مستقبل العلاقات المصریة السعودیة فی ظل التوترات القائمة | ||
مستقبل العلاقات المصریة السعودیة فی ظل التوترات القائمة احمد السیوفی تزداد وتیرة الاحتقان بین مصر و المملکة العربیة السعودیة یوماً بعد یوم فماهی الاسباب التی ادت الی هذا الاحتقان؟ وهل هذه الاسباب هی ولیدة اللحظة ام انها جاءت بفعل عملیة تراکیمة انفرجت فی النهایة بعد ان ارتفعت حالة الفعالیات داخل القدر؟ و هل الازمة ذات طبیعة سیاسیة ام دینیة ام اقتصادیة ام انها کل هذه المکونات مجتمعة ثم یأتی السؤال الهام وهو ما مستقبل العلاقات فی ظل هذه التداعیات ؟و سنحاول بقدر التجرد ان نجیب علی هذه الاسئلة التی تنقلنا الی اجابة السؤال الاکبر المتعلقة بمستقبل العلاقات وللوقوف علی الاسباب التی ادت الی ارتفاع وتیرة الازمة فاننا بحاجة الی التنقل عبر المحطات الاتیة: المحطة الاولی: تتعلق بمؤتمر غروزنی الذی عقد فی مدینة غروزنی الشیشانیة فی نهایة شهر آب/أغسطس الماضی و قد اثرت ان ابدأ بهذه المحطة لان هذه القضیة لم تبدأ فی شهر آب/أغسطس فقط و انما سبق ذلک انعقاد مؤتمر آخر تحت اشراف الازهر الشریف فی مدینة الاسکندریة بمصر عام 2012 تحت عنوان الاشاعرة کأساس لتشکیل أهل السنة و الجماعة وقد شارک فی هذا المؤتمر عدد کبیر من علماء الاسلام و علماء الازهر من مصر و غیرها. و هذا المؤتمر فی تقدیری هو الذی اصل لمؤتمر غروزنی حیث اکد مؤتمر الاسکندریة علی انه الاشاعرة هم الذین اسسو ا مدرسة اهل السنة و الجماعة. وانتقد المؤتمر بعنف الفکر السلفی الوهابی مشدداً علی ان هذا الفکر أضر بالاسلام و فتح الباب واسعاً امام حرکات و جماعات التطرف و التکفیر، و بصرف النظر عن القضایا التی ناقشها المؤتمر و هی قضایا بالغة الاهمیة فان هذا المؤتمر القی حجراً فی المیاه الراکدة منذ عقود طویلة حیث الاختراق الوهابی الکبیر لمواقع هامة داخل المؤسسات الدینیة المصریة ،و من ثم یمثل هذا المؤتمر نقلة کبیرة هی التی مهدت الاجواء لمؤتمر غروزنی و لکن الخطیر فی مؤتمر غرزونی انه اختار مکاناً له دلالة وهو مدینة غرزونی الشیشانیة التی تحسب سیاسیاً علی محور روسیا، و من ثم فان الجغرافیا لها دور و لها دلالة ثانیاً ان ینتقل شیخ الازهر و معه مفتی الدیار المصریة السابقة والمحسوب علی النظام المصری و کذلک عدد من العلماء المصریین و الاخرین القادمین من الدول العربیة و الاسلامیة فی تظاهرة فکریة و دینیة لاتخلو منه الدلالات ثم الاخطر من کل ذلک الببیانات و التصریحات و الابحاث المقدمة للمؤتمر و البیانات و التصریحات الصادرة عنه و التی تخرج السلفیة و الوهابیة من دائرة اهل السنة و الجماعة و اعتبار ان اهل السنة و الجماعة تنحصر فی الاشاعرة و الماتریدیة و الجماعات الصوفیة؟ هذا الامر بطبیعة الحال رأته المملکة العربیة السعودیة ضربة شدیدة موجهة الی قوتها الناعمة و اعتبرت ان هذا صراع بین المکون الدینی الذی یتصوره الازهر الشریف و بین مکون آخر یسعی الی السیطرة علی المشهد الدینی و خطابه دائماً منصب علی انه هو الممثل الحقیقی و ربما الوحید لاهل السنة و الجماعة. المحطة الثانیة: الصراع علی النفوذ بین الازهر الشریف و رابطة العالم الاسلامی و هذه المحطة هی امتداد للمحطة السابقة حیث ان الصراع علی النفوذ اشبه بالسفینة الجزء الکبیر منه هو الغاطس فی الماء و الجزء المکشوف منه هو الاقل، و صحیح ان المال کان یلعب دوراً هاماً فی مراحل کثیرة فی ترجیح کفة الرابطة الا انه هناک عدد کبیر من الازهریین مازالوا یمثلون کتلة للمقاومة فی مواجهة محاولات الاختراق.
