منهج الإمام الخمینی (قدس) فی مقاومة الاستکبار | ||||
PDF (2477 K) | ||||
![]() | ||||
منهج الإمام الخمینی (قدس) فی مقاومة الاستکبار بقلم : الشیخ حسین شحادة نستعید حضور الإمام الخمینی وتراثه الفقهی والفکری فی ضوء تجربته الغنیة فی مقارعة الاستکبار والمستکبرین، لنقرر أن مؤثرات مدرسته السیاسیة لا تزال مزدهرة فی رکائز الانتفاضة فی فلسطین، ومقومات المقاومة الإسلامیة فی لبنان، وبمراجعة نهج الإمام الراحل فی بلورة مفهوم المقاومة قرآنیاً نجده رضوان الله علیه ینطلق من غرساتها الأولى داخل مقاومة النفس ومغالبتها وتطویعها بالجهاد الأکبر، لتطمئن إلى فردوس الطمأنینة وسلام المؤمن مع ذاته. وتتراءى هذه المعرکة الوجودیة فی أفق محراب المسلم وهو واقف على سجادة صلاته بملاحظة ان هذا المحراب سمی محراباً لأنه محاربة للشیطان، وما یتفرع عنه من عبودیات الهوى، لاستجلاء جوهرة التحرر الحقیقی بالانتصار على نزعة الاستکبار من منطقة ـ النفس ـ وصولاً للانتصار على ذیولها وأذنابها على مسرح التصادم الذی لا مفر منه بین الحق والباطل. وتظهر المفارقة فی طموح هذا الانتصار من داخل النفس إلى خارجها باختلاف الوسائل والوسائط، ففی معرکة الجهاد الأکبر یستخدم المسلم أسلحته الروحیة کوسیلة لحمایة نفسه من نفسه، بینما یلجأ فی معرکة الجهاد الأصغر إلى استخدام أسلحة العنف المادی لحمایة وجوده من عدوه، والسؤال: إذا کانت معرکتنا مع الاستکبار وفی مشاهد اصطراع قوى الخیر والشر امتداداً لاصطراع النفس مع ذاتها، فهل یتیسّر للمقاوم الاکتفاء بالأسلحة الروحیة لحسم هذا الصراع؟ قد نجیب بنعم لولا أن ذهنیة الاستکبار القدیم والحدیث مؤسسة على طغیان القوة، بمعنى أن استخدام العنف فی منطق الاستکبار هو شهوة دمویة تعبّر عن وحشیتها بإجبار قوى الخیر برغم أنفها على الخضوع لإرادته، فالإکراه هو سمة الاستکبار وخصیصته، ما یعنی ان دفاع الخیر عن هویته یتطلب منه توفیر کل شروط القوة لیرهب عدو الله وعدوه. فالسلم بحسب شریعة قرآنه لا یسمح له أن یکون فریسة سهلة تغری قوى الشر بافتراسه وابتلاعه، ووسیلته الى تحصین حیاته من هذا الخطر أن یعمد إلى التسلّح بالقوة لفرض هیبة رادعة على عدوه تمنعه حتى من مجرد التفکیر بالعدوان علیه. وضمن هذه الملاحظة التمهیدیة لقراءة منهج الإمام الخمینی رضوان الله علیه فی مقاومة الاستکبار بوسعنا ان نصغی لصوت الإمام من اللحظة التی خرج فیها من إیران غریباً ومنفیاً والى اللحظة التی عاد فیها إلى وطنه فاتحاً ومنتصراً، لنجد خطاباته کلها تتمحور حول عنوان مرکزی ألا وهو: تحقیق الذات الإسلامیة على أرض الواقع الحافل بالتحدیات والعراقیل التی اعترضته على مستوى الداخل والخارج، فلم یتمکن الاستکبار من إلحاق الهزیمة بالأمة الإسلامیة لو لم تکن هذه الأمة مصابة فی عقلها وفکرها، أی فی أساس تکوین قوتها