تطهیر الثورة .. مهمة الشباب فی اطار الخطوة الثانیة | ||||
PDF (266 K) | ||||
حوار مفصل مع آیة لله مصباح یزدی بشأن تبیین الخطوة الثانیة للثورة .. تطهیر الثورة .. مهمة الشباب استعرض قائد الثورة الاسلامیة فی بیان ( الخطوة الثانیة للثورة ) ، التجارب التی خاضتها الثورة الاسلامیة على مدى الاربعین عاما الماضیة معلنا أن الثورة " دخلت المرحلة الثانیة من البناء الذاتی وبناء المجتمع وصناعة الحضارة " . الخطوة الثانیة التی یجب اتخاذها فی اطار "نظریة النظام الاسلامی" و "بجهود وجهاد الشباب الایرانی المسلم " لترجمة المبادىء على الارض " وایجاد حضارة إسلامیة جدیدة والاستعداد لبزوغ شمس الولایة العظمی (أرواحنا فداه) . وبهذه المناسبة یتم فی الحوار التالی الذی اجریناه مع آیة لله مصباح یزدی أحد الشخصیات البارزة فی الثورة ، العضو السابق فی مجلس خبراء القیادة واستاذ الحوزة العلمیة ، تحلیل هذا البیان وتسلیط الضوء على مختلف جوانبه . لأجل الخوض فی البحث ، نرجو منکم تقدیم توضیح شامل وعام عن دواعی اصدار البیان ، وفیما بعد سنطرح اسألتنا بناءا على الموضوعات المختلفة ووجهات النظر التی ستطرحونها
بسم لله الرّحمن الرّحیم . اسأل لله تعالی أن یوفقنا لبحث موضوع یکون فیه رضا لله وأولیائه ، لاسیما صاحب العصر والزمان ارواحنا فداه ونائبه بالحق . فیما یخص الموضوع الذی طرحتموه ، ومسألة الدافع الاساسی لصدور هذا البیان والذی یعود إلى مستجدات الحقبة الراهنة والظروف الحساسة التی یواجهها کل من مجتمعنا والثورة والمشاکل التی یعانی منها العالم وما إلى ذلک ، أنا لدی رأی قد یعتبره البعض مبالغا فیه أو تملقا ، ولکننی أطرح کل ما لدی حجة علیه عند لله ، ولیحکم الاخرون کما یشاؤون . أنا أعتقد بأن إصدار هذا البیان فی هذا الوقت وبهذه الخصائص والدقة فی اختیار الالفاظ والجملات والترکیبات وتنسیق الموضوعات مع بعض ، والتصریح ببعض الامور فی بعض المقاطع ، والاقتصار على التنویه فی مجالات أخرى و... یشتمل على حکمة أعجز أنا وأمثالی عن کشف حقائقها وفک الغازها بشکل کامل . إصدار هذا البیان قد یکون أصعب مهمة وُضعت على عاتق قائد الثورة خلال فترة تصدیه لمسؤولیة القیادة ، وقد قام بهذه المهمة على أفضل وجه یمکن أن یقوم بها انسان فی الظروف الطبیعیة ، ولذلک یجب بذل جهد أکبر لتبیان هذا البیان وإیضاح عناصره وأهدافه والتعبیرات المستخدمة فیه والعمل بالتوجیهات المقدمة. نسال لله أن یمد فی عمره ویزید فی عزه واقتداره ویسدد خطاه ویوفقنا لنحمده على هذه النعمة ، ونسأل أیضا بأن یوفقنا فی إطاعة أوامره وتنفیذ توجیهاته . إن کنا نرید طرح هذا السوال کما ینبغی واستیفاءه حقه ، ربما نحتاج لعدة ساعات، فهناک مقدمات یجب أن نمهّد لها أولا للرد على هذا السؤال . نحن نتحدث عن شخص یعرف على الصعید الدولی بأنه قائد الثورة الاسلامیة الایرانیة فی وقتنا الراهن . طبعا مهندس الثورة الاسلامیة کان الامام الراحل (ره) ، ولکن قیادة هذه الثورة فی هذا الوقت هی بعهدة قائد الثورة . لشرح هذا التعبیر بذاته أیضا نحن بحاجة إلى الاخذ بنظر الاعتبار لبعض الامور منها ، ما معنى الثورة أصلا ؟ ما معنى اسلامیة الثورة ؟ ما هی مقومات الثورة ؟ هل الثورة هی أمر دفعی أو شبه دفعی أو تحرک عاجل یجری فی وقت محدد وینتهی ؟ . نعم ، قد یکون أفضل تعریف لمصطلح الثورة هو أنه تغییر سریع ودفعی فی المجتمع . وبالطبع یجب أن یتم فی وقت قیاسی ، لأنه تحرک سریع ودفعی وبعد ذلک ینتهی أمده ، فأصل التحرک الثوری باعتباره تحرک دفعی ینتهی ، ولکن آثاره قد تبقى وتستمر . استخدام مصطلح الثورة لذلک التحرک والنتیجة التی تتمخض عنه مفهومان مختلفان وقد یؤدی الأمر إلى الاختلاط بینهما . فمن جهة یقولون بأن الناس قاموا بثورة وانتهى کل شیء ، ومن جهة أخرى نقول بأن الثورة مستمرة وهذه هی خطوتها الاولى . فیردون قائلین بأن الثورة هی تحرک سریع ، تحول یتم بسرعة ، اذا کیف تقولون بأن هذه لازالت الخطوة الاولى رغم مضی 40 عاما علیها ؟ هذا الامر یعود إلى أن فی لغتنا هناک فرق بین المعنى المصدری ونتیجة المصدر . تصوروا بأن شخصا ما یمسک بورقة ویبدأ بالکتابة ، الکتابة هذه هی فعل مصدری وقد تستغرق بضعة دقائق ، ولکن نتیجة هذا العمل وهی الکتاب ، سیظل باقیا . اذا الذین ینظرون إلى الموضوع بمفهومه الاول إی المعنى المصدری ، یتوقعون بأن تنتهی الثورة سریعا ، ولکن البعض ینظرون إلى مصطلح الثورة بمفهومه الثانی إی نتیجة العمل ، والمفهومان واردان . ثانیا من الذین ثاروا ؟ ولمن هذه الثورة ؟ الاشخاص الذین یساهمون بشکل مباشر فی هذا التحرک ، هم قلة فی اغلب الاحیان . احیانا یقولون بأن "الثوری" یعنی أولئک الاشخاص الذین قاموا بالثورة خلال فترة زمنیة قیاسیة . طیب هؤلاء رحلوا ، اذا لم یعد هناک أی ثوری . واحیانا یقولون الثوری ویقصدون الاشخاص الذین رضوا بهذا العمل ونتائجه أو لم یرتکبوا ما یؤدی إلى تشویهه أو النیل منه على أقل تقدیر . الثوری الذی نقصده هنا هم أولئک الاشخاص الذین اقتنعوا بهذه الفکرة وهذه الحرکة ونتائجها . حین نقول الثوری لا نعنی الاشخاص الذین قاموا بالثورة بشکل مباشر ، بل ما نقصده هو الاشخاص الذین قبلوا بنتائجها وصانوا مبادئها . نقول الثورة الاسلامیة الایرانیة أو الشعب الایرانی ؛ من الواضح أن الثورة الاسلامیة یجب أن تکون بدوافع اسلامیة ، بأفکار اسلامیة وبقیم اسلامیة . لکن لیس کل الشعب الایرانی یدین بالاسلام ؛ فهناک طوائف یهودیة ومسیحیة وزرادشتیة و.. . اذا ماذا یعنی أن ننسب الثورة الاسلامیة إلى هؤلاء ؟ نسبة هذا العمل هنا إلى هؤلاء یعنی أن هذه الثورة فی الاساس هی للمسلمین وثمارها أیضا من أفکار وعقائد وقیم هذه الفئة التی تشکل غالبیة المجتمع ، ولکن نتائجها وبرکاتها تعمّ الاخرین أیضا وهؤلاء أیضا یقبلون بها ولایقومون بأی معارضة فی مواجهتها . نعم ، إن حاول البعض من داخل الثورة القیام بعمل لإسقاطها ، فإن الثورة آنذاک لن تکون ثورة هؤلاء ؛ سواء أعلنوا ذلک صراحة أو تکتموا على الأمر وسلکوا طریق النفاق . اذا حین نقول الثوری ، تارة نقصد الاشخاص الذین قاموا بذلک التحرک وبعد رحیلهم لن یبقى لتلک الثورة أثر ، وتارة الثوری الذی نقصده یعنی أن نتائج الثورة ستکون باقیة وهؤلاء یقومون بحفظها وحراستها وصیانتها . ثالثا جمیع الذین یقتنعون بالثورة بأی نحو کان حتى ولو لم یعتبروا صیانتها من واجبهم . واحیانا قد تکون ضمن اطار وحدة اجتماعیة سیاسیة تحت عنوان ایران التی تحدّها حدود ، لدیها حکومة و ... والتی تنسب الثورة إلیهم جمیعا . وبناء على هذا التعریف فإن مسألة ادارة الثورة أیضا ستکون لها مراتب مختلفة وتتفاوت أهمیتها وفقا للظروف . حین تقرر بأن لا تکون الثورة مختصة بمجموعة معینة عملت منذ البدایة لتحقیق هذا الطموح ، بل تشمل کل الشعب ، فحینذاک مدیر وزعیم هذه الثورة سیشعر بالمسؤولیة تجاه الجمیع ، وإدارته یجب أن تکون بشکل تضمن دیمومیة واستمرار ثمار ونتائج الثورة ، و لا تظهر أی عناصر سلبیة فی المجتمع ، لتثیر حساسیة البعض حتى یقوموا بأعمال مناوئة للثورة . حین یتعلق الامر بادارة فئة خاصة فإن الادارة لن تکون مشکلة عویصة ، لأن أفکار الجمیع هناک موحدة وهدفهم واحد ولا یوجد أی خلاف بینهم ، ولکن حین یفترض بأن تشمل الاخرین أیضا ، فإن إدارة مثل هذا المجتمع ستکون مشکلة معقدة جدا . هناک عدة عوامل أخرى قد تزید من تعقیدات هذه الادارة . العامل الاول هو "تغییر الجیل الثوری" . فی فترة ما کان هناک أشخاص بأفکار معینة ، کانت لدیهم قیم ، نزلوا إلى الساحة وضحّوا بأنفسهم وقاموا بثورة ، بعضهم استشهد والبعض الاخر عاش ورحل عن الحیاة بعد فترة وحل جیل آخر محلهم . شئنا أم أبینا فإن الجیل الثانی والثالث سیکون مختلفا عن الجیل الاول . ادارة کل هؤلاء نظرا إلى التفاوت القائم وتبدّل الاجیال سیکون أمرا معقدا جدا . هذا هو أحد الاسباب التی تکشف حقیقة أن إدارة مثل هذه الثورة هی أصعب مقارنة ببدایة الثورة . المسألة التالیة هی مسألة تطورات المنطقة والعلاقات الدولیة . حین تفجرت الثورة ، الظروف الاقلیمیة کانت تفرض علیها أن تضع مخططاتها وبرامجها وفقا لتلک الظروف ، ولکن هذه الظروف تغیرت کثیرا خلال العقود الاربعة الماضیة على الصعید الداخلی لتلک الدول وکذلک نظرتها ومواقفها تجاه هذه الثورة . هذه المستجدات جرت خارج المجتمع الثوری الایرانی . وهذه الامور بحد ذاتها تزید من أهمیة وحساسیة إدارة هذه الثورة . لهذا السبب أنا اقول بأن إدارة هذه الثورة فی الوقت الراهن هی أصعب فترات إدارة الثورة منذ نشوئها ولحد الان ، والذی یرید تولی الادارة ، فضلا عن ضرورة اهتمامه بسائر القضایا التی لها تأثیرها على إدارة هذه الثورة ، یجب أن یأخذ بنظر الاعتبار بعض الامور منها : من الذی أواجهه أنا ؟ ما هی التغییرات التی طرأت على هذا الجیل ؟ ما هی التغییرات التی شهدها العالم والتی لها علاقة بهؤلاء ؟ ما هو العداء الذی ظهر فی الخارج ویمکن تصنیفه على أنه عداء جدید ؟ ما هی العوامل التی ظهرت الان لتأجیج هذا العداء ولم تکن آنذاک ؟ . فی بدایة الثورة لم تکن لدینا وسائل تواصل اجتماعی ، ولذلک حین کان یرید البعض أن یقوم بخطوة اعلامیة مناوئة للنظام ، کان یفعل ذلک بواسطة الصحف والمقالات و ... ولکن الیوم لدیهم عناصر یمکنهم من خلالها التأثیر على أبنائنا فی بیوتهم . هذه الافات التی ظهرات الان لم تکن تهدد الثورة فیما سبق وهی بحاجة إلى التعاطی معها بشکل ذکی ، لأنها کانت سالبة بانتفاء الموضوع فی السابق . الیوم یجب إدارة هذا المجتمع ونظرا إلى هذه الظروف بشکل یؤدی إلى الحد من هذه الافات واستثمار الفرص بشکل أفضل . هذه الأمور لم تکن مطروحة فی بدایة الثورة . طبعا فی تلک الحقبة کان یجب أن یتصف مهندس الثورة بصفات لم تعد ضروریة الان . والحمد لله العناصر الضروریة أیضا کثیرة ، هناک الملایین من الانصار والموالین الذین یفتخرون بأنهم من أعضاء هذه الثورة . المصادر المادیة والمعنویة ، الجامعات ، الحوزات العلمیة ، المناجم ، التقدم التکنولوجی وتحقیق التقدم فی انتاج الاسلحة المتطورة والحدیثة و ... هذه هی الامور التی نحن بحاجة إلیها الان ویجب أن نتعرف علیها بشکل جید . على أی حال ما نقصده هو أن ظروف إدارة الثورة فی وقتنا الراهن لا یمکن مقارنتها بالظروف السابقة . فهی أهم وأکثر حساسیة من جهات عدة ، ودور القائد فی تقدم وصون هذه الثورة وترشیدها نحو المستنقبل الزاهر أکثر حساسیة من فترة بدایة الثورة . من هنا تأتی أهمیة مسألة القیادة . والان فإن القائد فی مثل هذه الظروف حیث طرأت تعقیدات جدیدة ، ومع وجود أجیال لم تعاصر الامام الراحل (ره) ولم تسمع خطاباته ولم تخض تلک التعلیمات والتدریبات التی کانت فی بدایة الثورة ولا عاشت تلک العوامل التی کانت السبب فی مناوئة النظام البهلوی ولم تعانی من ظلم وجور النظام البهلوی ولم تعش تلک السجون وعملیات التعذیب ، یجب أن یعرف ماذا یفعل ، ماذا یقول ، مع من یتحدث وفی أی ظروف وبأی لحن ، العوامل التی یجب أن یؤکد علیها والتی یجب أن یمر مرور الکرام علیها ولا یصرح بها ، جمیع هذه الامور بحاجة إلى حکمة وحصافة لتکون کتابة سطر من هذا البیان مساویة لکتابة اعلان کامل أثناء بدایة الثورة . ما قاله البعض بأن العمل الذی قام به قائد الثورة فیما یخص کتابة هذا البیان نابع من أفکار معمقة ونظرة ثاقبة ، مدروسة وشاملة لم یکن جزافا ، وأنا أیضا یجب أن أعترف بأنه ورغم کل ما قلنا ، فإنه لا یمکننا أداء حق هذا البیان وأهمیته .
هناک تساؤلات تثار لدى البعض ومن بینهم بعض المؤمنین فیما یخص الظروف الاجتماعیة لإصدار هذا البیان . على أی حال نحن نعیش ظروفا وتعقیدات نعانی فیها من جهات عدة ، الضغوط الاقتصادیة کثیرة وهناک تذمر من قبل بعض الناس . فی مثل هذه الظروف فإن الحدیث عن الخطوة الثانیة للثورة وضرورة العمل لبلورة حضارة اسلامیة جدیدة و.. تثیر تساؤلات لدى البعض . لماذا أصدر قائد الثورة الاسلامیة مثل هذا البیان بهذا المضمون والاسلوب فی مثل هذه الظروف ؟ أنا أعتقد بأنه کان من الضروری أن یجری فی هذه الظروف تقییما لماضی الثورة وأن یتم دراسة حزمتین من العناصر للمستقبل . إحداها العناصر الایجابیة والظروف المؤاتیة والامکانات الضروریة المتوفرة لدیمومیة الثورة وتقدمها والتی یجب معرفتها جیدا وتعزیزها وترسیخها . والثانیة ، الرد على التحدیات والتهدیدات وإحباطها . هذه التحدیات تنقسم إلى عدة اقسام ، منها التحدیات التی تمس المبادىء الفکریة مثل ، من الذی قال إن الثورة ضروریة ؟ ما الداعی لأن تکون هذه الثورة اسلامیة ؟ الثورة الاسلامیة یجب أن تهتم بالشؤون الدینیة ولا تتدخل فی القضایا الاخرى؟ کیف یمکن أن تستمر أی ثورة وتکون دائمیة ؟ الثورة ظاهرة اجتماعیة ومثل جمیع الظواهر لها أمدها الذی سینتهی . کل کائن مولود ، یولد فی زمان ما ویطوی مرحلة من الحیاة ، یصبح شابا ثم یشیخ ویموت وینتهی کل شیء ، هذه أیضا کذلک ؛ إستمرت اربعون عاما وکفى ، ما الضرورة فی أن تستمر أکثر من هذا ؟ أو طرح شبهات أخرى مثل إن الظروف تغیرت ، الظروف کانت ظروفا خاصة حین قمنا بالثورة والیوم لیست کذلک ، لا ضرورة لأن ندعم تلک الثورة التی حدثت فی تلک الظروف وما إلى ذلک . أولا من الناحیة النظریة هناک قضیة فی علم الاجتماع مفادها ، هل لکل ثورة نهایة أم لا ؟ هناک نظریة تقول بأن کل ثورة هی ظاهرة اجتماعیة انسانیة ولا مفر من موتها وبذل الجهد لاطالة عمرها أمر دون جدوى ، هذا خطر کبیر من الناحیة الفکریة . التحدی الاخر یتمثل فی القول بأن الظروف قد تغیرت . تلک الظروف التی کانت قائمة آنذاک لم تعد قائمة الان . کانت لنا نقاط قوة فی بعض الجوانب وهی معدومة الان . کما کانت لدینا نقاط ضعف تم تلافیها . آنذاک کنّا ضعیفین فی المجالات العلمیة والتکنولوجیة والاسلحة ، ولکننا لم نعد کذلک الیوم ، اذا ما الضرورة لأن نتمسک بتلک المبادیء الان ؟ یجب أن نفکر بأمر جدید . باختصار إن هناک شبهات فکریة تقول هل وجود الثورة ضروری أصلا أم لا ؟ طبعا هناک شبهات أخرى یطرحها أعداؤنا فی الفضاء الافتراضی تحاول الایحاء بأن فکرة الثورة کانت خاطئة منذ البدایة ، الثورة کانت خیارا مکلفا ، کان یمکنکم تحقیق أهدافکم بکلفة أقل ، کانت خطأ من الاساس . أو إنها کانت صحیحة آنذاک ولکن لیس بالضرورة أن تکون کذلک الان . أو یقولون بأنه طرأت ظروف وحدثت الثورة ، ولم یکن الجمیع آنذاک ذو نزعة اسلامیة ، الکثیر کانوا مارکسیین ویساریین ، والبعض الاخر کان وطنیا وقومیا و ... اذا ما هذه الاسلامیة التی تؤکدون علیها وبالتالی جعلتم مصداقها الولی الفقیه ؟ من الذی قال یجب أن تکون هکذا ؟ جمیع الناس قاموا بالثورة وشکلوا حکومة جمهوریة . یأتی الناس ویدلون بأصواتهم ویتم اختیار شخص ما ، وذلک الشخص یحکم لفترة أربع سنوات ، أنتم أیضا افعلوا مثل هذا الامر ؛ یجب أن تناط جمیع الصلاحیات إلى هذا الشخص . أنتم حددتم شخصا أعلى منه ورقیبا علیه ، ما هذا الکلام ؟ الامام (ره) کان شخصیة یتمتع بکاریزما وقال بعض الامور والناس وافقوا علیها ، کیف یمکن أن یکون الامر هکذا للابد ؟ أو یقولون ، نحن مرغمون بالتالی على التعامل مع القوة العالمیة ، إصرارکم الدائم على إطلاق شعارات " الموت لامریکا" بلا جدوى . الامام (ره) قال شیئا ونحن وافقنا علیه احتراما له وردّدنا ذلک الکلام ، نحن علینا الان یجب أن نفکر بأنفسنا وحقبتنا . یتم الترویج لهذه الشبهات بأشکال مختلفة ، وتترک تأثیرها على الجیل الجدید أکثر من الاخرین . خاصة إن هنالک مشاکل مثل الغلاء والتضخم و ... . فی مثل هذه الظروف ماذا یجب أن یفعل القائد ؟ أن یقوم بخطوة یمکن للجمیع قراءتها والاطلاع علیها ومن خلالها نردّ على جمیع الشبهات السابقة ؛ عمل أشبه بالمعجزة . حین یفکر الانسان بهذه الامور، آنذاک یفهم لماذا تم إصدار مثل هذا البیان ؟ فی مثل هذا المنصب حین یأتی شخص ما ویردّ على کل تلک الشبهات ببیان واحد ، ویبطل السحر؛ فإنه عمل أشبه بالمعجزة حقا . اذا ، صدرهذا البیان لنقل الموروث السابق إلى الجیل الصاعد لکی یفهم ماذا فعلت هذه الثورة . یجب أن نقول بأن هذه الثورة دائمیة وباستطاعتها الاستمرار للأبد ، وهذه هی النقطة التی یؤکد علیها سماحته کثیرا . نظریة أن الثورة مندثرة نظریة خاطئة ، هذا کلام غیر صحیح ، الثورات المادیة کانت تحدث بناء على ظروف ودوافع خاصة ، وحین تتغیر تلک الظروف والعوامل فإنها أیضا کانت تزول ، لکن الثورة الاسلامیة لیست کذلک . للاسف نحن المسلمون وحتى الذین کان یجب أن یکون لهم قصب السبق فی تبیین وتوضیح هذا الامر للناس ، أصیبوا بالغفلة . الثورة الاسلامیة تحمل صفة الاسلام وهذا لیس مجاملة ، هذه الثورة ظاهرة ممیزة. القیم التی تتحلى بها هذه الثورة هی القیم التی تتناغم مع الفطرة الانسانیة ولا یوجد انسان سلیم الفطرة لا یتحلى بهذه القیم . ما دام الانسان انسانا فإنه سیتحلى بهذه القیم . طیب ، إن کانت هذه هی أسباب الثورة فإنها ستبقى مادامت تلک موجودة . الثورة لیس بمعنى تلک الحرکة المصدریة ، بل بمعنى أنه مادامت تلک الدوافع قائمة فإن نتیجة تلک الحرکة ستکون ساریة فی المجتمع .
قائد الثورة الاسلامیة لدیه نظریة نابعة من رؤیته حیال المسیرة التکاملیة للثورة ، حیث یرى بأن هناک خمس مراحل حتى تحقیق "الحضارة الاسلامیة الجدیدة" . من جهة أخرى نرى أنه یتم حصر الثورة فی خطوتین ومن خلال التأکید على ضرورة قیام الشباب بدورهم فی الخطوة الثانیة یتم مناقشة هذه المرحلة . ما هو تحلیلکم بشأن صلة هذین الموضوعین؟ إن اعتبار خمسة مراحل لهذه الحرکة الاجتماعیة الثوریة من قبل سماحته من جهة ، وقوله بأن هذه الاربعین عاما کانت مجرد خطوة واحدة وإن أمامنا خطوة أخرى من جهة أخرى ، تعود برأیی إلى رؤیته للموضوع من زاویتین مختلفتین . لا لزوم أو ضرورة لتطبیق هاتین الرؤیتین مع بعض . تلک رؤیة من زاویة وهذه رؤیة أخرى من زاویة أخرى . تلک الرؤیة الأولى تقول، یجب أن نعرف ما هو الهدف من الثورة الاسلامیة . هذا الهدف له عدة مراتب ولا یتحقق دفعة واحدة ، کما کان الحال على عهد الانبیاء والائمة ( علیهم السلام ) . لم یسبق أن تحققت جمیع هذه الاهداف دفعة واحدة ، وأساسا إن حیاة الانسان فی هذا العالم بکل جوانبها محکومة بهذا الوضع التدریجی . الرؤیة الأولى هی مراتب طولیة ، إن کنا نرید الوصول إلى هذا الهدف ، ما هی المراحل التی یجب أن نطویها لکی ننتقل مما نحن علیه إلى ذلک المکان المنشود . هذه هی المراحل الطولیة المختلفة التی یجب أن نطویها لکی نطوی هذا الطریق ، هناک خمس مراحل ومواقف ؛ فی البدایة یجب أن نطوی هذه المرحلة ، وحین نجتاز هذه المرحلة سنصل إلى