عدداً من علماء الأدیان وفقهاء الشریعة والمتکلمین ، فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقی منهم أحد إلّا أقرّ له بالفضل، وأقرّ على نفسه بالقصور، ولقد سَمعته یقول: کنت أجلس فی الروضة والعلماء بالمدینة مُتوافرون، فإذا دُعی الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلیّ بأجمعهم، وبعثوا إلیّ بأجمعهم، وبعثوا إلیّ المسألة فأجیب عنها)) (4). و قال المأمون: ما أعلم أحداً أفضل من هذا الرجل – یعنی الامام الرضا – على وجه الأرض (5). وبالفعل، فقد دلّلت مناظراته مع العلماء فی البصرة وخراسان والمدینة على سعة علومه، وقد أذعنت له، وأقرّت له بالفضل جمیع علماء الدنیا الذین جلبهم المأمون لامتحانه، وما التقى به و فد علمی إلا أقرّ له بالفضل ممّا اضطر المأمون إلى حجبه عن الناس لئلا یفتتنوا به، مما یدلّ على أنّه کان المربی الأکبر للعالم الإسلامی فی عصره، وأنّه قد جهد على تهذیب المسلمین وتربیتهم بأنواع الحکمة. والمأثور عن الامام الرضا (ع)، مجموعة کبیرة من غرر الحکم والآداب والوصایا والنصائح وغیرها مما ینفع الناس، وقد دللّت على انه کان المربی الأکبر للعالم الاسلامی فی عصره، وانه قد جهد على تهذیب المسلمین وتربیتهم بمعانی الحکمة، من قبیل فضل العقل، فالانسان إذا عرفت نفسه، وبذلک یظفر بالخیر العمیم، ویبعث فیه النزعات الخیّرة کما یدلّ ذلک على معرفة خالقه العظیم، طبق الحدیث الشریف: من عَرَفَ نفسه فقد عَرَفه ربّه، ومن یتصف بهذه الصفات الکریمة فهو من أفضل الناس ومن خیارهم ویبلغ غایة الکمال والفضل. نصیحة الجماهیر وتوعیتها ومن نصائحه ووصایاه، إن من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن کان الناطق عن الله فقد عَبَد الله، وإن کان الناطق عن إبلیس فقد عَبدَ إبلیس (1). کما یوصی الامام الرضا (ع) أصحابه و سائر الناس، بتقوى الله فی نعمه علیهم، فلا ینفروها عنهم بمعاصیه، ولیعلموا انهم لا یشکرون الله بشیء بعد الایمان بالله ورسوله، وبعد الاعتراف بحقوق أولیاء الله من آل محمد (ص)، أحبّ من معاونتهم لإخوانهم المؤمنین على دنیاهم التی هی معبر لهم إلى جنان ربّهم (7). وفی طریقه إلى نیسابور،أحاط بالامام الرضا (ع)، العلماء والفقهاء وغیرهم، ولمّا رأته الجماهیر تعالت أصواتهم بالتکبیر والتهلیل، فنصحهم ووعظهم بمختلف المواعظ الحسنة. شخصیة فذّة ذات مزایا فریدة اتفق المؤرخون أجمع، على إن الرضا (علیه السلام)، أعلم أهل الأرض،و أعبدهم،وخیرهم (8). أما مرکزه وشخصیته (ع)، فهو من الأمور البدیهیة، التی لا یجهلها أحد، مع ما کان یتمتع به (ع) من مزایا فریدة، وما کان ینتهجه من سلوک مثالی، أدّى ألى بسط نفوذه فی مختلف أرجاء الدولة الاسلامیة، فهو حجّة الله على خلقه، ومعدن العلم، ومفترض الطاعة (9)، إذ لم یبق على ظهر الأرض أبین منه فضلاً، ولا أظهر عفة، ولا أورع ورعاُ، ولا أزهد زهداً فی الدنیا، ولا أطلق نفساً، ولا أرضى فی الخاصة والعامة،ولا أشدّ فی ذات الله منه. وهو (ع) ذو فضل بارع، وعلم ناصع، وورع ظاهر، وزهد خالص. سیّد بنی هاشم فی زمانه، وأجلّهم، ویُعتبر من الأئمة الذین لعبوا دوراً کبیراً على مسرح الأحداث الاسلامیة فی عصره(10). وعلی بن موسى الرضا (ع)، ابن رسول الله المصطفى، المهتدی بهدیه، المقتدی بفعله، الحافظ لدین الله، والخازن لوحی الله، عند الله من الفائزین، ولحق رسول الله من المؤدّین (11). فمن یا ترى یسبقه بالفضل والمکانة اللائقة فی عصره والعصور التی تلته، وهو الذی استقى علومه ومعارفه وسلوکه من جدّه رسول الله .
وارث الخُلُق النبوی لم یُسأل الامام علی الرضا (ع)عن شیء إلا عِلمهُ، ولم یُرَ أعلم منه فی زمانه وعصره، وکان المأمون یمتحنه بالسؤال عن کل شیء فیجیب عنه دفعة واحدة، وکان جوابه کله باقتباس من القرآن الکریم، فهو لم یمر بآیة قط إلا فکّر فیها فی أی شیء أنزلت، ولم یُسمع بأحد أفضل منه، وما جفا (ع)أحدا بکلام قط، ولا رؤیَ قد قطع على أحد کلامه حتى یُفرغ منه، وما ردّ أحداً عن حاجة قدر علیها، ولم یشتم أحداً من موالیه، ولم یقهقه فی ضحکه، بل کان ضحکه التبسّم. فلم یکن رجل أتقى لله منه ولا أکثر ذکراً له فی جمیع أوقاته منه ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجل، وکان لا ینزل بلداً إلا قصده الناس لیستفتونه فی معالم دینهم، فیجیبهم ویحدّثهم الکثیر عن رسول الله (ص)، فکان خیر أهل الأرض – فی عهده – وأعلمهم وأعبدهم. فعلی الرضا (ع)، وارث علم رسول الله (ص)،أحد علماء العترة النبویة وإمامهم المُجمع على غزارة علمه وشرفه(12). وکان الامام علی بن موسى الرضا (ع)، لم یُسأل عن شئ إلا علمه، ولم یکن أعلم منه إلى وقته وعصره، وإن المأمون العباسی کان یمتحنه بالسؤال عن کل شیء فیجیب عنه دون أی تلکؤ أو وقوف، مع ان جوابه کلّه مُقتبس من القرآن الکریم.
(1)نور الأبصار:138 (2)الحجرات:13 (3)بحار الأنوار28:12 (4)کشف الغمة 107:3 (5)أعیان الشیعة 200:4 (6)وسائل الشیعة92:18 (7)الدرّ النظیم:215 (8)بحار الأنوار95:49- عیون أخبار الرضا183:2 (9)نظریة الامامة ص 388 (10)الامامة فی الاسلام ص 125 (11)کتاب التدوین – أبوالقاسم الرافعی، الشافعی، القزوینی. رسالة الفضل بن سهل إلى الامام الرضا(ع) (12)فی رحاب أئمة أهل البیت – المجلد الثانی ص 106 | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,915 |
||