معالم الإصلاح فی ثورة الإمام الحسین علیه السلام | ||
![]() | ||
معالم الإصلاح فی ثورة الإمام الحسین علیه السلام
حمد جاسم محمد الخزرجی جسدت ثورة الإمام الحسین (علیه السلام) فی نهضتها قیم ومبادئ حقوق الأمة ومنها الإصلاح، حیث أکد فیها على ضرورة الاهتمام بإصلاح شؤون الأمة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والدینیة من خلال توعیة الأمة بمواصفات الحاکم العادل القائم بالعدل الذی یسوس الناس بالقرآن والسنة ویحترم آرائهم ومعتقداتهم ویؤمن بالشورى فی الحکم وتولی الحکم من هو أهلا لها، وعدم المساومة على الحق، والالتزام بالاتفاقیات والعهود، ودعم سیادة القانون، وجعلها مقیاسا لقیمة الحاکم ومشروعیة حکمه وهذا ما أراده (علیه السلام) بقوله (ولعمری ما الإمام إلا الحاکم بالکتاب، القائم بالقسط، الداین بدین الحق، الحابس نفسه على ذات الله). کما تضمنت معالم تلک النهضة تمتین أواصر الثقة بالمعتقدات من خلال طرح الصحیح منها إلى الأمة، والتأکید على وحدة الأمة ومنع إثارة التفرقة والعنصریة والطائفیة والقبلیة والقومیة کأساس للتمییز بین الناس، وقد وضع (علیه السلام) شروط الکفاءة والاستقامة فی تولی شؤون الأمة وتسییر مهام الحکم والسیاسیة فیها، فضلا عن ممارسة حق النقد والبیعة والنصح والتوجیه ومناقشة سیاسة الحاکم، وهذا ما أکده الحسین (علیه السلام) عندما قال: (إنا أهل بیت النبوة، ومعدن العلم، ومختلف الملائکة، وبنا فتح الله، وبنا ختم، ویزید رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلی لا یبایع مثله). واستطاع الإمام الحسین (علیه السلام) أن یوقظ الضمیر الإنسانی ویؤثر فیه باتجاه القیم الحقة، والانتصار لها، وتحقیقها على أرض الواقع، کونها لم تحدّد بدین أو مذهب أو قومیة معیّنة، بل کانت للإنسانیة جمعاء. وقد اکد الإمام (علیه السلام) على أهمیة طریق الحریة وعدم الانسیاق وراء الحاکم الظالم مهما کانت الاسباب، وعدم العیش کالعبید، بل دعا (علیه السلام) الى ان یکون الناس احراراً فی دنیاهم، وقد انطلق بأهدافه هذه معلنا الحرب على الظلمة بقوله (ألا وإنی لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح فی أمة جدی رسول الله، أرید أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنکر)، مذکراً بان دعواته الإصلاحیة هی لیس للتنافس على الخلافة وإنما لإیجاد أرضیة لعمل الحق مقابل الباطل جاهراً قوله “اللهم إنک تعلم إنه لم یکن ما کان منا تنافسا فی سلطان، ولا التماسا من فضول الحطام، ولکن لنرى المعالم من دینک، ونظهر الإصلاح فی بلادک، ویأمن المظلومون من عبادک، ویعمل بفرائضک وسنتک وأحکامک”، من هنا ثورته (علیه السلام) جاءت من اجل حریة الناس وصیانة کرامتهم الإنسانیة، ورفض الذلة التی اتبعها الطغاة من الأمویین وأتباعهم فی تعاملهم مع الناس. فقد دأب بنو أمیة منذ تولیهم زمام السلطة السیاسیة فی الأمة الإسلامیة على انتهاک کل ما هو مقدس بموازین الشرع الإسلامی واستهانوا بالقیم الإنسانیة قبل الإسلامیة، وکان حکمهم من أسوء أنظمة الحکم فی کل الجوانب السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة والدینیة، فها هو الحاکم الأموی یزید بن معاویة یمسک زمام السلطة بعد أبیه لیذیق الأمة خلال ثلاث سنوات الویلات ویأمر بقتل جمیع من یعارض حکمه وسلطانه وفی مقدمتهم الإمام الحسین وسبی عیاله وتعمد الإساءة