أکتب لکم من طهران.. إحفظوا هذا المقال فی أرشیفکم | ||||
PDF (266 K) | ||||
أکتب لکم من طهران.. إحفظوا هذا المقال فی أرشیفکم کمال خلف
وصلت إلى إیران قبل أیام بعد أربع سنوات عن آخر زیارة لها وکانت وقتها لحضور مؤتمر لدعم فلسطین فی العاصمة طهران، والحقیقة أننی تفاجأت بحجم المتغیرات التی طرأت على العاصمة من الناحیة العمرانیة وتطور البنیة التحتیة، وبدت طهران لی دون أدنى مبالغة واحدة من أکثر العواصم فی العالم جمالا وتطورا.
ولا یقتصر التغییر على الحجر، بل ینسحب على البشر کذلک.. حجم الانفتاح فی المجتمع الإیرانی أکاد اقول انه غیر مسبوق عن کل السنوات السابقة... وقد استمتعت بالسهر فی مقاهی طهران المزدحمة حتى ساعات الفجر الأولى، بینما فی السنوات الماضیة کانت تقفر المدینة باکرا. حجم الخدمات ونوعیتها المقدم من الدولة للمواطنیین تضاعف.. حتى یصعد بشکل مکرر إلى ذهنک سؤال ”أین هو الحصار؟!” . بالمقابل تفاجأت بحجم تدنی قیمة العملة الوطنیة ”التومان” أمام الدولار.. وارتفاع أسعار السلع الکمالیة، بینما هناک مازال فرق شاسع بین أسعار المواد الأساسیة فی إیران قیاسا بمثیلاتها بالدول العربیة. وعلى سبیل المثال یعتبر الدواء من أرخص المواد الأساسیة فی إیران وتکاد تکون أسعاره رمزیة، بالإضافة إلى الماء والکهرباء. أما عن الملفات الساخنة والتی تقع إیران فی صلبها على امتداد المنطقة، فإن المستوى السیاسی والعسکری فی إیران، یؤکد على أمر واحد وهو أن إیران قویة ومستعدة وجاهزة لمواجهة التحدیات التی تواجهها. وإذا أردنا أن نفصل أکثر وحسب ما سمعناه وفهمناه ونحن على الأرض الایرانیة.. فإن قادة إیران یعتبرون أن الخطط التی یعلن عنها قادة تل أبیب لمواجهتهم، لیست إلا فی إطار حرب نفسیة وکلامیة، وأن “إسرائیل” لم تعد بالمقیاس العسکری والاستراتیجی ندا لهم، بل هی فی وضع حرج وستکون بوضع أصعب فی المرحلة المقبلة. زادت إیران من دعمها لفصائل المقاومة العراقیة، وفی حدیث مع أحد قادة تلک الفصائل أکد أن الخطط العسکریة والإمکانات باتت مؤمنة، وان معرکة إخراج القوات الأمیرکیة من العراق تنتظر ساعة الصفر خلال الأشهر القلیلة المقبلة، وحسب قول هذا القیادی فإننا سوف نشهد نوعا جدیدا متطورا جدا لاشکال وأسالیب المقاومة. أما فی سوریة، فایران تعلل سبب عدم الرد على الغارات الإسرائیلیة التی تستهدف قواعدها هناک فی عمق الکیان الاسرائیلی بالتأکید على عدة أمور هامة: أولها، أن الجیش السوری یدافع مباشرة ویسقط هذه الصواریخ قبل وصولها إلى أهدافها.. وإن مسار الاستراتیجیة العسکریة المشترکة بین دمشق وطهران لا یتأثر بهذه الضربات العمیاء کما یصفونها، بل إن عملیة بناء قدرات عسکریة سوریة رادعة لإسرائیل مستقبلا بل کاسرة لقواعد الاشتباک السابقة حتى قبل الحرب على سوریة، تجری بشکل حثیث ودقیق، وتدرک “إسرائیل” حجم هذا المشروع لذلک لا تملک لتعطیله سوى بضع غارات، وهی حتى الآن لم تنجح فی ذلک. وعلى المدى البعید ستدرک إسرائیل حجم خسارتها. أما عن إیران ذاتها فإن الحدیث یدور عن تطور کمی ونوعی فی قدرات إیران العسکریة والصاروخیة على وجه التحدید. وعن اطمئنان عال المستوى من أن أحدا لن یجرؤ على مهاجمة إیران فی المستقبل القریب جدا. تراقب إیران التحالف الذی یتشکل بین بعض الأنظمة العربیة و”إسرائیل”، ویرى فیه الإیرانیون خسارة کبیرة للطرف العربی، هم لا یعتبرون أن ثمة