التراث الرضوی وحاجة العالم المعاصر | ||
![]() | ||
التراث الرضوی وحاجة العالم المعاصر سجاد الشریفی
من المُسلّم به، إن المسلمین – على إختلاف مذاهبهم و طوائفهم – أجمعوا على أفضلیة أئمة أهل البیت (علیهم السلام)،وأعلمیتهم، وسمو مقامهم، ورفعة منزلتهم، وقُرْب مکانتهم من رسول الله (ص)، وتنافسوا فی الکتابة عنهم، وبیان سیرتهم، وأخلاقهم، وذکْر ما ورد من وصایاهم وتعالیمهم. وسیرة أئمة أهل البیت (ع) وأحادیثهم، بل وحیاتهم کلها دعوة لما جاء فی القرآن الکریم و السُنّة النبویة، لذا یجب قراءة سِیرَهم وأقوالهم، لنحذو حذوها، ونلزم أنفسنا بإتباعها، ونستعرض وصایاهم و حِکَمهم، لنحوّلها إلى حقل العمل والتطبیق، ونأخذ من عِظاتهم، علاجاً للأمراض الاجتماعیة والأخلاقیة. وإن رجوع الأمّة ألى سیرة أهل البیت وتعالیمهم، هو رجوع إلى الاسلام، والمصداق لما أمرنا به من التمسّک بالثقلین، ثم هی بعد هذا وذاک، تحقق للمجتمع المسلم ما یصبو إلیه من خیر شامل، وعدالة إجتماعیة، ونوازع اخلاقیة نبیلة. وهذا المقال، صورة مُصغّرة لحیاة إمام من أئمة الحق، نستلهم من ذکراه العطرة، وسیرته الکریمة، المُثُل الرفیعة، والصفات الحمیدة، ونأخذ من أقواله ومواقفه ومواعظه، دروساً قیّمة للنهوض نحو المجد و السعادة، ألا وهو الامام الثامن من أئمة العترة الطاهرة،علی بن موسى الرضا (علیه السلام). فهو(ع) لم یجفو أحداً بکلام قط، ولم یقطع على أحد کلامه حتى یفرغ منه. فقد سلک الامام الرضا (ع) جمیع السُبُل لإصلاح المجتمع، وتوجیه الناس نحو الحق، ففضلاً عن دروسه التی کان یلقیها على تلامذته، وتعالیمه التی کان ینشرها على الملأ الاسلامی، کان یوصی بالأخذ بأقوال شیعته، والالتزام بالعمل بتوجیهاتهم القیمة. ولو رجع المسلمون إلى تلک التعالیم التی بیّنها الامام (ع) فی وصایاه وأحادیثه ، لحققوا ما یصبون إلیه من خیر و سعادة. ومن تلک الوصایا والتعالیم: ینبغی أن لا یجعل أولیائی للشیطان على أنفسهم سبیلاً، وأن یسلکوا طریق الصدق فی الحدیث، وأداء الأمانة، والسکوت، وترک الجدال فیما لا یعنیهم، وإقبال بعضهم على بعض، وإن لم یفعلوا، أو أسخط أحدهم ولیاً من أولیائی، فیعذبه الله فی الدنیا أشدّ العذاب، وکان فی الآخرة من الخاسرین (1). فمن أرضى الخالق، لم یبال بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق، یسلّط علیه سخط المخلوق، وانّ الخالق لا یوصف إلا بما وصف به نفسه، وأنّى یُوصف الذی تعجز الحواس أن تدرکه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار عن الاحاطة به، جلّ عما وصفه الواصفون، وتعالى عما ینعته الناعتون،نأى فی قربه، وقرب فی نأیه ، فهو فی بعده قریب، وفی قربه بعید (2). وعلى العموم، ان حیاة الامام الرضا (ع)، وسیرته العطرة، حافلة بأعماله الجلیلة، وسیرته المثالیة، وآثاره الخالدة، فکل جانب من حیاته الکریمة، حافل بالعظمة، وکل أثر من آثاره، یفیض بالمثل الرفیعة. وإنّ نصائح الامام وتوجیهاته أحوج ما نکون إلیها الیوم فی عصر طغت فیه المادّة، وکسدت فیه سوق الأخلاق الخیرة، والآداب الرفیعة، فیما ان کلماته وحِکَمه، تحمل کنوزاً من المعارف والأخلاق والدعوة إلى الهدى والحق، ما لا تحمله المصنفات الکبیرة، ویخیل للباحث انه باستطاعته أن یشرح کل کلمة من هذه الکلمات فی کتاب مستقل، یأتی به على ما حوته من علوم وتعالیم نافعة، وجدیر بالمسلمین ، إتخاذ هذه الکلمات منهجاً ینهجونه، وطریقاً یتبعونه، ودلیلاً یسیرون على هداه، لیستبدلوا واقعهم المزری بنهج أهل البیت وتوجیهاتهم (علیهم السلام). فعلى سبیل المثال، ینصح الامام الرضا (ع)، المؤمنین بقوله: إن عقل المرء لا یتم حتى تکون فیه عشر خصال: الخیر منه مأمول، والشر منه مأمون، ویستکثر قلیل الخیر من غیره، ویستقل کثیر الخیر من نفسه، ولا یسأم من طلب الحوائج إلیه، ولا یملّ من طلب العلم طول دهره، والفقر فی الله أحب إلیه من العزّ، والخمول أشهر إلیه من الشهرة، وأن لا یرى أحداً إلا قال هو خیر منه وأتقى. ومن حِکَم الامام الرضا (ع) فی هذه المجال، إن للقلوب إقبالاً وإدباراُ، ونشاطاً وفتوراً، فإذا