له ولأهل بیته، لذا جاءت ثورة الإمام الحسین (علیه السلام) للإصلاح السیاسی والاقتصادی والسیاسی والاجتماعی والدینی فی الدولة الإسلامیة. وینبغی على المنصف أن یفرق بین الإسلام وتطبیقه السلیم على ید المعصوم خلیفة السماء فی الأرض والانحراف الذی حصل بعد تولی بنی أمیة السلطة، وما رافق ذلک من عدوان على الحقوق والحریات تحت رایة من یدعی زورا الإسلام، ولا یلومن أحد إلا نفسه بعد العاشر من المحرم سنة 61هـ لتقصیره فی الوقوف جنب الحق وجنب آل الرسول الذین أرادوا للأمة ان تنهض من غفوتها وتثور على الحکم الاستبدادی المغتصب المتمثل بیزید ومن سار فی فلکه إلى قیام الساعة، فقد حاول الإمام الحسین استنهاض الأمة من سباتها إلا انه أصطدم بالغدر والمکر وانکار ابسط الحقوق الإسلامیة بل انه واجه یوم العاشر من المحرم عدوا لا یمت للإنسانیة بصلة. وسنضع تأسیساً لبعض الحقوق الإصلاحیة، السیاسیة، والاقتصادیة، والاجتماعیة، والدینیة، التی أقرتها الشریعة الإسلامیة وثورة الإمام الحسین علیه السلام وانتهکها حکام الأمویین فی عاشوراء: سیاسیا: الشورى فی الحکم لقد دعة الاسلام الى الشورى فی الحکم، وان یتم اختیار الحاکم عن طریق بیعة المسلمین له من خلال شروط تتوفر فیه اهمها العدالة والتقوى والتفقه فی الدین وصحة النسب، ورضا الناس له، اضافة الى تأکید الاحادیث الشریفة على أحقیة اهل بیت النبوة علیهم السلام بالحکم، واهمها حدیث الغدیر “من کنت مولاه فهذا علی مولاه اللهم والی من ولاه وعادی من عاداه..”، الا ان الأمویین قد جعلوا من الحکم وراثیا بالبیت الأموی، بعد ان کان شورى بین المسلمین، وهو مخالفة صریحة للقران الکریم “وامرهم شورى بینهم”، ومخالفة صریحة ایضا للسیرة النبویة الشریفة، خاصة بعد تأکید الرسول محمد (صلى الله علیه واله وسلم) على ان یتولى امر المسلمین من هم على درایة ومعرفة بالقران والسنة، وبشؤون الحکم، کذلک من یحصلون على بیعة الامة لهم، من خلال مواصفات خاصة، بالرضا ولیس بالإکراه، وبالإضافة الى شکل الحکم فان هناک انتهاک صارخ فی تعامله مع الرعیة من خلال تقریب الموالین لهم، والابعاد والتنکیل وقتل المعارضین، فقد تم ملاحقة اهل بیت النبوة علیهم السلام وانصارهم، وقتلهم او تهجیرهم الى البلاد البعیدة نتیجة الملاحقة من قبل اتباعهم من الولاة الفاسدین. ومن هنا جاءت نهضة الامام الحسین (علیه السلام) لبسط العدل فی الحکم الذی تختاره الأمة، تأکیده (علیه السلام) على ضرورة مشارکة الفرد فی الحیاة السیاسیة، وعدم التخلی عن ممارسة تلک الوظیفة لئلا یترک المجال للنفعیین للتسلط على رقاب الناس واستغفالهم، واللعب بمقدراتهم والتحکم بمصائرهم، وهذا التأکید هو نفسه الذی اعتمدته المادة الحادیة والعشرین من الإعلان العالمی لحقوق الإنسان حیث جاء فیها ما نصه: 1- لکل شخص الحق فی أن یشترک فی حکومة بلده مباشرة، أو عن طریق ممثلین مختارین بحریة. اقتصادیا: العدالة فی توزیع الثروة على المجتمع لقد اکد الاسلام على قیم العدالة بین الناس فی کل الامور، ومنها الجوانب المعیشیة، وعلى الحاکم ان لا یفرق بین احد من الرعیة، لان من واجبات الحاکم هو توفیر مستلزمات العیش، والخدمات، وعدم معاقبة الناس فی ارزاقهم، وهذا یشمل حتى اصحاب الدیانات الاخرى کالیهود والنصارى، فما بالک بالمسلمین، وخاصة اصحاب واهل بیت النبوة، الا ان الحکم الاموی بقیادة یزید عمد الى