الإمام الرضا (علیه السلام) وتربیة الصفوة العلمیة | ||
الإمام الرضا (علیه السلام) وتربیة الصفوة العلمیة
اهتم الأئمة الأطهار بتربیة مجموعة من العلماء والکوادر والخواص، فنرى أن لکل إمام من الأئمة مجموعة مختارة من الأصحاب الثقاة الذین یکونون فی موضع الاهتمام والعنایة الخاصة بهم کی یکونوا من دعاة الإسلام ومبلغی الرسالة وناشری علوم أهل البیت . والإمام الرضا (علیه السلام) - کباقی الأئمة الأطهار - اهتم بتربیة مجموعة من الرجال کی یساهموا فی نشر الإسلام ، وبسط معارف أهل البیت . وقد حفظ لنا التاریخ فی سجلاته عدداً کبیراً من أبرز العلماء والفقهاء والمؤلفین الذین تخرجوا على یدی الإمام الرضا ، نذکر منهم : 1ـ یونس بن عبد الرحمن (125هـ ـ 208هـ): کان لیونس بن عبد الرحمن منزلة عظیمة عند الإمام الرضا (علیه السلام) حتى شبهه الإمام بسلمان زمانه، فإن " یونس فی زمانه کسلمان الفارسی فی زمانه" (1) کما یقول الرضا (علیه السلام)، وبعد أن استوعب یونس من علوم ومعارف الأئمة الکثیر، بدأ ینشره ، إذ زکاة العلم نشره ... فأخذ یؤلف المؤلفات المفیدة؛ فمن کتبه: 1ـ کتاب الأدب والدلالة على الخیر . 6ـ کتاب الرد على الغلاة ... وغیرها .
وحازت کتبه على تأیید الأئمة لمحتویاتها ، فقد دخل الإمام الجواد (علیه السلام) على أحد شیعته یعوده فی مرضه ، وکان عند رأسه کتاب « یوم ولیلة » الذی صنفه یونس ، فجعل یتصفحه ورقة ورقة حتى أتى علیه من أوله إلى آخره وهو یقول: " رحم الله یونس ، رحم الله یونس )" 2). کما عرض أبو هاشم الجعفری نفس الکتاب على الإمام الهادی (علیه السلام) فنظر فیه وتصفحه کله ثم قال : " هذا دینی ودین آبائی وهو الحق کله" (3) . 2 ـ صفوان بن یحیى البجلی (ت 210هـ): ومن الرجال الصادقین الذین تربوا على یدی الإمام الرضا (علیه السلام) صفوان بن یحیى البجلی، وکان متمیزاً فی علاقاته الاجتماعیة وفی وعیه وثقافته ، فقد روى عن الإمام الرضا ثم عن ابنه الإمام الجواد (علیهما السلام) ـ وکان وکیلاً له ـ الکثیر من الأحادیث ، أخرجها فی ثلاثین مصنفاً ... منها : 1ـ کتاب الشراء والبیع . وهکذا کان فی الحدیث : « من الستة الذین أجمع أصحابنا على تصحیح ما یصح عنهم من أصحاب أبی إبراهیم (الکاظم) وأبی الحسن الرضا ، وأقروا لهم بالفقه والعلم »(4) وهو فی العبادة « کان من الورع والعبادة ما لم یکن أحد فی طبقته»(5) 3 ـ الحسین بن سعید الأهوازی: کان للحسین بن سعید الأهوازی وأخوه الحسن دور مهم فی نشر علوم أهل البیت بین الناس ، فقد قاما بربط الناس فی الأهواز ـ بعدما استقرا فیها عوضاً عن بلدیهما الکوفة ـ بخط أهل البیت حتى أصبح سکان تلک المنطقة من أتباع مدرسة أهل البیت (علیهم السلام.( وقد قاما الحسین الأهوازی ومعه أخوه الحسن بتألیف مجموعة من المصنفات وصلت الثلاثین مؤلفاً، منها : 1ـ کتاب الوضوء . وبعد أن رکزا فی الأهواز عدداً من أبنائهما ، وکلاء واعین وصحابة مخلصین ، وقیادیین مقتدرین ، غادر الحسین الأهواز قاصداً مدینة قم حیث بدأت تتحول إلى موقع یتجمع فیه شیعة أهل البیت من الأشعریین، الذین قدر لعدد منهم أن یصبحوا فیما بعد أیضاً من (رجال أهل البیت (علیهم السلام((. ولم یطل به المقام ، فقد کان وهو المتعود على الهجرة والسفر على موعد سفر أکبر، إلى حیث جنان الخلد.(6) 4 ـ دعبل بن علی الخزاعی (ت 246هـ(: کان دعبل الخزاعی من أقرب الناس للإمام الرضا (علیه السلام) وکان من شعراء أهل البیت ، فقد نظم شعره فی خدمة منهج أهل البیت، وبالرغم من کل الإغراءات الکثیرة التی حاول الخلفاء العباسیون تقدیمها إلیه لاستحالته إلیهم إلا أنه فضل الآخرة على الدنیا .