الرادعة. وبمتابعة منهج الإمام فی تأصیل ثقافة المقاومة نراه یثوّر اللغة القرآنیة والمصطلحات القرآنیة لمحاصرة الهزائم المتتالیة التی شهدتها الأمة، فلا تتحول إلى هزیمة نفسیة، لأن معنى الهزیمة عنده هو انهزام العقل الإسلامی والفکر الإسلامی أمام فکر الطاغوت وعقل الاستکبار، وبذلک فإن الإمام الخمینی کان یبحث فی استنهاض مکوّنات الشخصیة الإسلامیة وتأهیلها لمنابذة الظلم العالمی والتصدّی للأنظمة المعادیة لحقوق الأمة فی الحریة والعدالة، فلم یغب عن خطاب الإمام دعوة الأمة الإسلامیة إلى وعی معنى الشهودیة على العصر وعلى الناس. وأقول الأمة الإسلامیة لألفت إلى أن الإمام الخمینی لم یجعل من قضیة مقارعة الاستکبار العالمی قضیة تخص الشعب الإیرانی، لأنه أراد من دعوته تلک أن یفتح بوابة النهوض الإسلامی الشامل المستهدف من عدو واحد هو الاستکبار، وها نحن الآن بعد ربع قرن على انتصاره نسجل لتاریخه ولتاریخ إیران الإسلامیة من خلاله انه استطاع وبالرغم من قسوة التحدیات وأنیاب المؤامرات أن یثبت مع أمته على حقیقة هذه الشهودیة التی اعتبرها العنصر الأثقل من مهمته الجهادیة. ومهما قیل عن السیاسة الإیرانیة من أنها ابتلعت شعارات الإمام الخمینی منذ عاصفة الصحراء إلى سقوط بغداد، إلا أن قراءة منطق هذه السیاسة فی ضوء التزام الجمهوریة الإسلامیة بشهودیتها التی لم تتغیر مع المتغیرات الإقلیمیة والدولیة، تؤکد لنا ان إیران الإسلام لم تنسحب من میدان المواجهة مع الاستکبار العالمی. ولتوضیح أبعاد هذه القراءة یجب ان نعود إلى منهج الإمام الخمینی فی بنائه لثقافة المقاومة التی لم تکن تعنی عنده المواجهة العسکریة بیننا وبین الاستکبار، حتى إذا اختلت موازین القوى العسکریة لمصلحته اتهمت إیران بابتلاع شعارات الإمام الخمینی.. کلا لأن المواجهة التی خاضها الإمام ما قبل الثورة وما بعدها هی مواجهة التحدی الحضاری الذی لا یقتصر على جغرافیة الحدود الإیرانیة، وإنما یطال الأمة الإسلامیة بأسرها، وإذا کان ثمة خلل فی میدان المواجهة الحضاریة، فإن إیران الیوم وهی تستنفر کامل طاقاتها فی معرکة التنمیة وبناء القوة الرادعة والتغلب على عوامل الجهل والفقر والتخلف، تکون فی حقیقة الأمر قد قطعت شوطاً بعیداً على درب هذه المواجهة. ومن الإجحاف حقاً أن یقال ان الجمهوریة الإسلامیة قد تخلت عن بندقیتها فی مواجهة الاستکبار، لترفع مکانها رایة حوار الحضارات لأن نهج الإمام الخمینی فی خطابه السیاسی المقاوم قد اعتمد على جوهرة ـ الشهودیة ـ وهی جوهرة قائمة لا تنفصل عن جبین المسلم الرسالی فی میادین الحرب أو فی میادین السلم، والتعارض بین الحرب والسلم لا یشاکل التعارض بین الحق والباطل، أو بین الخیر والشر حتى یلتبس الأمر على مجحف هنا وناقد هناک. ولکن ان تقرأ فی أحادیث الإمام الخمینی عن الاستکبار العالمی لتقف معه على منهاج