المحطة الثالثة: الموقف فی مجلس الامن و الذی فوجئت فیه المملکة العربیة السعودیة بالموقف المصری الذی اید القرار الروسی و کان الاعتقاد لدی المملکة ان مصر سوف تدعم القرار الفرنسی الذی تؤیده المملکة العربیة السعودیة و دول الخلیج(الفارسی) والذی یطالب بحل سیاسی للازمة السوریة و لکن من دون وجود الرئیس بشار الاسد، حیث قالت مصادر بالخارجیة السعودیة انه مقعد مصر داخل مجلس الامم هو مقعد للعرب و کان ینبغی علی مصر ان تعبر عن القضایا العربیة و کأن سوریا لیست دولة عربیة. المهم ان هذا الموضوع سبب ازمة کبیرة فی العلاقات بین البلدین، الامر الذی دفع بعض الکتاب السعودیین و منهم جمال خاشقجی و هو المقرب من دوائر الاستخبارات و السلطة لانه یقول بان مصر فی المربع الذی نحن فیه و انما اصبحت فعلاً فی المربع و المضاد و اشتعلت حملات الهجوم الاعلامی و الهجوم و المضاد و حاولت وزراة الخارجیة المصریة ان توضح بأن هناک قضایا یمکن ان یتم الخلاف حولها ومن الصعب ان یتم التوافق فی کل المواقف ولکن السعودیة رأت ان الموقف المصری صار منحازاً الی حد کبیر مع المحور الروسی الایرانی السوری و امام تفاقم الخلاف و الاخذ و الرد اضطرت القاهرة ان تعلن انها لایمکنه ان تقف فی صفوف الارهابیة و فی صفوف الجماعات المسلحة حیث ان القاهرة تری ان بشار الاسد اقرب الیها من الجماعات المسلحة حیث أن بعض هذه الجماعات هو امتداد لجماعة الاخوان المسلمین الذین تخوض السلطة فی مصر معرکة عنیفة ضدها، و من ثم لایمکن ان تقف فی مربع واحد هی و هؤلاء، بل ان القاهرة أعلنت بشکل واضح ان الاوضاع فی سوریا تهدد الامن القومی المصری بمعنی ان نجاح الجماعات المسلحة فی سوریا یمثل خطراً کبیراً علی الامن القومی المصری و قد اعلنت القاهرة هذا الامر مراراً ولکن السعودیة لاتفهم ذلک.
المحطة الرابعة ( تیران و صنافیر): لقد اثارت هذه القضیة جدلاً واسعاً داخل الساحة المصریة و اعلنت القاهرة بشکل واضح و رسمی انه تم ترسیم الحدود بین مصر والسعودیة و بناء علی هذا الترسیم اصبحت جزیرتی تیران و صنافیر سعودیتین و طرح الاعلام المصری القضیة باعتبارها قضیة حق و من ثم تم اعادة الحق لاصحابه و ظل الامر علی هذا النحو حتی صدر حکم محکمة القضاء الاداری و هی محکمة متخصصة فی تصحیح قرارات السلطة و الحکم علی مدی صحتها او بطلانها و بعض القضاة فی هذه المهمة یتمتعون بقدر من الاستقلالیة و من ثم صدر الحکم بمصریة الجزیرتین لأن الحکومة عجزت عن تقدیم ای مستند حقیقی یؤکد سعودیة الجزیرتین وحاولت الحکومة أن تدعی ان هذا القرار قرار سیادی و ان المحکمة تجاوزت اختصاصها، الا ان المحکمة لم تنظرالی ذلک.غیر ان السعودیة لم تقتنع بان حکم المحکمة مؤسس علی اسس قانونیة و انما ربما تکون محاولة للتملص من هذا الالتزام، غیر ان تفاقم الازمة بین مصر و السعودیة دفع القریبین من النظام الی فضح الاتفاق، فقد خرج الاستاذ مکرم محمد أحمد نقیب الصحفیین الاسبق و الکاتب المرموق القریب من السلطة کی یعلن علی احدی القنوات المصریة ان الملک سلمان اشترط علی السلطة المصریة الا تهبط طائرته الاراضی المصریة قبل صدور قرار الترسیم و التنازل عن الجزیرتین مقابل ان تلتزم السعودیة بتقدیم حزمة من المساعدات المالیة و الامدادات النفطیة التی تستمر لمدة خمس سنوات بواقع سبعمائة الف طن سنویاً من المکونات النفطیة المختلفة .