بمناسبة الذکرى السنویة لانتصار الثورة الاسلامیة

الجمهوریة الاسلامیة وادارة التغییرات المجتمعیة

بقلم:میامین حمید

شهدت الجمهوریة الاسلامیة الإیرانیة وخلال 38 عاماً من عمرها المبارک تغییرات مجتمعیة کبیرة وعمیقة، کان بعضها بفعل الرؤى والسیاسات الداخلیة والآخر بفعل التطورات العالمیة على صعید المعلومات والاتصال والافکار.. لکنها استطاعت ادارتها بشکل جید بما یخدم اهدافها وطموحاتها.

شخصیاً، اعتقد ان إیران الجهوریة الاسلامیة فی 11 فبرایر/ شباط 2017 تختلف کثیراً عن إیران صبیحة 11 فبرایر/ شباط 1979... فالـ 36 ملیون اصبحوا 80 ملیون نسمة، والدولة التی کانت تفخر بتجمیع سیارات “بیکان” التی بقی آخر نموذج لها (مودیل 1985) فاقداً للتکلییف! اصبحت تمتلک تقنیة نوویة على صعیدی الانشطار والانصهار، وتطلق أقماراً اصطناعیة الى الفضاء.. ومرکزاً طبیاً اقلیمیاً وتنتج فی السنة ملیون و500 ألف سیارة، فضلا عن الاکتفاء الذاتی فی الکثیر من المحاصیل الزراعیة، والاهم اصبحت میزانیتها تعتمد 30% او اقل على النفط مما یعنی تغیرا فی نمط الحیاة الاقتصادیة وشکل انتاج الثروة، والاعلام المرئی الذی ورث قناتین من زمن الشاه اصبح یضم قرابة 70 قناة تلفیزیونیة محلیة ووطنیة وعالمیة وبأکثر من لغة، کما انتشر الانترنیت فی جمیع المدن والقرى والقصبات...

خلال هذه الفترة التی تقل عن اربعة عقود ظهر جیلین، ارتفعت بینهم مستویات التعلیم وتدنت المسافة بین ابن المدینة الکبیرة وابن القریة... ظهرت قضایا عدیدة على مستوى التنظیر والتطبیق، احتاجت الى تظافر الجهود بین الفقهاء ومراکز الدراسات والاجهزة التنفیذیة لادارة المجتمع، خاصة مع ثورة الاتصالات التی اجتاحت العالم وغیرت نمط العلاقات بین البشر وشکلها وظهور الفضاءات المجازیة والخطابات المباشرة التی تجاوزت الاطر الوطنیة والجغرافیة، بفعل العولمة التی سعى الغرب (وبالتحدید أمیرکا) من خلالها الى تجاوز السلطات المرکزیة للدول والنفوذ الى المجتمعات واختراق سیادة الانظمة وفرض نموذج معین من الحیاة الأمیرکیة.. هذه الأمرکة التی جعلت حتى الانظمة والبلدان الأوروبیة تشکوا من سطوتها وهیمنتها وغزوها الثقافی.. استطاعت الجمهوریة الاسلامیة ادارتها بأقل الخسائر المجتمعیة والسیاسیة... وکان أهم عملین فی هذا المجال، هما:

1. فقه الدولة، الذی استطاع ان یحرک عملیة الاستنباط وفهم النص الدینی بما یتناسب ومتطلبات العصر والمسائل المستحدثة فی عالم الیوم، وهنا لابد من الاشارة الى دور الأمام الخمینی (رض) فی طرحه لمفاهیم "الفقه الدینامی" أو المتحرک فی مقابل "الفقه الساکن".

1. دراسة الظواهر الاجتماعیة بعمق والحیلولة دون تحول المشاکل الى أزمات إجتماعیة وظواهر مخربة، یصعب معها العلاج.. بل وتحویل الاختلافات والتنوعات الى مصدر قوة للنظام، من خلال طرح نموذج عملی فی مواجهة التهدیدات والتحدیات.