وقد سخر شعره الراقی فی بیان فضائل أهل بیت النبوة ، وتعداد المآسی التی تعرضوا لها من قبل الحکام الظلمة ، وفی قصیدته الشهیرة المعروفة بـ (التائیة) أکبر دلیل على ذلک . قال النجاشی : أبو علی الشاعر، مشهور فی أصحابنا، صنف کتاب طبقات الشعراء، وکتاب الواحدة فی مثالب العرب ومناقبها. وقال العلامة: حاله مشهور فی الإیمان، وعلو المنزلة ، عظیم الشأن(7). 5ـ محمد بن أبی عمیر الکوفی البغدادی (ت 217هـ): قال النجاشی : محمد بن أبی عمیر زیاد بن عیسى ، أبو أحمد الأزدی ، من موالی المهلب بن أبی صفرة ، وقیل مولى بنی أمیة ، والأول أصحّ ، بغدادی الأصل والمقام ، لقی أبا الحسن موسى (علیه السلام) ، وسمع منه أحادیث ، کناه فی بعضها فقال : یا أبا أحمد، وروى عن الرضا (علیه السلام) . جلیل القدر ، عظیم المنزلة فینا وعند المخالفین . وقال ابن بطة : حدثنا أحمد بن محمد بن خالد ، قال : صنف محمد بن أبی عمیر أربعة وتسعین کتاباً، منها : 1ـ کتاب الرضاع . وقال الشیخ : محمد بن أبی عمیر ، یکنى أبا أحمد ، من موالی الأزد ، واسم أبی عمیر زیاد ، وکان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة ، وأنسکهم نسکاً ، وأورعهم وأعبدهم ، وقد ذکره الجاحظ فی کتابه «فی فخر قحطان على عدنان» بهذه الصفة التی وصفناه ، وذکر أنه کان واحد أهل زمانه فی الأشیاء کلها ، وأدرک من الأئمة ثلاثة : أبا إبراهیم موسى (علیه السلام) ، ولم یرو عنه، وأدرک الرضا (علیه السلام) ، (وروى عنه)، والجواد (علیه السلام) ، وروى عنه ، أحمد بن محمد بن عیسى ، کتب مئة رجل من رجال الصادق ، وله مصنفات کثیرة (8) . 6ـ أبو عثمان بکر بن محمد المازنی النحوی البصری (ت 249:( قال عنه السیوطی : « کان إماماً فی العربیة ، متسعاً فی الروایة ، وکان لا یناظره أحد إلا قطعه لتدربه على الکلام » ، وقال المبرد: « لم یکن بعد سیبویه أعلم بالنحو من أبی عثمان ، وله تصانیف کثیرة تزید على عشرة مصنفات ». وللمازنی من التصانیف : 1ـ کتاب ما تلحن فیه العامة . إن هذه النماذج المتمیزة عن عدد من الرجال الصادقین الذین تخرجوا من مدرسة الإمام الرضا (علیه السلام) ، وکان لهم عنایة خاصة من قبل الإمام (علیه السلام) فی التربیة و التوجیه والتثقیف بما یمکنهم من القیام بأدوار دینیة وثقافیة وعلمیة خطط لها الإمام (علیه السلام) ، وأراد من خلال هؤلاء الرجال المتمیزین أن یسهموا فی نشر الإسلام، وتوضیح منهج أهل البیت لکل الناس. وقد قام الشیخ القرشی بعرض تفصیلی (ألفبائی) لأبرز تلامذة الإمام الرضا (علیه السلام) ، وترجم لمعظمهم ترجمات جیدة ، وقد توصل فی کتابه (حیاة الإمام الرضا (علیه السلام) ) من خلال البحث والتحقیق فی کتب الرجال أن ثلاثمائة وسبعة وستین تلمیذاً قد تتلمذوا على ید الإمام الرضا (علیه السلام) مباشرة ، معتمداً فی ذلک على أمهات المصادر وأهم الوثائق والآثار التاریخیة (10) . وقد أثمر تربیة الإمام الرضا (علیه السلام) لجیل من العلماء والفقهاء والرواة بنشر علوم أهل البیت إلى مختلف الأقالیم الإسلامیة ، کما صنف تلامذة الإمام (علیه السلام) ما یزید على خمس مئة کتاب ومؤلَّف ومصنف فی مختلف العلوم والمعارف ؛ کعلوم القرآن وعلوم الحدیث ، وعلم الفقه وأصول العقائد ، والتاریخ ، والأخلاق ، والطب ، والأدب . وهذا النتاج العلمی الکبیر الذی صنفه تلامذة الإمام الرضا (علیه السلام) ، ما کان لیتحقق لولا ما بذله الإمام (علیه السلام) من جهد تربوی ، وعطاء علمی ، وتهذیب أخلاقی ، فی تربیة هذا الجیل من العلماء والفقهاء . وهذه المؤلفات والمصنفات تعد منبعاً من منابع علم الإمام الرضا (علیه السلام)، ودلیلاً آخر على الدور العلمی الکبیر الذی قام به الإمام (علیه السلام) من أجل نشر علوم ومعارف الإسلام، وثقافة وفکر أهل البیت (11) .
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,626 |
||