عراق الیوم وغدا | ||||
PDF (228 K) | ||||
عراق الیوم وغدا
د. عبد علی سفیح الطائی ـ فرنسا إن هناک قاعدة اجتماعیة عامة تفسر لنا ظواهر اجتماعیة مهمة، وهی: (عندما لم تأخذ عامة الناس دورها الاجتماعی الصحیح، وتقف فوق التل متفرجة نتیجة الحذر والخوف من المستقبل المجهول، ستبرز نواة صلبة من الشباب المتحمسین یغیرون مجرى حرکة التاریخ ولکن بصورة عنیفة). ولتوضیح هذه القاعدة الاجتماعیة سوف نأخذ الأمثلة التالیة:
1. الجزائر: بعد الحرب العالمیة الثانیة ولد شعور الاستقلال من الاستعمار الفرنسی فی الجزائر. فالنخب الجزائریة وخاصة فی المهجر والتی کانت تمثل أحزاب الاستقلال والتحریر، ففری ق منهم اعطى اولویة للمباحثات مع فرنسا للوصول الى حل یرضی الطرفین، وفری ق آخر اعطى الأولویة للمباحثات مع أمریکا کدولة منتصرة فی الحرب الکونیة الثانیة لتساعدهم فی نیل الاستقلال، علما بأن الفریقین کانوا لا یحبذون انتظر الشعب الجزائری طویال ولم تظهر بوادر المخاطرة بعمل انتفاضة شعبیة عارمة. فی تلک الفترة ا ال تتجاوز اعمارهم الثالثین الحل من ای الفریق ین. بعدها بمدة قصیرة برزت مجموعة صغیرة من 22 شاب سنة بقیادة الباجی مختار ومعه رمضان بن عبد الملک وبلقاسم غرین، برزوا من ریف الجزائر من جبال األطلس فی شمال شرق الجزائر وبمبارکة رجال الدین، واعلنوا ثورة التحریر المسلحة والتی اعطت ملیون شهید . والجزائر لیومنا هذا تدفع ثمن نتائج هذه الثورة العنیفة، التی لم تسمح للجزائر ببناء دولة مواطنة حدیثة ، بسبب تأخر النخب عن وضع الحلول. 2. .مصر: تحکم مصر فی بدایة القرن العشرین مرجعیتان مهمتان هما: الحکومة المصریة (المتمثلة بالملک، و...) والمرجعیة الدینیة (المتمثلة بالأزهر الشریف). عندما وجدت النخب المصریة بأن الأزهر لم یلعب دوره ا عن واقع معاناة الناس الاجتماعی التحرری، بل أصبح أداة بید رغبة الحکام واصبح الأزهر بعید وحاجاتهم، فی تلک الفترة وفی عام 1928 نشأت جماعة الاخوان المسلمین، وبدأ نشاطه باسم جماعة االخوان فی عام 1938 وبقیادة حسن البنا. وهذه الجماعة ـ فی بدابة تأسیسها ـ ال تؤمن بالثورة العارمة، وبعد سنین ولد من رحمها مجموعة صغیرة متطرفة وهی مجموعة )التکفیر والهجرة(وعلى یدها اغتیل الرئیس المصری محمد أنور السادات، ومن هذه المجموعة ولدت القاعدة، واحد رموزها هو أیمن الظواهری، جده الشیخ محمد الأحمدی الظواهری کان أحد شیوخ الأزهر فی مصر. 3. .المرجعیة الدینیة الشیعیة: هنا لابّد ان نفصل الکلام عن مرجعیتین شیعیتین هما: أ. المرجعیة الدینیة الشیعیة فی النجف الأشرف: تمثل مرجعیة النجف الأشرف المرجعیة الدینیة التقلیدیة، ولقد اتهمت المرجعیة بانها ال تماشی التطور الاجتماعی والسیاسی السریع، ولم تکن قادرة ان تقف أمام الغزو الثقافی والعقائدی غیر الأسلامی واتهمت بأنها مرجعیة خاملة.. برز من رحم هذه المرجعیة شاب لا یتجاوز عمره 23 سنة وهو السید محمد باقر الصدر ودعا الى بناء المرجعیة الرشیدة او الصالحة. فالتف حول السید محمد باقر الصدر نواة صلبة من شباب الحوزة واسسوا حزبا سیاسیا سموه بـ(حزب الدعوة الاسلامیة)، والذی یهدف الى بناء الدولة الاسلامیة ویؤمن بالثورة الشعبیة. تم اعدام السید محمد باقر الصدر فی عام 1980، واستمر على هذا النهج السید محمد محمد صادق الصدر والذی سجن فی عام 1972 مع