على سبیل المثال فی إیران أکثر من قومیة (الفرس، العرب، الکورد، اللور، الآذریین، الترکمان، البلوش، الغیلک.. إضافة الى الأقلیات الدینیة: الزردشت والمسیح والیهود) ولکل واحد من هؤلاء ثقافته المحلیة واحیاناً معتقداته المذهبیة، رغم اشتراکاتهم العامة فی التاریخ والجغرافیا الإیرانیة.

لذلک ترى ابن أذربیجان فی مقدمة المدافعین عن المناطق العربیة فی خوزستان، لأن انتمائه الإیرانی یفوق انتمائه المناطقی.. وانتمائه الدینی هو الذی یجعله یقاتل تحت رایة الخمینی (رض) کولی فقیه قبل ان یکون رئیس او حاکم دولة... لذلک لن تتعجبوا عند سماع خبر إستشهاد شاب من أهل السنة من شرق إیران دفاعاً عن حریم أهل البیت (ع) فی سوریا... او خروج قافلة لزیارة الاربعین الحسینی (کربلاء) من أهل السنة فی إیران... وهکذا زیارة الامام الرضا (علیه السلام).. فی حین ان المشکلة والفتنة المذهبیة هی التحدی الأول الذی یواجه العالم الاسلامی الیوم.

ولعل العدید من المشاکل التی تظهر بأشکال اجتماعیة الیوم فی إیران، تعود بالأساس الى مجالات وقطاعات اخرى.. وخاصة الاقتصاد الذی یئن من مشاکل بنیویة واداریة من جهة، وخارجیة مفروضة على إیران من قبل القوى الدولیة وفی مقدمتها أمیرکا والاتحاد الأوروبی من جهة ثانیة.

ومن هذا المنطلق جاءت المعالجات المجتمعیة فی إیران على أکثر من صعید:

1. نشر الثقافة والوعی، والترکیز على مبدأ البصیرة فی التعامل مع الأمور.
2. التقلیل من تأثیرات الاتجاهات المادیة من خلال الدفع نحو العرفان والروحانیة والمفاهیم الاسلامیة والانسانیة السامیة.
3. السعی الحثیث لحل المشکلة الاقتصادیة.. وخاصة فیما یتعلق بالبطالة.
4. تغییر المناهج بما یتناسب مع الوضع العلمی والاقتصادی للبلد.. وحتى الاختصاصات الجامعیة والدورات المهنیة طراً علیها الکثیر من التغییر خلال العقود الماضیة.
5. الاهتمام بوضع المرأة ( الثقافی والعلمی والاقتصادی والقانونی ).
6. تکثیف الجهود فی محاربة الادمان والتصدی للمحاولات الدولیة التی ترید ان تجعل من إیران ممراً لتجارة المخدرات من افغانستان وباکستان خاصة.
7. الاعتراف بالتنوع القومی والدینی والمذهبی واعتباره من عوامل القوة فی البلاد.. سواء على مستوى الدولة والاعلام او منظمات المجتمع المدنی.
8. احیاء وتعزیز الروح الوطنیة والانتماء الإیرانی لدى الشباب.. والثقة بالنفس والقدرة على التغییر نحو الافضل، ولعل شعار "نحن نستطیع" الذی اطلقه قائد الثورة الاسلامیة، سماحة الامام الخامنئی (حفظه الله) کان الأکثر صدى عملیاً بین الشباب على اختلاف جنسیهما...
9. ولا ننسى هنا ان المؤامرة الاخیرة التی حاکتها الدول الاستکباریة واذنابها من الرجعیین فی المنطقة، والفتنة التکفیریة التی جاءوا بها، تحولت فی العدید من المواقع ـ ومنها فی إیران ـ الى نقطة قوة لصالح النظام.. فأعداد المسجلین من الشباب للدفاع عن حریم أهل البیت (ع) تزداد یوماً بعد یوم ویزداد معها ارتباط الجیل الجدید بقیم ومثل الجیلین الذین سبقى فی الدفاع عن إیران والثورة والاسلام.. وهذه أهم قضیة ـ ربما ـ فی معالجة القضایا الاجتماعیة، أی التواصل بین الأجیال وعدم ظهور قطیعة بین قیم جیل مع الجیل السبق له والجیل اللاحق.