المرحلة الثانیة ، ومن ثم الثالثة والرابعة وبالتالی نصل إلى الحضارة الاسلامیة الجدیدة التی تعمّ العالم . هذه الرؤیة تعود إلى المراتب الطولیة للثورة وأهداف الثورة . وأحیانا نرید أن نقدم الثورة الاسلامیة باعتبارها إیدیولوجیة اسلامیة متعلقة بالحیاة الاجتماعیة الانسانیة ، ولکن احیانا نرید دراسة ابعاد هذه الثورة . هذا أشبه بأن نمسک هرما أو موشورا بیدنا ونحاول رؤیة جمیع جوانبه ، أحد جوانبه الاقتصاد ، والجانب الاخر الادارة ، والجانب الاخر عسکری ، وأحد جوانبه الاخرى الزراعة ، الصناعة والعلوم ، والاوجه المختلفة الاخرى ... لذلک فإن الثورة لها أبعادها وجوانبها المختلفة . الیوم مثلا هذا العمل متعلق بهذا الجانب . لا یوجد أی ترتیب طبیعی بین هذه الاوجه . هناک أبعاد مختلفة ننظر الیها من زوایا مختلفة ونمحصها لنرى فی مثل هذه الظروف الاولویة ستکون لأی جانب ، ویجب التأکید على أی جانب أکثر من الاخر ؟ هذه رؤیة . نظرا لأن الثورة ظاهرة اجتماعیة ، فقد لا تکون مستقرة على مر الزمن ؛ فقد تُحقق تقدما من جهة ، وبعد ذلک قد تتقهقر وتتوقف ، نحن یجب أن نعرف الظروف التی نعیشها ونواجهها الان . هل کل ما مضى کان تقدما أم لا ؟ هل کانت هناک أوجه قصور ؟ هل یمکننا أن نخمّن بأننا فی المستقبل سنحقق التقدم مائة بالمائة أم لا ؟ هل هناک نقاط ضعف أیضا ؟ وفق هذه الرؤیة فإن الموضوع الأهم هو أن ندرس الفرص والامکانیات وسبل تعزیزها من جهة ، ونتعرف على العوائق ونحول دون ظهورها أو نقوم بتسویتها من جهة أخرى . سماحته باعتباره القائد ، یعیش الیوم فی حقبة خاصة من الثورة والحرکة الاجتماعیة لمجتمعنا حیث طوینا مرحلة وهی ماضینا ، یجب تقییم هذا الماضی لنرى هل کان صحیحا مائة بالمائة أم کانت هناک أخطاء أیضا ؟ من الذی ارتکب الأخطاء ؟ أین حدث الخطأ ؟ حتى نلتفت ولا نرتکب هذه الاخطاء أو نقوم بتلافیها والتعویض عن القصور . ومن جانب آخر یجب أن ننظر إلى إیجابیاته ، أین کان العمل ناجعا ، یجب أن نحتاط حتى لا نفقدها ، لا یجب أن یخدعنا الاعداء ویسلبونا هذه الایجابیات . ثالثا ، هل الذین یتولون مسؤولیة إدارة الثورة الان ، هم الجیل السابق أم تغیروا ؟ بالطبع ولا شک بأنهم تغیروا ، ، لیس جیلا واحدا ، بل قد یکونوا الجیل الثالث للثورة ، کیف یجب أن نتعامل مع هؤلاء ؟ هل هؤلاء یحملون جمیع مواصفات الجیل الاول أم لا ؟ کیف یجب نقل المسائل الیهم ؟ کما یجب أن نتعرّف على الآفات الجدیدة مثل وسائل التواصل الاجتماعی و... والتی یمکن أن تواجه هذه المرحلة . فی هذه المرحلة إن اعتبرنا المراحل السابقة بأنها مرحلة واحدة ، فإن المرحلة التی یجب أن نخطط لها الان ، ستکون المرحلة الثانیة . تلک تکون الخطوة الاولى وهذه الخطوة الثانیة . الخطوة الاولى تعنی تقییم ماضی الثورة منذ البدایة ولحد الان ، ماذا فعلنا ؟ ماذا جرى ؟ أین کان صحیحا ؟ أین کان خطأ ؟ ما لم نقم بهذا الامر لا یمکننا التخطیط للمرحلة الثانیة بشکل صحیح. أهم نقاط الضعف التی یمکن أن تهدّد جیلنا الصاعد فی هذه المرحلة تتمثل فی أمرین : الامر الاول ، مسألة معرفتنا بالنسبة للثورة وأهداف الثورة ومعرفتنا بأنفسنا ودوافعنا للحیاة الاجتماعیة وما الهدف من حیاتنا . باختصار ، أن نعرف الاسلام بشکل کامل ، وللاسف نحن لدینا قصور کبیر فی معرفة الکثیر من الجوانب . والامر الثانی ، التحدیات المتبقیة من الماضی أو التی ظهرت لاحقا ، والتی قد تشکل خطرا علینا فی المستقبل . یجب أن نعرف هذه التحدیات جیدا ونحول دون وقوعها قبل أن تتحقق . وإن کانت قد بدأت ، فیجب علینا احتوائها وتسویتها ، هذه تختلف عن تلک التی کانت خلال الاربعین عاما الماضیة . ومن جهة أخرى یجب أن نقوم بخطوة تجعلنا ننتفع من هذه حتى یفوق نفعنا على ضررنا دائما . هذه خطوة جدیدة . مرحلة جدیدة . تسمیة هذه بـ"الخطوة الثانیة" هی فی الواقع رد على الذین قالوا بأن الثورة انتهت وماتت ، ولکن لا ، نحن خطونا خطوة واحدة فقط لحد الان وقد بدأنا بالخطوة الثانیة الان ، وهذه الثورة لن تموت . هذه دائمیة ، لماذا ؟ تأسیسا على ما قلنا آنفا ، لأن دوافع هذه الثورة هی دوافع فطریة . ثانیا لأن هذه الثورة هی ثورة اسلامیة والثورة الاسلامیة تعنی أنها تؤثر على جمیع مناحی الحیاة البشریة . لا تختص بالقضایا الاقتصادیة ، الصناعیة ، التجاریة ، العسکریة والدفاعیة فقط ، یجب أن یزدهر الانسان ویمضی نحو الکمال ، هذا هو معنى الاسلامیة . هذه الثورة هی لإنسانیة الانسان ، ویجب أن تستوفی جمیع جوانبها . یجب أن نهتم بجمیع جوانبها ، إن حصل تشاحن فی بعض الاحیان ، فیجب التحقق من الاهم والأولى ونرکز علیه أکثر من الجوانب الاخرى . لا یمکننا أن نرکز على مسالة مکافحة التضخم ونغفل عن الجوانب الاخرى مثلا . أسوأ أنواع الفساد والهمجیة فی العالم ، هو ما نشهده الان فی الدول المتحضرة . وغالبیة هذه المفاسد یرتکبها الرأسمالیون والأثریاء . الفقراء هم ضحایا هؤلاء فی الغالب ، والذین یعیثون فسادا هم الاثریاء . طیب نحن عملنا وأصبحنا اثریاء ، أصبحنا مثل الطبقة الرأسمالیة الامریکیة ، هل تحقق ما نبتغیه ؟ هذه ستشکل البدایة لکی یداهمنا أنواع الفساد ویسوقنا نحو الحضیض . هل هذا ما نتطلع إلیه ؟ الثورة الاسلامیة تقول إن کل شیء یجب أن یتقدم بموازة بعض نحو الهدف الانسانی . هذا ما یفرض علینا أن نهتم بتربیة وتعلیم الجیل الصاعد ونهتم به أکثر فأکثر . هذه التحدیات فی مجال الإدراک والمعرفة . التحدی الاخر یتعلق بالدوافع والاحاسیس والعواطف الانسانیة . البشر غالبا ما یشعرون بالیأس فی الظروف الصعبة من الحیاة . یفقدون حافزهم للعمل والنشاط ، سواء العمل الفردی أو الاجتماعی . اذا یجب أن نهتم بالجیل الصاعد جیدا لأن مستقبل الثورة رهن بهؤلاء . یجب أن نعزّز الدافع فی وجودهم حتى یکونوا متفائلین حیال المستقبل . إن رکزنا على القضایا التی تثیر الیأس فی نفوس هؤلاء حتى وإن کانت حقیقیة ، فإن مثل هذه الادارة لیست صحیحة ؛ هذه إدارة خاطئة . المدیر یجب أن یعرف ماذا یجب أن یفعل وکیف یتصرف حتى تکون نتائج هذه المجموعة المکونة من أجیال وشرائح وأدیان ومذاهب مختلفة أفضل من السابق . هذا عمل عظیم وهذا هو الذی یجعله متمیزا . یجب أن نهتم بالشباب لأن مستقبل الثورة بید هؤلاء وإنهم مستقبلنا .
قائد الثورة وفی جانب من البیان یشیر إلى أن " الثورة مستعدة دائما لتصحیح أخطائها " البعض رکز على هذه النقطة من البیان وقام بإبرازها . بناء على النظام الایمانی وقیم الثورة ماذا تعنی جملة " الثورة مستعدة لتصحیح أخطائها "؟ وما هی الآلیة والاسلوب الصحیح لهذا الامر ؟ هذا الخطأ هو أحد الموارد التی تظهر بسبب استخدام اللفظ فی معنى آخر بدلا من معناه الحقیقی . هناک مغالطة فی استخدام لفظ فی عدة معانی . هنا حیث نقول خطأ الثورة ، فقد یعنی تارة أننا اخطأنا فی الفکر الثوری ویجب أن نقوم بإصلاحه ، وهذا ما یرید الاعداء أن ینسبوه إلیکم وبأنکم اعترفتم بخطأکم ، یعنی إن أفکارنا کانت خاطئة وکان ینبغی ألا نقوم بأی ثورة أو لا نقوم بها بهذا الشکل . الجواب هو إن الثورة هنا مشفوعة بالقرائن . الثورة تعنی إننا لدینا الیوم ثمار ذلک الحراک وهذا ما نقصده . هذا النظام لدیه قوانین ومقررات وسلطات محددة المهام ودستور ، هذا ما نسمیه نحن بالثورة . على صعید التنفیذ إن لم یتم تطبیق هذه القوانین والمبادىء بشکل صحیح ، نقول خطأ هذه الثورة ونعنی خطأ الاشخاص الذین تحملوا مسؤولیة تطبیق أهداف الثورة وأخطأوا فی التنفیذ ؛ سواء کان ذلک سهوا أومتعمدا نزولا عند رغباتهم النفسیة ومصالحهم الفردیة . هذه التی یجب أن نعرفها ونقوم بتقویمها . هذا الامر من ضرورات تقییم کل حرکة ، وبالطبع إن کانت الحرکة اسلامیة ، فإن الاسلام یقول یجب أن تحاسبوا . حتى إنه یؤکد على ضرورة محاسبة کل شخص لنفسه ، ویراجع الاعمال التی قام بها فی النهار وهل إنها کانت صحیحة أم خاطئة ، وان کانت خاطئة فیجب أن یستغفر ویقوم بالتعویض عنها وتلافیها . الظاهرة التی یعیشها الناس منذ أربعین عاما ، لا یجب أن یتم تقییمها على أساس أن أی جانب منها کان صحیحا وأی جانب خطأ ؟ إن کان هناک خطأ فمن أی جانب کان ؟ الخطأ کان بسبب قصور المعلومات أو فی التشخیص أو قلة الدوافع والنوایا ، التی بسببها وبدل التحرک لضمان مصالح المجتمع وترسیخ قیمه ، عملوا لتلبیة مصالحهم الشخصیة ؟ هذا ما یجب أن نعرفه ونقوم باحتوائه فی الخطوة الثانیة . أن نقول بأنه یجب تسویة هذه الاخطاء بشکل کامل أمر مثالی للغایة ؟ . إن کان إی شخص ملمّا ولو قلیلا ببدیهیات التاریخ البشری ، یعرف بأن هذا الامر لن یتحقق فی الحیاة الاجتماعیة فی أی مکان أبدا ، غایة ما وعدنا لله هو أن الاسلام سینتصر ، وإن العدالة ستنتشر وإن کل من یرتکب جریمة أو خطأ فإنه سیعاقب علیها . لا أنه لا یرتکب أی انسان خطأ ما ، فالانسان لیس ملاکا ، الانسان سیبقى انسانا حتى النهایة . هذا هو استغلال للاشتراک اللفظی . کل شخص حین ینطق بکلام ما لا یمکن أن یقول بأنه قصد هذا ، بل یجب معرفة المقصود بمساعدة القرائن . ولکن لأجل أن نحقق أهداف وتطلعات الثورة على أکمل وجه ونحقق نجاحا أکبر فی الخطوة الثانیة یجب أن نحدد الاخطاء التی ارتکبناها فی الخطوة الاولى ونعمل على تصحیحها وتقویمها . الخطأ الأل هو الخطا المعرفی ، معرفة أی شیء ؟ معرفة الانسان أولا . اساسا ماذا یعنی الانسان ؟ ما الذی یمیزه عن الحیوانات ؟ لماذا حین یرید القران لوم شخص ما یقول «یَأْکُلُونَ کَما تَأْکُلُ اْلأَنْعامُ» ، یعنی بأنهم لایفکرون سوى بإشباع بطونهم ولیس لدیهم أی هدف آخر و.. هذه الحیاة لیست حیاة انسانیة ، نحن یجب أن نعرف بأن ما یملکه الانسان هل هو وسیلة أم غایة ؟ هل هدفنا هو تلبیة الشهوات الحیوانیة أم إن ما یملکه الانسان هو وسیلة لأمر آخر ؟ الشیء الذی یمکنه أن یقدم لنا هذا بشکل صحیح هو القران والدین ، وإلا فإن الناس مختلفون عن بعض ، وکل شخص یرى أمانیّه فی شیء ما ویسعى لتحقیقها . بدایة یجب أن نعرف ما هو الانسان ؟ وما هو الهدف من الخلق ؟ وما الذی نبحث عنه ؟ وما هی مجالاته ؟ وما هی الجوانب التی یمکننا من خلالها تسلیط الضوء علیها ؟ وما هی المجالات التی یمکننا أن نعمل لأجلها ؟ إن کان هناک تشاحن بین تلک المجالات ، فأیها الأولى ؟ إن کانت قدراتنا محدودة فکیف یمکننا أن نقسمها لمراعاة الأولویة ؟ هذا ما نصفه بالإدارة . اذا فی البدایة یجب أن نعرّف الانسان بشکل صحیح ، الهدف من خلق الانسان ، الکمال الغائی للانسان ؛ ومعرفة الفلسفة الوجودیة للانسان فی هذه الکرة الارضیة ؟ لماذا هذه الحیاة الملیئة بالصعوبات والمشقات والزلازل والسیول والجریمة والفساد ؟ لماذا أحضرونا إلى هنا ؟ ألم یکن بمقدور لله أن یقوم بعمل یدخل الانسان فی الجنة منذ البدایة ؟ للاسف فإن مثل هذه القضایا لا تناقش حتى فی اجتماعاتنا العلمیة البحتة أیضا . نحن لدینا نقاط ضعف کثیرة فی هذا المجال . لم نعرف ماهیة الانسان لحد الان ، ولماذا خُلق ، وما هی مسؤولیاتنا فی هذا العالم ؟ ما الذی یجب أن نبحث عنه ؟ التحول الذی یجب أن یتحقق یهدف إلى الکمال الانسانی الحقیقی . ما یعنی أن کل شیء وسیلة لتحقق ذلک الهدف الغائی . والان إن ظهرت شخصیات علمیة شهیرة على صعید المجتمع وادعت بأن الهدف الغائی هو نشر العدالة وتحقیق المساواة فی المأکل والمشرب والملبس فی الاستفادة من النعم ، هل یعنی ذلک أن المهمة انتهت ؟ هل هذا هو الاسلام ؟ هل هذا یعنی ثورة اسلامیة ؟ حسنا إن کان الامر کذلک فإن النحل أفضل منّا بکثیر ، لا یعانون من أی مشاکل ، ینتجون بأنفسهم ویستهلکون ، ولا توجد أی مشکلة فیما بینهم . هذا فی حین أننا بشر ونصنف کأفضل المخلوقات ، فهل غایتنا یجب أن تکون بأن نصبح مثل النحل ؟ الخطوة الاولى لکل مؤمن هی أن یعرف ما الذی یبحث عنه وما هو هدفه الرئیسی ؟ یجب أن نعرف بأن الطریق الصحیح هو أن نعزز التعالیم الدینیة . یجب تربیة الجیل الصاعد لکی یفهم الاسلام بشکل أفضل . وهذا الامر لا یتحقق من خلال الشعارات والکلام . یجب أن نجد السبیل لهذه التربیة . والسبیل هو الاهتمام بتربیة الجیل الصاعد على أساس الایدیولوجیة الاسلامیة والقیم الاسلامیة ، المعرفة الصحیحة للحیاة والعالم وتعزیز القیم الاسلامیة باعتبارها محفزات للتحرک یجب أن تشکل دوافع الحرکة ، ویجب أن تکون المثال الذی یجب أن نضعه نصب أعیننا ونتحرک باتجاهه ونکوّن حیاتنا بناء علیه .
سؤالنا التالی مبنی على المهمة التی وضعها قائد الثورة الاسلامیة على عاتق الشباب فی الخطوة الثانیة للثورة . عناوین رئیسیة مثل المعنویة والاخلاق ، العلم والاقتصاد و ... ومن جهة أخرى کان سماحته قد طرح موضوع "المبادرة الذاتیة" مسبقا . ما هی رؤیتکم بشأن دور ومسؤولیة الشباب فی الخطوة الثانیة ؟ وما هی نصائحکم للجیل الثوری الصاعد للقیام بواجباتهم بشکل صحیح ؟ بعض مسؤولینا یعانون من مشکلة لا یمکن معالجتها سوى بمجیء الشباب وتولی المسؤولیة . المسؤولون لیسوا معصومین ، العلم والتقوى أیضا لهما مراتب . کان هناک أشخاص لا یعارضون الاسلام من الأساس ، ولکن بما أنه تم زجّهم فی السجن وجرى تعذیبهم وتحمّلوا المشقة ، فقد کانوا یرغبون بأن یحلّوا محل الشاه وأصحاب الجلالة ، لقد حکم هؤلاء لحد الان ، والان وصل الدور إلینا ، ماذا ینقصنا نحن عنهم ؟! وإن لم تتحقق أمانیهم ، فحینذاک یبدأون باللوم والتذمّر ویحاولون الحفاظ على منصبهم الحالی حتى لا یفقدوه . یجب أن یحضر شباب لا یهتمون کثیرا ببریق الدنیا وزخارفها ولدیهم الطینة المستعدة للتربیة . یهتمون بالقیم الثوریة ومستعدون للتضحیة والشهادة . ویدعون بأن تقولوا لهم ان شاء لله ستستشهدون . مادام الانسان شابا یمکن تربیته بشکل أفضل . إهتمام سماحته بمسألة الشباب یهدف إلى حضور الأشخاص الذین لم یتلوثوا بهذه الآفات بعد ، وطبعا فی هذا البیان أیضا أشار سماحته بقوله " الکثیر مما جربناه لم یجربه جیلکم " ویعنی بکلامه هذا استفیدوا من تجاربنا . الشباب لم یتعلقوا بزخارف الدنیا کثیرا بعد وبسبب نقاء