عداء بین العالم العربی وإیران، لأن الدول التی تقع فی قلب العالم العربی مثل ”سوریة والعراق و الجزائر” تربطها بها علاقات ممتازة، بالإضافة إلى علاقات جیدة مع سلطنة عمان وقطر ولبنان. وحالة لا عداء ولا صداقة مع مصر. لذلک یؤکدون أن حجم الدعایة حول العلاقات العربیة الإیرانیة کبیر وغیر واقعی.. وتفند بعض النخبة الایرانیة مقولات رائجة وشائعة فی البلدان العربیة بسبب الدعایة الموجه ضدهم من وسائل إعلام خلیجیة حسب قولهم.. مثل تهمة التشییع فی المجتمعات العربیة، یعتبرون المسألة تشابه ما تم استخدامه بعد الثورة الایرانیة من وجود صراع “عربی فارسی” على وقع الحرب الایرانیة العراقیة بعد انتصار الثورة الاسلامیة.. یصرون على أن هذه التهم تستخدم فی الصراع السیاسی بین الجمهوریة الاسلامیة والولایات المتحدة الأمریکیة ولیس لها جذر تاریخی أو مذهبی. ولا ترى النخبة الایرانیة أن هذه المقولات أو الاتهامات هی حواجز تاریخیة تقف حائلا أمام حوار وتعاون عربی ایرانی لابد منه، وإذا کانت ظروف وقوع دول عربیة تحت السیطرة الأمیرکیة تجعل من هذه الأنظمة تحدد خیاراتها بمواجهة إیران ومد ید التعاون “لإسرائیل”، فإن هذا حسب وجهة النظر الایرانیة خطأ استراتیجی، ستجد هذه الأنظمة فی نهایة المطاف أنها أمام حقائق التاریخ والجغرافیا، وأنها لابد أن تدرک أن الفضاء الإیرانی الإسلامی هو الوجهة الصحیحة للحوار والتفاهم. وعندما اثرنا مع بعض النخبة الایرانیة التصریحات الصادرة من إیران حول سیطرتها على أربع عواصم عربیة، قال الإیرانیون أن هذا لیس موقف الدولة.. وإن ثمة فهم خاطیء حتى لفحوى هذا التصریح الغیر رسمی ومن شخصیة لا تشغل أی موقع فی إیران. ویوضح أن المقصود هو أن محور المقاومة أصبح متواجدا فی أربع عواصم عربیة ولیس إیران.. ویستغرب الإیرانیون کیف یتم الترکیز على هکذا تصریح هامشی، بینما هناک عشرات المواقف لمرشد الجمهوریة الاسلامیة تدعو إلى الإخوة والحوار مع العرب، وهناک عدد من المبادرات قدمها رئیس الجمهوریة حسن روحانی لفتح حوار مع السعودیة قوبلت بالرفض. وبعیدا عن وجهة النظر الایرانیة التی نقلناها هنا، فإن ثمة عدم فهم واضح من قبل کثیر من النخبة السیاسیة العربیة لحقیقة الموقف الإیرانی، وماذا ترید إیران من الفضاء العربی وکیف تنظر له ولقضایاه، ولماذا تدخلت هنا أو دعمت هناک. ندرک تماما أن هناک ”فیتو” أمریکی کبیر على أی نوایا عربیة لحوار مع إیران، لأن الإدارة الأمریکیة تدفع هذه الأنظمة لفتح علاقات مع “إسرائیل” وتحویل العداء نحو إیران.. وهو عین الکارثة. کیف نعادی الأمة الایرانیة المسلمة العظیمة؟ والمسألة هنا لا تتعلق بنظام الجمهوریة الاسلامیة، إنما بأمة کبیرة وجاره تتشارک معنا التاریخ والحضارة والجغرافیة، بالمقابل نرتمی بإحضان عدو اغتصب الأرض والمقدسات ویحتل أرضا عربیة وارتکب المجازر بحق الشعوب العربیة، ولیت الأمور تنتهی عند هذا الحد، بل الأخطر هو أن “إسرائیل” التی تطالب بیهودیة الدولة سوف لن تقف عند حدود فلسطین والجولان وأجزاء من جنوب لبنان، إنما خطرها سوف یمتد إلى باقی الأرض والدول العربیة وسندخل جمیعا إلى العصر الصهیونی.. وقت ذاک سوف تدرک الأقلام العربیة المبشرة بعلاقة مع “إسرائیل” أی منقلب سوف ینقلبون. احفظوا هذا المقال فی أرشیفکم للسنوات المقبلة! کاتب واعلامی فلسطینی
| ||||
الإحصائيات مشاهدة: 377 تنزیل PDF: 235 |
||||