السیطرة على مقدرات الامة، واعتبار کل ما یجبى من زکاة وخراج وغیره ملکا خاصا للحاکم یتصرف به حسب ما یشاء، ویقوم بإنفاقه على ملذاته من بناء القصور، وشرب الخمور، واکرام بطانته المقربین منه کأقاربه والموالین له، حتى اصبح العطاء مشروطا بمدى الولاء للحاکم، وحجبها عن المعارضین لحکمه، لهذا اصبحت البلاد الاسلامیة تعج بالفقراء وبالولاة القساة، والناهبین للثروة من الناس بغیر حق، لذا جاءت النهضة الحسینیة فی عاشوراء لتأکد على القیم الانسانیة، وحق الناس فی الحیاة والعیش الکریم وعدم معاقبتهم على افکارهم ومعتقداتهم، کذلک دعا الامام الحسین علیه السلام الى الالتزام بالقران الکریم والسنة النبویة وعدم تبذیر الثروات على الامور الدنیویة للحاکم، وتوزیع العطاء على عامة الناس. اجتماعیا: احترام الکرامة الإنسانیة اما اجتماعیا فقد عمل (یزید) على اذلال الناس ومعاملته لهم کالعبید، فقد اغتصب الخلافة، وفرض حکمه بالجور والظلم، وکان یرید استسلام أهل الحق لذله، وهذا لا یتلاءم مع أصحاب المبادئ والقیم الذین خصهم الله بالکرامة والعزة وهذا ما أکده (علیه السلام) بقوله “ألا وإن الدعی ابن الدعی قد ترکنی بین السلة والذلة، وهیهات له ذلک منی، هیهات منا الذلة، أبى الله ذلک لنا، ورسوله، والمؤمنون، وحجور طهرت، وجدود طابت، أن یؤثر طاعة اللئام على مصارع الکرام”، فقد عمل الحکم الاموی على انتهاک حرمات المسلمین، من خلال اخذ الفتاوى من بعض علماء السلطة وذلک بتکفیر کل من یخالف منهجهم الفاسد، استخدام الإرهاب والتصفیات الجسدیة للقوى المعارضة لحکمه، واستخدام منهج التنکیل بعوائلهم واضطهادهم، واغتیال الشخصیات التی تحمل رسالة التغییر وفضح الباطل والدعوة إلى الإصلاح، واستباحة دماء المسلمین واعراضهم، اذ ان هجوم الجیش الاموی على المدینة ومکة وانتهاک حرمات النساء المسلمات، وقتل الابریاء، حتى وصل الامر بهم الى هدم الکعبة المشرفة من خلال ضربها بالمنجنیق، المضایقة الاقتصادیة باستخدام أسلوب التجویع لإذلال الناس، إغداق الأموال لشراء الضمائر والذمم وتسخیرها لمصلحته ولتحریف الوقائع. لذا رکز الإمام (علیه السلام) فی دعواته الإصلاحیة إلى صیانة الکرامة الإنسانیة، ورفض العبودیة وقال متحدیا الذلة التی یریدها الطغاة للأحرار، وتوجیه الناس وتذکیرهم بأدوارهم فی هذه الدنیا وضرورة التزامهم بالوعی من کل مکر أو خدیعة تحاک ضدهم، محذرا من سوء العاقبة فی الدنیا بالخزی والذلة وفی الآخرة بعذاب الله عند إطاعة الأشرار والسیر على نهجهم، حیث قال (علیه السلام) محذراً الناس “ولکنکم مکنتم الظلمة فی منزلتکم، وأسلمتم أمور الله فی أیدیهم یعملون بالشبهات، ویسیرون فی الشهوات، سلطهم على ذلک فرارکم من الموت وإعجابکم بالحیاة التی هی مفارقتکم، فأسلمتم الضعفاء فی أیدیهم، فمن بین مستعبد مقهور وبین مستضعف على معیشته مغلوب، یتقلبون فی الملک بآرائهم ویستشعرون الخزی بأهوائهم، إقتداءً بالأشرار، وجرأة على الجبار، فی کل بلد منهم على منبره خطیب یصقع، فالأرض لهم شاغرة وأیدیهم فیها مبسوطة، والناس لهم خول لا یدفعون ید لامس”. عقائدیا: العمل بالقرآن والسنة ان اهم شروط الحاکم المسلم هی العمل بالقران وسنة الرسول محمد صلى الله علیه وسلم، وعدم تبدیلها، لذا کانت اعمال الامویین ضد الدین الاسلامی هی الاخطر على الاطلاق، فقد کان الحکم الاموی بعیدا عن روح الاسلام، وعدم تفقهه