وصفاء باطنهم فإنهم مستعدون لتقبل الحق بشکل أفضل . أنا إن کانت لدی نصیحة فهی للمسؤولین حیث أنصحهم بأن یمهّدوا الأرضیة لتقدم وتطور الشباب . الثورة الاسلامیة تُقدّم على أنها ظاهرة انسانیة ولیست ظاهرة طبیعیة . وخلافا لما یقوله المارکسیون بأنه حتمیة التاریخ ، لا؛ لا توجد أی حتمیة . هناک عنصر إنسانی وقوامه بالطوعیة والاختیار. الطوعیة والاختیار بحاجة إلى المعرفة والدافع . نحن یجب أن ننشط فی هذا المجال . اذا لأجل أن نعزّز هذه المعرفة على صعید المجتمع لاسیما بین الجیل الصاعد ، علینا تعزیز نظامنا التعلیمی والتربوی . یجب أن نتعلّم مسیرة التدرج فی التسامح مع الجمهور من القران ، الحدیث ، وسلوک الأئمة الأطهار ( علیهم السلام ) والتعالیم الدینیة ، وأن نعرف من أین نبدأ وکیف نعزّز القیم الدینیة ونسمو بالأفکار . یجب أن یکونا لدینا هدف ومخطط صحیح وشامل ، وأن نؤسس لبرامج تنفیذیة محددة بمهلة زمنیة ، مع الاخذ بنظر الاعتبار للإمکانیات المتاحة و ... فضلا عن اختیار منفذین مؤهلین للمهمة . نحن بحاجة إلى اقتصاد یجعلنا قادرین على أن نعمل بجسمنا فی سبیل رضا لله . یجب بدایة أن نعرف دینه ومن ثم نجهّز أنفسنا للعمل الجهادی . جمیع هذه مراحل یجب أن ننفذها. القائد الواعی یجب أن یتحدث عن هذه الامور بشکل لا تؤدی إلى تصعید الخلافات ولا یسع أحد اتهامه . هذه إحدى أصعب مسؤولیات المدیر فی المجتمع الاسلامی ، والحمد لله فإن القائد نهض بها خلال فترة تصدیه للمسؤولیة على أتم وجه ونسأل الباری تعالى له بالمزید من السداد والنجاح . ونحن أیضا یجب أن نسعى لتعلم هذا الاسلوب ، ونقوم بقدر استطاعتنا على تطبیق هذا المنهج فی مواجهة الاشخاص الذین نتعامل معهم ، انطلاقا من أطفالنا فی البیت ، وحتى الجامعیین والاجیال المختلفة إن کنّا اساتذة جامعات ، والعمال الذین یعملون تحت أیدینا إن کنّا مقاولین ، ومع الموظفین الذی یعملون تحت إشرافنا إن کانت لدینا مسؤولیة اجتماعیة ، یجب أن نطوی هذه المسیرة التدریجیة حتى نحقق النجاح فی عملنا .
قائد الثورة الاسلامیة یقول فی جانب من بیانه بأن " ثورتنا بقیت محصنة ضد الافراط والتطرف" ، فی وقتنا الراهن نرى أن بعض الشخصیات والتیارات الداخلیة المنتمیة لجبهة الثورة والتواقین للعدالة ، ابتلیت بنوع من التسرع وقلة الصبر إلى درجة أن البعض بات ینتقد أدارة القائد حتى . من جهة أخرى نشاهد بأن قائد الثورة یتحدث عن "الصبر الثوری" وأن " النزعة الثوریة لا تتحق إلا فی إطار النظام " ، ما هو رأیکم وتحلیلکم فی هذا الخصوص ؟ نعم ، کل هذه تعود إلى الجهل ، الأشخاص المناوئین للثورة والذین یریدون إسقاط الثورة والذین یعادونها صراحة أو هم عملاء للأجانب ، حساب هؤلاء یختلف . أنتم تفضلتم بأنه حتى الأشخاص الثوریین والذین یتوقون حقا إلى القیام بواجبهم ، لماذا یفکرون هکذا ؟ هذا بسبب جهلهم . لا یعرفون الطریق الصحیح للقیام بعملهم ، وما هو الهدف الرئیسی وکیف یجب أن نتقدم باتجاه ذلک الهدف ؟ لا یفهمون جیدا أهمیة المدیر ، أهمیة طاعة المدیر ، أهمیة ولی الفقیه وطاعة الولی الفقیه . نحن لدینا أشخاص مؤمنین مسلمین لا تشوب واجباتهم أی شائبة ؛ ولکن فی قرارة أنفسهم یقولون بأن الامام (ره) أخطأ فی المکان الفلانی أو إن القائد أخطأ فی المکان الفلانی . لدیهم ضعف معرفی حیال الادارة الاسلامیة لهذا الموضوع فی هذا الزمان وما تقتضیة الضرورة ؟ على صعید المعارف الدینیة یجب أن نجد شخصا متمرسا فی هذا المجال ونقتنع بکلامه ، طبعا لیس من المستحیل أن یخطىء فی مکان ما ، ولکن الشخص الذی أثبت خلال الخمسین عاما الماضیة بأنه لم یخطىء أی خطأ واضح یمکن إثباته ولم یرتکب أی خطأ یذکر ؛ نحن لدینا مثل هذه النعمة ، ورغم ذلک نمنح الحق لانفسنا بأن نقول بأنک مخطىء ؟! لأجل إصلاح هؤلاء یجب أن نرکز على تربیة الشباب .
فی ختام هذا الحوار إن کانت هناک نقطة تستحق الذکر فنحن کلنا اذن صاغیة . أنا انتفعت من قائد الثورة الاسلامیة فی الکثیر من الأمور ، ولکن اجمالا ما یلهمنی کثیرا فی شخصیته ویستوقفنی ، هی نظرته الثاقبة حیال المعارضین والمناوئین . فحین تقتضی مصلحة البلاد لا یتخذ أی موقف حیال أعتى المعارضین بل وحتى یمسح برأفة وحنان على رؤوسهم و... یقول لا یجب أن أفعل ما یزید من شعور العداء لدى هؤلاء . هذه الصفة التی تجعله یراعی مصلحة الاسلام والنظام فی تعامله مع مختلف الشرائح وفی المقابل تجاهل مصالحه الشخصیة ولا یعیرها أیة أهمیة ، والتحکم بفسه حیال الأحاسیس السلبیة ، هی صفة قلما شاهدتها فی شخص ما . | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 673 تنزیل PDF: 259 |
||||