أقبلت بصُرت وفهمت، وإذا أدبرت کلّت وملّت، فلیأخذوها عند إقبالها ونشاطها ،ویترکوها عند ادبارها وفتورها (3). ولیس العبادة کثرة الصیام والصلاة، وإنما العبادة کثرة التفکّر فی أمر الله، ولا یعدم العقوبة من ادَّرع بالبغی، ومن عجب المرء بنفسه، أن یزیّن له سوء عمله فیراه حسناً فیحجبه، ویحسب أنّه یُحسن صنعاً، وأن یمنّ على الله تعالى بعمله، ولله سبحانه المنّة علیه. وخمسً من لم تکن فیه فلا ترجوه لشیء من الدنیا والآخرة. من لم یعرف الوثاقة فی أرومته، والکرم فی طباعه، والرصانة فی خلقه، والمخافة لربه (4). حِکَم ومواعظ وآداب نافعة للمجتمع المُعاصر تمتلأ کتب التراث الشیعی، بالکثیر من أقوال وأحادیث الامام علی بن موسى الرضا (علیه السلام) التی تجری مجرى المواعظ والحِکَم البالغة، النافعة لکل زمان ومکان، وهی أقوال بلیغة، منقوشة فی ذاکرة التأریخ ما بقی الدهر، لتکون عبرة لکل المسلمین بمختلف طوائفهم وقومیاتهم واصولهم الأثنیة، إذ تفوّه بها إمام هُمام وحفید علی (ع) ورسول الله (ص)، وهما کانا رمز البلاغة وینبوع الحکمة والموعظة الحسنة. ومن أقواله (ع) الخالدة: لا یکون المؤمن مؤمناً حتى یکون فیه ثلاث خصال: سُنّة من ربه، و سُنّة من نبیه، وسُنّة من ولیه، فأمّا السُنّة من ربه، فکتمان السر، وأما السُنّة من نبیه فمداراة الناس، وأما السُنّة من ولیه، فالصبر فی البأساء والضراء. وعن فوائد الصمت، یقول الامام الرضا (ع): الصمت باب من أبواب الحکمة. ان الصمت یکسب المحبة وانه دلیل على کل خیر. وفی عقل المرء وتمامه، یقول (ع): لا یتم عقل امرئ مسلم حتى تکون فیه عشر خصال: الخیر منه مأمول، والشرّ منه مأمون، یستکثر قلیل الخیر من غیره، ویستقل کثیر الخیر من نفسه، لایسأم من طلب الحوائج إلیه، ولا یملّ من طلب العلم طول دهره، الفقر فی الله أحب إلیه من الغنى والذل فی الله أحبّ إلیه من العزّ فی عدوه، والخمول أشهى ألیه من الشهرة. ثم قال الامام الرضا (ع): العاشرة وما العاشرة، ولا یرى أحداً إلا قال هو خیر منی وأتقى، انما الناس رجلان: رجل خیر منه واتقى، ورجل شرّ منه وأدنى، قال لعل خیر هذا باطن وهو خیر له وخیری ظاهر وهو شر لی، فإذا رأى الذی هو خیر منه وأتقى، تواضع له لیلحق به، فاذا فعل ذلک، فقد علا مجده، وطاب خیره، وحسن ذکره، وساد أهل زمانه. أما عن العجب ودرجاته، یقول(ع): العجب درجات، منها أن یزیّن للعبد سوء عمله فیراه حسناً فیعجبه، ویحسب انه یحسن صنعاً، ومنها ان یؤمن العبد بربه فیمتنّ على الله ولله المنّة علیه. و سُئل عن خیار العباد،فقال الامام (ع): الذین اذا أحسنوا استبشروا، واذا أساؤا استغفروا، وإذا أعطوا شکروا، واذا ابتلوا صبروا، واذا اُغضبوا غفروا. ویقسم الامام (ع) الایمان إلى أربعة أرکان، التوکل على الله، والرضا بقضاء الله، والتسلیم لأمر الله، والتفویض إلى الله. ومن أقوال الامام الرضا (ع) التی جرت مجرى الحکمة والموعظة الحسنة، من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم، وصدیق الجاهل فی تعب، وأفضل المال ما وری به العرض، وأفضل العقل معرفة الانسان نفسه، والمؤمن اذا غضب لم یُخرجه غضبه عن حق، وإذا رضی لم یُدخله رضاه فی باطل، وإذا قدر، لم یأخذ أکثر من حقه. ومن کثرت محاسنه، مُدِحَ بها واستغنى عن التمدّح بذکرها، وإن للقلوب اقبالاً وإدباراً، ونشاطاً وفتوراً، فإذا أقبلت بصرت وفهمت، وإذا أدبرت کلّت وملّت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واترکوها عند إدبارها وفتورها. والأجل آفة الأمر والبر غنیمة الحازم، وأجلّ الخلائق وأکرمها، اصطناع المعروف وإغاثة الملهوف، والاستکثار من الأصدقاء فی الحیاة والباکین بعد الوفاة (5).
(1)الانوار البهیة 109. (2)التوحید 61 (3) فضائل الإمام لمحمد جواد مغنیة 235 – 236 (4)بحار الأنوار 57:17 (5) تم إقتباس هذه الأقوال والحِکَم للامام علی بن موسى الرضا (علیه السلام) من الکتب الآتیة: - نثر الدُرر للآبی. - تذکرة ابن حمدون. - تحف العقول - کتاب الذخیرة. - المجالس السنیة - کتاب النزهة.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,753 |
||