القطع مع هذا الاستکبار.. الذی لا صلة له بدین ولا صلة له بحضارة (ولا ترکنوا إلى الذین ظلموا فتمسکم النار) ولکن ان ترافق الإمام الخمینی فی مطالع ثورته النوعیة لتقف معه على أسرار الأسلحة الروحیة حتى قیل ان تکبیرة الملایین، ملایین "الله اکبر" التی کانت تخترق آذان الشاه من جنوب العاصمة إلى شمالها هی التی عجّلت بفراره وسقوطه یومها قلت: لقد صلى الإمام الخمینی وصام وحارب وانتصر، ویومها تحدث الإعلام الغربی والشرقی عن مخاطر تصدیر الثورة، ولم تکن فکرة تصدیر الثورة فی خطاب الإمام سوى إیقاظ الأمة إلى حس الکرامة والدفاع عن الأرض الإسلامیة المحاصرة ببوارج الاستکبار وأساطیله، یومها لم یلتفت العرب الى هذا المغزى العمیق، وخیّل الیهم ان إیران ترید ان تصدّر خصوصیتها الثوریة والدینیة الى جیرانها، ما أشعل الجبهة العراقیة على ایران بتخطیط من الاستکبار الذی أرعبته هذه الثورة المؤمنة. ومن المؤسف أن نظریة تصدیر الثورة التی هی جزء من نظریة بناء الشخصیة الشاهدة المقاومة بنظر الإمام انتهت الى تشویه فی الاعلام الغربی والاسلامی، مهّد الى مبارکة بعض العرب وبعض المسلمین الحرب المفروضة على ایران، والحصار المفروض على ایران، ما یعنی ان طریق ایران لمقاومة الاستکبار العالمی بات مستحیلاً فی ظل تراجع العرب والمسلمین عن قضیة وحدتهم الکبرى، غیر ان ایران الواعیة للمخاطر المحدقة بأمتنا من المحیط الى الخلیج، ومن طنجة الى جاکرتا، نهضت بخطاب الإمام الخمینی الداعی الى تحریر السیادة الإسلامیة من کل ما یصادرها أو یلغیها. إن انتصار الثورة الإسلامیة على الأرض الإیرانیة کان انتصاراً نسبیاً على غطرسة الاستکبار ومکائده، وکان بإمکان هذا الانتصار ان یتقدم أکثر نحو مشروع نهضوی إسلامی على مستوى الأمة کلها لولا بعض الأخطاء التی اقترفناها، وفی طلیعتها تبادل الاتهامات المجانیة والتنابذ بالتخوین والتخوین المضاد، ولا داعی فی وصف مشهدنا الإسلامی المتعارض المتناقض المتآکل المتحارب المنتحر، قاتلاً وقتیلاً. فما یهمنی بصدد هذه المقارنة العاجلة عن الإمام الخمینی والاستکبار العالمی، تداعیات هذا الانقسام والاحتراب الداخلی الذی انتهى بنا الى سقوط العراق فی مدى عربی وإسلامی یسیطر علیه الشعور بالعجز والافلاس والیأس والاحباط، والسؤال الآن على مفارق الاستسلام للأمر الواقع. هل نحن عاجزون عن مقاومة الاستکبار؟ هل نحن عاجزون عن الحد الأدنى من المقاومة السلمیة والمقاومة السلبیة؟ ومن أین نبدأ لانتزاع حریتنا المستلبة؟ ومن أین نبدأ لاسترداد کرامتنا المسفوحة من الورید الى الورید؟ ما أحوجنا الیوم الى أن نقرأ القرآن من جدید، ونرتله من جدید بصوت الإمام الخمینی الذی تفرّد بین الأمة بأنه لم یکن یخشى فی الله لومة لائم، فبلّغ رسالة الله ولم یخش الا الله.
| ||||
الإحصائيات مشاهدة: 629 تنزیل PDF: 268 |
||||