السید محمد باقر الصدر والسید محمد باقر الحکیم، وفی التسعینات اطلق السید محمد محمد صادق الصدر تسمیة المرجعیة الناطقة على مرجعیته، وقد اغتیل فی 19 فبرایر/ شباط 1999. ب. المرجعیة الدینیة الشیعیة فی قم: تتمیز ایران بثنائیة الدین والدولة، وذلک من زمن العصر الاخمینی ولیومنا هذا. فالدولة اکلت الدین والدین اکل الدولة لا فی حالة حکم الشاه الأب والأبن حیث قاما بإلغاء دور الدین، وحاول بناء دولة علمانیة حدیثة على غرار ترکیا اتاتورک. فی هذه الفترة ـ أی اربعینیات القرن الماضی ـ برز شاب من رحم المرجعیة الدینة فی قم المقدسة، لم یتجاوز الأربعین عاما، وهو السید روح الموسوی الخمینی، والذی نادى بفکرة الحکومة الاسلامیة وضرورة النهوض لاقامتها، وقد وضح هذه الفکرة فی کتابه کشف الأسرار فی عام 1944. لم یکن السید الخمینی الأول فی التراتبیة الهرمیة للمرجعیة الشیعیة فی ایران، بل کان یأتی فی مرحلة تالیة بعد آیة الله المرعشی النجفی وآیة الله الکلبایکانی وآیة الله شریعتمداری، لکن السید الخمینی اشتهر بکونه یؤمن بالعمل السیاسی وبإقامة حکومة اسلامیة. قاد السید الخمینی الثورة فی 1979، ولحد یومنا هذا لازال زلزال هذه الثورة یحرک ایران ویؤثر على المحیط الاقلیمی والعالمی فی آن واحد.
الملخص: ما یهمنا الیوم هو المسألة العراقیة التی تزداد تعقیدا وعنفا، ویضعف الأمل بإیجاد حل یرضی الجمیع فی الأیام القریبة القادمة.. فهل المعادلة الاجتماعیة التی شرحناها سوف تساعدنا برؤیة المسار العراقی بصورة أکثر وضوحا؟ الجواب: نعم.. إن العراق الیوم یشابه أیام ازمة الجزائر بعد الحرب العالمیة الثانیة، فالعراق الیوم فریقان، احدهما ینتظر الحل من ایران وهم فریق الأحزاب والتیارات الحاکمة، وفریق ینتظر الحل من المرجعیة الدینیة الشیعیة فی النجف الأشرف وهو الحراک الشعبی. والجواب تأخر، بل أصبح أکثر تعقیدا، والفریقان لا یستطیعان أن یحسما الموقف، فالمرجعیة الدینیة تدعو الى الحل السلمی وتنبذ العنف، اما السلطة الحاکمة فاستخدمت العنف ضد الشارع مما ادى الى قتل المئات وجرح الآلاف من المتظاهرین، والسبب هو القراءة الخاطئة التی اتخذتها السلطة للحراک الشعبی واعتبرته ثورة شعبیة حقیقیة ضد السلطة، فکما أخطأ حزب البعث فی قراءة الاحتجاجات الشعبیة فی 1977 والتی سمیت انتفاضة صفر فالسلطة الحاکمة ـ حینها ـ اعتبرتها ثورة شیعیة حقیقیة ضد السلطة الحاکمة. إن الثورة الحقیقیة هی التی تغیر علاقة المجتمع بالتاریخ وبالسیاسة کما حدث فی عام 1789 للثورة الفرنسیة، وفی عام 1917 للثورة البلشفیة الروسیة، وفی عام 1979 للثورة الاسلامیة الایرانیة.. إن المتوقع ان یحدث فی العراق إذا طال الانتظار هو بروز نواة صلبة من الشباب الذی یؤمن بأن التغ ییر هو بالقوة والعنف، کما حدث فی الجزائر عندما تکونت هذه النواة فی الریف الجزائری وسحقت کل ما یقف امامها. إن الذی یؤخر بروز هذه النواة الیوم فی العراق، وان تکسب مساحة جغرافیة، هو وجود المرجعیة الدینیة فی النجف الأشرف، ولیس المقصود بأن المرجعیة لا تسمح ببروزها، بل تؤخر بروزها، وسوف تبرز فیما لو لم تستجب السلطة الحاکمة لنداء المرجعیة الدینیة فی النجف الأشرف، ولسوف یحصد العراق سنین طویلة من المعاناة نتیجة ضیاع هذه الفرصة الثمینة.
| ||||
الإحصائيات مشاهدة: 551 تنزیل PDF: 273 |
||||