و بعد ذلک بدأ الاعلام المصری القریب من السلطة و الذی کان یروج لقضیة سعودیة الجزیرتین هو نفس الاعلام الذی خرج و اکد ان التوقیع علی ترسیم الحدود لم یتم وان الموضوع ینبغی ان یعرض علی البرلمان للموافقة علیه. هذا الامر اعطی من جدید فرصة واضحة للاعلام و لبعض الساسة لکی یمارسون دورهم فی التصعید ومن ثم ادی الی مزید من الاحتقان و مزید من التصعید المتبادل المحطة الخامسة: قطع امدادات النفط: الواضح انه مسألة قطع امدادات النفط هی نتیجة مؤکدة للمحطات السابقة و تداعیاتها فالموقف المصری فی مؤتمر غرزونی والموقف المصری فی مجلس الامن وقضیة التراجع المصری فیما یتعلق بتیران و صنافیر و الحملات الاعلامیة و المناوشات بید الطرفین کلها فیما یبدو دفعت السعودیة ال قطع امدادات النفط حتی ان احد الکتاب السعودیین الکبار قال ان الظروف الاقتصادیة الـی تمر بها المملکة تجعلها تعتذرعن تقدیم مساعدات للدول العربیة فی اشارة الی مصر لان الشعب السعودی الذی یعانی من مشاکل اقتصادیة هو أولی بهذه الاموال و المساعدات، وفیما یبدو ان المملکة اعلنت هذا للجانب المصری بانها لن تستطیع ان تواصل مساعداتها لانها تمر یازمة مالیة طاحنة و ان هناک ثمة اصوات داخل الشعب ترفض تقدیم مساعدات والشعب فی حاجة الیها . المهم ان هذا القرار صدر سواء تعبیر عن ضرورة أم انه رد علی حزمة المواقف المصریة فان المحصل ان النتیجة واحدة و هی ان قطع امدادات النفط یفتح الافاق واسعة لمزید من التوتر. المحطة الأخیرة: مستقبل العلاقات. قی الحقیقة ان المتابع للعلاقات المصریة السعودیة علی مدار تاریخها یلاحظ ان هذه العلاقات لم تتعرض لمثل هذه الازمات باستثناء المرحلة الناصریة التی اشتعل فیها الصراع بین الرئیس عبد الناصر و الملک سعود و بعده الملک فیصل.غیر هذه الحقبة الناصریة فان العلافات بین البلدین لم تشهد مثل هذه الخلافات و الازمات المتفاقمة والمتصاعدة علی هذا النحو و کل المحاولات التی قامت بها اطراف داخل الخلیج و خاصة الدور الذی لعبته الامارات لرأب الصدع بین الطرفین کل هذا لم یکتب له النجاح، و برغم ان الجانب الامارتی هو الاوفر حظاً فی القیام بهذاالدور فمعنی اخفاق هذا الدور انه من الصعب علی غیرهم القیام به، و من ثم یتعذر القیام بمثل هذا الدور علی الاقل فی المستقبل القریب بل ان الظروف مهیأة لمزید من التوتر لزیادة حدة التناقضات بین الطرفین و لعجز الطرف السعودی عن تقدیم مساعدات و امدادات سبق ان عرضها وسبق ان وقع علیها و وافق علیها، حتی لولم تکن هناک ازمة فیبدو انه الجانب الاقتصادی له دور کبیر و کذلک فان تصعید المواقف هو الاخر کان یمکنه ان یکون سبباً لوقف الامدادات حتی و لو لم تکن هناک ازمات و من ثم جاءت الازمة لتکون هی السبب الظاهری و من هنا تتسع هوة التناقضات و ترتفع وتیرة الخلافات و کل هذا یرشح الوضع لمزید من التوتر و الاحتقان و هذا ما یتوقعه کثیر من المراقبین. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,377 |
||