بالدین، وجهله بإدارة الحکم، وتحکم المزاج، والمصلحة الشخصیة، والقبلیة فی قراراته، ثم قام بانشاء طبقة من وعاظ السلاطین وصناع الأحادیث والمحرفین لسنة الرسول محمد (صلى الله علیه واله وسلم) لتقدم لیزید ما یحتاج من الأحادیث النبویة التی تساعده على خداع الناس، وإبعادهم عن الطریق المستقیم، کما حاول ان یبعد اهل بیت النبوة علیهم السلام عن الحیاة العامة من خلال منعهم من اللقاء بالناس، وتوجیههم نحو العمل الصالح، فقاموا بعملیات قتل وتشرید وملاحقة لاتباع اهل البیت علیهم السلام، اضافة الى تشویه صورة اهل البیت على المنابر من خلال علماء السلطة، من خلال نشر بعض الاحادیث المزورة، کذلک عمل الامویون على ایهام الناس بان هدف اهل حرکة اهل البیت الاصلاحیة هو الحکم والمنصب، لذا جاءت النهضة الحسینیة من اجل تصحیح ما لحق بالإسلام والسیرة النبویة من تشویه وتحریف على ید الحکم الاموی، فقد انطلق الامام من منطلق الحرص على بیضة الاسلام وتوجیه المسلمین نحو طریق الصواب والطریق الحقیقی للإسلام، فقد نبه الامام علیه السلام الى خطورة حکم یزید وأعوانه على المسلمین لأنه (الشارب للخمر، المستحل لحرمات المسلمین، المغتصب للحکم، القاتل النفس التی حرم الله قتلها إلا بالحق)، فثورة الحسین (علیه السلام) أزالت تلک الغشاوة التی اصطنعها معاویة ومن جاء بعده یزید وأمثاله، واستطاعت أن تکشف هذا الحکم على حقیقته وما به من جاهلیة بغیضة نقلها معه ککیان أسری وتنظیم اجتماعی لم یغادره حتى عندما أعلن الأمویون الأوائل دخولهم الإسلام عنوة، فابتعاد معاویة ودولته عن الإسلام والمفاهیم والقیم الإسلامیة، والتعامل الاجتماعی الذی ساد المجتمعات الإسلامیة خلال فترة حکم الرسول(ص) على الأقل، ومن الشواهد التی تناقلتها لنا کتابات المؤرخین أن معاویة ومن حکم بعده أبعدوا المسلمین من غیر العرب فی المشارکة بحکم الدولة الإسلامیة، وفی زمن الإسلام، فضلاً عن أنه سن الوراثة أسلوباً للحکم فی دولته التی أقامها فی الشام على أنقاض الفتن التی قادها مع بنی أمیة ضد الإسلام منذ مقتل عثمان بن عفان، واستغلاله هذه الواقعة أبشع استغلال، فضلاً عن قدرة بنی أمیة على تشویه معالم الدین من خلال ادعائهم لصلة القرابة مع آل الرسول(صلى الله علیه وسلم) ومحاولة تثبیت حکمهم على أساس تلک الادعاءات، فکانت ثورة الحسین(ع) هی المحک الذی اسقط کل تلک الادعاءات. لقد جسد الإمام الحسین (علیه السلام) مبدأ عدم جواز الخضوع للسلطان الجائر بفعله قبل قوله، فإنّ ثورته بوجه یزید واختیاره الشهادة على البیعة هو خیر برهان على رفض الإسلام شرعیة السلطان الجائر وضرورة الخروج علیه، کما إنّه (علیه السلام) رکَّز على هذا الأمر فی کل مراحل ثورته، انّ الوقوف بوجه السلطان الجائر ومعارضته بالفعل والقول هو خطّ رسول الله (صلى الله علیه واله وسلم) ومنهجه، وعلیه فکل ما ینسب إلیه (علیه السلام) وأنّه نهى عن الخروج على السلطان الجائر، ولزوم إطاعته أو نحو ذلک، هو إمّا کلام مکذوب على رسول الله (صلى الله علیه واله وسلم)، أو أنّه ناظر إلى صورة ما إذا کان النهوض غیر مُجدٍ، أو کانت الأولویة لرصّ الصفوف الداخلیة فی مواجهة أخطار الخارج التی تحدّق بالإسلام والمسلمین، وذلک على قاعدة أمیر المؤمنین (علیه السلام)، “لأسلمن ما سَلِمَتْ أمور المسلمین”. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,612 |
||